الداعية العراقي طالب السنجري لـ"حفريات": إيران أولاً لدى الإيرانيين ثم الدين والمذهب

الداعية العراقي طالب السنجري لـ"حفريات": إيران أولاً لدى الإيرانيين ثم الدين والمذهب

الداعية العراقي طالب السنجري لـ"حفريات": إيران أولاً لدى الإيرانيين ثم الدين والمذهب


18/05/2023

يُعتبر الشيخ طالب السنجري من الدعاة الذين عملوا في صفوف الحركة المرجعية الشيعية الدينية، والحركة السياسية الإسلامية بشقيها؛ السُنّي (الإخوان المسلمون)، والشيعي (حزب الدعوة الإسلامية). كان التنظيم الثاني امتداداً للتنظيم الأول؛ لأنّ التجربة السياسية الشيعية لم تكن ناضجة، لذا انخرط الكثير من أبناء الطائفة الشيعية الراغبين بالعمل الإسلامي السياسي في صفوف تنظيمات الإخوان المسلمين أو حزب التحرير السلفي، للاستفادة من التجارب التنظيمية لكلا الحزبين، وإغناء التجربة الشيعية الفتية في منتصف القرن الـ (20).

كان السنجري أحد أولئك الشباب الشيعة المتحمسين للعمل الدعوي داخل المرجعية الدينية في النجف، والعمل السياسي داخل تلك التنظيمات الإسلامية الشاملة. بُعيد تولي صدام حسين السلطة (1979) في العراق، فرّ الشباب الإسلامي إلى بلدان الجوار، وكانت إيران الإسلامية هي الأقرب لهم؛ لجهة التلاقي الإيديولوجي. بعد أعوام عدة من الإقامة في طهران، يضطر السنجري إلى هجرتها، مناوئاً لها ولخطها السياسي الذي يستبطن أبعاداً قومية خاصة، خلاف الشعار الإسلامي المرفوع. يشتدُ الخصام بين السنجري والساسة القريبين من إيران، إلى الحد الذي قاده إلى القطيعة مع حزبه "حزب الدعوة الإسلامية"، والاستقرار في الولايات المتحدة الأمريكية، بعيداً عن الإيديولوجيات وصراعها القاتل.
"حفريات" التقت بالشيخ طالب السنجري، من مواليد محافظة ذي قار العراقية 1952، وأجرت معه حواراً سريعاً، توزع بين الدين والسياسة والاجتماع.

هنا نص الحوار:

لماذا الدين أو النزعة الدينية عند طالب السنجري، ولماذا لم يتجه إلى الشيوعية، ففيها الكثير ممّا يوافق تطلعات شاب يحمل رؤية عالميّة (مواطن عالمي)؟.

لم أجد في التديّن أو النزعة الدينية التي انفردت بها في إطار عائلتي تنافراً بينها وبين غيرها من الأفكار اللّادينية. فقد رأيتُ الإسلام عالمياً، فقرأتُ قواعده العامّة؛ فوجدتها ليست خاصّة بجيل أو بمكان، وهذا ما هيّأ لي التوجّه أن أنفتح على الكلّ، لم أجد نفسي بعيداً عن كلّ المساحات الفكرية التي لا تنتمي للإسلام.

هل هو حزب الدعوة، أم محمّد باقر الصدر، أم حلم شخصي خاصّ، هو الذي قادك إلى تلك المساحة الإشكالية من الإسلام السياسي، أم إنّه العراق؟

بداية تشكيل الوعي عندي باتجاه الإسلام السياسي، عندما كنتُ في الإخوان المسلمين، فهما عامان فحسب! ثمّ كان المرجع الشهيد محمّد باقر الصدر، المؤشّر الفريد لحركتي الفكرية، ومتبنياتي الحركية. وكلّ ذلك فيما أعتقد، ويعتقد غيري ممّن هم معي على الطريق نفسه، كان يصبّ في مصلحة العراق، في عملية انتشال له من مخالب شيطانية تشبثت بجسده الطاهر.

كان السنجري أحد أولئك الشباب الشيعة المتحمسين للعمل الدعوي داخل المرجعية الدينية في النجف

في الإسلام السياسي قسوة السلطان (سلطة ممثلية الله المعذّب والمربي الصارم) وانغلاق وعناد ودوغمائية (صاحب العقيدة الثابتة مالكة الحقّ والحقيقة)، وجشع الرغبة في السلطة (التمكين) أليست هذه ضد مبادئك المبنية على الجمال والذوق والطيبة الجنوبية والعطاء السنجري؟

بوصلتي في الإسلام السياسي هو (محمّد بن عبد الله)، باني الدولة الحديثة في المدينة المنورة، و(الإمام علي) كآخر حاكم سياسي ظلّ شاهداً على قوّة الإسلام، وإمكانية إعادته ليحكم الحياة، من خلال عدله، ونزاهته، وربّانيته. ورأيي حيث ما كان القائم على تفعيل الإسلام السياسي، عادلاً، نزيهاً، وربّانيّاً، فأنا سأقف بجنبه، وأكون عوناً له. ولأنّي ضمن هذه النزعة الدينية، فأنا لا أعدم الجمال، والمحبّة، والذوق، وطيبة الجنوب، والعطاء السنجري كما تفضلت، كإطارٍ بهيٍّ لصورة هذه النزعة.

هل فكّرت بترك الدعوة الدينية بأيّ شكلٍ من الأشكال؟ وإن حدث ذلك، فما أسبابك؟

تركتُ الدعوة الدينية حينما تغلغلتُ في أوساط الكبار في المؤسّسة الدينية، وحين قرأت أمهات الكتب، ومصادر التشريع. تركتُ الدعوة للدين؛ لأنّي لم أجد مبرّراً أخلاقياً لتوريط الناس للدخول في (كيس حياية)، و (متشابهات) و (منظومة أساطير وخرافات)!. ولكي لا أوهمهم بأنّ ما في كتبنا الصفراء هو (الدين) فحسب. ولذلك أعتبر أنّ التدين أمرٌ شخصيّ، ولا تصحّ الدعوة إلى أمر شخصي.

صف تجربتك مع الكيان الديني من خلال شخصيات، ومفاهيم، وتجارب عملية.

هي تجربة قاسية، ولكنّها بالرغم من قساوتها علّمتني الكثير. فأنا ابن بيئة نظيفة في محبّتها، ونظافتها الأخلاقية، وبالرغم من (أُميّة) الكثيرين فيها إلّا أنّهم يشتملون على قيم وحكم حياتية، خلافاً لأصحاب الشهادات العليا. وكنتُ أحسب أنّ مجتمع الحوزة بكلّ طاقمه، هو عالم ملكوتي، ولكنّي كنتُ مغفّلاً لا أفهم خفاياه. مجتمع المؤسسة الدينية مجتمع فوضوي قلق، فبقدر ما تشمُّ فيه رائحة العبادة، وأريج التقوى، ومعالم الزهد، ففيه إبليس يقبعُ في بعض الزوايا ليتعلّم هو من البعض. ولكن فيما يتصل بالمفاهيم، والعلم الديني، فقد رأيتُ قمماً شاهقة، وبحوراً متلاطمة. ويدلُّ على ذلك غزارة الإنتاج في ميادين المعارف الدينية. ولكنّ هذا الإنتاج الضخم الواسع هو جهد قلّة قليلة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة أو اليدين في مقابل عشرات الآلاف التي تضمّهم الحوزات.

ما بعد العراق، ما القصص التي عشتها في إيران، مع الإيرانيِين أنفسهم، وكيف كان هناك (الفيتو) العراقي داخل إيران.

يتورّط من لا يفهم الإيرانيين، فهم لقمة كبيرة يغصّ بها آكلها. إيران عند الإيرانيين أوّلاً وبالذات، ثمّ تأتي باقي الأمور مثل الدين والمذهب، وما شابه ثانياً وبالعرض. فإن لم تكن إيرانياً محضاً، فأنت ثانوي في تفكيرهم، واستخدامك على امتداد وجودك الديني أو المذهبي، هو باعتباره جسرَ عبور لتحقيق مصالح تخصّهم لا غير. وكلُّ عراقي له حقّ (الفيتو) على عراقي في أرضهم، شريطة أن يكون عميلاً سياسياً لهم، أو أقلّ مرتبة، عميلاً ذهنياً.

إيران عند الإيرانيين أوّلاً ثمّ تأتي باقي الأمور مثل الدين والمذهب

قصص ما بين إيران والشيطان الأكبر، صدمتك الثقافية إن وجدت؟

صدق الشعار الإيراني بحقّ أمريكا بأنّها الشيطان الأكبر، ولكن في سياستها الخارجية فقط. أمّا أمريكا في الداخل، فهي الرحمن الأكبر، ولا مقارنة تذكر بين النظامين الأمريكي، والإسلامي الإيراني. لقد درست النظام الأمريكي؛ فوجدتُ روح الإسلام تتحرّك في شرايينه. ورأيت أنّ الشعار (الموت لأمريكا) لا فائدة منهُ ويخلو من الشعور.

قصص أمريكا، واجتماعياتها مثل: الطلاق، والزواج، والحريات. وقد أخذت موقعاً أعمق ممّا يتخذهُ الأطباء النفسيون من خلال الاطّلاع على قصص في غاية الخصوصية، عقائدياً، وجنسياً، وسيكولوجياً، وثقافياً.

لأمريكا قصّة تبدأ من كونها ساحة مفتوحة، وفضاءً واسعاً يمكنك أن تغوص في عمقه، وتستثمر ما فيه من إمكانيات. عملي كرجل دين، وهكذا يراجعني الناس فيما يتصل بأمور دينهم، وكيفية التعامل مع واقع يرونه (كفراً وإلحاداً). ولكنّ رؤيتي الشخصية، والدينية القائمة على المقارنة بين الإسلام كدين، وبين النظام الأمريكي هي: لا شيء يدعو للتنافر بينهما، بل أحدهما يكمل الآخر، فقد حرّمت مخالفة أيّ قرار يصدر من الدولة.

تركتُ الدعوة الدينية حينما تغلغلتُ في أوساط الكبار في المؤسّسة الدينية، وحين قرأت أمهات الكتب، ومصادر التشريع. أعتبر التديّن أمراً شخصياً، ولا تصحّ الدعوة إلى أمر شخصي

وحرّمتُ ما تحرّمهُ الدولة، والأجهزة المرتبطة بها. وقلتُ بشرعية طلاق القاضي في المحاكم المدنية على أنّه طلاق شرعي. ولا يصحُّ أن نتقيّد بقانون غير القانون الأمريكي، كوننا قد وقّعنا على وثيقة عقود معها، وهي ملزمة. وهذه الثقافة القانونية، والدينية، والوطنية، جعلت منّي بئراً عميقة تحفظ أسرار الناس بمختلف توجّهاتهم، وهي تدفن معي في قبري؛ لأنّها أسرار ترتبط بـ (الشرف الشخصيّ). وأعمل جهدي، ولو على حساب راحتي، أن أستقبل أعداداً من الناس لتغذيتهم روحياً بما يفيد انتشالهم من ضغوط نفسية، وحالات شكّ، وهوس، واكتئاب. هذا إلى جانب التأليف، والطباعة، والنشر باللّغتين العربية والإنكليزية، والمحاضرات، والدروس.

هل استطاع السيد محمد حسين فضل الله استيعاب الهمّ الإسلامي، ووضع المعالجات؟ وهل كان يُحسب على تيار المرجع محمد باقر الصدر (أعدمهُ صدام حسين عام 1980)؟.

السيد فضل الله هو من أكثر الذين استوعبوا الهمّ الإسلامي. وأصبح فيما بعد من قادته الحركيين، وأغدق لساحاته المتعدّدة فكراً حركياً كبيراً. وكان، رحمهُ الله، في خطٍّ واحد مع السيد محمد باقر الصدر، ولكن لفضل الله رؤية شمولية أكبر، وله نقد، وبات هذا النقد هو الغذاء الحركي الفاعل.

ألا تعتقد أنّ الساحة الفكرية للتشيع خالية حالياً بعد رحيل الجيل السابق من المفكرين؟

بعد السيّد الشهيد محمّد باقر الصدر، والسيّد محمّد حسين فضل الله، والشيخ محمّد مهدي شمس الدين، لا اُقّدّر أنّ أحداً يمكن أن يكون الناطق عن التشيّع، ولا نعدم الرجاء في أن تنجب الأمّة أمثالهم.

بصفتك عالم دين، كيف تنظر إلى الأديان والطوائف الأخرى؟

أنظر إلى الأديان برمّتها على أنّها محطات تعبئة أخلاقية وسلوكية وروحية، وأنّها مناهج ربّانية يجدر بنا أن نقف على مناهلها الروية، وهذا لا يمنعني من الوقوف على مناهل التجارب البشرية الأرضية. وأمّا موضوعة الطوائف، فأنا حذرٌ منها، إذ هي من صُنْعِ صُنّاع المذاهب، ولا يسعني أن أركن إليها، إلّا بما أجده مقارباً لمصالحي.

نرى في وجدانك حنيناً قاتلاً إلى العراق.

العراق يمثل لي قيمة عُليا في الوجدان؛ فهو البلد الذي وُلِدْتُ ونشأتُ وتربيتُ فيه، وهو عنوان فخري. وأجدني، وقد وقفتُ على أعتاب العقد السابع من العمر، كالطفل بين يديه، وآمل أن ألثم تربه، وأعيشه عن قرب، مثل ما أعيشهُ في الشعور.

برأيك ما الأطروحة العملية للأحزاب الإسلامية بعد أكثر من (10) أعوام على تسنمها زمام الحُكمِ في العراق؟ وما رأيك كونهم لم يبحثوا عن قضايا مُعقدة مثل: التعددية والمواطنة والهوية السياسية؟.

لا أعتقد أنّي قرأتُ مسوّدة أو رأيتُ أطروحة عمل للأحزاب الإسلامية المتصدية للعملية السياسية في العراق. وأقدّر أنّ مسألة الحكم التي زُجّوا إليها بإرادتهم أو بغير إرادتهم، كانت قد كشفَتْ أوراق الحركة الإسلامية وكيفية تعاطيها مع المصطلحات التي ذكرتم.

كيف ترون تفسير سيد قطب للقرآن الكريم؟

مشكلة سيد قطب أنّه يمثل ظاهرة فهم وجداني للقرآن الكريم، وهي ظاهرة رائعة. ولكنّ الرجل لم يكن فقيهاً أو مجتهداً في إطار الأحكام الشرعية، بل هو تابع وناقل لهذه الأحكام من ابن تيمية وغيره، لذا نجده تلكأ في مواطن كثيرة. أمّا منهجهُ الذي تتبناه بعض الحركات الدينية، فلم يكن منهجاً للحياة، بل هو محاولة جرّ التاريخ في مواقفه السلبية، وتشريعاته السلبية أيضاً، إلى واقع لا يتحمله، لذلك بدأ التقاطع مع الجهات المعادية لمصر، في زمن جمال عبد الناصر، وهي للأسف أمريكا وإسرائيل والرجعية العربية، التي كانت ترى في جمال عبد الناصر خطراً عليها وعلى مصالحها.

بشأن الأحداث العراقية الأخيرة، هل يمكن جعل أرض العراق ساحة صد من قبل إيران ضد أمريكا وغيرها؟

لا يحقّ للإيرانيين أن يتخذوا العراق ساحة تصفية حسابات مع أمريكا أو غيرها، ولسنا مسؤولين عن حماية الجمهورية الإسلامية بأيّ شكل من الأشكال.

مواضيع ذات صلة:

فقيه إيراني معارض لـ "حفريات": سيّد قطب الكاتبُ المفضَّل لخامنئي

قيادي بالمقاومة الأحوازية لـ "حفريات": التحرر من الاحتلال الإيراني مطلب شعبنا

العلّامة الشيخ محمد العاملي لـ "حفريات": إيران شوّهت الدين وخرّبت السياسة



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية