الدولة العراقية "المارقة"... من صدام إلى معارضيه

العراق

الدولة العراقية "المارقة"... من صدام إلى معارضيه


13/01/2020

حيال الاتجاهات التي تمضي إليها قرارات الدولة العراقية (حكومة وبرلماناً) بالوقوف إلى جانب إيران، فإنّها تقترب فعلياً من استعادة مشهد "الدولة المارقة" الذي كانت عليه أيام حكم صدام حسين.
لكن، ماذا يعني مصطلح "الدولة المارقة"؟ وكيف تتم مطابقته مع الحال العراقية؟

اقرأ أيضاً: هل تجنبت إيران الخسائر البشرية في هجماتها ضد الأمريكيين بالعراق؟
فقد عرّف مصطلح "الدّول المارقة"؛ بأنّها الدّول التي تجد عجزاً مزمناً في التّعامل مع العالم الخارجي، وقد تمّ ضبط أربعة معايير في تشخيص هذا العجز، هي:

إذا كان عراق صدام حسين قد جمع المعايير الأربعة لمعنى "الدولة المارقة" فإنّ ثلاثة تنطبق بقوة على العراق الآن

1-  محاولة الحصول على أسلحة الدّمار الشّامل.
2-  مساندة التّنظيمات الإرهابية (إمّا بتمويلها وتسليحها، أو إيواء الإرهابييّن وتدريبهم).
3- سوء معاملة الشّعوب الّتي تحكمها.
4- معاداة واضحة وصريحة للولايات المتحدة الأمريكية.
وهكذا فـ "الدولة المارقة" تحيل على دولة لا تحترم القوانين الدولية الأساسية، وذلك بتنظيم الاغتيالات والعمليات الإرهابية أو مساعدتها، وانتهاك حقوق الإنسان.
وإذا كانت الدولة العراقية أيام نظام صدام حسين قد جمعت المعايير الأربعة؛ فإنّ ثلاثة منها تنطبق بقوة على الدولة العراقية التي صمّمها الغزو الأمريكي بالتعاون مع معارضي النظام السابق، ومعظمهم موالون لإيران، التي دعمتهم "أيام النضال"، وساندتهم من أجل البقاء في الحكم، تحديداً منذ 2005 حتى اليوم.

مساندة التنظيمات الإرهابية؟
والدولة العراقية "الديمقراطية" عنواناً، والثيوقراطية جوهرياً (لاحظ الهتافات الدينية الطائفية وصور سليماني والمهندس في جلسة البرلمان الأخيرة)، ساعدت التنظيمات المسلحة الشيعية (المصنفة أمريكياً بأنّها مجموعات إرهابية) ليس بالسلاح فحسب، وإنما بالمال أيضاً، حين تمّ اعتبارها فعلياً، عام 2014، جزءاً من القوات المسلحة، ما جعلها فوق كلّ قانون وصاحبة اليد الطولى في البلاد، درجة أنّ أيّ جهاز حكومي يخاف منها، حدّ أنّها لم تتورع عن اختطاف كبار المسؤولين والضباط (خذ مثالاً اختطاف اللواء في الشرطة والمدير العام في وزارة الداخلية، في تشرين الثاني / نوفمبر الماضي).

اقرأ أيضاً: العراق..بعد عملية "البرق الأَزرق"
وبالعودة إلى فصل مساندة الدولة العراقية للإرهابيين، ثمة تفاصيل واسعة عن إطلاق سراح حكومة نوري المالكي، عام 2012، للإرهابي اللبناني القيادي في حزب الله، علي دقدوق، بعد فترة قصيرة من إيداعه السجن من قبل الأمريكيين، الذين اعتقلوه عام 2007، وتسليمه إلى السلطات العراقية.
ثم يأتي الفصل الأوسع؛ حين بدت حكومة المالكي متهمة، عام 2013، بالتغاضي عن حماية سجن أبو غريب، ما أدّى إلى "هروب منظم لنحو 500 من إرهابيي القاعدة وتنظيم الزرقاوي المعتقلين من قبل القوات الأمريكية"، وكان ذلك مفتاحاً لإعلان قيام تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق وسوريا".

سوء معاملة الشعب
بدءاً من القتل الجماعي للعراقيين على يد نظام صدام، وصولاً إلى نهب ثروات البلاد وقتل المتظاهرين السلميين على يد معارضيه الحاكمين للبلاد اليوم، ينطبق معيار آخر على حال الدولة العراقية؛ فثمة قتل قوات أمن حكومة المالكي لنحو 25 عراقياً، شتاء 2011، أثناء تظاهرات سلمية سادت البلاد، في 25 شباط (فبراير)، ليتواصل مسلسل القتل والخطف للناشطين الاجتماعيين والصحفيين والمثقفين، ويستلم القيادي في حزب الدعوة أيضاً، حيدر العبادي، من سلفه وزعيم حزبه، نوري المالكي، الراية في التصدي الدموي للمتظاهرين فتقتل سلطاته الأمنية 18 شاباً في انتفاضة البصرة 2018.

اقرأ أيضاً: ما قصة رسالة الانسحاب الأمريكي من العراق؟
أما حكومة عادل عبد المهدي، فيكفي أنّها صاحبة التاريخ الأشنع في سوء معاملة الشعب، ومن خلال قتل نحو 500 وجرح 20 ألف من المتظاهرين، الذين بدؤوا احتجاجاً سلمياً منذ الأول من تشرين الأول (أكتوبر) 2019.

معاداة أمريكا؟
يمكن بوضوح تلمّس اشتراك نظام صدام ونظام معارضيه في أكثر من معنى ومسار، فكلاهما ينتميان إلى تاريخ دموي ونهج سياسي معاد للعالم والولايات المتحدة والغرب على وجه الخصوص، وجاءت خطوات بغداد منذ انسحاب القوات الأمريكية، نهاية 2011، كاشفة اصطفاف الحكم العراقي رسمياً مع إيران.

اقرأ أيضاً: العراق هدف أمريكا وإيران
وحملت الضربة الأمريكية لموكب سليماني والمهندس، قرب مطار بغداد، لتسقط كلّ الأقنعة عن الحكم في بغداد، وتظهره على حقيقته، بوصفه لعبة إيرانية يتم التحكم بها من طهران، مع أنّه حكم خلقه غزو أمريكي!

ماذا يعني؟
وحيال هذه المعاني المؤكدة لعبارة "الدولة المارقة"، تصاعد الحديث في واشنطن عن عقوبات يمكن إيقاعها على العراق، اقتصادياً وسياسياً، وهو ما نوّه إليه تقرير نشر الإثنين، في صحيفة "واشنطن بوست"؛ إذ بدأ كبار المسؤولين في إدارة الرئيس ترامب "صياغة العقوبات ضدّ العراق، بعد أن هدّد الرئيس ترامب علناً بالعقوبات الاقتصادية، إذا شرعت بغداد في طرد القوات الأمريكية (تنفيذاً لرغبة الحكومة وقرار البرلمان)، وفق ثلاثة أشخاص اطلعوا على المسودة".
وقال المسؤولون: "وزارة الخزانة (المالية) والبيت الأبيض، ربما سيضطلعان بدور قيادي في حالة تطبيق العقوبات، مثل هذه الخطوة سوف تمثل خطوة غير عادية للغاية ضدّ حليف أجنبي، سبق للولايات المتحدة أن أنفقت ما يقرب من عقدين ومئات المليارات من الدولارات لدعمه".

أيّ عقوبات وكيف؟
العقوبات الاقتصادية التي لوح بها ترامب تلقى تأييداً من جانب باحثين ومتخصصين في الشأن الإيراني، من أبرزهم الباحث بـ "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" "FDD"، سعيد قاسمي نجاد، والذي نصح في مقال له بزيادة الضغط الاقتصادي على حلفاء إيران في بغداد من خلال العقوبات.

حكومة عادل عبد المهدي هي صاحبة التاريخ الأشنع من خلال قتل نحو 500 وجرح 20 ألف من المتظاهرين

الباحثُ نجاد يحدد الوقائع والمؤشرات الآتية، التي تؤكد أنّ العراق بات نافذةً يتنفس منها الاقتصاد الإيراني المحاصر، ومنها:
*خلال الفترة من (آذار 2018 – آذار 2019) ورغم العقوبات الأمريكية على إيران
استورد العراق من إيران ما بلغت قيمته 9 مليار دولار.
*السوق العراقية استوعبت نحو 20% من إجمالي الصادرات الإيرانية إلى العالم.
*خلال ستة أشهر من آذار 2019 إلى تشرين الثاني 2019 استورد العراق بضاعة بنحو 6 مليارات دولار من إيران، في حين أنّ الولايات المتحدة صدّرت بضائع إلى العراق بنحو مليار دولار فقط طوال عام 2019.
*بعض إمدادات الطاقة الكهربائية في العراق تعتمد على إيران، فمحطات الطاقة الأساسية الثلاث في العراق تعمل بالغاز الطبيعي الإيراني، وتصل قيمته إلى 3.5 مليار دولار سنوياً.
*منحت واشنطن إعفاء لصادرات الطاقة العراقية من إيران، ويتم تجديد الإعفاء كلّ 90 يوماً.
*بغداد استوردت منتجات بتروكيماوية من إيران، بأكثر من 200 مليون دولار، والتي يحظر استيرادها بموجب العقوبات الأمريكية.

ويخلص الباحث الأمريكي من أصل إيراني إلى أنّ "العراق كدولة وشركات قد يصنّف على أنه من منتهكي العقوبات الاقتصادية على إيران، وهو ما سيعرضه لعقوبات واسعة".

الباحث الأمريكي من أصل إيراني، سعيد قاسمي نجاد: قد يصنّف العراق بأنه من منتهكي العقوبات الاقتصادية على إيران

ويرى قاسمي نجاد أنّه يمكن لواشنطن أن ترفض تجديد الإعفاءات الممنوحة للعراق حيال تجارته مع إيران، حتى تضمن بغداد أمن المنشآت الأمريكية في البلاد، ويؤكد: "يمكن للولايات المتحدة أن تصدر إعفاء شرطياً، كما فعلت مع بعض مشتري النفط الإيراني، والذي بموجبه تقوم طهران بإيفاء عدد من الشروط"، ويتوقع قاسمي نجاد أن تؤدي سياسة العقوبات هذه وإلغاء الإعفاءات إلى إزالة المسؤولين العراقيين المتورطين في الهجمات على السفارة الأمريكية، إضافة إلى تقليص التجارة مع إيران بشكل كبير.

ونصح الباحث المختص في الشأن الإيراني بضرورة "تصنيف الولايات المتحدة لمنتهكي العقوبات الاقتصادية على إيران، وتحديد الشبكات المالية التي مكّنتهم من تجاوز العقوبات الأمريكية إضافة إلى تحديد المسؤولين الذين يوفرون الحماية للمخالفين".
حيال ما تقدم تبدو المؤسسات الحكومية العراقية كلّها مستوفية لمعنى "منتهكي العقوبات الأمريكية"، بالتالي؛ فالطريق قد يبدو مفتوحاً أمام الذين يصوغون مسودة بالعقوبات على العراق في البيت الأبيض.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية