الزمن الترامبي: أفق سياسي دخاني ورهان على "التريند"

الزمن الترامبي: أفق سياسي دخاني ورهان على "التريند"

الزمن الترامبي: أفق سياسي دخاني ورهان على "التريند"


20/03/2023

يبعث الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، عبر مواقفه الاستقطابية، وخطاباته الشعبوية، بجدالات محمومة، بينما البعض يتعاطى معها بسخرية في ظل طرافة أحاديثه، أحياناً، التي تخرق الصورة التقليدية للخطاب السياسي.

فترامب، الذي خسر سباق الرئاسة في أعقد لحظة سياسية وانتخابية بتاريخ الولايات المتحدة وقد تقارب مع المرشح، وقتذاك، جو بايدن، بنسب قليلة، عمد إلى مخالفة كل الأعراف السياسية والديمقراطية، وواصل التعبئة ضد خصمه الديمقراطي، للدرجة التي أسفرت عن اقتحام الكابيتول بواسطة أنصاره، ثم التشكيك في نزاهة جمع الأصوات الانتخابية.

تغيير النظام في أمريكا

ولا تعدو تصريحات الرئيس الأمريكي السابق عن ضرورة "تغيير النظام" في واشنطن بدلاً من الإطاحة بنظام فلاديمير بوتين، في روسيا، كونها جديدة، في ظل حالة الاستقطاب القصوى التي يلح عليها، وتقديم شخصيته السياسية في منصب الرئيس باعتبارها القادرة على إنهاء الوضع الدولي المأزوم، بل إنّ ثمّة سوابق عديدة تؤشر إلى حقيقة مفادها أنّ الترامبية السياسية باتت جزءاً في مسار السياسة الأمريكية.

وفي تقرير سابق بـ"حفريات" بعنوان: "الترامبية وشقاء السياسة الأمريكية: رقصة الرئيس الأخيرة"، أوضح أنّ صعود ترامب عكس مساراً ليس جديداً تماماً في السياسة الأمريكية، لكنّه رافق جملة تحولات نجمت عن العولمة والنيوليبرالية، التي تسبّبت في تقليص المزايا الاجتماعية، وانتقال الرأسمالية الأمريكية من التصنيع إلى الرأسمالية المالية، ثم الاعتماد على الوسائل التكنولوجية الكبرى، ونبذ مراكز الإنتاج الصناعي من الولايات المتحدة، للبحث عن تمركزات أخرى في مناطق تضمن عوائد استثمارية ضخمة ومتسارعة، الأمر الذي كان كلفته تنامي البطالة، وضعف شرائح وقطاعات من الطبقة العاملة.

الباحث زياد سنكري: مصلحة ترامب فوق كل شيء

وعليه، ألحّ رجل الأعمال الأمريكي على توظيف هذه التناقضات، واستهداف الكتل التي تعاني التهميش بخطاب شعبوي وقومي راديكالي، بواسطة تبني لغة محافظة ومتشددة في السياسة والدين، وقد تراوحت بين العداء للأجانب، والتهكّم على المهاجرين (الملونين)، وحتى البيض الأقلّ تعليماً بأمريكا.

وإثر هذا الواقع المتخم بالتعقيدات الاجتماعية، والذي يعد ترامب أحد اشتقاقاته السياسية؛ فإنّ الأخير أعلن مغادرته واشنطن، إلى منتجعه في فلوريدا، عبر طائرة رئاسية، ليقاطع حفل تنصيب الرئيس المنتخب، بالتالي، يسجّل من جديد سابقة في تقاليد انتقال السلطة بالولايات المتحدة، وبالدرجة نفسها، يكرّس مشهدية أخرى عن احتمالات عودته، أو بالأحرى بقائه، في هامش غير معلن، كأنّما تبدو نهايته مفتوحة، وتأويلاته السياسية مستمرة، فيما باتت تُعرف بـ "الترامبية السياسية".

ترامب الذي خسر الانتخابات في أعقد لحظة انتخابية بتاريخ الولايات المتحدة عمد إلى مخالفة كل الأعراف السياسية والديمقراطية، وواصل التعبئة ضد خصمه الديمقراطي

وعند هذه اللحظة الصعبة تحولت العاصمة الأمريكية، واشنطن، إلى منطقة ملغومة بالتوترات، تطوقها عناصر الشرطة بالآلاف، بينما تنغلق ساحة "ناشونال مول" أمام أنصار الرئيس الديمقراطي السادس والأربعين لأمريكا.

ويقول الفيلسوف الفرنسي، آلان باديو، إنّ "الحالة الترامبية"، أو "الزمن الترامبي"، على حد توصيفه، تبرز "شعبية كاذبة"، كما تعكس سياسة "اللابدائل". كما أن "جوهر الحالة الترامبية يتناقض مع الديمقراطية المواطنية التاريخية، ويمثل صورة للأحادية الرافضة للتعددية الثنائية التاريخية في السياسة الأمريكية، والتي تقوم على المنافسة بين الجمهوريين والديمقراطيين، والتي كانت تعبر عن الصراع، بدرجة أو أخرى، الصراع النسبي بين يمين ويسار على النمط الأمريكي، ومن ثم؛ فإنّ رؤية ترامب وسياساته تصب في اتجاه فاشي وقومي وعنصري. وباتت هذه الصيغة وحدها على الساحة، والأهم هو التشكيك في مدى جدوى الديمقراطية والمواطنة".

نظرية المؤامرة

عاد ترامب من الهامش للمتن، مجدداً، وقد طالب بضرورة تصفية الصراع في أوكرانيا بواسطة مفاوضات تقودها الولايات المتحدة. كما شدد على أهمية تغيير نظام جو بايدن الذي تسبب في فوضى بالبلاد.

وعبر قناة "فوكس نيوز" الأمريكية، أجاب ترامب بالنفي القاطع عن سؤال المذيع الأمريكي، المنتمي للحزب الجمهوري، تاكر كارلسون، بخصوص مدى دعمه لتغيير النظام في موسكو. وقال ترامب: "كلا، بل يجب أن ندعم تغيير النظام في الولايات المتحدة الأمريكية. هذا أكثر أهمية بكثير. فإدارة بايدن هي التي أوصلتنا إلى كل هذه الفوضى". وعاود الرئيس الأمريكي السابق التلميح إلى مخاطر الحرب النووية والتي يؤكد أنّها حقيقية وممكنة بشكل تام. وقال ترامب إنّ موسكو "لم تكن لتهاجم أوكرانيا أبدا لو كنت أنا الرئيس، ولم يكن لذلك حتى فرصة ضئيلة".

وشدد ترامب على ضرورة تدشين سلام تفاوضي في المسألة الأوكرانية بواسطة الولايات المتحدة موضحاً "أنّ كلا الجانبين الآن مرهق ومستعد لعقد صفقة. يجب أن تبدأ الاجتماعات على الفور، وليس هناك وقت نضيعه. فالموت والدمار يجب أن ينتهيا الآن!".

الفيلسوف الفرنسي، آلان باديو: "الحالة الترامبية" تبرز "شعبية كاذبة"، كما تعكس سياسة "اللابدائل"

غير أنّ النائب السابق لترامب، مايك بنس، هاجم بعنف واضح وصريح التصريحات التي رددها الأول، بينما أكد على أنّ التاريخ سوف يحاسب ترامب على دوره في الهجوم على مبنى الكابيتول الأمريكي، مطلع عام 2021. فيما ذكر بنس في كلمة ألقاها في حفل عشاء غريديرون السنوي بواشنطن، أقامه صحفيون وجذب كبار السياسيين: "الرئيس ترامب كان مخطئاً".

وتابع بنس: "ليس لدي الحق في قلب الانتخابات. وقد عرضت كلماته المتهورة عائلتي وكل شخص في الكابيتول للخطر في ذلك اليوم. وأنا أعلم أنّ التاريخ سيحاسب دونالد ترامب".

ويقول الباحث المتخصص في الشأن الأمريكي، المقيم في واشنطن، زياد سنكري، إنّ الرئيس ترامب يعيش فترة سياسية صعبة بينما يقع تحت وطأة ضغوط عديدة جراء ملاحقات قضائية من شأنها أن تشكل عائقاً أمام طموحه السياسي في الوصول إلى البيت الأبيض، مرة أخرى.

الباحث المتخصص بالشأن الأمريكي زياد سنكري لـ"حفريات": الحديث عن تغيير النظام الأمريكي يتماهى مع قاعدة ترامب الشعبية التي تكثر فيها نظريات المؤامرة، ونفوذ الدولة العميقة

ويوضح سنكري لـ"حفريات" أنه وفي كل مرة يلجأ ترامب إلى خطاب شعبوي إنّما يهدف لتحقيق هدفين؛ الأول "شد عصب قاعدته الشعبية، والثاني تصوير نفسه على أنّه ضحية. وكل هذه الملاحقات القضائية هي ذات دافع سياسي بسبب مواقفه المناهضة للسياسة التقليدية الأمريكية establishment.

ومن هنا، تأتي تصريحات ترامب بخصوص تغيير النظام الأمريكي، بل واعتبار هذه النتيجة المطلوبة ضرورة قصوى؛ فالرئيس ترامب منذ دخوله المعترك السياسي لا يتوانى أن يضع "مصلحته الشخصية" فوق كل شيء. وهذا ما كلف الجمهوريين خسائر سياسية فادحة وكبيرة، بل و"ضرب سمعة الولايات المتحدة بين حلفائها ومنافسيها وأعدائها على حد سواء"، كما يقول سنكري.

لعبة وحيدة احترفها ترامب.. ما هي؟

ويتابع: "الحديث عن تغيير النظام الأمريكي يتماهى مع قاعدته (أي ترامب) الشعبية التي تكثر فيها نظريات المؤامرة، وكذا عن نفوذ الدولة العميقة في السياسة الأمريكية، داخلياً وخارجياً. هذه الدعوة، التي تحظى بتأييد من مؤيدي ترامب، ترفضها الأغلبية العظمى من الأمريكيين، بينما كانت نتائج الانتخابات الرئاسية دليلاً على ذلك، وتبعتها الانتخابات النصفية التي حققت نتائج مماثلة، وذلك بالرغم من سيطرة الجمهوريين على مجلس النواب بأغلبية ضئيلة وخسارتهم المريرة لمجلس الشيوخ".  

ويصف الباحث المتخصص في الشأن الأمريكي، المقيم في واشنطن، حديث ترامب بأنّه "قنبلة دخانية لا مفاعيل ملموسة لها على الأرض"، بل يرجع أن تكون لها تداعيات سلبية "من شأنها أن تباعد بين ترامب والشخصيات المستقلة التي بمقدورها إعادته للبيت الأبيض. كما أنّ هذه التصريحات سوف تبعث في ذاكرة الأمريكيين مشاهد مؤلمة من فترة ولايته المضطربة، داخلياً وخارجياً. وهي الفترة التي وصلت نتائجها إلى حد شتم فريق إدارته الذي اختاره بنفسه، كما حدث مع وزير الخارجية السابق تيليرسون ومستشاره للأمن القومي بولتون ووزير العدل وكبير موظفي البيت الأبيض".

عاد ترامب ليشدد على أهمية تغيير نظام جو بايدن (الذي تسبب في فوضى بالبلاد)

وفي المحصلة؛ هذا الخطاب الترامبي، وإن كان يؤمن له تسميته من الحزب الجمهوري في الانتخابات المقبلة، سوف يفشل في إقناع الشريحة الكبرى من الأمريكيين، وفق المصدر ذاته، "بهذه التصريحات والمشاريع غير الواضحة لا أفق سياسي لترامب؛ بل هي مجرد عودة مؤقتة للأضواء على طريقة "التريند". وهذه لعبة يجيدها ترامب بشكل احترافي. وهذه قد تكون اللعبة الوحيدة التي يجيدها".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية