السودان: عوامل الصراع وتطورات الأزمة... ما السيناريوهات المتوقعة؟

السودان تطورات الأزمة... وعوامل الصراع... والسيناريوهات المتوقعة

السودان: عوامل الصراع وتطورات الأزمة... ما السيناريوهات المتوقعة؟


17/04/2023

انزلق السودان إلى دائرة المواجهات المسلحة بين قوات الجيش بقيادة رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه محمد حمدان دقلو "حميدتي"، ممّا يعكس الصراع الذي كان قائماً منذ أشهر بين الطرفين، والذي أعاق الشروع في عملية الانتقال السياسي وتأسيس سلطة مدنية تعمل على إنهاء الأزمة السياسية في البلاد.

وقدّم مركز "تريندز للبحوث والاستشارات" دراسة تحليلية لتطورات الأزمة السودانية، واستقراء العوامل الأساسية التي أفضت إلى انفجارها في صورة اشتباكات مسلحة بين قوات الجيش و"الدعم السريع" في أنحاء متفرقة من البلاد، وتوضيح المواقف الدولية والإقليمية إزاءها، ومحاولة رسم سيناريوهات تطور هذا الصراع واستشراف مستقبل الأزمة.

حول تطورات الأزمة والأسباب التي أدت إلى تفجرها، أوضح المركز في دراسته أنّ السودان دخل في أزمة سياسية منذ 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2021؛ إثر قرارات قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان إنهاء الشراكة مع تحالف الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم)، وتجميد كل بنود الوثيقة الدستورية لعام 2019 ذات الصلة بالشراكة بين العسكريين والمدنيين، وإعلان حالة الطوارئ، ووضع وزراء ومسؤولين قيد الاحتجاز، بمن فيهم رئيس الوزراء وقتذاك عبد الله حمدوك، وكان لهذه القرارات أثر مزدوج في المجتمع السوداني؛ فبعض القوى السياسية والشعبية أيّدتها كونها تصحيحاً للمسار، والبعض الآخر نعتها بالانقلاب، وقام بتنظيم احتجاجات متواترة للمطالبة بإعادة السلطة للمدنيين، وفق دراسة مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بعنوان "الجيش ومعضلات التحول المتعثر في السودان". 

تصاعد التوتر بين الجيش وقوات الدعم السريع في الأشهر الماضية، وكان هو العامل الرئيسي لتأجيل توقيع الاتفاق النهائي

وقد وقّع قائد الجيش السوداني ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك في21 تشرين الثاني (نوفمبر) 2021  اتفاقاً سياسياً بهدف إنهاء الأزمة التي تمر بها البلاد. وتضمّن اتفاق البرهان-حمدوك عدة بنود؛ أبرزها إلغاء قرار سابق بإعفاء حمدوك من منصبه، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، والإسراع في تشكيل مؤسسات الحكم الانتقالي، وتكوين حكومة مدنية من الكفاءات المستقلة، وإجراء تحقيق في أحداث وقعت أثناء التظاهرات من وفيات وإصابات للمدنيين والعسكريين. واعتُبر الاتفاق الوثيقة الدستورية المرجعية الأساسية لاستكمال المرحلة الانتقالية، التي يُشرف عليها مجلس السيادة، حسبما أوردت آنذاك وكالة الأنباء الألمانية.

وتابعت الدراسة: "لكنّ حمدوك استقال من منصبه بعد أقل من شهرين من توقيع الاتفاق، وجاءت استقالته إثر عجزه عن تشكيل حكومة، وسط خلافات مع المكون العسكري للسلطة بقيادة البرهان، وعدم قدرته على تحقيق التوافق السياسي مع استمرار الاحتجاجات الشعبية".

رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك

وأضافت الدراسة أنّه بعد ذلك طُرحت عدة مبادرات لتسوية الأزمة السودانية، تبنتها أحزاب وقوى سياسية (حزب الأمّة القومي وتنظيم الجبهة الثورية والحركة الشعبية والحرية والتغيير) وتنظيمات مدنية (أساتذة جامعة الخرطوم ومديرو الجامعات السودانية و"نداء أهل السودان") وبعثة الأمم المتحدة المتكاملة في السودان (يونيماس) والآلية الثلاثية المكونة من يونيماس والاتحاد الأفريقي ومنظمة (إيغاد) IGAD ، ولكنّها لم تُكلل بالنجاح. وأخيراً توصلت الأطراف إلى توافق في كانون الأول (ديسمبر) 2022، وأفضت المحادثات بين مجلس السيادة، الممثل للقوات المسلحة، والقوى السياسية المدنية، وعلى رأسها الحرية والتغيير-المجلس المركزي، إلى توقيع الاتفاق السياسي الإطاري، الذي يفتح الباب لمرحلة انتقال سياسي وتأسيس سلطة مدنية تعمل على إنهاء أزمة البلاد التي اقتربت من إكمال عامها الثالث. وتتمثل أهم بنود الاتفاق في أن يتولى القائد العام للجيش رئاسة الدولة، واختيار رئيس وزراء انتقالي من قبل قوى الثورة، وتنظيم انتخابات في نهاية الفترة الانتقالية المحددة بعامين.

الصراع بين قيادة الجيش وقوات الدعم السريع يعود إلى تاريخ تكوينها عام 2013 في عهد البشير،  بعد رفض القوات المسلحة لميليشيات الجنجويد

وذكر المركز أنّ تصاعد التوتر بين الجيش وقوات الدعم السريع في الأشهر الماضية كان هو العامل الرئيسي لتأجيل توقيع الاتفاق النهائي التنفيذي لما تم التوصل إليه نهاية العام الماضي. وبرغم عقد لقاء بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو "حميدتي"، في 12 آذار (مارس) الماضي لخفض التوتر وتجاوز نقاط الخلاف، أظهرت المواجهات المسلحة بين الطرفين في صباح 15 نيسان (أبريل) الجاري أنّ ثمّة أسباباً عميقة للصراع بين القائدين لم يتم تجاوزها.

 تصاعد التوتر بين الجيش وقوات الدعم السريع في الأشهر الماضية كان هو العامل الرئيسي لتأجيل توقيع الاتفاق النهائي التنفيذي لما تم التوصل إليه نهاية العام الماضي

أمّا عن عوامل الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع، فقد بيّن مركز "تريندز" أنّ الصراع بين قيادة الجيش والدعم السريع يعود إلى تاريخ تكوين هذه القوات في 2013 في عهد الرئيس السابق عمر البشير. حين رفض الجيش وقتها إلحاق هذه القوة (التي يرجع أصلها إلى الميليشيات السابقة المعروفة باسم الجنجويد) بالجيش السوداني؛ بسبب تكوينها الذي يعتمد على مكونات قبلية محددة. ومن ثم، تمّ إلحاقها بجهاز الأمن والمخابرات، وسرعان ما تحولت في 2017 إلى قوات منفصلة تخضع لإمرة رئيس الجمهورية، الذي كان يشغل أيضاً منصب القائد الأعلى والعام للجيش السوداني. وتجدّد الصراع بعد اندلاع الإطاحة بالبشير في نيسان (أبريل) 2019، بسبب رفض الفريق حميدتي العمل مع رئيس المجلس العسكري الجديد الفريق عوض بن عوف؛ ممّا عجّل بانسحاب بن عوف سريعاً من المشهد.

الخلافات الحقيقية التي أدت إلى المواجهة المسلحة تتمحور حول مسألة دمج قوات الدعم السريع في الجيش، واتباع شركاته لوزارة المالية

ووفقاً للدراسة، فإنّ الخلافات الحقيقية التي أدت إلى المواجهة المسلحة بين الطرفين تتمحور حول مسألة دمج قوات الدعم السريع في الجيش، واتباع شركاته لوزارة المالية، واشترط الجيش أيضاً أن يكون هو من يحدد تحركات وانتشار القوات وفق عملية الدمج، وهو ما رفضته قيادة قوات الدعم السريع.

وأوضحت الدراسة أنّ الطموحات والتحالفات السياسية للفريق حميدتي أقلقت قيادة الجيش. فقد أظهر حميدتي تطلعاته السياسية بالشروع في تكوين تحالف يعتمد على أعيان القبائل وزعماء الطرق الصوفية وقوى الحرية والتغيير، ورسم صورة لنفسه بمناصرة الثورة وحكم المدنيين. وقد رأت قيادة الجيش، وعلى رأسهم البرهان، في هيمنة حميدتي على السلطة في المستقبل تهديداً أمنياً، بل رأوا في طموحه السياسي تمهيداً للتمرد.

التطورات في السودان لقيت ردود أفعال واسعة عربية وإقليمية ودولية، عبّرت في مجملها عن القلق الشديد ممّا يجري، والخوف من تفاقم الوضع وعدم السيطرة عليه

وتحدثت تقارير إعلامية عن محاولات البرهان تقليص نفوذ حميدتي، وأنّ توقيع الاتفاق الإطاري في 5 كانون الأول (ديسمبر) الماضي لم يكن سوى خطوة على هذا الطريق.

فوفقاً للاتفاق، سوف يحتفظ البرهان بمنصب القائد العام ورئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي سيضم نحو (14) جنرالاً وممثلاً واحداً للدعم السريع؛ الأمر الذي تصوره حميدتي عملية احتواء ناعم لنفوذه ونفوذ قواته.

إذا ما استمرت الاشتباكات فإنّها ستؤدي إلى إعلان حالة الطوارئ والأحكام العرفية

وإلى جانب صراعات الشخصين على النفوذ، ثمّة من حمّل أطرافاً خارجية مسؤولية تفجر الصراع، ومن ذلك على سبيل المثال اتهام قوى الحرية والتغيير من وصفتهم بـ "فلول" نظام البشير بتأجيج الخلاف بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، بهدف تدمير العملية السياسية، وفق ما نقلت شبكة "العربية".

وقد لقيت التطورات في السودان ردود أفعال واسعة عربية وإقليمية ودولية عبّرت في مجملها عن القلق الشديد ممّا يجري، والخوف من تفاقم الوضع وعدم السيطرة عليه، ودعت جميعها إلى التهدئة ووقف إطلاق النار والعودة إلى الحوار والتفاوض. 

سيناريوهات الأزمة: التهدئة والدمج في القوات المسلحة، أو التهدئة دون الدمج، أو احتمال حسم الوضع لصالح الجيش، والسيناريو الأخير الحرب الأهلية

واتضح من المواقف التي تناولتها وسائل الإعلام طوال اليومين الماضيين مدى القلق الإقليمي والدولي من التطورات الأخيرة في السودان، ومخاوف جدية من احتمال تفاقم الصراع والانزلاق نحو حرب أهلية جديدة، لا سيّما أنّ البلاد تعاني من وضع سياسي معقد منذ الإطاحة بنظام البشير عام 2019، حيث اشتدت حدة الصراع بين القوى المختلفة، وخاصة العسكرية التي يمثلها الجيش وقوات الدعم السريع، والقوى المدنية التي كان لها دور بارز في إسقاط حكم البشير. والآن يتطور الصراع ليصبح بين ما يمكن تسميته قطبي المكوّن العسكري نفسه.

أمّا عن سيناريوهات الأزمة وتأثيرها على العملية السياسة في السودان، فقد قال مركز "تريندز" في تحليله: إنّ الأزمة في السودان تتخذ أبعاداً متسارعة، الأمر الذي يجعل كل السيناريوهات مفتوحة، خاصة مع تعقد العملية السياسية، مؤكداً أنّ هناك (4) سيناريوهات للأزمة المشتعلة بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع؛ السيناريو الأول: التهدئة والدمج في القوات المسلحة، وهو السيناريو الأكثر تفاؤلاً والمرغوب فيه، ويتحقق هذا السيناريو في حال نجاح جهود الوساطة الدولية والإقليمية بين طرفي الأزمة ووقف الصراع العسكري، أمّا السيناريو الثاني؛ فإنّه يتوقف على التهدئة دون الدمج، وهو سيناريو وسط، ولكنّه غير مرغوب فيه، لأنّه يجعل العملية السياسية في السودان، والاتفاق النهائي بين المكون المدني والعسكري قابلاً للانفجار طوال الوقت، أمّا السيناريو الثالث؛ فهو احتمال حسم الوضع لصالح الجيش، فمن المحتمل أن يتمكن من بسط السيطرة، خاصة في ظل الحديث عن حل قوات الدعم السريع، والتحاق الكثير من ضباط وعناصر هذه القوات بالجيش، أمّا السيناريو الرابع؛ فيتعلق باندلاع حرب أهلية، وهو السيناريو الأكثر تشاؤماً، الأمر الذي قد يؤدي إلى إعادة حالة "اللّا أمن" في الإقليم مرة أخرى، التي قد تمتد إلى ولايات أخرى في السودان.

وختم المركز دراسته بالقول: إذا ما استمرت الاشتباكات، فإنّها ستؤدي إلى إعلان حالة الطوارئ والأحكام العرفية، وربما إنهاء العملية السياسية الجارية الآن برمّتها، ودخول البلاد في فوضى قد تمتد إلى أعوام، مشدداً على ضرورة التدخل السريع من قبل المجتمع الدولي، والقوى الإقليمية، التي تحظى بقبول واسع من كلا الطرفين، لتجنب انزلاق السودان إلى هذه المرحلة.

مواضيع ذات صلة:

-السودان على صفيح ساخن... ما آخر تطورات الوضع الميداني؟

السودان: معارك ضارية وخسائر بشرية وتضارب الأنباء... وهذه أبرز المواقف العربية والدولية

- ما آخر تطورات المشهد السوداني؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية