السيسي في اليونان: هل انتهى زمن أردوغان في شرق المتوسّط؟

السيسي في اليونان: هل انتهى زمن أردوغان في شرق المتوسّط؟


18/11/2020

الزيارة التي قام بها الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الأربعاء الماضي، إلى العاصمة اليونانية، أثينا، تحمل دلالات أكبر من مسألة بحث سبل التعاون بين البلدَين في مجال الطّاقة، وتعظيم المنافع المشتركة بينهما من ثروات غاز المتوسّط، في ظلّ تغييرات سياسيّة، ألقت بظلالها بعد تنصيب جوزيف بايدن رئيساً للولايات المتّحدة الأمريكيّة، خلفاً لـ "دونالد ترامب"، مطلع تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري.

الزيارة احتفاء بتعزيز العلاقات المصريّة اليونانيّة، وتدشين لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية للمرّة الأولى في تاريخ مصر، مع دولة اوروبيّة، وقد تكون استباقيّة لزيارة أردوغان

ويرى مراقبون أن هذه الخطوة المصريّة اليونانيّة تأتي كحماية لحقوق الدولتين، ورد على الاتفاق المتنازع عليه بين تركيا والإدارة الليبية.

استغرقت الزيارة يومَين، التقى خلالهما السيسي، رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، وبحثا معاً القضايا الثنائية والمستجدّات الإقليميّة، كما استقبلت الرئيسة، كاترينا ساكيلاروبولو، الرئيس المصريّ في القصر الجمهوريّ، الذي أكّد خلال زيارته حرص مصر على تعزيز التعاون مع اليونان في مجالات الطّاقة، لا سيما بعد تحوّل منتدى غاز شرق المتوسّط إلى منظّمة إقليميّة، بعد عام واحد من تأسيسه.

ترسيم الحدود البحريّة

وافق البرلمان المصري، مطلع آب (أغسطس) الماضي، على اتّفاق ترسيم الحدود البحريّة بين مصر واليونان، في البحر الأبيض المتوسّط، والذي بمقتضاه سيتمّ رسم منطقة اقتصاديّة خالصة لحقوق التنقيب عن النّفط والغاز، وبينما اتّخذت مصر من هذا الاتفاق سبيلاً لحماية حقوقها الاقتصادية في شرق المتوسط، أثارت هذه الخطوة غضب الجانب التركيّ، ودفعته لاستئناف عمليات التنقيب عن النفط والغاز في المنطقة المتنازع عليها في شرق البحر المتوسط، وينظر رئيس منتدى شرق المتوسط، والباحث في العلاقات الدولية وشؤون الشرق الأوسط، محمد حامد، إلى الخطوة المصريّة اليونانيّة على أنّها حماية لحقوق الدولتين، ورد على الاتفاق المتنازع عليه بين تركيا والإدارة الليبية، برئاسة فايز السرّاج؛ إذ إنّ الخطوة التركيّة الليبيّة كانت سبباً رئيساً في تصعيد التوترات، التي ما تزال قائمة حتى الآن في منطقة شرق المتوسط.

كانت الصفقة الليبية التركيّة محلّ انتقادات واسعة النطاق، من قبل مصر واليونان وقبرص وكذلك فرنسا، باعتبارها انتهاكاً لحقوقهم الاقتصادية في إحدى أغنى مناطق العالم بالنفط، وقد أيّد الاتّحاد الأوروبيّ الانتقادات الموجّهة لتركيا، باعتبار أنّ تحركاتها في المتوسط، عُدّت انتهاكاً صريحاً للقوانين الدوليّة، وتهديداً لاستقرار المنطقة؛ حيث جاء هذا الاتفاق وسط توترات كبيرة في منطقة شرق المتوسط، ومحاولات استفزاز تركيّة ما تزال مستمّرة، كلّلها الرئيس التركيّ، رجب طيب أردوغان، تعليقاً على اتفاقية ترسيم الحدود البحريّة، بأنّه اتّفاق لا قيمة له، متعهداً بالإبقاء على اتفاقه مع حكومة الوفاق الوطني، وفي أعقاب الاتفاق؛ نشرت أنقرة سفينة أبحاث زلزاليّة للتنقيب عن احتياطيات النفط والغاز المحتملة في المياه، التي تقول أثينا أنّها تقع فوق الجرف القارّي للبلاد، وهو ما دفع الإدارة اليونانيّة، إلى وضع قواتها المسلحة في حالة تأهّب قصوى، وإرسال سفن حربيّة إلى الموقع، للمطالبة بانسحاب السفن التركيّة؛ حيث انخرطت القوات البحريّة للدّولتين في لعبة حربيّة في المياه بين جزيرة كريت اليونانيّة وقبرص وتركيا.

الباحث محمد حامد لـ"حفريات": الزيارة رسالة لأردوغان، الذي لم ولن ينتصر في شرق المتوسط، خاصّة بعد محاولة التشويش على شعبه، بملفّ ناغورني قره باغ

ولم تتوقف تركيا، حتى اليوم، عن اتهام اليونان بمحاولة استبعادها من المتوسط، وحرمانها من التنقيب عن النفط والغاز في بحر إيجه وشرق البحر المتوسط، وتجادل بأنّه لا ينبغي تضمين الجزر اليونانيّة (التي تبلغ 6 آلاف جزيرة، في بحر إيجه والبحر الأيونيّ، مئتا جزيرة منها فقط مأهولة بالسكان)، في حساب المناطق البحرية ذات الأهمية الاقتصادية، وهو موقف تندّد به اليونان؛ إذ يتعارض مع بنود القانون الدولي.

 المسلسل التركيّ.. حلقات لا تنتهي

يبدو أنّ الدراما التركيّة، المشهورة بحلقاتها الطويلة، انتقلت من شاشات التلفاز إلى الواقع السياسيّ والدبلوماسيّ؛ فبعد أشهر من المراوغات بين التّهدئة والتصعيد، صرّح وزير الطاقة التركي، فاتح دونماز، بقوله: "لا ينبغي لأحد أن يعتقد أنّنا توقّفنا، وأنّنا أخذنا استراحة.. إنّنا نواصل عملنا في البحر الأبيض المتوسط"، بعد أن نشرت صحيفة "كاثيميريني" اليونانيّة، خبراً عن اعتزام تركيا بداية التنقيب في البحر من جديد، عشية وصول الرئيس المصريّ، عبد الفتاح السيسي، إلى القاهرة، عائداً من أثينا، ويبدو أنّ أنقرة تطلق تصعيدها في وقت مثاليّ؛ حيث أعلن البيت الأبيض فوز المرشّح الدّيمقراطي، جوزيف بايدن، الذي أعلن خلال أكثر من خطاب ألقاه عبر حملته الانتخابيّة؛ أنّه سيتّخذ إجراءات أكثر صرامة في هذا الشّأن، وسيحاول تعزيز استقرار منطقة شرق المتوسط، بعد العبث الذي ألحقه بها الرّئيس التركيّ، الذي وصفه بايدن سابقاً بـ "المستبدّ"، متوعّداً إدارته بعقوبات جدّية.

خلال اجتماعه برئيس الوزراء اليوناني، وعبر مؤتمرٍ صحفيّ، قال الرئيس عبد الفتاح السيسي؛ إنّ القاهرة تتّفق مع أثينا حول التصدّي لأيّ تهديد للأمن الإقليمي، والتصدّي لدعم جماعات الإرهاب، وكذلك التصدّي للإجراءات الأحادية في شرق المتوسط، أمّا رئيس الوزراء اليوناني؛ فقد أعرب عن أمله في تصدّي الإدارة الأمريكيّة، بقيادة بايدن، للعدوان التركيّ على مياهها الإقليميّة، موضحاً أنّ "القاهرة وأثينا تمثلان نموذجاً للتعاون، الذي توّج بتوقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية"، مؤكّداً أنّ "مصر تعدّ حليفاً كبيراً لأوروبا والعالم العربيّ"، مختتماً حديثه بالقول: "نثمّن دور مصر في وقف الهجرة غير الشرعيّة من أفريقيا إلى أوروبا، كما نثمّن دورها في الأزمة الليبية".

المحصّلة التركية = صفر

يقول الباحث حامد، في تصريح لـ "حفريات" إنّ الزيارة تأتي "احتفالاً واحتفاءً بتعزيز العلاقات المصريّة اليونانيّة، وتدشين اتفاقية ترسيم الحدود البحرية للمرّة الأولى في تاريخ مصر، مع دولة اوروبيّة، وقد تكون هذه زيارة استباقيّة لزيارة أردوغان، التي ستتمّ في الأيام المقبلة، وتأكيداً على قوّة التحالف المصريّ اليونانيّ، ومساندة أثينا في أزمتها شرق المتوسط، وصراعها مع العدوان التركيّ، وهذه الزيارة لها أهميّة خاصّة، في ظلّ وجود إدارة أمريكيّة جديدة تتوعّد أردوغان، أيضاً من ضمن أبعاد هذه الزيارة،  وعلى رأسها، تنسيق أن يبقى كلّ في مكانه، فلا يوجد تحسين للعلاقات على الإطلاق، فالجميع متشبّث بموقفه؛ مصر واليونان وقبرص، في موقف واحد، وتركيا في موقف آخر، خاصّة بعد زيارة أردوغان لقبرص الشماليّة (معقل القبارصة الأتراك)، وإعلان رفضه لتوحيد الجزيرة، ومطالبته بتقسيمها لدولتَين، رغم أنّ توحيد قبرص يعني إعادة ترسيم الحدود في منطقة شرق المتوسّط بالنسبة إلى "ليبيا".

اقرأ أيضاً: هل تنهي خريطة عقيدة "الوطن الأزرق" الصراع بين تركيا واليونان؟

ويضيف حامد نقطة أخرى مهمّة، وهي "وجود قوات عسكريّة يونانيّة على الحدود، وهذا له دلالة كبيرة على طبيعة العلاقات المصريّة اليونانيّة، فالزيارة هي تأكيد وترسيخ لقوّة العلاقات، وإشارة لأيّة إدارة أمريكيّة جديدة، بأنّ موقف مصر كما هو لم يتغيّر، فقد تأتي إدارة أمريكيّة جديدة بأجندة تنتقد مصر وسياساتها الداخليّة، لكنّها بالتأكيد ستنتقد تركيا وسياساتها الخارجيّة، لأنّها تنسجم وبشكل كبير مع تعظيم دور القانون الدوليّ، والشرعيّة الدوليّة، والصداقة مع الغرب، على عكس الأسلوب الانعزالي الذي قام به ترامب، وأردوغان".

اقرأ أيضاً: هل تراوغ تركيا اليونان حول حوار المتوسط؟

فالموقف، بشكل عام، هو نوع من "الاحتفاء بالرئيس المصريّ، الذي أنجز اتفاقية حافظت على حقوق اليونان، واحتفاء بالعسكريّة المصريّة التي أدارت مناورات بشكل قويّ، وأيضاً يريد أن يرسل رسالة لأردوغان، الذي لم ولن ينتصر في شرق المتوسط، خاصّة بعد محاولة التشويش على شعبه، بملفّ أذربيجان وناغورني قره باغ، لم يؤتِ أكله، لكنّ البوصلة في المتوسط، من جهة المال والنفوذ والغاز، فالمحصّلة لتركيا صفر".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية