الصومال: الإرهابيون يخترقون أجهزة الأمن والمخابرات

الصومال: الإرهابيون يخترقون أجهزة الأمن والمخابرات

الصومال: الإرهابيون يخترقون أجهزة الأمن والمخابرات


07/12/2022

تشهد العاصمة الصومالية مقديشو أشد الهجمات الإرهابية الدامية التي تنفذها حركة الشباب المجاهدين، المُصنفة إرهابياً محلياً ودولياً. وكان هجوم محيط وزارة التربية والتعليم أواخر شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي الأشد دمويةً منذ العام 2017، بعدد قتلى تجاوز 130 وما يزيد عن 600 مصاب.

وشهد العام الجاري زيادةً في الهجمات الإرهابية بنسبة 30% عن العام الماضي، ويعود ذلك إلى انتقام حركة الشباب من الهجوم الواسع الذي تشنه القوات الحكومية مدعومة بمقاتلي العشائر في مناطق تركز الحركة، في الأقاليم الوسطى والجنوبية من البلاد.

يشير ذلك إلى وجود خلل كبير في إدارة الحرب ضد حركة الشباب، التي يزيد عمرها عن عمر الدولة الفيدرالية، ويظهر الخلل في إخفاق القوات الأمنية في تأمين العاصمة من اختراق الحركة، التي تستهدف المناطق والشخصيات المهمة بهجمات تشمل السيارات المفخخة والعبوات الناسفة والاغتيالات.

دماء في مقديشو

وشهد شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي عدة هجمات تبنتها الحركة، تسبب أولها في مصرع وإصابة العشرات في هجوم شنه انتحاري على معسكر للجيش في مديرية ودجر بالعاصمة مقديشو، في الخامس من الشهر. تبعها اغتيال مسلحين تابعين للحركة شقيق النائب الثاني لرئيس مجلس الشعب في مديرية دركينلي بالعاصمة مقديشو.

وفي 27 من الشهر نفسه، شن مقاتلو الحركة هجوماً على فندق "فيلا روزا" الذي يقيم فيه مسؤولون من الحكومة الصومالية بالقرب من مقر الرئاسة "فيلا صوماليا"، وأسفر عن مقتل 8 مدنيين وإصابة آخرين من بينهم مسؤولين كبار. بعد ذلك بيومين نجا سكرتير الإدارة المحلية في مديرية كحدا بالعاصمة، من محاولة اغتيال بانفجار لغم أرضي استهدف سيارته في المديرية، وتبنت حركة الشباب جميع الهجمات السابقة. فضلاً عن ذلك شهدت العاصمة ومدن أخرى عدة اغتيالات طالت شخصيات سياسية.

عبد الفتاح موسى: "الشباب" تحاول جاهدة تخفيف الضغط عنها

ويقول الصحفي الصومالي، عبد الفتاح موسى: "قبل ثلاثة أعوام كنت في مقديشو، ولعل أبرز ما شد انتباهي أنّ حركة الشباب الإرهابية تفرض ضرائب على أي نشاط اقتصادي داخل المدينة، بل إنها تفرض جبايات على موظفي الدولة".

وذكر لـ"حفريات" بأنّ حركة الشباب الإرهابية لم تنجح في اختراق العاصمة فحسب، بل لها عملاء داخل الحكومة وحتى جهاز المخابرات، وهو أمر غير خافٍ على المجتمع الصومالي. وأكد الصحفي موسى على ضرورة تطهير العاصمة من فلول الحركة، وخصوصاً من يستفيد من غطاء العمل الحكومي، وقال "يحتاج ذلك إلى جهد كبير من جهاز المخابرات الذي يُعد مخترَقاً هو الآخر".

تعتبر مقديشو التي يعيش فيها حوالي 2.1 مليون نسمة منطقة رخوة تشهد أشد هجمات الحركة دمويةً وكان أكبرها تفجير 2017 الذي أوقع 500 قتيل ومئات الجرحى

وكان رئيس بلدية مقديشو، يوسف حسين جمعالي حذر من مشاكل أمنية في العاصمة بسبب تدفق عناصر حركة الشباب إلى المدينة، نتيجة اشتداد المعارك في وسط البلاد. وفي السياق ذاته وجه النائب في مجلس الشعب، محمد إبراهيم "معلمو" أصابع الاتهام إلى مسؤولي الأمن في العاصمة، واتهمهم بتسهيل التفجيرات. وقال: "الشعب يواجه صعوبات عند مرور نقاط التفتيش الأمنية لكن السيارات المفخخة تعبر بكل سهولة".

تطورات العمليات العسكرية

وأطلق الرئيس حسن شيخ محمود عملية عسكرية وصفها بـ "الحرب الحاسمة" بهدف استئصال حركة الشباب المجاهدين الإرهابية من البلاد، في 18 أيلول (سبتمبر) الماضي. وكانت الحركة كثفت من هجماتها على المسؤولين الحكوميين وقادة العشائر منذ تولي حسن شيخ السلطة، في أيار (مايو) الماضي، وهي إستراتيجية اتبعتها الحركة مع الرئيس السابق.

وحققت القوات المتحالفة (القوات الحكومية مدعومة بمقاتلي العشائر) نجاحات كبيرة في أقاليم وسط البلاد، وأعلنت عن مقتل المئات من مقاتلي الحركة. وكان آخر هجوم كبير تسبب في مقتل أكثر من 100 عنصر من مقاتلي الحركة خلال شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، فضلاً عن مقتل العشرات في العمليات التي تحظى بدعم من القوات الأمريكية التي تنفذ غارات جوية ضد الحركة.

وحول تطورات العمليات العسكرية، ذكر الباحث في العلوم السياسية، عبد العزيز جوليد، أنّ القوات المتحالفة نجحت في تحرير 90% من إقليم هيران في ولاية جنوب غرب، بدعم من السكان الذين بدأوا القتال بثورة عارمة ضد سيطرة الحركة الإرهابية.

وفي إقليم شبيلي الوسطى في جنوب شرق البلاد ارتفعت وتيرة العمليات العسكرية مع بداية شهر أكتوبر. وقال جوليد: "يبدو أنّ القيادة السياسية والعسكرية تضع كل قوتها حالياً لتحرير الإقليم، لفتح طرق الإمداد مع هيران". وأفاد الباحث الصومالي لـ"حفريات" بأنّ القوات المتحالفة استعادت السيطرة على مناطق مهمة في أقاليم مودغ وغالغادود في ولاية غالمودوغ.

عبد العزيز جوليد: يتعين تطوير قدرات جهاز المخابرات

وارتباطاً باستهداف العاصمة، أشار جوليد إلى أنّ حركة الشباب تسيطر على مناطق محدودة في إقليم شبيلي السفلي الذي يمرّ به الطريق الرئيسي الذي يربط مقديشو بالأقاليم الجنوبية، ما يمكنها من "تهريب المركبات المفخخة والأجهزة التي تستعمل في هجماتهم إلى مقديشو".

وتعاني الصومال من تعدد القوات العسكرية الرسمية التي يتبع بعضها الحكومة الفيدرالية، بجانب القوات الأخرى التي تتبع الولايات الخمس التي تحظى بصلاحيات واسعة في ظل نظام الحكم الفيدرالي، الذي يمنح الولايات سلطات واسعة على حساب الحكومة الفيدرالية.

الصحفي الصومالي عبد الفتاح موسى لـ"حفريات": حركة الشباب الإرهابية لم تنجح في اختراق العاصمة فحسب بل لها عملاء داخل الحكومة وحتى جهاز المخابرات

وفي عهد الرئيس السابق، محمد عبد الله فرماجو، توترت علاقات العاصمة مع ولايتي جوبالاند وبونتلاند، وتسبب ذلك في تمدد حركة الشباب على حساب الصراعات السياسية. وتشهد ولاية جوبالاند التي تقع في جنوب غرب البلاد الوجود الأكبر للحركة الإرهابية.

وقال الباحث عبد العزيز جوليد، إنّ الحكومة الفيدرالية تتبع حالياً إستراتيجية تحرير أقاليم هيران وشبيلي الوسطى، ثم وضع كل الضغط على الأقاليم الثلاثة؛ مودوغ وغالغادود ثم شبيلي السفلي، تمهيداً نحو حسم الحرب في ولاية جوبالاند.

انتقام الإرهاب

ويرى المراقبون أنّ زيادة هجمات الحركة الدامية ضدّ المدنيين تأتي كانتقام من نجاح القوات المتحالفة في العمليات العسكرية ضدها في الأقاليم الوسطى في البلاد. ويتفق وذلك الصحفي عبد الفتاح موسى، الذي يرى أنّ هجوم مقديشو الأخير يأتي لرفع الروح المعنوية للحركة. وأضاف "الحركة تحاول جاهدة تخفيف الضغط عنها، ورفع الروح المعنوية لأفرادها بالهجوم على المدنيين العزّل".

أطلق الرئيس حسن شيخ عملية عسكرية وصفها بالحاسمة

وتعتبر مقديشو التي يعيش فيها حوالي 2.1 مليون نسمة، منطقة رخوة تشهد أشد هجمات الحركة دمويةً، وكان أكبرها تفجير 2017 الذي أوقع 500 قتيل ومئات الجرحى، والذي وقع بعد عدة أشهر من تنصيب الرئيس السابق. وفي عهد الأخير تحوّل نشاط وكالة المخابرات الوطنية من مواجهة المخاطر الأمنية والإرهابية إلى الصراع السياسي في البلاد، ما أضعف من قدرة الجهاز على مكافحة الإرهاب. واتّهم العديدون من ساسة البلاد رئيس الجهاز السابق، فهد ياسين، بعقد صفقة مع حركة الشباب، مفادها تجنيب العاصمة الهجمات الكبيرة مقابل ترك السيطرة لها على وسط وجنوب البلاد.

من جانبه، نوه الباحث السياسي عبد العزيز جوليد إلى أنّ أسباب الإخفاق الأمني في العاصمة تعود إلى عدم تغيير الإستراتيجية الأمنية القديمة المتبعة منذ عقود، وضعف الرقابة على الطرق التي تربط العاصمة بالأقاليم سواء الرئيسية والفرعية، وضعف قدرة جهاز المخابرات في تحصيل المعلومات لإفشال الهجمات قبل وقوعها، والتساهل مع تقصير المسؤولين الأمنيين. بجانب السبب الأهم وهو تعدد الجهات الأمنية المسؤولة عن أمن العاصمة، ومنها المخابرات والشرطة وأمن الدولة.

وشدد جوليد على ضرورة إجراء تعديلات جوهرية في خطة تأمين العاصمة، ومنها؛ إقالة مدير شرطة مقديشو، القيام بعمليات تفتيش واسعة لضبط أوكار حركة الشباب، تأمين المداخل الرئيسية والفرعية للعاصمة وتطهير البلدات والقرى القريبة من عناصر الحركة، وتطوير قدرات جهاز المخابرات لجمع المعلومات. وشدد جوليد على ضرورة إنشاء جهاز "مكافحة الارهاب" بكوادر جديدة مدربة، يتولى تأمين العاصمة.

ووفقاً للأمم المتحدة، قُتل ما لا يقل عن 613 مدنياً، وجُرح 948 في أعمال عنف هذا العام في الصومال، من جرّاء هجمات بواسطة عبوات ناسفة يدويّة الصنع، منسوبة إلى حركة الشباب. وهذه الأرقام هي الأعلى منذ عام 2017، وشهدت ارتفاعاً بأكثر من 30% مقارنة بالعام الماضي.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية