الصومال: هل يحسم الجيش والعشائر الحرب ضدّ حركة الشباب؟

الصومال: هل يحسم الجيش والعشائر الحرب ضدّ حركة الشباب؟

الصومال: هل يحسم الجيش والعشائر الحرب ضدّ حركة الشباب؟


26/09/2022

تشنّ القوات الحكومية، مدعومة بمقاتلي العشائر في الصومال، حرباً هي الأشمل والأقوى ضدّ حركة الشباب المجاهدين، المُصنفة إرهابية، منذ عدة أعوام، وهي بتعبير الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، "حرب حاسمة".

وتختلف هذه العمليات العسكرية عن نظيراتها السابقة من حيث الكم والكيف والآليات المتبعة لمنع عودة مقاتلي الحركة للمناطق المحررة، فضلاً عن غياب دعم القوات الأفريقية عن العمليات العسكرية، مقابل الزخم الأمريكي الداعم للجهود العسكرية الصومالية.

الحرب الحاسمة

أمام تجمع للجالية الصومالية في الولايات المتحدة، في 18 الجاري، أعلن الرئيس حسن شيخ إطلاق الحرب الحاسمة لاستئصال حركة الشباب المجاهدين الإرهابية، التي كثّفت من هجماتها على المسؤولين الحكوميين وقادة العشائر منذ تولي حسن شيخ السلطة، في 23 أيار (مايو) الماضي.

وأجرى الرئيس الصومالي لقاءات مهمّة بمسؤولين أمريكيين، شملت: وزير الخارجية أنتوني بلينكن، ووزير الدفاع لويد أوستن، ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، خلال زيارته إلى الولايات المتحدة للمشاركة في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، في خطوة جاءت للتأكيد على التعاون المتنامي بين واشنطن ومقديشو في محاربة الإرهاب.

قوات صومالية خلال معارك ضد حركة الشباب

ويخوض الجيش والعشائر معارك واسعة ضدّ حركة الشباب في ولايات هيرشبيلي وغلمدغ وجنوب الغرب منذ تولي حسن شيخ السلطة، كما يخطط الجيش لتوسيع العمليات لتشمل ولاية جوبالاند، خاصةً إقليم جوبا الوسطى، الذي تسيطر الحركة عليه بالكامل.

ويشهد إقليم هيران، في ولاية غلمدغ، أشدّ المعارك بين الحكومة وحركة الشباب، وبحسب البيانات الحكومية حقق الجيش المدعوم بالمقاتلين العشائريين تقدماً كبيراً، وحرّر عشرات البلدات والقرى، كما لقي العشرات من حركة الشباب مصرعهم، وجرى اعتقال آخرين.

ويقول الصحفي الصومالي، عبد الفتاح موسى: "تأتي الحملة الأمنية تجاه حركة الشباب الإرهابية بضغط شعبي وعشائري؛ بسبب الهجمات الدامية التي شنتها الحركة منذ وصول حسن شيخ إلى فيلا صوماليا".

كانت واشنطن قد اتّخذت قراراً بإعادة مئات القوات الأمريكية إلى الصومال، لمساعدة القوات الصومالية في تحجيم حركة الشباب الإرهابية، وذلك عقب تنصيب الرئيس حسن شيخ

ومن جانبه، قال الباحث في العلوم السياسية، عبد العزيز جوليد: "الحرب الحالية تختلف عن سابقاتها بشكل كبير جداً من عدة نقاط؛ منها وجود إستراتيجية وخطة واضحة للحكومة الحالية نراها على أرض الواقع، حيث إنّ نهج الجيش والإدارة العسكرية في العمليات الحالية يعتمد على تحرير الأرض، وإيصال الخدمات الحكومية لسكان المنطقة المحررة، وعدم مغادرة قطاعات الجيش للمنطقة".

وأضاف لـ "حفريات": "في السابق كانت القوات الحكومية تغادر بعد أشهر من المناطق المحررة، لتسقط مرة أخرى بيد حركة الشباب، لكنّ ما نلحظه هو نهج مختلف هذه المرة، حيث تنوي الحكومة إبقاء الأمن والجيش بشكل دائم".

وحول سير العمليات الحربية، قال: "أكبر منطقة تجري فيها عمليات عسكرية هي إقليم هيران، الواقع شمال العاصمة الصومالية، وتم تحرير أكثر من 40 منطقة وقرية في غضون أشهر قليلة، بحسب البيانات الرسمية منذ بدء العمليات، وهناك أيضاً إقليم مودغ وغالغادود في ولاية غلمدوغ، لكنّ عمليات التحرير فيها أبطأ نسبياً، وعززت الحكومة قواتها بحوالي 300 عنصر من الجيش والمخابرات والقوات الخاصة".

وعن أهمية هذه المناطق لحركة الشباب، أشار إلى أنّها "تعتبر البوابة الشمالية للعاصمة، حيث تنطلق منها هجمات الحركة على العاصمة، وتحريرها سيشكل ضربةً قاسيةً للحركة".

المشاركة العشائرية

وتشير البيانات الرسمية إلى مشاركة ميليشيات قبلية ومقاتلين عشائريين في العمليات العسكرية ضدّ حركة الشباب، وهو الأمر الذي يعزز القوات الحكومية، نظراً لما تمتلكه قوات العشائر من خبرات ميدانية واسعة في قتال الحركة، حيث كان لهذه القوات الفضل في إنزال كبريات الهزائم بالحركة في مناطق واسعة، في جنوب ووسط البلاد.

عبد العزيز جوليد: أغلب العشائر تفوق قوتها قوة الدولة

وأفاد الصحفي عبد الفتاح موسى، لـ "حفريات"؛ بأنّ الحملة العسكرية الشاملة الجارية تختلف عن سابقاتها لأنّها "تحظى بالدعم الشعبي والعشائري لقوات الجيش، بهدف اجتثاث حركة الشباب الإرهابية بشكل كلي". وأوضح أنّ العشائر والقبائل كانت تنأى بنفسها عن هذه الحرب، خوفاً من الهجمات الانتقامية من حركة الشباب الإرهابية، لكن "مع وصول الهجمات إلى العمق الداخلي من العشائر، باتت مضطرة إلى اتخاذ موقف حاسم تجاه الحركة".

وفي السياق ذاته، بيّن الباحث الصومالي، عبد العزيز جوليد؛ أنّ المشاركة الواسعة للعشائر في القتال ضدّ الحركة تأتي بعد الاغتيالات التي طالت شخصيات عشائرية رفيعة المستوى. وبحسبه، ضاقت العشائر ذرعاً بعمليات النهب والتخريب والتفجيرات الإرهابية الدائمة، التي تعاني منها قرى ومناطق وسط الصومال، تعدّ "مركز ثقل أكبر القبائل، والتي تشهد أيضاً موجات جفاف شديدة، زادت من الصعوبات، وأثارت حفيظتهم تجاه الحركة التي تهدّد وجودها جهود الإغاثة، فضلاً عن نجاعة المقاربة الحكومية التي عوّلت على الدور العشائري في استئصال الحركة، ما حفّزهم للمشاركة في القتال".

ومن جانبها، حذّرت حركة الشباب الإرهابية العشائر من أن تكون جزءاً من الحرب عليها، وهدّد المتحدث العام باسم الحركة، علي محمود راغي "علي طيري" باستهداف أية عشيرة تنضمّ إلى خطّ المعركة.

الباحث عبد العزيز جوليد لـ "حفريات": نهج الجيش والإدارة العسكرية في العمليات الحالية يعتمد على تحرير الأرض، وإيصال الخدمات الحكومية لسكان المنطقة المحررة، وعدم مغادرة قطاعات الجيش

وطالت تهديدات متحدث الحركة، المغتربين ورجال الأعمال والسياسيين الذين يشاركون في تحريض العشائر ضد الحركة، مشدداً على أنّ "أيدي الحركة ستصل إلى كلّ من يقوم بذلك".

وتدير الحركة مناطق واسعة في الصومال، ولديها أجهزة إدارية موازية للدولة في قطاع الضرائب والقضاء، وكانت الحكومة قد دعت المواطنين إلى عدم التحاكم أمام محاكم الحركة، لكن من زاوية أخرى يرى مراقبون أنّ المواطنين يختارون قضاء الحركة بسبب تفشي الفساد في القضاء الرسمي.

فضلاً عن ذلك، تموّل الحركة عملياتها من خلال الجبايات الضريبية الكبيرة التي تحصلها من المزارعين والرعاة، والتي تفرضها على التجارة والأنشطة الاقتصادية، حتى داخل العاصمة، مقديشو، كما أنّها تحصل على دعم مالي من رجال أعمال ترتبط مصالحهم بالحركة.

وفي هذا السياق، ذكر الصحفي عبد الفتاح موسى؛ أنّ "أبرز عناصر القوة التي تتمتع بها الحركة، هي التغلغل في أوساط الدوائر الحكومية، وانخراطهم مع عامة الشعب، ما يمثّل التحدي الأكبر للجيش الصومالي والعشائر في القتال الدائر".

ولفت الباحث عبد العزيز جوليد، إلى أنّ "أغلب العشائر تفوق قوتها قوة الدولة، ولطالما كانت تقاتل الحركة منذ أعوام، من غير دعم حكومي، حيث إنّ أغلبها يرفض نهج الحركة، والجبايات التي تفرضها". وفي الوقت نفسه حذّر من خطورة "تسليح الحكومة للعشائر، بسبب الخلافات الواسعة بين العشائر والقبائل، التي لا تخلو من اشتباكات مسلحة".

وفضلاً عن الدعم العشائري للجيش، اكتسبت المعارك زخماً بانضمام عدد من النواب في البرلمان الفيدرالي إلى صفوف الجيش في القتال الدائر.

تحديات وتوقعات

ودولياً، ثمّنت الولايات المتحدة قيادة الصومال فى عملها لبناء توافق وطنيّ ومواجهة تهديد حركة الشباب الإرهابية، وأعلنت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أنّها ستقدم 700 مليون دولار إضافية كمساعدات للصومال من أجل التخفيف من حدة الجفاف.

وكانت واشنطن قد اتّخذت قراراً بإعادة مئات القوات الأمريكية إلى الصومال، لمساعدة القوات الصومالية في تحجيم حركة الشباب الإرهابية، وذلك عقب تنصيب الرئيس حسن شيخ. وتعدّ قوات "دنب"، وهي قوات خاصة درّبتها الولايات المتحدة، وتتولى دفع رواتب أفرادها، من أهم القوات التي تقاتل الحركة منذ أعوام.

عبد الفتاح موسى: الإدارة الأمريكية تسعى للقضاء على حركة الشباب

ويرى الباحث السياسي عبد العزيز جوليد؛ أنّه "مع الهبّة الشعبية الرافضة رفضاً تاماً للحركة الارهابية، والدعم الخارجي المتمثل في الإدارة الأمريكية التي ترى في الحركة خطراً على منطقة القرن الأفريقي بشكل كامل، وأيضاً الدعم من إثيوبيا، التي واجهت في الأشهر الماضية هجمات من الحركة على حدودها الشرقية، وكينيا التي لطالما عانت من الهجمات الارهابية داخل أراضيها، يبدو أنّ أيام حركة الشباب معدودة وقريبة من الزوال".

ومن جانبه، لفت الصحفي عبد الفتاح موسى، إلى أهمية الدعم الجوي واللوجستي الذي تقدمه القوات الأمريكية للجيش الصومالي، "قد يشكل فارقاً كبيراً خلال هذه الحملة، ويبدو أنّ الإدارة الأمريكية تسعى للقضاء بشكل تامّ على حركة الشباب، ولهذا توسع الدعم بشكل كبير للجيش".

وحول العقبات التي تحدّ من قدرة وكفاءة الجيش في مواجهة إرهاب حركة الشباب، قال الباحث عبد العزيز جوليد: "حظر الأسلحة الأممي، وعدم مشاركة القوات الأفريقية في القتال، وضعف قدرات الاستخبارات الصومالية".

وكانت الأمم المتحدة قد جدّدت قرار حظر الأسلحة إلى الصومال، نهاية العام الماضي، في قرارها رقم (2607) ويمتدّ إلى كانون الأول (ديسمبر) المقبل، ومن غير المتوقع رفع الحظر، رغم حاجة الجيش الصومالي إلى الأسلحة الحديثة، خصوصاً المدرعات والطائرات.

وأفاد الباحث الصومالي بأنّ الجيش "يملك من (3 - 4) طائرات عمودية، وطائرة مسيرة واحدة من طراز بيرقدار، ويعاني نقصاً حاداً في المركبات والمدرعات".

 وطالب الدول العربية بدعم الصومال في مواجهة أزمة الجفاف، ودعم الجيش في حربه ضدّ حركة الشباب الإرهابية، التي تهدّد الأمن العربي، وليس الصومال فقط.

ويُذكر أنّه عقب انهيار الدولة المركزية في الصومال، عام 1991، فرضت الأمم المتحدة حظر توريد الأسلحة إلى البلاد، وفق القرار رقم (733) لعام 1992، وأكدت على الحظر بالقرار رقم (751)، الذي نصّ على فرض حظر عام وكامل على الأسلحة، وإنشاء لجنة حظر تابعة لمجلس الأمن.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية