الصومال وتغيير النظام الانتخابي: ماذا في جعبة الرئيس؟

الصومال وتغيير النظام الانتخابي: ماذا في جعبة الرئيس؟

الصومال وتغيير النظام الانتخابي: ماذا في جعبة الرئيس؟


01/04/2023

أجندة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود حافلة بالأهداف التي يريد تحقيقها خلال عهده الثاني في الرئاسة. فبعد إعلان الحرب الشاملة على حركة الشباب المجاهدين المصنفة إرهابياً، وتحقيق القوات الأمنية نجاحات كبيرة، أعلن حسن شيخ عزمه تغيير النظام الانتخابي في البلاد.

تُجرى الانتخابات في الصومال الفيدرالي وفق نظام عشائري معروف باسم قاعدة (4.5). لا ينتخب المواطنون ممثليهم في البرلمان (مجلس الشعب، مجلس الشيوخ)، وانتخابات الرئاسة، وانتخابات رئاسة وبرلمانات الولايات الخمس بشكل مباشر، وفق قاعدة صوت واحد لكل مواطن. تتم الانتخابات من خلال عدد من المندوبين لكل مقعد انتخابي، ويمثل المندوبون العشائر الصومالية وفق التقسيم الذي جرى الاتفاق عليه عام 2000.

مخاوف من التمديد

مطلع آذار (مارس) الجاري اتخذ البرلمان الفيدرالي الصومالي خطوة لتمديد ولايته، وولاية رئيس الجمهورية، من خلال مقترح لتعديل المادتين (60 - 91)، من الدستور الفيدرالي الانتقالي لعام 2012، اللتين تنصان على أنّ الولاية الدستورية للبرلمان والرئيس أربع سنوات، لجعلها خمس سنوات. وشكلت رئاسة كل من مجلسي الشعب والشيوخ (البرلمان) لجنة لتقديم توصيات بهذا الشأن.

أثارت تلك الخطوة مخاوف واسعة لدى القوى السياسية الفاعلة في البلاد، وفي مقدمتها الرؤساء ورؤساء الحكومات السابقين. يتخوف المعارضون من إعادة إدخال البلاد في أتون الصراعات السياسية التي شهدتها مع الرئيس السابق محمد عبد الله فرماجو، بسبب تمديد الأخير ولايته.

بشير مالم: نوايا الرئيس ربما تكون صادقة

يرى الباحث والصحفي، بشير مالم، بأنّ الهدف من طرح التمديد هو إيجاد وقت كاف للاستعداد للانتخابات المباشرة التي يريد الرئيس التحول إليها. وتابع لـ"حفريات" بأنّ الرئيس ربما لا يرى في الأعوام الأربعة للحكم متسعاً لمواصلة وإنهاء الحرب ضد حركة الشباب والقضاء عليها، وإقرار الانتخابات المباشرة.

ويختلف طرح التمديد الحالي عن فكرة التمديد المعروفة على المستويين الفيدرالي والإقليمي في البلاد؛ حيث الأولى تقوم على إحداث تعديل في مواد دستورية، بينما الثانية كانت تأتي عبر اتفاق سياسي وقرار من البرلمانات الفيدرالية والإقليمية.

في حال إقرار نظام انتخاب مباشر ستفقد العشائر حصصها، وينتخب المواطن مباشرةً أعضاء البرلمان ورئيس البلاد، وليس عبر مندوبين يختارهم رؤساء العشائر

وتثير فكرة التعديل الدستوري مخاوف عديدة. وكان من المفترض أنّ يشرع ثاني برلمان فيدرالي (الشعب والشيوخ) في تشكيل لجنة لمراجعة وتنفيذ وعمل دستور جمهورية الصومال النهائي، وفق المادة (137) من الدستور الانتقالي لعام 2012. وقبل الوصول إلى الاستفتاء على الدستور النهائي، هناك متطلبات نصّ عليها الدستور الانتقالي، ومنها تأسيس المحكمة الدستورية، وإصدار قوانين تتعلق بمستويات الحكم الفيدرالية والإقليمية، وغير ذلك.

نظام الانتخاب المباشر

وإذا ما نجحت جهود الرئيس حسن شيخ محمود في القضاء على خطر حركة الشباب المصنفة إرهابياً، سيحظى بشعبية كبيرة تفوق نظرائه السابقين. تلك الشعبية ستكون عوناً له في مساعيه السياسية، والتي تتمثل في عزمه إجراء انتخابات مباشرة في البلاد، وتجاوز النظام الانتخابي القائم على أساس  تقاسم السلطة بين العشائر الصومالية.

قال حسن شيخ "ستنتقل البلاد إلى التعددية الحزبية وستشهد انتخابات (صوت واحد لشخص واحد) لتفادي الخلافات الناشئة عن الانتخابات غير المباشرة".

من قبله سعى الرئيس السابق فرماجو لتحويل البلاد إلى نظام الانتخاب المباشر، إلا أنّ جهوده أخفقت بسبب الصراعات السياسية التي طبعت عهده مع ولايتي جوبالاند وبونتلاند، واتحاد المرشحين الرئاسيين، والأحزاب السياسية.

بدوره أوضح الكاتب الصومالي، عبد الرحمن راج علي، بأنّ موضوع التمديد والانتخابات المباشرة ما تزال في بدايتها، والصورة لم تتضح بعد، ومعظم كواليسها لا تزال في الخفاء.

وأشار لـ"حفريات" إلى أنّ الرئيس حسن شيخ بلغ سن السبعين، ولهذا كان انتخابه لمرة ثانية شيئاً جديداً على الساحة السياسية. وأفاد بأنّ طرح التمديد والانتخابات المباشرة هو إما رغبة لتمديد الحكم بموافقة من جميع الولايات والبرلمان، أو عقد انتخابات شكلية ترضي الرئيس.

عبد الرحمن راج: الصورة لم تتضح بعد

وأشار راج علي إلى أنّ تحكم الرئيس وحده بالسلطة لم يحدث من قبل في الصومال؛ لأنّ الانتخابات وإن شابها الفساد إلا أنّ الجميع شارك فيها.

وبحسب نظام الانتخاب غير المباشر (قاعدة 4.5) يُنتخب الرئيس من خلال اقتراع سري داخل البرلمان. بينما حال إقرار نظام انتخاب مباشر ستفقد العشائر حصصها، وينتخب المواطن مباشرةً أعضاء البرلمان ورئيس البلاد، وليس عبر مندوبين يختارهم رؤساء العشائر.

وبسؤاله حول أهداف حسن شيخ من تغيير نظام الانتخاب، أجاب الباحث والصحفي الصومالي، بشير مالم، بأنّ نوايا الرئيس ربما تكون صادقة، لأنّ هذا الهدف كان من واجبات الحكومة السابقة بقيادة فرماجو، ولكنها فشلت في ذلك. ونوه بأنّ هذا الهدف من أكبر الطموحات لدى الشعب والنخب السياسية، كما أنّه من أكبر التحديات. وتوقع الباحث الصومالي بأنّ حسن شيخ سيفعل كل ما في وسعه لتحويل البلاد إلى انتخابات مباشر، حتى يترك إرثاً سياسياً بكونه أول رئيس يقيم انتخابات مباشرة في البلاد بعد أكثر من خمسين عاماً.

الناشطة الصومالية هبة شوكري لـ"حفريات": اختلاف المصالح والرؤى بين  السياسيين في بونتلاند ومقديشو هو السبب الرئيسي في التصادمات المبكرة في كل فترة رئاسية

من جانبها، ترى الناشطة والطبيبة هبة شوكري، بأنّ الملايين من الصوماليين لن يستطيعوا التصويت في الانتخابات المباشرة، لأنهم يقبعون تحت سيطرة حركة الشباب. وأضافت بأنّ أي حديث عن انتخابات مباشرة في هذا التوقيت هو دغدغة لمشاعر الشعب الذي يرنو إلى المشاركة السياسية.

وشددت الناشطة الصومالية لـ"حفريات" على أنّ الانتخابات المباشرة لن تحدث قبل دحر حركة الشباب والتوافق مع الولايات واستكمال الدستور. 

العقبات والتحديات

يعتبر موقف ولاية بونتلاند من أهم العقبات التي تواجه أهداف الرئيس حسين شيخ محمود. لم يحضر رئيس الولاية سعيد دني، اجتماع المجلس الوطني الاستشاري الذي عقد في بيدوا، والذي يعتبر هيئة وطنية تجمع الرئيس ورئيس الحكومة ورؤساء الولايات الخمس وعمدة إقليم بنادر.

وحول موقف ولاية بونتلاند، قال الباحث الصومالي، بشير مالم، بأنّ بونتلاند لم تعلن معارضتها للتمديد بشكل رسمي، وخلافاتها مع نظام حسن شيخ بسبب عدم منحه حقّ تعيين رئيس الوزراء لرئيس الولاية. وأشار مالم إلى أنّ بونتلاند كانت أكبر داعم لانتخاب حسن شيخ، مقابل تعيينه رئيس للوزراء من الولاية، لكنّه عيّن حمزة عبدي بري من جوبالاند.

ونوه مالم إلى أنّ الرئيس التزم بالمحاصصة العشائرية في اختياره لرئيس الوزراء؛ فهو من عشيرة "الدارود" التي تتبادل مع عشيرة "الهوية" منصبيْ الرئيس ورئيس الحكومة.

هبة شوكري: الانتخابات المباشرة لن تحدث قبل دحر حركة الشباب

بخلاف جميع الولايات، تعتبر بونتلاند الأشد تمكساً بالنظام الفيدرالي الكامل. تشكلت الولاية قبل تأسيس الدولة الصومالية الفيدرالية، ولديها رؤية للانتقال إلى نظام الانتخاب المباشر عبر مراحل ممتدة. لكن ما يجعل للرئيس قدرة على المناورة أمام رئيس الولاية، كون الأخير ستنتهي ولايته قريباً، ولن ينجح في تمديدها في ظل وجود معارضة كبيرة له.

ترى الناشطة هبة شوكري، بأنّ بونتلاند واجهت دوماً انتقادات جمة من السلطة في مقديشو، بحمل أجندات خاصة، لكن في الحقيقة هو أنّ غروي ومقديشو يتصادمان بسبب عدة أمور مهمة منها؛ تفسير الدستور وآلية العمل بالنظام الفيدرالي وفهمه. وذكرت أنّ اختلاف المصالح والرؤى بين  السياسيين في بونتلاند ومقديشو هو السبب الرئيسي في التصادمات المبكرة في كل فترة رئاسية.

من جانب آخر، أعرب رؤساء العشائر عن استيائهم من الاتفاقيات السياسية التي تعلقت بالانتخابات، والتي عُقدت بين الرئيس السابق والولايات، كوّنها همشت من دورهم في عملية الانتخابات بشكلٍ كبير، ولهذا ربما يتحالف هؤلاء مع حسن شيخ للانتقال إلى نظام الانتخاب المباشر.

ينصّ النظام المعروف بقاعدة (4.5) على منح الكتل العشائرية الكبيرة، المهيمنة على البلاد، وهي در، ودارود، وهوية، ودغل ومرفلي، حصة واحدة لكل منها، والنصف المتبقي لبقية الأقليات غير المنتمية للتجمعات الكبرى، وتطبق هذه التقسيمة على أعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 275 نائباً، وتحصل كل كتلة من الأربعة على حصة 61 عضواً، ويتبقى 31 عضواً للأقليات القبلية.

وبدأ العمل بمبدأ المحاصصة العشائرية الانتخابي في البلاد في مؤتمر المصالحة الصومالية بمنطقة عرتا في جيبوتي، عام 2000، والذي أسس لاستعادة الصومال مؤسساته الدستورية، لتمثيله في المحافل الدولية والإقليمية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية