الصين تستبق "أمريكا بايدن" بتكتل تجاري آسيوي واسع... كيف يتعامل الرئيس؟

الصين تستبق "أمريكا بايدن" بتكتل تجاري آسيوي واسع... كيف يتعامل الرئيس؟


15/11/2020

استبقت الصين وصول الرئيس الأمريكي الديمقراطي، جو بايدن، إلى البيت الأبيض، وما يُتوقع أن يلحقه من تغيرات، باتفاق تجاري مع 14 دولة أخرى، ما يضع الولايات المتحدة في مواجهة أكبر تكتل تجاري يمثل 30% من حجم الاقتصاد العالمي. 

والتغيرات التي كانت متوقعة مع وصول بايدن إلى البيت الأبيض، ومن ضمنها حضور أكثر في مناطق عدة وفي مقدمتها آسيا حيث ينمو النمر الاقتصادي والمنافس الأبرز "الصين"، تواجه الآن تحدياً جديداً.

اقرأ أيضاً: الصين تمنع البريطانيين والبلجيكيين من دخول أراضيها... لماذا؟

ووقّعت 15 دولة من منطقة آسيا والمحيط الهادئ 15 تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، أكبر اتفاق للتجارة الحرّة على مستوى العالم، في خطوة ضخمة للصين باتّجاه تعزيز نفوذها، بحسب ما أورده موقع دويتش فيله. 

اتجاه الصين إلى توطيد علاقاتها الاقتصادية والعسكرية في محيطها الإقليمي يعزز من فرص ضغطها على واشنطن

 ويضم اتفاق "الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة" 10 دول في جنوب شرق آسيا، إلى جانب الصين واليابان وكوريا الجنوبية ونيوزيلندا وأستراليا. وتم توقيع الاتفاق الذي عُرض أول مرّة في 2012، في ختام قمة لقادة دول جنوب شرق آسيا الساعين لإنعاش اقتصاداتهم المتضررة جرّاء كوفيد-19. 

اقرأ أيضاً: ابتسامات الصينيين والروس وعبوس ترامب ضارة بالإيرانيين

وعلق رئيس الوزراء الصيني، لي كه تشيانغ، بعد مراسم التوقيع الافتراضية قائلاً: "في ظل الظروف العالمية الحالية، يوفر التوقيع على اتفاق الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة بصيص نور وأمل". وأضاف: "يظهر بوضوح أنّ التعددية هي الطريق الأمثل، وتمثل الاتجاه الصحيح لتقدم الاقتصاد العالمي والبشرية".

هل يتحمل بايدن خطأ ترامب؟

سابقاً، خلال عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما سعى الرئيس الديمقراطي لتعزيز تواجد الولايات المتحدة في تلك القارة لتقويض نفوذ الصين، عبر اتفاق تجاري مع 12 دولة، شكلوا معاً نحو 40% من الاقتصاد العالمي، يقضي بتسهيل التجارة بين تلك الدول، تحت اسم "الشراكة عبر المحيط الهادي".

يضم اتفاق الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة 10 دول في جنوب شرق آسيا، إلى جانب الصين واليابان وكوريا الجنوبية ونيوزيلندا وأستراليا

الاتفاق على أهميته لم يدخل حيز النفاذ بسبب عدم تصويت الكونغرس عليه، وكان وقتها ذا أغلبية جمهورية، وبمجرّد وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وفي الأيام الأولى لولايته انسحب من الاتفاقية، وصوّر الأمر على أنه انتصار للعامل الأمريكي الذي كان مهدداً بفعل الاتفاقية، بحسب وصفه، إذ أنّ الاتفاقية قد تجلب عمالة أو بضائع أرخص، ومن ثمّ تؤثر على حضوره.

اقرأ أيضاً: هل ستنقذ الصين النظام السوري اقتصادياً؟

قرار ترامب الذي لم يكن ارتجالياً وإنما ضمن رؤية وخطة لانسحاب الولايات المتحدة إلى الداخل، هو ما عبّر عنه شعاره "أمريكا أوّلاً"، تضع تبعاته الآن عبءاً إضافياً على إدارة الديمقراطي الجديد بايدن. 

وكان بايدن قد تعهّد بـ"إعادة الاحترام إلى الولايات المتحدة" خلال خطاب فوزه، في إشارة إلى لعب أدوار خارجية أكثر حيوية وتشعباً من تلك التي انتهجها ترامب، كما كان قد صرّح خلال حملته بإعادة النظر في الاتفاقيات التي انسحب منها ترامب.

بمجرّد وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وفي الأيام الأولى لولايته انسحب من الاتفاقية

وخلال عهد بايدن المنتظر لا يُعدّ الأمر مقتصراً على التفكير في العودة في اتفاق "الشراكة عبر المحيط الهادي"، بل باتت الإدارة الأمريكية أمام تحدٍّ يتمثل في كيفية التعامل مع الاتفاق الجديد الذي دشنته الصين، و"من المتوقع أن يضيف إلى ناتجها المحلي الإجمالي 85 مليار دولار"، بحسب وكالة الأنباء الألمانية، بالإضافة إلى التفكير في سبل الحضور هناك لمنازلة النمر الآسيوي.

اقرأ أيضاً: هل سيدعم بايدن "الإخوان"؟

ولا يُعدّ ذلك يسيراً في توقيت وظروف استثنائية تنتظر الإدارة الأمريكية الجديدة، بزعامة بايدن الذي على الرغم من اختلافه الكبير مع ترامب في كثير من القضايا، فإنه يتفق معه في "التشدد مع بكين"، حيث أكد في مناظراته خلال حملته الانتخابية ألّا تساهل مع الصين في إدارته.

الاتفاق على أهميته لم يدخل حيز النفاذ بسبب عدم تصويت الكونغرس عليه، وكان وقتها ذا أغلبية جمهورية، وبمجرد وصول ترامب إلى البيت الأبيض انسحب منه 

ويقول الباحث في العلاقات الدولية مصطفى صلاح لـ"حفريات": من الواضح أنّ صعود بايدن إلى البيت الأبيض يمثل فرصة ذهبية للكثير من الدول لإعادة رسم سياساتها الإقليمية والدولية، وخاصة الصين التي شهدت العلاقات بينها وبين الولايات المتحدة خلال إدارة ترامب توترات متصاعدة وفرض عقوبات اقتصادية بينهما، بالإضافة إلى التصعيد العسكري بينهما في منطقة بحر الصين الجنوبي.

اقرأ أيضاً: "بايدن أوروبا".. وأردوغان

وأضاف صلاح: في تقديري أنّ اتجاه الصين إلى توطيد علاقاتها الاقتصادية والعسكرية في محيطها الإقليمي يعزز من فرص ضغطها على واشنطن في ظل حالة الانقسام الداخلية التي تشهدها الولايات المتحدة.

وتابع: وإذا كانت الولايات المتحدة لم تُبدِ أهمية كبيرة لآسيا ضمن استراتيجيتها الخارجية في عهد ترامب، فإنّ الفترة الرئاسية الأولى لبايدن لن تشهد تغييراً كبيراً، بمعنى الاهتمام بالقضايا الداخلية على حساب استراتيجيتها الخارجية، وهو الأمر الذي يمكن أن يساهم في تعزيز فرص الصين للتحرك بصورة أكبر على المستويين الإقليمي والدولي. 

اقرأ أيضاً: سوريا وبايدن والمتغيرات الأمريكية

وحول وعد بايدن بإعادة الاحترام إلى الولايات المتحدة، ما فهم منه عناية أوسع بالملف الخارجي، قال الباحث في العلاقات الدولية: الظروف الداخلية التي تواجهها واشنطن كوضع استثنائي، بسبب رفض ترامب الاعتراف بفوز بايدن، ستلقي بظلالها على تحديد أولويات السياسة الأمريكية. ومن المعروف في مبادئ السياسة الخارجية أنه في حال وجود تعارض بين السياسة الداخلية والخارجية، يمكن التضحية بأهداف السياسة الخارجية لصالح الداخلية، وليس العكس. 

وتابع: من ثم فإنّ هذا الوضع الداخلي المأزوم في داخل الولايات المتحدة سيستحوذ على اهتمام الإدارة الأمريكية، وخاصة أنّ هذه الملفات ترتبط بصورة مباشرة بتعزيز فرص الرئيس الأمريكي بايدن في الاستمرار.

هذه الملفات ترتبط بصورة مباشرة بتعزيز فرص الرئيس الأمريكي بايدن في الاستمرار

ونبّه: من الطبيعي أن يحاول بايدن استعادة الحضور الأمريكي في كثير من المناطق والملفات التي شهدت تدهوراً خلال إدارة ترامب، ولكنّ القضية المركزية الأولى ستكون حول تجاوز الأزمات الداخلية، خاصة أزمة فيروس كورونا بعدما أصبحت الولايات المتحدة أكبر دول العالم من حيث معدلات الإصابة والوفاة.

ومن جانب الصين، فإنها ستعمل على استغلال هذه الملفات (الأمريكية) في تمرير أهدافها في منطقة آسيا باعتبارها الحزام الاستراتيجي المهم للحفاظ على أمنها في مواجهة الانخراط الأمريكي.

باحث: من الطبيعي أن يحاول بايدن استعادة الحضور الأمريكي، ولكنّ القضية المركزية الأولى ستكون حول تجاوز الأزمات الداخلية

ولا يرى الباحث في العلاقات الدولية توقيت الاتفاقية التجارية الأخيرة بريئاً، وأوضح: "التوقيت يمثل عاملاً مهماً بالنسبة إلى الصين، كون هذه الإجراءات التي اتخذتها بتعزيز شراكاتها الآسيوية تأتي بالتزامن مع انطلاق مليونيات في الولايات المتحدة لدعم الرئيس الأمريكي ترامب، بعدما أظهرت النتائج فوز المرشح الديمقراطي جوزيف بايدن". 

اقرأ أيضاً: هل تنقذ سياسة بايدن العراق أم تطلق يد إيران فيه؟

ولكن بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فإنّ هذه التوجهات الصينية سوف تجعل من الصعب على واشنطن استعادة حضورها هناك في ظل تصاعد الأزمات الداخلية، وهو ما يمكن أن يكون فرصة كبيرة للدول الرافضة للهيمنة الأمريكية في فرض مسارات جديدة على واشنطن تعزز من نفوذهم وتقلص من نفوذ واشنطن، ما يجعل الولايات المتحدة أمام تعاظم لقوة منافستها الاقتصادية، في الوقت الذي تثقل فيها طاولة الولايات المتحدة بقضايا داخلية عدة، بحسب الباحث.

الاتفاق الجديد 

واللافت أنّ دولاً عدة سبق أن أبرمت الاتفاق مع الولايات المتحدة في العام 2015، ضمن موقعي الاتفاق مع الصين، ما يحمل دلالات إضافية في سحب بكين بساط النفوذ من تحت أقدام واشنطن في تلك الدول.

وتتمثل في "فيتنام ونيوزيلندا واليابان وأستراليا، والأخيرة كانت قد انحازت للولايات المتحدة في تراشقاتها الأخيرة مع الصين حول فيروس كورونا، ما وتّر العلاقات بين الجانبين، قبل أن تتحسن بفعل الاتفاقية الجديدة. 

اقرأ أيضاً: هل ترفض إيران التباحث مع بايدن حول الاتفاق النووي؟

وبمجرّد دخول الاتفاق الجديد حيز التنفيذ، ستخفض اتفاقية الرسوم الجمركية وتضع قواعد للتجارة المشتركة وتسهيل شبكات الإمداد. وستغطي الاتفاقية التجارية كل شيء من التجارة والخدمات والاستثمار والتجارة الإلكترونية والاتصالات وحقوق النشر، بحسب ما أورده موقع المال. 

وتتمثل الدول المنخرطة في أوسع تكتل تجاري في: فيتنام وتايلاند والفلبين ولاوس وكمبوديا وميانمار وماليزيا وسنغافورة وإندونيسيا وبروناي، إلى جانب أستراليا والصين واليابان ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية