الظواهري.. من طبيب إلى زعيم تنظيم إرهابي

الظواهري.. من طبيب إلى زعيم تنظيم إرهابي


02/08/2022

بعد أعوام قضاها بعيداً عن الأنظار، وسط شائعات عدة عن وفاته في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية مقتل أيمن الظواهري، مطلع الأسبوع الجاري، في غارة أمريكية على منزل بوسط العاصمة الأفغانية كابول، حيث كان يختبئ مع عائلته.

 ونقلت وسائل إعلام أمريكية عن الرئيس الأمريكي جو بايدن قوله في خطاب للأمّة: إنّ الظواهري قُتل في غارة أمريكية بطائرة بدون طيار في كابول، وهي عملية وصفها بايدن بأنّها "حققت العدالة" لعائلات ضحايا هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 على الولايات المتحدة.

ويأتي مقتل الظواهري بعد نحو شهر من آخر ظهور له عبر عدة مقاطع فيديو نشرها الذراع الإعلامي للتنظيم الإرهابي "السحاب ميديا" على قناته على تطبيق "تليغرام"، في نهاية حزيران (يونيو) الماضي.

  تعقب مخابراتي

مقتل الظواهري جاء بعدما تعقب مسؤولو الاستخبارات الأمريكية لمنزل في وسط كابول، على حدّ قول بايدن، الذي كشف أنّه وافق على العملية الأسبوع الماضي، وتم تنفيذها مطلع الأسبوع الجاري.

وفي خطابه، شدّد الرئيس الأمريكي على أنّ بلاده لن تسمح مجدداً لأفغانستان بـ"أن تصبح ملاذاً آمناً للإرهابيين، وسنحرص على عدم حدوث أيّ شيء آخر".

 ووفقاً لوكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية، فإنّه يُنظر إلى عملية قتل الظواهري على أنّها "انتصار كبير" لإدارة بايدن، قبل أشهر من انتخابات التجديد النصفي المقررة في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، بعد (11) شهراً فقط من انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان في آب (أغسطس) 2021، بعد حرب استمرت عقدين.

  الرجل الثاني

وبحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، فإنّ الظواهري (71 عاماً) قاد وطوّر "القاعدة" عندما دمج مجموعته "الجهاد الإسلامي" رسمياً مع "القاعدة" في التسعينيات من القرن الماضي، حيث جلب معه تكتيكات الهجمات المروّعة ورؤية موسعة لمهاجمة الغرب، مشيرة إلى أنّ الظواهري هو نفسه الذي افترض أنّ هزيمة "العدو البعيد" -الولايات المتحدة الأمريكية- مقدمة أساسية لمواجهة "العدو القريب" للقاعدة، وهي الأنظمة العربية الموالية للغرب، التي وقفت في طريق حلم المجموعة بتوحيد جميع المسلمين تحت راية "الخلافة العالمية".

 

يُنظر إلى عملية قتل الظواهري على أنّها "انتصار كبير" لإدارة بايدن بعد (11) شهراً فقط من انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان

 

 وفي بيان للظواهري في 1998 قال: إنّ "قتل الأمريكيين وحلفائهم، من مدنيين وعسكريين، هو واجب فردي على كلّ مسلم يمكنه أن يفعل ذلك في كلّ بلد"، على حدّ تعبير "واشنطن بوست"، التي أشارت إلى أنّ الظواهري حوّل كلماته تلك بعد (3) أعوام إلى واقع من خلال المساعدة في التخطيط لهجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 على مركز التجارة العالمي والبنتاغون.

  افتقار للكاريزما

على الرغم من افتقاره إلى الكاريزما التي تمتع  بها أسامة بن لادن، أصبح الظواهري القوة الفكرية وراء العديد من أكبر طموحات القاعدة، بما في ذلك جهوده الفاشلة على ما يبدو لامتلاك أسلحة نووية وبيولوجية.

 وبعد انسحاب القاعدة القسري من قاعدتها في أفغانستان في أوائل عام 2002، كان الظواهري إلى حدٍّ كبير هو الذي قاد عودة تنظيم القاعدة في المنطقة القبلية الخارجة عن القانون عبر الحدود في باكستان، وفقاً لما نقلته "واشنطن بوست" عن مراقبي الجماعة الإرهابية منذ فترة طويلة.

 وفي أعوامه الأخيرة، ترأس الظواهري تنظيم القاعدة في ذروة تدهوره، فقد مات معظم الشخصيات المؤسسة للتنظيم أو اختبؤوا، وسط تحديات للدور القيادي للقاعدة من قبل من وصفتهم "واشنطن بوست" بـ"ناشطين عدوانيين"، مثل "داعش".

 وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أنّ الظواهري فشل في منع انقسام القاعدة في سوريا ومناطق صراع أخرى بعد عام 2011، في أوج ما يُطلق عليه ثورات "الربيع العربي"، وسط شائعات عن مرضه، لافتة إلى أنّ الظواهري اشتهر باختفائه الطويل عن الرأي العام، ما عدا عدة مرات أصدر فيها مقالات وكتباً وخطباً مصورة بالفيديو تعرض أسلوباً جافاً، بدا أنّه غير مناسب لعصر وسائل التواصل الاجتماعي.

وجد بشكل متزايد قضية مشتركة مع المجاهدين ومع أسامة بن لادن

"الظواهري هو منظّر القاعدة، وهو رجل فكر وليس رجل عمل"، هكذا علّق بروس ريدل، خبير سابق في مكافحة الإرهاب في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ومستشار لـ (4) رؤساء أمريكيين، في أيلول (سبتمبر) الماضي على شخصية الظواهري، مضيفاً أنّه مع اقتراب العقد الثاني بعد 11 أيلول (سبتمبر) من نهايته، أصبحت قدرة الظواهري على تشكيل الأحداث أو ممارسة القيادة داخل الحركة الجهادية المنتشرة على نطاق واسع "موضع شك على نحو متزايد".

 وأشار الخبير السابق في مكافحة الإرهاب في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية إلى "أنّه ليس الشخصية الكاريزمية التي تحتاجها القاعدة، ولا أرى أيّ شخص آخر في الأفق سيكون كذلك".

 توجيه إيديولوجي

انحسار دور الظواهري في التوجيه الإيديولوجي، وفشله في إدارة الجانب العملياتي للقاعدة، جنباً إلى جنب مع اختفائه الطويل وسط شائعات عن وفاته، غذّى التكهنات بأن تتم تسمية "سيف العدل"، وهو مسؤول بارز في تنظيم القاعدة، يُعتقد أنّه سُجن أو رهن الإقامة الجبرية في إيران، خليفة للظواهري قريباً، غير أنّ عودة الظواهري للظهور مجدداً، في نهاية حزيران (يونيو) الماضي أشارت "إلى نيته في إحياء إيديولوجية الجماعة الإسلامية الجهادية وتعزيز الدعاية المعادية للغرب"، على حدّ قول مجلة "ناشيونال إنتريست" الأمريكية.

 وطوال عامي 2019 و2020، امتنع الظواهري، قائد العمليات في القاعدة، عن الظهور للتعليق على القضايا العالمية الشائعة، ممّا دفع الكثيرين إلى استنتاج أنّه توفي، وتحدثوا عن مستقبل القاعدة بعده.

مسارات متداخلة

الظواهري، الذي ولد في 19 حزيران (يونيو) 1951، في إحدى ضواحي القاهرة التي تنتمي إلى الطبقة المتوسطة والمتنوعة دينياً، لم يكن اختياره لمسار الإرهاب "غير مرجح"، فقد بدت عليه علامات التشدد وهو ما يزال يافعاً، حين أسس، وهو في سن الـ (15)، جماعة راهنت على إسقاط الدولة بذريعة إنشاء "حكم إسلامي".

وُلد الظواهري لأبوين من أسرتين مرموقتين، فوالده محمد ربيع الظواهري أستاذ في علم العقاقير، وجدّه لأمّه كان رئيساً لجامعة القاهرة، وكانت ولادته في "المعادي" التي تضم عدداً كبيراً من السكان اليهود والمسيحيين.

عقب اغتيال السادات، تمّ اعتقال الظواهري مع المئات من أتباعه، قبل الإفراج عنه لاحقاً بعد قضاء حكم بالسجن (3) أعوام

  تخرّج الظواهري عام 1974 في جامعة القاهرة،  ثم خدم (3) أعوام تكليف ليصبح طبيباً، وبين عامي 1980 و1981 عمل في مجال الإغاثة مع منظمة الهلال الأحمر ببيشاور الباكستانية.

 وبحسب "واشنطن بوست"، فإنّ الظواهري "تأثر بأحد أعمامه، وهو محفوظ عزام، الذي كان شغوفاً بكتابات القيادي الإخواني سيد قطب، الذي أصبح أحد مؤسسي التطرف في القرن الـ20، وكان منتقداً شغوفاً للحكومة العلمانية في مصر".

 افتتح الظواهري عيادة في شقة مملوكة لوالديه، وكان يقوم أحياناً برعاية المرضى في عيادة بالقاهرة تابعة لجماعة الإخوان المسلمين، المصنفة حالياً إرهابية في عدد من الدول.

  دور سيد قطب والإخوان

إعدام سيد قطب في عام 1966 هو الذي ألهم الظواهري، الذي كان يبلغ من العمر (15) عاماً آنذاك، بتنظيم مجموعة من الأصدقاء الشباب في زنزانة تحت الأرض مخصصة للإطاحة بالحكومة المصرية وإقامة دولة دينية إسلامية، على حدّ قول لورانس رايت، في كتابه "البرج الذي يلوح في الأفق".

 ووفقاً لرايت، فإنّ هذه المجموعة الصغيرة التي شكّلها الظواهري في سن الـ15 أصبحت من أتباع الظواهري في النهاية، وتحولت إلى منظمة تُعرف باسم "جماعة الجهاد".

 

"أسوشيتد برس": الظواهري قاد وطوّر القاعدة عندما دمج مجموعته "الجهاد الإسلامي" رسمياً مع "القاعدة" في التسعينيات من القرن الماضي

 

 أثناء عمله في عيادة الإخوان المسلمين، دُعي الظواهري للقيام بأول زيارات عديدة لمخيمات اللاجئين على طول الحدود الأفغانية الباكستانية، حيث قام هناك بعلاج المجاهدين الذين كانوا يقاتلون السوفييت في أفغانستان، والتقى مع الشاب السعودي أسامة بن لادن، لكن في ذلك الوقت كان الظواهري منشغلاً بإدارة حركته، فقد بدأت جماعة الجهاد التابعة له سلسلة من المؤامرات في أوائل الثمانينيات لاغتيال قادة مصريين، ولعبت دوراً في اغتيال الرئيس المصري أنور السادات في 6 تشرين الأول (أكتوبر) 1981.

 وعقب اغتيال السادات، تمّ اعتقال الظواهري مع المئات من أتباعه، قبل الإفراج عنه لاحقاً بعد قضاء حكم بالسجن (3) أعوام، لكنّه ادّعى لاحقاً في مذكراته أنّه تعرّض للتعذيب أثناء سجنه، وهي تجربة قال إنّها جعلته "أكثر تصميماً على تدمير الحكومة المصرية بالقوة."

 وبعد السجن سافر الظواهري بشكل متكرر إلى جنوب آسيا، ووجد بشكل متزايد قضية مشتركة مع المجاهدين ومع أسامة بن لادن نفسه، الذي اعتمد على الظواهري المصري  كطبيب شخصي لزعيم القاعدة السعودي الذي عانى من انخفاض في ضغط الدم ومن أمراض مزمنة أخرى تطلبت جرعات متكررة من الجلوكوز.

 ثبات الظواهري في تقديم المساعدة في مواجهة القصف السوفييتي لأفغانستان عزز سمعة الطبيب بين المجاهدين، فضلاً عن صداقته الدائمة مع أسامة بن لادن، على حدّ قول "واشنطن بوست".

 قام الظواهري بزيارة واحدة، على الأقل، إلى الولايات المتحدة في التسعينيات، ضمن جولة قصيرة في مساجد كاليفورنيا تحت اسم مستعار لجمع الأموال للجمعيات الخيرية الإسلامية التي تقدم الدعم للّاجئين الأفغان. في الوقت نفسه، واصل الضغط على أتباعه المصريين نحو هجمات أكبر وأكثر إثارة في الداخل، ظناً منه أنّ مثل هذه التكتيكات الوحشية المروعة ستجذب انتباه وسائل الإعلام، وتطغى على الأصوات الأكثر اعتدالاً.

 وأثناء إقامته في أفغانستان عام 1997، ساعد الظواهري في التخطيط لهجوم وحشي على السياح الأجانب في الأقصر في مصر، وهو هجوم استمر (45) دقيقة، وقد أودى بحياة (62) شخصاً، من بينهم سائحون يابانيون، و(6) بريطانيين بينهم طفلة عمرها (5) أعوام، و(4) ألمان، وفرنسي، وكولومبي، بالإضافة إلى قتل (4) من المواطنين، (3) منهم من رجال الشرطة، والرابع كان مرشداً سياحياً.

 بعد فترة وجيزة، أخبر الظواهري أتباعه بأنّ العمليات في مصر لم تعد ممكنة، وأنّ المعركة كانت تتحول إلى إسرائيل وحليفتها الرئيسية الولايات المتحدة الأمريكية، قبل أن تندمج جماعة الجهاد رسمياً مع تنظيم القاعدة الأكبر حجماً والأفضل تمويلاً.

 كان شغوفاً بكتابات القيادي الإخواني سيد قطب

  كان الظواهري مستشاراً بارزاً لأسامة بن لادن في وقت الهجمات الإرهابية البارزة الأولى للقاعدة، وهي تفجيرات عام 1998 لسفارتي الولايات المتحدة في عاصمتي كينيا وتنزانيا التي أودت بحياة مئات الأشخاص. وبعد (3) أعوام عمل في مركز القاعدة في أفغانستان، وساعد في الإشراف على التخطيط لما سيصبح أحد أكثر الهجمات الإرهابية جرأة في التاريخ، وهي هجمات 11 أيلول (سبتمبر) في نيويورك وواشنطن، التي ما تزال محل شكوك كثيرة حول حجم الضحايا المعلن وتوقيت الهجمات، التي وافقت يوم الأحد الإجازة الرسمية في الولايات المتحدة الأمريكية، والجهة المنفذة.

 وفي غضون أسابيع من انهيار أبراج مركز التجارة العالمي في نيويورك، أدت حملة عسكرية أمريكية إلى إخراج طالبان، حلفاء القاعدة، من السلطة في أفغانستان، وأجبرت الظواهري على التخلي عن معمل الأسلحة البيولوجية الخاص به.

 استهدفت طائرات القاذفة الأمريكية مكاتب ومنازل قادة القاعدة، بما في ذلك المجمع الذي كان يعيش فيه الظواهري، حيث كانت زوجته محاصرة تحت الأنقاض بعد انهيار السقف، وسط تقارير عن رفضها محاولات الإنقاذ خوفاً من أن يراها الرجال بدون حجاب، قبل أنّ يُعثر عليها لاحقاً ميتة بسبب انخفاض درجة حرارة الجسم.

 فرّ الظواهري مع أسامة بن لادن إلى المنطقة القبلية في باكستان، حيث اختبأ الرجلان لتجنب القبض عليهما، على الرغم من عدم وجود مشاهدات مؤكدة لأيّ من الرجلين في العقد التالي، وقد شنت وكالة المخابرات المركزية ما لا يقلّ عن ضربتين صاروخيتين داخل باكستان، في عامي 2006 و 2008، استهدفتا عدة مبانٍ احتلها المصريون مؤخراً.

 وعلى الرغم من المطاردة المكثفة، استمر الظواهري في الظهور بشكل منتظم في مقاطع الفيديو المنشورة على مواقع الويب التابعة للقاعدة، ويعتقد المسؤولون الأمريكيون أنّه واصل أيضاً توجيه العديد من العمليات الإرهابية، بما في ذلك حصار المسجد الأحمر عام 2007 في إسلام آباد، في باكستان، الذي أسفر عن مقتل أكثر من (100) شخص.

مواضيع ذات صلة:

ما دلالات مقتل الظواهري في أفغانستان؟

أشياء لا تعرفها عن أيمن الظواهري.. ما علاقة أنور السادات؟

أبو عبدالرحمن الإلكتروني: الظواهري سرق كتابي


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية