العتَبُ ... اللّوم ... والحَرَد ... ثالوثُ تدميرِ أيّ علاقة

العتَبُ ... اللّوم ... والحَرَد ... ثالوثُ تدميرِ أيّ علاقة


22/07/2021

سمير قسطنطين

في حياتِنا الشخصيّة وفي مسارِنا المهني نُخذَلُ في مرّاتٍ كثيرة. لا يعودُ السببُ بالضرورة إلى خطأ يرتكبه الآخر بحقّنا بقدر ما يعود إلى ارتفاع توقّعاتنا من الآخر عن حدِّها المنطِقي. وعلى الرغم من ذلك، فنحنُ نعيشُ حالةَ خُذلانٍ.  

يأخذُنا هذا الواقع في مرحلةِ البدايات إلى نوعٍ من العتب. نستكينُ هناك إلى فكرةٍ هي أنّ: "العتب على قدْ المحبّة" وأنّ "العتبَ صابونُ القلوب". إذا نجَحَ هذا الصابون – العتب في تحقيق الهدف أي تصحيح العلاقة، فنحنُ نُعطي علاقَتَنا فرصةً جديدة للنمو والتفاعل نحو الأفضل والأمتن. لكنّ خطرَ العتبِ خطران: الأول أن يرفضَ الآخرُ معاتَبَتي له رفضاً تامّاً، والثاني أن أذهب في عتَبي عليه بعيداً فيتحوّلَ إلى شيءٍ من اللوم المُؤنِّب له. العَتَبُ بحدِّ ذاته هو أوّلُ حدودِ اللوم، هو اللوم مُخفَّفَاً. في كلتا الحالتَيْن، هناك إمكانيّةٌ بأن أُحوّل عتبي عليه إلى لومٍ، أو أن ينتقلَ هو من الإصغاء لي بلطفٍ ودرايةٍ في البدايةِ ربّما إلى لَوْمي بشكلٍ قاسٍ. 

خطورةُ اللومِ تكمنُ في أنّه يتضمّن انتقاداً، وهذا الانتقاد يعني في الغالبِ تحميلَ الآخر مسؤوليّة حَدَثٍ ما، يليه كلامٌ صادرٌ عنّي حول شخصٍ أو مجموعة أشخاص أعتبرُ تصرّفاتِهم غيرَ مسؤولةٍ اجتماعيًّا أو أخلاقيًّا، فالعتبُ هو نقيضُ الثَناء. هذا الانتقاد مِنْ قِبَلي قد يقابلُه انتقادٌ لي من الشخص الآخر، ويتبَعُه تحميلي مسؤوليّةَ البدءِ بخصامٍ أو مشكلةٍ تنذرُ بعواقبَ وخيمة. ليس ذلك فحسب، بل إنّ الانتقادَ الموجّهَ لي في تلك الحالةِ قد يُخرِجُ منّي انتقاداً أشدّ إيلاماً للآخر، ويتبعُه منّي حَرَدٌ يَظهَر على شكلِ مقاطعته. في تلك الساعة لا أعود أرغبُ في لقاء الآخر، ولا في التحدّث إليه، ولا في التواصل معه، بغضِّ النظر عن الوسيلة أو الشكل. 

ألا يحدُث هذا في حياتنا الشخصيّة في مراتٍ كثيرة؟ ألا نقعُ في العتب واللوم وصولاً إلى الحَرَد مع حبيبٍ أو زوجٍ أو أخٍ أو أختٍ أو مديرٍ أو موظّفٍ يعمل معنا؟ ألا ترى معي أنّنا في مرّاتٍ كثيرة يُغذّي حرَدُنا الغَضبَ لدينا، وبالتالي الحقدَ، ونقع ساعتئذٍ في المحظور؟ 

العتبُ واللومُ والحردُ هو الـ Shortcut لتدميرِ العلاقة بين شخصين مهما كانت قويّة. والحلّ؟ 

الحلُّ هو ألّا تدعَ مرحلةَ الخلاف تتخطّى مرحلةَ العتب على الآخر مصحوباً بشيءٍ من التعبير اللطيف والجِدّي عنه. فما يجب أن يلي العتبَ إذاً هو المبادرةُ باتّجاه الآخر لمشاركته العتَب عليه مع الحرص الشديد ألا يأتي عتبُك على شكل لومٍ قاسٍ أو تأنيبٍ فتتفاقم الأمور. التعبيرُ الغاضب قاتلٌ في هذه الحالة ... هذا طبعاً إذا أردتَ فعلاً إنقاذَ العلاقة. 

وهل هذا بالأمر السهل؟ طبعاً لا. فهو يتطلّب شيئاً من التواضع لترضى بالمبادرة، وبعضاً من الحكمة والتوازن لمشاركة الآخر عتبَك من دون الوقوع في اللوم القاسي أو الحَرَد، وشيئاً من الاحترام لرأي الآخر وهو "يجاوبُ" على عتبِك، ولا بأس ببعضِ محبّةٍ إذا كان المعتوبُ عليه قريباً أو غالياً أو حبيباً. 

عسانا لا نُكمِل "الطريقَ السريع" انطلاقاً من العتبِ باتّجاه الّلوم، ومنه إلى الحرَد، بل أن يكونَ في علاقاتنا ما نسمّيه على الطرقات بالـ U-Turn، بحيث نغيّر مسار الأمور بعد مشاركةِ العتب إلى وُجهةٍ جديدة تُشبِه حلّ المشكلة أو على الأقلّ حسن إدارتها.

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية