العصيان داخل الجيش: بوادر حرب أهلية في إسرائيل

 العصيان داخل الجيش: بوادر حرب أهلية في إسرائيل

العصيان داخل الجيش: بوادر حرب أهلية في إسرائيل


كاتب ومترجم فلسطيني‎
19/03/2023

القيادتان السّياسية والأمنيّة في إسرائيل قلقتان من تصاعد ظاهرة العصيان في صفوف الجيش، وذلك مع امتناع عشرات الطيارين من نخبة الاحتياط الامتثال للأوامر والانخراط في تدريبات جويّة، رفضاً واحتجاجاً على مشروع الانقلاب على المؤسسة القضائية الذي يقوم به الائتلاف اليمينيّ الحاكم. وترى المؤسسة الأمنيّة أنّ رفض الخدمة العسكرية يهدد البلاد ويضعف قوة الردع الاستراتيجيّ، ويزداد القلق مع دعم قادة سابقين في سلاح الجو مقاطعة الطيارين التدريبات الجوية. 
وتشهد إسرائيل منذ عدة أسابيع مظاهرات متصاعدة، للضغط على الحكومة للتراجع عن خطط تقليص صلاحيات القضاء لصالح السلطتين التشريعية والتنفيذية، حيث ينضم المئات من الإسرائيليين إلى المظاهرات الأسبوعية المحتجة على مضي الحكومة قدماً في تمرير قوانين تقلص صلاحيات القضاء، إضافة إلى ذلك تعمل الشرطة الإسرائيلية على استخدام قنابل الغاز وخراطيم المياه ضد المتظاهرين، في خطوة تصعيدية تنذر بمزيد من العنف من قبل المحتجين خلال الفترة المقبلة.
وتهدد ظاهرة رفض طيّاري النخبة الانخراط في مهام قتالية ما تواجهه الدولة من سيناريوهات عسكرية مقلقة في الوقت الحاليّ، في ظل تزايد احتمالات توجه إسرائيل إلى تصعيد عسكري على جبهة غزة، والاستعداد لاحتمال توجيه ضربات للمنشآت النووية الإيرانيّة، وهذا يتطلب من جنود الاحتياط البقاء على الاستعداد لأي طارئ، على اعتبار أنّ سلاح الطيران في إسرائيل مكوناً أساسياً في القوة العسكرية للدولة.
العصيان مؤشر خطير
وشن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، هجوماً على حملة التمرد والعصيان التي يخوضها جنود الاحتياط في سلاح الجو، مبيناً أنّ رفض الخدمة العسكرية يهدد وجود البلاد، ومؤشر خطير على اتساع نطاق الاحتجاجات في ظل حالة التحريض من قبل قيادات كبيرة في الجيش، محذراً من تصاعد الأزمة والتي تشكل خطراً على أمن الدولة ومواطنيها، في وقت يدافع فيه الجيش عن إسرائيل وينقذها في الأوقات العصيبة، ويجب ألا يتم استخدامه في أي خلافات سياسية.

القيادتان السّياسية والأمنيّة في إسرائيل قلقتان من تصاعد ظاهرة العصيان في صفوف الجيش
  قائد سلاح الجو السابق إيتان بن الياهو، أكد أنّ المجتمع الإسرائيليّ يشهد حالة من التفكك والانهيار، والدولة تواجه أسوأ أزمة في جيش الاحتياط لم تسجل في تاريخ سلاح الجو منذ عقود طويلة بسبب التغييرات القضائية، محذراً من تداعيات التمرد الذي يشهده سلاح الجو، إذ يهدد ذلك العشرات من طيّاري الاحتياط بعصيان الأوامر، وعدم الاستجابة حال استدعائهم للعمل في أي طارئ، لافتاً إلى أنّ تغيير التوازن بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، كشف عما يعانيه المجتمع الإسرائيليّ المنقسم إلى عشائر تتصادم مع بعضها البعض، وأنّ هذا المجتمع باتت تقوده ثقافة القوة، وبات الإسرائيليون يشعرون بالانفصال والغربة، في الوقت الذي يقود فيه نتنياهو انقلاباً عنيفاً على الديمقراطية.
وعبر الرئيس الإسرائيليّ اسحاق هرتسوغ، عن قلقه من حالة الانهيار التي تعانيه الدولة أمام عينيه، وتداعيات خطوة جنود الاحتياط وخصوصاً في سلاح الجو على قدرة إسرائيل في مواجهات التحديات والتهديدات، واصفاً ما يحدث في ظل تصاعد المظاهرات ضد خطة الإصلاح القضائي بالكارثة، مطالباً حكومة نتنياهو بالتخلي الفوري عن خطة التعديلات القضائية، واستبدالها بالإطار المتفق عليه حفاظاً على أمن البلاد.
توسع الأزمة لاحقاً
وفي تعقيبه على ذلك، أكد الكاتب والمختص في الشأن الإسرائيلي عصمت منصور أنّ "ما يحدث من حالة إرباك داخل إسرائيل، إنّما هو مؤشر واضح على مدى تعمّق الأزمة داخل الدولة، خاصة وأنّ الجيش الذي يعتبر العصب الحساس بالنسبة لإسرائيل، يخوض جزء كبير منه تمرداً على الحكومة ويؤثر ذلك على وجود إسرائيل، والخوف يزداد من استمرار أمد الأزمة وتوسعها بشكل أكبر خلال الأيام المقبلة".
وأوضح في حديثه لـ"حفريات": أنّ "تصاعد حالة العصيان داخل صفوف الجيش مع موجة الاحتجاجات العنيفة، قد أفرز أزمات خطيرة مست بالعديد من القطاعات ومنها الأمنية الاقتصادية، فهناك انسحاب لعدد من المستثمرين الإسرائيليين وتراجع لعملة الشيكل، في حين أنّ نتنياهو بات عاجزاً عن أي حلول في ظل صعوبة السيطرة على ائتلافه، وإذا لم تتراجع الحكومة عن التعديلات بأسرع وقت، فإنّ إسرائيل ذاهبة لموجة عنف وحرب أهلية لم يسبق أن تعرضت لها من قبل".

تصاعد حالة العصيان داخل صفوف الجيش أفرز أزمات خطيرة مست بالعديد من القطاعات ومنها الأمنية الاقتصادية، فهناك انسحاب لعدد من المستثمرين الإسرائيليين وتراجع لعملة الشيكل


وبيّن منصور أنّ "نتنياهو وبعد الموافقة إلى إجراء اصلاحات في جهاز القضاء، يريد أن يضعف القضاء من أجل تحقيق مصالح ومكاسب شخصية له ولشركائه في الحكومة، وذلك لإسقاط القضايا المتهمين بها والتنصل منها، إضافة إلى أنّ القضاء بصيغته والعقيدة المبني عليها، يشكل عقبة أمام الحكومة الحالية والتي تحاول تمرير قوانين وتشريعات تمكنها من الحكم، وتعيد صياغة إسرائيل على نحو أكثر يمينية، لكن الجمهور يرى أنّ ما أقدم عليه نتنياهو هو انقلاب على القضاء".
ولفت إلى أنّ "عدم استقرار الحالة الأمنيّة التي تمر بها إسرائيل، وانضمام المزيد من عناصر وضباط الجيش للتمرد على سياسات الحكومة، سيفشل مخططات الدولة فيما يخص الاستعدادات مؤخراً لضرب مفاعلات إيران النووية، إلى جانب تراجع ملاحقة التواجد الإيرانيّ المتصاعد في سوريا، وذلك خشية من توجه إسرائيل إلى تصعيد عسكري مفاجئ تستغله الأطراف المعادية لها في المنطقة، وبالتالي تجد إسرائيل نفسها متورطة في ظل غياب عدد كبير من أفراد الجيش عن الخدمة وخاصة في سلاح الطيران".     

إسرائيل تعاني من حال تآكل داخلي
ووفق استطلاعات للرأي ظهر أنّ 62 في المئة من الإسرائيليين، يرفضون ما تسميه الحكومة إصلاحات، لكنهم يريدون إصلاحات بدون تهميش المحكمة العليا، في المقابل أقدم أحد كبار ضباط سلاح الجو في إسرائيل على تقديم استقالته من العمل، في حين وقّع أكثر من 130 ضابطاً وعنصراً في الاحتياط من وحدة يهلوم المعنية بالمهمات الخاصة في الجيش، على رسالة يبلغون فيها وزير الأمن في الحكومة يواف غالنت، أنّهم يجدون صعوبة في الخدمة إذا لم يتم التراجع عن إقرار التعديلات القضائية.
حرب أهلية
وفي سياق يدعم المعطيات السابقة، يقول الكاتب والمختص في الشأن الإسرائيلي تيسير محيسن إنّ "إسرائيل تعاني من حال تآكل داخلي مع تعرضها لأزمة قوية هي الأولى من نوعها، وتزداد حدة التآكل مع غياب أيّ بوادر إيجابية من قبل الحكومة للتراجع عن الاصلاحات التي قوبلت برفض واسع من الشارع الإسرائيلي، ويتوقع أن تذهب إسرائيل لموجة عنف داخلي ستصل إلى حرب أهلية يصعب السيطرة عليها". 

المحلل السياسي تيسير محيسن لـ"حفريات": إذا نجح نتنياهو في تمرير إصلاحات تعديل القضاء دون أي حوار أو تسوية، فإنّ إسرائيل ستصبح دولة غير ديمقراطيّة وسيحكمها نظام ديكتاتوري


وبيّن في حديثه لـ"حفريات" أنّ "المتظاهرين هم من سيحددون طبيعة المرحلة المقبلة، فموجة تصاعد الاحتجاجات وانضمام المئات من مواطني إسرائيل إلى المظاهرات الأسبوعية، إلى جانب تهديد العشرات من الضباط والجنود في الجيش بالانخراط في موجة التمرد، من الممكن أن يدفع ذلك نتنياهو للتراجع عن حالة التصلب في موقفه من الإصلاحات، والتي يرى بأنّها المسلك الوحيد لتطبيق سياسته في الدولة".
وتابع محيسن: "إذا نجح نتنياهو في تمرير القانون دون أي حوار أو تسوية، فإنّ إسرائيل ستصبح دولة غير ديمقراطيّة وسيحكمها نظام ديكتاتوري، وبالتالي سيضعف جهاز القضاء وهذا يهدد مواطني إسرائيل، الذين باتوا يشعرون بالخوف من مستقبلهم داخل البلاد، في ظل مساعي الحكومة القائمة للحد من قوة السلطة القضائية لتمرير قوانينها".  




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية