العنف الديني في مصر... سنوات ما بعد يناير

مصر

العنف الديني في مصر... سنوات ما بعد يناير


29/11/2017

ضجّ ميدان التحرير بالهتافات بعدما أعلنت المنصة في التاسع والعشرين من كانون الثاني (يناير) 2011، خبر "تفجير خط الغاز المتّجه لإسرائيل".. لم يكن يدرك الثوار الذين اكتظ بهم الميدان أنّ هناك نواة لجماعة متطرفة جديدة ستقوم بالإعلان فيما بعد عن تبنّيها لذلك الحادث، في محاولة منها لكسب بيئة حاضنة في شمال سيناء بضربها العدو المركزي للأمة، وتلفت انتباه الجهاديين حول العالم وتجند في صفوفها من يريد الجهاد ضد الدولة العبرية، دون الدخول في جدليات شرعية حول استهداف النظم والجيوش العربية.. وقد تكررت هذه الحوادث حتى تجاوزت الأربعين تفجيراً.

أدت تلك التفجيرات إلى زيادة الخلاف التجاري بين الدولة المصرية و"إسرائيل"، مع الحساسية السياسية التي كانت تعيشها البلاد في تلك الأيام، واعتقاد المصريين السائد بأنّ تلك الصفقة المشبوهة كبدت مصر خسائر فادحة في اقتصادها الهش أصلاً.

تلا عملية التفجير تلك عشرات العمليات الأخرى التي دفعت المجلس العسكري آنذاك إلى اتخاذ قرار بوقف تصدير الغاز لـ"إسرائيل".

ظهور الجماعات الإرهابية في سيناء ينم عن نوع من الهروب من واقع مجحف انقلب إلى جماعات تكفيرية محلية

وفي 29 تموز (يوليو) من العام 2011 فوجئت قوات الشرطة المتحصنة في قسم ثاني العريش، بهجوم مسلحين يرفعون رايات القاعدة السوداء مستخدمين قذائف "آر بي جي" والأسلحة المتعددة؛ في محاولة منهم للاستيلاء على القسم، ثم الاستيلاء على مديرية الأمن ومقر المحافظة تهيئة لإعلان الإمارة الإسلامية مستغلين الفراغ الأمني الذي خلقه انهيار الأجهزة الأمنية.

تدخلت قوات الجيش بعد 12 ساعة من الاشتباكات المتواصلة، وتم إلقاء القبض على العشرات، كان من بينهم أعضاء سابقون في تنظيم التوحيد والجهاد.

كان قد سبق ذلك قيام تنظيم يدعى "أنصار بيت المقدس" بالإعلان عن تبنّيه تفجيرات خطوط الغاز الممتدة إلى "إسرائيل".. دون أن يعرف وقتها عن هوية التنظيم وقياداته.

إعلان الحرب على الأضرحة

استيقظ أهل سيناء في 14 أيار (مايو) 2011، ليروا أكبر أضرحتهم بالشيخ زويد مٌستهدفة بصواريخ "آر بي جي" على يد إحدى هذه الجماعات.

يقع مقام الشيخ زويد على بعد 30 كيلومتراً شرق مدينة العريش، شاهداً على توغل التصوف في شبه الجزيرة منذ مئات السنين، رغم إثبات مؤرخين أنّه ساد الحالة الدينية هناك منذ مطلع الخمسينيات من القرن الماضي فقط متمثلاً في حركة الشيخ عيد أبو جرير وأتباعه من المتصوفة.

تحول ذلك الضريح إلى ركام عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير، على أيدي مسلحين ملثمين شنوا عليه هجوماً ليشير إلى تنامي ظاهرة السلفية الجهادية وطغيانها، لتأكل ما تبقى من رصيد الصوفية المتسامحة.

بلغت الطرق الصوفية في سيناء، 12 طريقة، أقدمها التيجانية، وأكثرها عدداً العلوية الدرقوية الشاذلية التي تلقاها الشيخ جرير عن الشيخ أحمد الغزاوي، وينتمي أغلب أبنائها لقبيلة السواركة.

"تفجير ضريح في "الشيخ زويد" بـ"سيناء

ثمرة الإهمال والعزلة

بعد احتلال سيناء العام 1967 ظهر في مقدمة الوعي السيناوي فكرة المقاومة التي استمرت إلى ما بعد تحرير كامل سيناء في العام 1982، ليبحث المجتمع لنفسه عن قضية إجماع بديلة، ويجد ضالته بعد طول بحث، ولمؤثرات بيئية ومجتمعية واقتصادية في الجانب الذي طالما كان غائباً عنه ليقدم اهتماماتهم متمثلاً في رصيدهم الروحي والديني.

لم تقف المؤسسات الدينية موقف المتفرج فحسب؛ بل بدت الدولة المصرية برمتها بعيدة عن شبه الجزيرة وكأنها رقعة لا تنتمي للخريطة المصرية، وبدأت مرحلة إنتاج جماعات منفصلة عن بعضها البعض، خلقت لنفسها أطراً فكرية منحرفة ومتطرفة تحت تأثير ضغوط عدة أبرزها العامل الاقتصادي، والعزلة المجتمعية وتراجع قضاياهم وفرصهم في تطوير حياتهم، لتظهر بين شباب ولدوا بعد التحرير ميول انعزالية استقوا مبرراتها وشرعيتها بطريقتهم، ووفق إلمام محدود بالدين، انحصر في قراءات قليلة ومحاولات بائسة للخروج من صراع الزوايا التي لم تلق قبولاً لديهم، فصنعوا جماعاتهم واختاروا أمراءهم، وهو أمر قد ينم عن نوع من الهروب من واقع مجحف انقلب إلى جماعات تكفيرية محلية وخلايا لفظت المجتمع ووقعت في نفس أخطاء الجماعات التي هزت استقرار مصر، حين اقتصر دورها على ذلك دون محاولة لإصلاح من حولهم وتوعيتهم بالدين "انعدام صلتهم بالمجتمع"، حتى وصل الأمر بالبعض أن حاولوا تطليق أمهاتهم من آبائهم، ورفضوا تناول طعامهم، وذلك أقصى ما يمارسونه من أشكال التطرف حينها.

ولقد غاب دور الجميع رغم استغاثة بعض الأهالي بالجهات المعنية التي لجأت إلى العصا والزنزانة، ولم تدرك أنّ الفكر يقارعه مثيله ويقوّمه، وأغفلت تراجع مستوى الأئمة والمشايخ وعجزهم عن إدارة حوار ليصبح الخلل شاملاً ومدمراً.

وبعدها تبنّى التنظيم عدداً من العمليات التي شنها عبر "النقب" ضد الكيان الصهيوني.. معلناً اكتفاءه عبر بياناته باستهداف "إسرائيل"، محذراً الدولة المصرية من التعرض له.

عملية رفح الأولى

هجوم رفح الأول، أو مذبحة رفح الأولى، هو هجوم مسلح نفذ في 5 آب (أغسطس) 2012 ضد جنود مصريين بمنطقة الماسورة بمدخل مدينة رفح المصرية على الحدود بين مصر و"إسرائيل". أسفر الحادث عن مقتل 16 ضابطاً وجندياً مصرياً، وإصابة 7 آخرين، واستولى الجناة على مدرعتين تابعتين لقوات الجيش من كمين أمني، ثم حاولوا اقتحام الحدود مع "إسرائيل"؛ حيث قابلهم الجيش الإسرائيلي بإطلاق النار، وأعلن مقتل 8 منهم، وتبين أنّ الجناة أتلفوا إحدى المدرعتين بعد استيلائهم على 21 بندقية آلية و30 صندوق ذخيرة منها.

على إثر الحادث بدأت القوات المسلحة والشرطة في 7 آب (أغسطس) 2012 تنفيذ عملية أمنية واسعة لضبط المتهمين، وكذلك هدم الأنفاق مع غزة. وكانت المرة الأولى منذ اتفاقية كامب ديفيد التي تطأ فيها أقدام جنود الصاعقة المصرية مدعومة بعشرات الدبابات وتحت غطاء من طائرات الأباتشي هذه المنطقة من سيناء.

في أعقاب الحادث أقيل مدير المخابرات العامة المصرية اللواء مراد مواف، وذلك بعد اتهام الرئاسة للمخابرات بالتقصير وعدم تحركها لمنع الواقعة قبل حدوثها، وتصريح مدير المخابرات بأنّ الجهاز جهة جمع معلومات فقط وليس سلطة تنفيذية، مشيراً إلى أنّه أرسل المعلومات التي لديه بخصوص الحادث الإرهابي الذي وقع في سيناء إلى صناع القرار والجهات المسؤولة، وبهذا ينتهي دور الجهاز.

عملت جماعة الإخوان المسلمين على استقطاب الإسلاميين حولها مستخدمة خطاباً يناسب أطياف التيار الإسلامي بمتشدديه ومعتدليه

قبيل وصول الرئيس الإخواني محمد مرسي إلى سدة الحكم، عملت جماعة الإخوان المسلمين على لمِّ اصطفاف الإسلاميين على كافة تنوعاتهم خلفها مستخدمة خطاباً ذا وجوه عديدة يناسب بحكم خبراتها كافة أطياف التيار الإسلامي بمتشدديه ومعتدليه.

كانت سيناء بمتشدديها النقطة الأصعب على الخريطة الإسلامية المصرية، لكن الجماعة نجحت فيما يبدو بتهدئة المتشددين في سيناء تحت ذريعة إعطاء الجماعة الوقت الكافي لإقامة الدولة الإسلامية، وعدم إحراجها بعمليات قد تستهدف قوات الجيش والشرطة وربما إسرائيل.

لم تقم الجماعات المتطرفة في سيناء طوال حكم الرئيس السابق بعمليات تستهدف الدولة المصرية، سوى عملية رفح الدموية التي استهدفت كميناً لقوات الجيش أودت بحياة وإصابة العشرات، أطاح بعدها "مرسي" بخصميه وزير الدفاع ورئيس الأركان متكئا على فشلهما في حماية الجنود.

عملية خطف الجنود

في صبيحة 16 مايو (أيار) 2013 اختطفت عناصر مسلحة جنوداً مصريين في مدينة رفح، على إثر اتهامات عائلة أبو شيته بتعذيب ابنها المتهم في أحداث قسم ثاني العريش والمسجون في سجن العقرب، وطالبت تلك المجموعة بالإفراج عن جميع العناصر الجهادية في السجون المصرية، وانتهى الأمر إلى دخول مؤسسة الرئاسة في مفاوضات مع الخاطفين، حتى تم الإفراج عنهم.

لم يعتقد المتشددون في سيناء بشرعية وصول "مرسي" للحكم عبر الصناديق؛ بل إنّهم أصدروا بيانات عدة في كفرية التحاكم إلى صندوق الانتخابات حتى أنّ بعضهم تمادى في وصف "مرسي" وجماعته بــ"الطاغوت".

من أكثر الأحداث دراماتيكية تعامل مرسي مع خاطفي الجنود في سيناء عندما استخدم عبارة "أبناءنا الخاطفين والمخطوفين"

لكنهم اعتبروا حكم "مرسي" فرصة هائلة للاستعداد بالمال والسلاح والرجال لحين اللحظة المناسبة لإعلان "الإمارة الإسلامية"، فوجدوا متسعاً للدعوة للأفكار والتجنيد، وفي المقابل استخدم "مرسي" هؤلاء المتشددين كمخلب في مواجهة معارضيه المدنيين من جهة، ومؤسسات الدولة خاصة الجيش والشرطة من جهة أخرى.

توسعت التنظيمات الجهادية في سيناء تحت أعين مرسي وبصره، ويؤكد ذلك ويدعمه التحقيقات التي أجريت مع أعضاء ما عرف إعلامياً بــ"خلية مدينة نصر" في العام 2012، والتي أثبتت تهريب ترسانة من الأسلحة القادمة عبر الحدود الليبية لتستقر في مخابئ التكفيريين في شبه جزيرة سيناء.

في تحقيقات نيابة أمن الدولة التي أجرتها معه، قال محمد جمال الكاشف "أبو أحمد"، وهو أحد أعضاء تنظيم القاعدة المقربين من أيمن الظواهري، إنهم استطاعوا جلب صواريخ من ليبيا بعد أن تسلم مرسي رئاسة البلاد.

لكن الأكثر دراماتيكية كان في تعامل "مرسي" مع خاطفي الجنود في سيناء؛ عندما استخدم عبارة "أبناءنا الخاطفين والمخطوفين"، معتبراً الإفراج عنهم عبر وساطات جهادية نجاحاً لسياساته.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية