القمة الخليجية الصينية: هل تتراجع بكين عن سياستها تجاه طهران؟

القمة الخليجية الصينية: هل تتراجع بكين عن سياستها تجاه طهران؟

القمة الخليجية الصينية: هل تتراجع بكين عن سياستها تجاه طهران؟


14/12/2022

بعث البيان الختامي للقمة الخليجية الصينية بردود فعل رسمية عنيفة داخل إيران، وقد قامت باستدعاء السفير الصيني لديها للاحتجاج على ما ورد في البيان، وتحديداً الأجزاء المرتبطة بوضع الجزر الإماراتية الثلاث، الأمر الذي يعود إلى ما قبل نجاح الثورة الإسلامية، عام 1979، وكذا مفاوضات فيينا لإحياء الاتفاق النووي.

غليان إيراني.. ما القصة؟

النزاع بين الإمارات وإيران الذي يرجع لعام 1971، وذلك إثر حصول الأولى على استقلالها من بريطانيا، قد عاود الظهور بعد احتدام الحديث بين ممثلي البلدين في الجلسة الـ76 للجمعية العامة للأمم المتحدة. ففي أيلول (سبتمبر) العام الماضي، طالب ممثل الإمارات في الأمم المتحدة إيران بضرورة إنهاء "احتلالها" للجزر الثلاث"، وشدد على أنّ بلاده "لن تتنازل أبداً عن مطالبتها بسيادتها الشرعية على الجزر التي تحتلها إيران منذ عام 1971".

غير أنّ ممثل إيران، في الجلسة ذاتها، قال إنّ طهران "أعلنت جاهزيتها" لحوار ثنائي، مع أبو ظبي، بهدف إيجاد مقاربة لحل أيّ "سوء فهم" بشأن الجزر المتنازع عليها.

استياء طهران من بنود بيان القمة الخليجية الصينية تكشف عنه حالة الغليان القصوى بين المسؤولين في الحكومة الإيرانية، وكذا مواقف الصحف ووسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية. وقد عقّب الناطق بلسان وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، على ما جاء في البيان الختامي للقمة الخليجية الصينية، بأنّ هذه البيانات تعد بمثابة "تكرار لسياسة التخويف من إيران (إيرانوفوبيا) الفاشلة".

المحلل السياسي نبيل جبار التميمي: توطين الكثير من الصناعات الصينية في السعودية

لكنّ السفير الصيني لدى طهران، قال إنّ بلاده تحترم السلامة الإقليمية لإيران، لافتاً إلى أنّ "زيارة الرئيس الصيني، شي جين بينغ، إلى الرياض كانت تهدف إلى المساعدة في إحلال السلام والاستقرار في المنطقة".

وأصدرت دول الخليج والصين، بياناً مشتركاً في ختام القمة المنعقدة، في الرياض، "تضمن دعم مبادرة ومساعي دولة الإمارات للتوصل إلى حل تفاوضي وسلمي لقضية الجزر الثلاث"، التي تزعم إيران أنّها ضمن أراضيها، بالإضافة إلى مطالبة إيران بـ"الانخراط بشكل جاد في المفاوضات للعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني". 

غلب على قمة الرياض الجانب السياسي والأمني، حيث أرادت السعودية أن تقدم الصين كـ"بديل دولي" يفرض ويوفر الحماية السياسية والأمنية لدول الخليج من مخاطر التوسع الإيراني

كما غرد وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، على حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر" أنّ "جزر أبو موسى وطنب الصغرى وطنب الكبرى في الخليج هي جزء لا يتجزأ من الأراضي الإيرانية الطاهرة وتعد جزءاً من أرض الوطن إلى الأبد".

وشدّد أمير عبد اللهيان على "عدم مجاملة بلاده لأيّ طرف في ما يتعلق بضرورة احترام وحدة وسيادة أراضيها".

مقاربة سياسية جديدة لبكين في المنطقة

ونقلت وكالة الأنباء الرسمية في إيران عن كنعاني قوله إنّ "السياسات الهدامة لبعض أعضاء مجلس التعاون فرضت تكاليف مادية وانسانية باهظة"، فيما دعا (المجلس) إلى "إعادة النظر في توجهاته تجاه القضايا الإقليمية واختيار طريق بناء".

وفي حين طغت الجوانب الاقتصادية على القمة الصينية الخليجية، بل من الممكن القول إنّها "قمة شراكة اقتصادية بامتياز"، فإنّ آفاق التعاون السياسي والدبلوماسي كانت واضحة ولها مؤشرات عديدة، حسبما يوضح الباحث والمحلل السياسي المتخصص في الشؤون السياسية والإقليمية، نبيل جبار التميمي، موضحاً لـ"حفريات" أنّ السعودية حاولت "من خلال القمة بناء شراكات صينية كبيرة مقابل تمرير اتفاقية التعاون ضمن المبادرة الصينية (مبادرة الحزام والطريق)".

ويتابع التميمي: "استطاعت السعودية توقيع اتفاقيات وعقود شراكة تجارية عديدة، تهدف إلى توطين الكثير من الصناعات الصينية في السعودية، وأيضاً توطين وكالات صينية إقليمية (شرق أوسطية) في السعودية كقاعدة تنطلق منها الشركات الصينية بالمنطقة. فخصصت السعودية مدينة جيزان المطلة على البحر الأحمر كمدينة مركزية للصناعات الصينية السعودية، وميناؤها مرتبط بالمبادرة الصينية (الحزام والطريق)".

كما غلب على القمة، في الرياض، الجانب السياسي والأمني، حيث أرادت الرياض أن تقدم الصين كـ"بديل دولي" يفرض ويوفر الحماية السياسية والأمنية لدول الخليج من مخاطر التوسع والتمدد الإيراني، بحسب الباحث والمحلل السياسي المتخصص في الشؤون السياسية والإقليمية.

الدكتور هاني سليمان: حديث بكين عن الجزر الإماراتية الثلاث تطور مهم وخطير

وأوضح الناطق بلسم الخارجية الإيرانية: "في هذا الاجتماع (لقاء السفير الصيني بطهران مع مساعد وزير الخارجية لشؤون آسيا والمحيط الهادي)، تم الإعراب من قبل مساعد الخارجية عن الاستياء الشديد إزاء تدخل البيان سالف الذكر في قضية وحدة الأراضي الايرانية، وتم التأكيد على أنّ الجزر الإيرانية الثلاث في الخليج (الفارسي) العربي جزء لا يتجزأ من وحدة أراضي جمهورية إيران الإسلامية، والتي، مثل أي جزء آخر من أرضي إيران، لم ولن تكون أبداً موضوعاً لمفاوضات مع أيّ دولة".

الحزام والطريق والشراكة مع الإمارات

وفي حديثه لـ"حفريات"، يوضح مدير المركز العربي للبحوث والدراسات، في القاهرة، الدكتور هاني سليمان، أنّ استدعاء السفير الصيني لدى إيران يعد بمثابة خروج عن النص الرئيسي في ما يخص العلاقات القوية بين بكين وطهران، وانتقال لخط جديد من المسارات بين الطرفين. كما أنّه يمثل هزة قوية لثوابت العلاقات الدولية في الفترة الأخيرة، خاصة في ظل وجود الصين بجوار إيران ضمن مربع العقوبات والتوترات مع واشنطن، وذلك على خلفية مساندة الصين لإيران في الملف النووي ومواجهتها للولايات المتحدة الأمريكية، فضلاً عن وجود الصين كبديل مهم لتسريب العقوبات الاقتصادية على طهران من خلال حيل وطرق استيراد النفط الإيراني، ناهيك عن الشراكة الإستراتيجية بين البلدين بتوقيع اتفاقية ممتدة لنحو 25 عاماً. وبالتالي يمثل ذلك الإجراء اختباراً مهماً وحساساً لقوة العلاقات بين الطرفين.

د. هاني سليمان لـ"حفريات": هناك إدراك صيني قوي لأهمية العلاقات مع الدول العربية، وتحديداً الشراكة مع الإمارات التي تشكل أهمية محورية في مبادرة "الحزام والطريق"

حديث بكين عن الجزر الإماراتية الثلاث تطور هو الآخر مهم وخطير على أكثر من مستوى، وفق مدير المركز العربي للبحوث والدراسات؛ حيث إنّ "الصين غالباً ما تتبع مقاربات اقتصادية تجارية بحتة في صياغة علاقاتها الإقليمية والدولية، بعيداً عن المسارات السياسية أو التدخل السياسي أو التماس مع قضايا دولية شائكة".

وبالتالي، فإنّ الانعطافة إلى قضية الجزر في خطاب الصين السياسي، تعد بمثابة تطور مهم ولافت بالنسبة لـ"الإستراتيجية السياسية الصينية". مع الأخذ في الاعتبار أنّ بكين لديها علاقات "قوية" و"إستراتيجية" مع الجانب الإيراني، وبالتالي، تناول قضية الجزر الإماراتية يؤشر إلى أنّ الصين لديها "أولويات مرحلية"، وهناك مراجعة لحجم ومساحة العلاقات وطبيعتها في ظل نظام عالمي متغير وشديد التحول، بما يفرضه من فرص وتحديات تجعل الصين ترسم أحجام واتجاهات مصالحها بشكل متوازن وعادل، يقول سليمان.

ووفق المصدر ذاته، فإنّ هذا التحول يؤكد على أنّ هناك إدراكاً صينياً قوياً لأهمية العلاقات مع الدول العربية، وتحديداً الشراكة مع دولة الإمارات العربية المتحدة التي تشكل أهمية محورية في مبادرة "الحزام والطريق"، كما أنّها شريك إستراتيجي مؤثر.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية