"المتأسلمون" والسيطرة على أدمغة القطيع

"المتأسلمون" والسيطرة على أدمغة القطيع


28/04/2020

هاني مسهور

منذ النشأة الأولى لتيارات الإسلام السياسي في مطلع القرن العشرين على يد حسن البنا تم توظيف كافة الأحداث الدولية على أساس أنها مؤامرة دولية ضد الإسلام، وأن التيارات "الإسلاموية" هي الممثل للدين الإسلامي وأن المسلمين هم كتلة سياسية واحدة بعاصمة واحدة وبخليفة واحد.

كل التيارات "الإسلاموية" تحمل هذه الأفكار مهما كانت إيديولوجيتها ومهما كان واقع تمثيلها السياسي في بلدانها حتى في تلك البلدان الغربية.

نظرية المؤامرة آلية أساسية من آليات التواصل السياسي بالنسبة لتيارات الإسلام السياسي، بل لا يتعلق الأمر بالتواصل، وإنما هو الاتصال بمعناه العمودي السلطوي، حيث هناك صوت الخطيب (الداعية ـ الشيخ ـ المرشد)، وهناك في المقابل آذان المستمعين (الجمهورـ المريدون ـ المصلون).

والأدهى أن الإسلام السياسي يتعمد تسمية الأعداء بمسميات قد تعني كل شيء، وقد لا تعني أي شيء، بحيث يكرس ثقافة الغموض في آخر المطاف. وبلا شك، يتحول الغموض إلى انعدام المسؤولية، وربما انعدام المروءة في بعض الأحيان .

الشرق الأوسط مهد الأديان السماوية الثلاثة (الإسلام واليهودية والمسيحية) باستثناء تيارات الإسلام السياسي دون غيرها تدعي أن هناك مؤامرة لاقتلاع الإسلام كدين والمسلمين كأتباع لهذا الدين، هذا الإذكاء لمفهوم المؤامرة تضخم خلال المائة العام التي شكلت القرن العشرين وصنعت الجماعات المسلحة بأنواعها وأشكالها وحتى الوصول للنسخة المتوحشة من داعش.

وقبل الوصول إلى النسخ المتوحشة كان "المتأسلمين" في الحياة العامة يصنعون بطريقتهم الفصل بين المجتمع الإنساني وتلك المكونات الفكرية المتصلبة في أفكارها فتحولت المجتمعات العربية الشرقية إلى قسمين قسم مؤمن وآخر كافر يمكن أن يقتل وفقا لما يفتي فيه الشيخ أو الداعية أو حتى المؤذن.

أمام المؤامرة الكونية ضد الإسلام يلعب الإسلام السياسي دور المظلومية، حتى لو قُدمت إليه كل التنازلات الممكنة على طبق من ذهب، حتى ولو كان شريكا في الحكم، بل حتى ولو كان ينفرد بالحكم كما هو الحال في تركيا.

فهو يمارس دور الضحية في كل أحواله بغرض التوظيف السياسي للواقع حتى وإن انحرف في ذلك التوظيف كما يفعل تنظيم الإخوان في التماهي مع مواقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع إسرائيل ومحاولة توظيفها لمصلحة التعتيم على واقع تلك المواقف حتى وأن تم صبغها كذبا وزورا لتبييض صفحة تركيا على اعتبار أنها معقل الإسلام كدولة وأنها المستهدف من المؤامرة الكونية.

سيد قطب وصف العالم بأنه يعيش "جاهلية القرن العشرين"، وجاء من بعده مئات المنظرين والأتباع والمريدين الذين عملوا على تكريس هذا المفهوم في ذهنية أهل الشرق حتى مع احتدام الحرب الباردة وتوظيف أصحاب التيارات الإسلامية لأبنائهم ليكونوا حطبا لتلك الحرب على جبال أفغانستان ويقدموا مئات الآلاف من الشباب كقرابين رخيصة الثمن لتمرير أفكار الدولة الإسلامية الموعودة.

سنوات ما يسمى بـ "الصحوة الإسلامية" حملت ضخا هائلا من تلك المفاهيم التي اعتمدت على نظرية التآمر على الإسلام وكرست خطاب الكراهية مع الآخرين حتى بلغت التصفيات الجسدية لمجاميع بشرية بفتاوى المتطرفين كما حدث في حرب اليمن عام 1994 عندما اعتبر شعب الجنوب كافرا ملحدا حلال الدم والأرض والعرض في المقابل فإن الطرف الآخر كان مسلما معصوم الدم والأرض والعرض.

هذه الأفكار لم تأتي من فراغ أو العدم بل جاءت من رؤوس أشخاص كانوا يعرفون تماما أن أسهل الطرق لعقل الإنسان الشرقي تحقيق ذريعة فشله السياسي والاقتصادي والصناعي عبر وجود مؤامرة كونية بين أطراف متشاكسين ليس من المهم معرفة من يكونون بل المهم أن يؤمن الإنسان الشرقي بأنه يعيش في مؤامرة لإفشاله وتحطيمه، ومتى ما غرق الإنسان في هكذا نظرية يمكن من بعد نقله من مربع إلى آخر، فإذا غاب العقل لم يعد إنسانا بل كان واحدا من القطيع في حظيرة الخليفة.

عن "سكاي نيوز عربية"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية