المروجون للمشروع الأردوغاني.. النخب التي تسبق الأساطيل

المروجون للمشروع الأردوغاني.. النخب التي تسبق الأساطيل


08/01/2020

عبدالجليل معالي

نشرت وكالة الأناضول التركية يوم الاثنين الـ6 من يناير الجاري، مقالة لأبي يعرب المرزوقي موسومة بعنوان “العرب ليس لديهم ما يخيفهم من تركيا”، ولئن شددت الوكالة في آخر المقالة على أن “الآراء الواردة في المقال (بتصرف) لا تعبر بالضرورة عن سياسة الأناضول التحريرية” إلا أن النشر يمثل “احتفاء” واضحا بالنص ومحتواه وبما يضمره من أفكار سياسية. يشار أيضا إلى أن المقالة المنشورة في وكالة الأناضول، هي نسخ لنص نشره أبويعرب المرزوقي في موقعه الرسمي، يوم الـ24 من ديسمبر 2019، وحمل عنوانا أكثر خطورة ومباشرة ودلالة وهو “العثمانوفوبيا”، بما تعنيه، عند المرزوقي، من خوف ورهاب من تركيا العثمانية.

الواقع أن أبا يعرب المرزوقي حاول في النص المشار إليه إبداء “تفهمه” للخوف اليوناني والفرنسي والبرتغالي والألماني والفارسي مما سماه “تقدم تركيا وطموحها لاستعادة ذاتها ودورها ومجدها”، لكنه عبّر عن استغرابه وجزعه من الخوف الإسرائيلي والعربي من ذلك التقدم، وبصرف النظر عن مساواته بين التخوّفين، الإسرائيلي والعربي، فإن استغرابه من التخوّف العربي من تقدم تركيا، نابع من حقائق تاريخية تقوم على أنه “لولا السلاجقة لذهبت ريح السنة والعرب، ولولا العثمانيون لما بقي مسلم في الإقليم، فحرب الاسترداد كانت أقوى حتى من الصليبيات لأن هذه حدثت لمّا كان الإسلام أكثر تقدما وقوة وتلك حدثت لمّا شرعت الأمة في الانحدار على كل المستويات الروحية والمادية”. هنا كان المرزوقي تاريخيا في قراءة الراهن، يمارس ليّا لعنق الوقائع الراهنة بزج مفاصل من كتب التاريخ.

يكتب المرزوقي نصوصا تذود عن الدور التركي بحماسة واندفاع قد لا ينسجمان مع دور مفكر وفيلسوف يفترض به إبداء قدر من الرصانة والهدوء المعرفيين، ولربط منجزه الفكري بالمنجز التركي الجديد على الميادين العربية، فإننا نلحظُ أن نصوصه تسبق الفعل السياسي والعسكري التركي. ولذلك نذكر أن مقالة “العرب ليس ما لديهم ما يخيفهم من تركيا” ليست المقالة الوحيدة في هذا المجال الذي اختص به أبويعرب المرزوقي، إذ نطالع في موقعه الرسمي العشرات من النصوص التي تتفاعل مع الشؤون العربية والإسلامية، وكلها مشوبة بنفس ينافح عن “الدور التركي الطليعي” في المنطقة حيث يقول في نص “نبع السلام، والمواقف من مهابة تركيا”، المنشور يوم الـ14 من أكتوبر 2019، “ما يخيف الجميع أي عملاء الحكام العرب وعملاء الملالي في إيران وعملاء الحاخامات في إسرائيل وأمريكا وروسيا هو أنهم جميعا أصبحوا متيقنين من أن تركيا لو كانت وحدها فإنها قد يستطيعون حصارها. لكنها صارت في قلوب كل أبناء الإقليم من الماء إلى الماء ممثلة للشعوب التي لم تقطع مع حضارتها وطموحها للاستئناف”.

يواظبُ أبويعرب المرزوقي على التفاعل مع التحركات التركية، ويسبقها بنصوص “فكرية” تسوّق لها أو تروّج لفوائدها السياسية والاقتصادية والحضارية على الأمة العربية الإسلامية، ولذلك يقلب الآية وينتقد الخائفين من الدور التركي ممن يسميهم الـ”خائفين من الاستئناف عامة ومن عودة تركيا لحاضنتها الإسلامية ولماضي أجدادهم ومجدهم خاصة”.

أبويعرب المرزوقي لا يغرّد وحيدا خارج سرب النخب العربية التي تسبق الأساطيل التركية، بل تسانده في ذلك طائفة واسعة من السياسيين والمفكرين، ومنهم أحمد ونيّس، الدبلوماسي التونسي ووزير الخارجية الأسبق، الذي ذهب في اتجاه معاكس لغالبية الآراء المتفاعلة مع التدخل التركي في ليبيا حين قال إن “التدخل التركي في ليبيا يدفع نحو الحل السلمي وينزع فتيل الحرب”، واعتبر أن ” تدخل تركيا لفائدة فايز السراج سيعدل ميزان القوى العسكري على أرض الميدان وبالتالي سيدفع الطرفين إلى الحلول السلمية بدل الدخول في حرب استنزاف لا تخدم أحدا”.

ولئن اكتفى أحمد ونيّس بالموقف السياسي في محاولته تبرير التدخل التركي، فإن أبا يعرب المرزوقي احتاج عُدّة أكثر تنوعا وتكثيفا، حيث دجج نصوصه الأخيرة، التي ركزت على مركزية الدور التركي، بإحالات تاريخية ودينية وفقهية واقتصادية وسياسية، وتجوّل بين مفاهيم الاستئناف والحروب الصليبية وحروب الاسترداد والخلافة والجزية وغيرها من المفاهيم المشتقة في غالبها من تاريخ القرون الوسطى.

الملاحظ أن تهليل بعض الكتابات العربية بالتدخل التركي في ليبيا، يتماهى مع مواقف مختلف الجماعات الإخوانية العربية، ويتناقض في الوقت نفسه مع مواقف العديد من التيارات التركية المعارضة لسياسات أردوغان الخارجية، وما بين تهليل بعض النخب العربية المتأسلمة بالتوسع التركي، ومعارضة فئات كثيرة من الأتراك له، ترتسم المسافة بين من يقيّم المواقف على أساس مصلحة الوطن وبين من يقرأها على أساس المصلحة الأيديولوجية الصرفة.

تعتبر المعارضة التركية أن إرسال الجنود الأتراك إلى ليبيا لا يعبّر عن سياسة الدولة بل يعبّر عن سياسة الإخوان المتمثلة في حزب العدالة والتنمية (مثلما أشار لذلك موسى بير أوغلو نائب حزب الشعوب الديمقراطي التركي المعارض)، في حين ترى النخب الإخوانية أن ذلك التدخل يمثل الأمل الأخير لإنقاذ التيارات الإسلامية والإخوانية في ليبيا، فضلا عمّا يمثله من ميلان لكفة المحور الأيديولوجي الإخواني بعد خساراته في أكثر من جبهة العربية.

مفيد الإشارة إلى أن للمفكرين والكتاب العرب المروجين للمشروع التركي، فائدة مزدوجة للجانب التركي. فاعتبارهم من غير الأتراك فإنه يتم تقديمهم والاحتفاء بكتاباتهم ومواقفهم، على أساس أنهم يمثلون الصوت الموضوعي البديل والمقابل للكتابات الناقدة والمناهضة للتوسع التركي. أما الفائدة الثانية فتتمثل في أن آراءهم يمكن أن تلقى قبولا عربيا قد لا يتوفر للكتابات التركية التي تذود عن السياسة التركية.

ولذلك نفهم كيف تسارع وكالة الأناضول وغيرها من المواقع التركية الناطقة باللغة العربية إلى نشر مثل هذه المواقف والكتابات، ومنها مقالة أبي يعرب المرزوقي “العرب ليس لديهم ما يخيفهم من تركيا” (أو العثمانوفوبيا في نسختها الأصلية).

لن يجد المشروع التوسعي التركي مروجين أفضل وأكثر “كفاءة” من بعض الكتّاب والمفكرين العرب، خاصة ممن يجمعون بين الصيت الفكري والانتماء العقائدي الإسلامي، ولذلك نجدهم يستبقون الفعل السياسي التركي بمحاولات فكرية لتبريره والتسويق له، متنكرين لمن احتفى بهم من العرب ومنحهم الجوائز، في نسق فكري يتقصد مغازلة الوجدان الشعبي العام باستعادة المجد الإسلامي واستئناف التاريخ.

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية