المسلمون في الغرب ومشكلة التعايش والاندماج

المسلمون في الغرب ومشكلة التعايش والاندماج


26/05/2020

انتشرت مشكلة عدم اندماج المسلمين في المجتمعات التي يعيشون فيها؛ حيث باتت تؤرق المسلمين من جهة، والدول والمجتمعات الأوروبية من جهة أخرى، وقد تعدّدت آراء المحللين حول أسباب هذه الظاهرة؛ إذ ذهب بعض الباحثين إلى أنّ السبب الرئيس يكمن في عنصرية الغرب تجاه المهاجرين عامة، والمسلمين خاصة. بينما يُرجع فريقٌ آخر ذلك الفشل إلى سياسات الدول الأوروبية في دمج المهاجرين فيها، التي أدّت إلى تهميشهم وشعورهم بالعزلة. وذهب آخرون إلى أنّ عدم قدرة المسلمين على الاندماج، يعود لأسباب ثقافية واجتماعية ودينية خاصة بهم، ويطرح أصحاب هذا الرأي السؤال الآتي: هل يمكن إصلاح الإسلام ليتوافق مع المجتمع العلماني الغربي؟

إنّ هذه الآراء، في نظري، تصيب شيئاً من حقيقة تفسير أسباب ظاهرة عدم اندماج المسلمين في المجتمعات التي يعيشون فيها في المهجر. لكن، إذا أردنا التعمّق قليلاً، في واحدة من الآراء السالفة الذكر، التي تطرح سؤال: هل يمكن إصلاح الإسلام ليتوافق مع العلمنة في أوروبا؟ نجد أنّه يمكن طرح السؤال في صورة أخرى، أكثر توسعاً وشمولية؛ حيث نقول: هل يمكن إصلاح الأديان لتتوافق مع قيم العلمنة واشتراطاتها؟ والإجابة تكون من داخل التاريخ الأوروبي نفسه؛ حيث إنّ المتتبِّع لتاريخ العلاقة بين الديانة المسيحية والعلمنة في أوروبا، يخلص إلى أنّ الدول الأوروبية، منذ صلح وستفاليا عام 1648، حتى مطلع القرن العشرين، تمكّنت من إجبار الكنيسة على الاعتراف قسراً بالفضاء العلماني للدولة، وابتعادها عن التدخّل في الشؤون العامّة للدولة، وبذلك لم يقبل رجال الدين المسيحيون بالعلمنة طواعية. أمّا الإسلام؛ فقد بقي أهله في المجتمعات الأم على حالهم، ولم يفككوا هذا الاشتباك بين الدين والسياسة، فانسحب هذا الأمر على المسلمين الذين يعيشون في الغرب، وهذا هو سبب معاناتهم، فهم لم ينجحوا، في مجتمعاتهم الأم، في الفصل بين الديني والسياسي، هذا من جهة. ومن جهة أخرى؛ لم يتمكنوا من الاستفادة من قيم المجتمع الأوروبي الناجزة، التي رسمت حدود الديني والسياسي، كذلك تعمّقت أزمة مسلم المهجر أكثر بوجود جماعات الإسلام السياسي؛ كجماعة الإخوان المسلمين، وحزب التحرير، والجماعات السلفية (الجهادية وغير الجهادية)؛ حيث تتبنّى هذه الجماعات برنامجاً سياسياً وثقافياً مؤدلجاً، يستند إلى قراءة خاصة بهم للدين، تهدف إلى أسلمة أوروبا والعالم. وتُعد جماعة الإخوان المسلمين أشهر هذه الجماعات في تنفيذ هذه الأجندة، نظراً إلى تغوّلها العميق في المجتمع الأوروبي، من خلال السيطرة على مؤسسات اقتصادية وتعليمية وثقافية ودينية، وتمتّعها بشبكة مصالح هائلة مكّنتها من الاستحواذ على منابر الجاليات المسلمة والتحدّث باسمها، بالتالي؛ تشكيل وعيها، ولا وعيها، السياسي والديني والثقافي، عبر خطاب أيدولوجي، يتمثّل في "الأسلمة" و"أستاذية العالم".

الإخوان المسلمون تغوّلوا في المجتمع الأوروبي من خلال السيطرة على مؤسسات اقتصادية وتعليمية وثقافية ودينية

حتّى تضمن جماعة الإخوان هذه السيطرة، واختطاف رأي الجاليات المسلمة، حالت، من خلال خطابها المؤدلج للدين الإسلامي، دون اندماجهم في المجتمعات الأوروبية التي يقيمون فيها؛ حيث حرّضتهم، عبر مقولات دينية تحثّهم على الاستعلاء على الآخر المخالف لهم في الدين والثقافة، ومفاصلته شعورياً، وحتى مادياً، الأمر الذي أدّى بهذه الجاليات للعيش في شبه معازل أو جيتوهات، مادية ونفسية، عن المجتمعات التي يقيمون فيها. بالتالي، إحساسهم بالغربة والاغتراب عن قيم الحداثة والعلمنة الأوروبية.                                                                                                        

وتأسيساً على ما سبق؛ يتّضح أنّ هناك عدة عوامل ساهمت في شيوع ظاهرة عدم اندماج قسمٍ كبيرٍ من الجالية المسلمة في المجتمعات الغربية، كان أبرزها، في نظري، العائق الأيدولوجي القائم على تصورات دينية وثقافية تنتمي للمجتمعات الأم، تشكّلت عبر صيرورة تاريخية خاصة بتطور الفكر الديني للإسلام؛ حيث ما زالت هذه المجتمعات ترزح تحت التخلف الثقافي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وتفتقر إلى أيّة نهضة حداثية تعمل لصالح هذا الإنسان، المرهق بحمولات التاريخ الإسلامي، وما فيه من إكراهات، جعلت من المسلم سجيناً في هذا التاريخ، وما فيه من أنماط ونماذج من الاستبداد السياسي والديني، لا يمكنه التعايش مع عصره الحديث وقيمه الإنسانية، وزاد من عمق مأساة هذا المسلم المهاجر، أيضاً، وجود جماعات الإسلام السياسي، التي تريد إقامة دولةٍ دينيةٍ تستند إلى مقولات فقهاء الدين ورجاله، وتنظر باستعلاء إلى الآخر المخالف في المذهب والدين.                                                                               

لذلك كلّه، وفي ظلّ ثقل هذه الإكراهات؛ كيف لمسلم اليوم، المهاجر إلى العالم الغربي، أن يتعايش ويتصالح مع قيمه، ما دام يعاني من ثقل وطأة تاريخه وتديّنه، وتحكّم جماعات الإسلام السياسي في شؤونه ونمط تفكيره؟

اختطفت جماعة الإخوان المسلمين الجاليات المسلمة في أوروبا وحرّضتهم، عبر مقولات دينية تحثّهم على الاستعلاء على الآخر

الحل المتاح أمام هذه الجاليات؛ أن تمارس تديّنها في الإطار الفردي، وداخل دور العبادة، وأن تترك أدلجة الدين، وتتبنى قيم العلمنة التي تحكم الدولة الحديثة في أوروبا، وتنبذ قيم الاستعلاء الديني والثقافي للآخر، وأن تتشارك وتتقاسم قيم المجتمع الذي تعيش فيه، وإن لم تنجح في ذلك ذاتياً، فستبقى تعاني من العزلة والتهميش، ووهم امتلاك الحقيقة الدينية المطلقة، التي رسّخها فقهاء عاشوا في أزمان تاريخية مختلفة، لها سياقاتها وظروفها ومعطياتها، التي لا تتناسب مع حاضر المسلمين اليوم، ممّا سيؤدّي بها إلى الصدام مع المجتمعات التي تقيم فيها، بالتالي، الوصول إلى الحرب الأهلية، التي لا أستبعد حدوثها في المدى غير البعيد.

الصفحة الرئيسية