المعلومات المغلوطة والمضللة وخطاب الكراهية

المعلومات المغلوطة والمضللة وخطاب الكراهية

المعلومات المغلوطة والمضللة وخطاب الكراهية


01/04/2023

صديق باشا

بعد التفجير الذي وقع في مدينة اسطنبول في 13 نوفمبر 2022، ازدادت المعلومات المغلوطة والمضللة وخطاب الكراهية عبر الإنترنت، حيث سعى الأفراد إلى إلقاء اللوم على أمورٍ عدة فيما يتعلق بالجهة التي تقف وراء هذه المأساة. وفي حين أن هذا الخطاب العاطفي قد يكون نتيجة طبيعية للمظالم والقلق العامين، فإن جماعاتٍ سياسية مختلفة غذَّته، مستخدمة حالة عدم اليقين والعواطف المتأججة كسلاح لتعزيز أجنداتها.

تعليق

قُتل ما لا يقل عن ستة أشخاص، وأصيب 81 آخرون، في هجومٍ بقنبلة تحتوي على مادة “تي إن تي” على طريقٍ رئيس في اسطنبول، شارع الاستقلال، في 13 نوفمبر. ومنذ ذلك الحين، احتجزت السلطات التركية المواطنة السورية أحلام البشير، وأشارت إلى أنها الجانية الرئيسة المسؤولة عن العملية. وكشفت تحقيقات إضافية أن أحلام دخلت تركيا بشكلٍ غير قانوني من بلدة حدودية سورية، بعد تلقيها تدريبات وتعليمات من منتسبين لحزب العمال الكردستاني، وفرعه السوري المزعوم، وحدة حماية الشعب.

هذه التقارير أثارت حفيظة الجمهور، خاصة القوميين الأتراك المحافظين، ما دفعهم لمطالبة الحكومة ليس فقط إلى الانتقام من حزب العمال الكردستاني (الذي يُستخدم أحيانًا بشكلٍ خاطئ للإشارة إلى الأكراد) ولكن أيضًا لتبني موقف أكثر صرامة بشأن هجرة اللاجئين، حيث دعا البعض إلى طردهم بشكلٍ جماعي.

ومع ذلك، يعتقد آخرون ممن كانوا أكثر تشككًا في الحكومة أن إنكار حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب تورّطهما في تلك العملية، وكذلك كون أن توقيت التفجير قريب جدًا من موعد الانتخابات العامة، يشير إلى مؤامرةٍ حكومية.

الأمر المثير للقلق هو أن مثل هذا الخطاب لا يقتصر على عامة الناس فحسب، بل تتبناه جماعات سياسية مثل “حزب النصر” القومي اليميني المتطرف، وبدرجةٍ أقل، المنتسبين إلى قوات سوريا الديمقراطية. وعلى وجه التحديد، ردوا بشكلٍ انتهازي على التفجير بمزيجٍ من تكتيكات التضليل (مثل نظريات المؤامرة) وخطاب الكراهية لتبرير مواقفهم المناهضة للأقليات و/أو المناهضة للحكومة. وإذا ترك هذا الاستخدام للمعلومات المضللة وخطاب الكراهية كأدواتٍ دعائية دون رادع، فإنه يخاطر بتصعيد الاستقطاب العرقي والسياسي في المجتمع التركي، ويزيد من احتمال وقوع المزيد من أعمال العنف.

الصراع التركي مع حزب العمال الكردستاني

منذ نشأته في عام 1984، شنَّ حزب العمال الكردستاني هجماتٍ متقطعة وحرب عصابات وهجمات إرهابية ضد الدولة التركية. يمثل تفجير إسطنبول في نوفمبر 2022 أول هجوم كبير تشنه الجماعات التابعة له منذ 2015-2017، بعد انهيار عملية السلام بين الحزب وتركيا في عام 2015. بيد أنه لا ينبغي أن يكون هذا الهجوم مفاجئًا لأنه تزامن مع تكثيف الحكومة التركية في وقتٍ سابق لحملات الغارات الجوية التي تستهدف قيادة حزب العمال الكردستاني/ وحدات حماية الشعب في شمال العراق وسوريا، ما أسفر عن مقتل العديد من قادة العصابات الرئيسيين.

المشاعر المعادية للأكراد

كان الغضب والدعوات للانتقام من حزب العمال الكردستاني من بين ردود الفعل الشائعة التي عبّر عنها القوميون الأتراك المحافظون على وسائل التواصل الاجتماعي. وعلى تويتر، حيث شدّد بعض المستخدمين على أنه لا مكان لأي شخصٍ يدعم حزب العمال الكردستاني أو يشيد به، وأن الدولة يجب أن تسعى إلى الانتقام من الهجوم الإرهابي. ورغم أن هذه الدعوات للقضاء على منظمة مصنّفة إرهابية أمر متوقع، فقد وسّع بعض المستخدمين نقدهم اللاذع إلى المؤيدين والحلفاء السياسيين المفترضين لحزب العمال الكردستاني. على سبيل المثال، زعم أحد المستخدمين لأتباعه أن “حزب الشعوب الديمقراطي” المعارض المؤيد للحقوق الكردية هو مجرد الذراع السياسية لحزب العمال الكردستاني، وأن زعيمه المشارك السابق صلاح الدين دميرتاش إرهابي.

وتجدر الإشارة إلى أن مثل هذه الاتهامات، على الرغم من استخدامها في كثيرٍ من الأحيان من قبل حكومة حزب العدالة والتنمية الحالية، قد انتقدها المحللون باعتبارها حيلة سياسية لإسكات أصوات المعارضة. وبالتالي فإن مثل هذا المنطق يعني أن أي مؤيد لحزب الشعوب الديمقراطي، الذي يضم عددًا كبيرًا من الأقليات العرقية، مثل الأكراد والعلويين، هو بحكم تعريفه مؤيد للإرهاب، وعلى هذا النحو، هناك مبررات لمهاجمته. ولسوء الحظ، فإن إلقاء اللوم على الآخرين، واستهداف الأقليات، وخاصة الأكراد، ليس ظاهرة جديدة، وقد حدث بشكلٍ متكرر في الماضي في أوقات التوتر السياسي.

كان هذا الخطاب المعادي للأكراد واضحًا أيضًا بين بعض أعضاء المعارضة التركية اليمينيين المتطرفين، الذين يبدو أنهم استخدموا حالة عدم اليقين -بعد التفجير- لإلقاء اللوم على الأفراد والجماعات الكردية وتشويه سمعتها. وشمل ذلك آدم تاشكايا، نائب زعيم حزب النصر، الذي اتهم زورًا المُدافعة الكردية عن حقوق الإنسان جيان توسون بأنها مُفجّرة اسطنبول في تغريدةٍ حذفت لاحقًا، ما أدّى إلى تلقي توسون تهديدات بالقتل.

علاوة على ذلك، عندما سئل عن تغريدة تاشكايا، وصف زعيم حزب النصر أوميت أوزداغ “شبكة رووداو”، مجموعة إعلامية مقرها في كردستان العراق، بأنها “انفصالية” وهدد بإغلاقها إذا وصل حزبه إلى السلطة. حتى أن بعض القوميين الأتراك المحافظين دافعوا عن هذا التكافؤ الزائف بين الأكراد وحزب العمال الكردستاني، حيث أكد أحدهم أنهم لا يفرقون بين الأكراد الجيدين والأشرار، معتبرين أن “أفضل ذئب بالنسبة لهم هو ذئب ميت”.

يمكن القول إن هذا الاستغلال لمأساة تفجير شارع الاستقلال من قبل بعض عناصر المعارضة اليمينية المتطرفة التركية لنشر الخطاب المناهض لحزب العمال الكردستاني/الأكراد يشير إلى شيوع الخطاب الشعبوي لحزب العدالة والتنمية، الذي يهدف إلى التشكيك في الطموحات السياسية الكردية وقمعها، كوسيلة لتعزيز الشرعية القومية للحزب السياسي. ومع اكتساب مثل هذا الخطاب زخمًا على ما يبدو في قطاعاتٍ من المجتمعات التركية، قد يواجه السياسيون والناشطون والمواطنون الأكراد المزيد من التهميش أو حتى القمع.

المشاعر المعادية للاجئين

كان خطابُ الكراهية ضد اللاجئين رد فعل شائعًا آخر انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، في أعقاب تفجير شارع الاستقلال. على سبيل المثال سلّط بعض مستخدمي الإنترنت الضوء على الهوية العربية السورية للجانية، وانتقد آخرون سياسة “الحدود المفتوحة” التي تنتهجها الحكومة لسماحها المفترض بتنظيم داعش وحزب العمال الكردستاني وحركة طالبان بدخول الدولة. ومع ذلك، فإن تصوير اللاجئين على أنهم تهديد أمني متأصّل ليس بالأمر غير المسبوق، بالنظر إلى أن هناك زيادة ملحوظة في أعمال العنف المتبادلة، والنشاط الإجرامي، بين اللاجئين والمجتمعات التركية.

علاوة على ذلك، وكما هو الحال مع الخطاب المعادي للأكراد، انتهزت المعارضة التركية اليمينية المتطرفة الفرصة لاستغلال المظالم العامة المتعلقة باللاجئين لتحقيق مكاسب سياسية. هذا واضح من عضو حزب النصر، إلكيم يوكسل، الذي نشر تغريدةً، حذفت لاحقًا، تدعو إلى إغلاق الحدود والترحيل الجماعي لجميع اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين، ردًا على التفجير.

إن مثل هذه الدعوات المتطرفة لا تذكر الجمهور بالبرنامج الذي يتبناه حزب النصر الذي يناهض اللاجئين بلا هوادة، ولكنها تلقي الضوء أيضًا على الدور والتأثير المتزايدين لأحزاب المعارضة اليمينية المتطرفة في تعميم الخطاب المناهض للاجئين في كل من المجال العام والسياسي.

وهذا الاتجاه مثيرٌ للقلق، لأن الأحزاب السياسية الأخرى قد تتبنى خطابًا مماثلًا خوفًا من التداعيات الانتخابية الناجمة عن التصريحات والسياسات المتصورة المؤيّدة للاجئين. وقد يتسبب ذلك في تفاقم وصمة العار الموجودة بالفعل التي يعاني منها اللاجئون والأقليات الضعيفة، ويجعلهم أكثر عُرضة لجرائم الكراهية.

المؤامرات المناهضة للحكومة

على الجانب الآخر، ركّزت ردود العناصر المناهضة للحكومة بدلًا من ذلك على نظريات المؤامرة المختلفة التي تشير إلى أن التفجير كان حيلة من قبل “الدولة العميقة”. على سبيل المثال، أشار مستخدم على صفحته على موقع “ريدت تركيا” إلى أن التفجير كان محاولة من قبل حكومة حزب العدالة والتنمية لتأمين أصواتهم الانتخابية، من خلال السماح لأحد أعضاء داعش بتنفيذ الهجوم، مع إلقاء اللوم على نحوٍ يمكن تصديقه على حزب العمال الكردستاني.

وانتشرت نظريات مماثلة على موقع “ريدت كردستان” حيث ادّعى أحد المستخدمين أن الهجوم نسب زورًا إلى حزب العمال الكردستاني، لأن “الانتخابات قادمة”، وأن حزب العدالة والتنمية “ليس لديه الأغلبية و[هو] على وشك الخسارة”.

في حين أن نظريات المؤامرة لمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي المجهولين قد لا تُشكِّل تهديدًا فوريًا، لا يمكن قول الشيء نفسه عندما توجد ميليشيات مسلحة تعيد نشر مثل هذه المؤامرات. فيما يعتقد أنه حساب على “فيسبوك” لأحد المنتسبين إلى قوات سوريا الديمقراطية، زعمت أن الجاني “مرتبط بتنظيم داعش”، وأن التفجير كان ذريعة للرئيس التركي أردوغان “لتدمير مناطق سورية جديدة، واحتلالها وإجراء تغيير ديموغرافي، وترحيل اللاجئين لتحقيق مكاسب في الانتخابات المقبلة”.

وتجدر الإشارة إلى أنه لا توجد مؤشرات من مصادر تابعة لتنظيم داعش على أن أعضاءه مسؤولون عن هجوم اسطنبول. وعلى الرغم من أنه يُمكن نشر هذه النظريات كوسيلة للطعن في تصوير الحكومة التركية لقوات سوريا الديمقراطية، والجماعات التابعة لها، على أنها منظمة إرهابية، فإن تعزيز مثل هذه المشاعر المناهضة للحكومة وانعدام الثقة في الروايات السائدة قد يسهم في الانزلاق التدريجي نحو التطرف، ولا سيّما بين الأفراد الذين لديهم مظالم تجاه الدولة.

الخلاصة

الفترة التي تلَت تفجير اسطنبول شهدت عودة للمشاعر المعادية للاجئين والأكراد على وسائل التواصل الاجتماعي، فضلًا على انتشار روايات المؤامرة المناهضة للحكومة. يمكن أن تُعزى هذه الظاهرة، جزئيًا على الأقل، إلى مختلف الجهات الفاعلة السياسية التي استخدمت استراتيجيات التضليل وخطاب الكراهية، لاستغلال وتعزيز المخاوف والمظالم طويلة الأمد في المجتمع التركي، كوسيلةٍ لإضفاء الشرعية على أجنداتها وتعزيزها.

هذا الأمر لا يُعد تطورًا جديدًا بأي حالٍ من الأحوال، لأن مثل هذه الجهات الفاعلة تستقي ببساطة تكتيكاتها من قواعد اللعبة السياسية لحزب العدالة والتنمية. فمع تزايد انتشار تبني السياسة التآمرية في تركيا في ظل حزب العدالة والتنمية الحالي، من الضروري إيلاء اهتمامٍ أكبر لتأثير واستخدام المعلومات المغلوطة، والمعلومات المضللة، وخطاب الكراهية الذي يُوظّف، ليس من قبل الرئيس الحالي فحسب، بل من قبل المعارضة اليمينية المتطرفة أيضًا، خاصة في الفترة التي تسبق الانتخابات العامة المقبلة.

وهذا أمرٌ بالغُ الأهمية بالنظر إلى أن هذه التكتيكات لديها القدرة على إدامة دورات العنف ليس فقط بين المجتمعات المتنوعة داخل تركيا، ولكن أيضًا بين الحكومة والجماعات المسلحة، مثل حزب العمال الكردستاني وداعش.

عن "عين على التطرف"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية