الملك تشارلز معجب بالإسلام وتعلّم العربية لقراءة القرآن

الملك تشارلز معجب بالإسلام وتعلّم العربية لقراءة القرآن

الملك تشارلز معجب بالإسلام وتعلّم العربية لقراءة القرآن


02/10/2022

ترجمة: محمد الدخاخني

سوف يفاجئنا الملك تشارلز الثّالث؛ فالرّجل الذي تُعدّ عائلته رمزاً مادّيّاً للاستعمار، قضى حياته محاولاً تحرير عقله من الأحكام المسبقة المتكلّسة للإمبراطوريّة. إنّ رأس الدّولة الجديد في بريطانيا معجبٌ صريحٌ بالإسلام، وناقدٌ للتّدخّل الغربيّ، ومدافعٌ عن التّعدّديّة الثّقافيّة، سيكسب أصدقاءً جديدين لبلاده، وبعض الأعداء الشّعبويّين، في أنحاء العالم كافّة.

سعى الملك الجديد لعقود إلى تحرير نفسه ممّا يسمّيها "المادّيّة الغربيّة"، وذلك من خلال الانغماس في ثاني أكبر ديانة في العالم؛ فحين كان أميراً لويلز، انخرط في دراسة المنسوجات، والحدائق، والهندسة المعماريّة الإسلاميّة، لكنّه لم يتوقّف عند هذا الحدّ؛ فقد درس، أيضاً، اللغة العربيّة لفهم القرآن.

رفض "صراع الحضارات"

لا يمكن القول سوى إنّ هذا الشّغف ألهمَ العاهل البريطانيّ الجديد، في خطابات مبكّرة تعود إلى عام 1993، حذّر من أنّ "درجة سوء التّفاهم بين العالمين الإسلاميّ والغربيّ ما تزال مرتفعة بشكل خطير"، قائلاً: "أعتقد من صميم القلب أنّ الرّوابط بين هذين العالمين مهمّة اليوم أكثر من أيّ وقت مضى"، رافضاً السّرديّة الذّائعة عن "صراع حضارات" يختمر بين العالم الإسلاميّ والغرب.

 صرّح بأنّ الإسلام "جزء من ماضينا وحاضرنا، في جميع مجالات المسعى الإنسانيّ. لقد ساعد في خلق أوروبا الحديثة. وهو جزء من ميراثنا، وليس شيئاً منفصلاً عنه".

صرّح بأنّ الإسلام جزء من ماضينا وحاضرنا، في جميع مجالات المسعى الإنسانيّ

مع تفشّي التّعصّب والإسلاموفوبيا، بعد الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، أصرّ على موقفه. قال عام 2006 في باكستان: "بقاء هذا الكوكب سيعتمد على فهمكم أنّه يمكنكم تحقيق الوحدة من خلال التّنوّع"، واقتبس من القرآن آية {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}. جعلته آراؤه بعيداً عن التّيار السّائد: ليس فقط معارضته لحظر فرنسا النّقاب، لكن أيضاً انتقاده الرّسوم الكاريكاتوريّة الدّنماركيّة التي سخرت من النّبيّ محمّدﷺ.

 

سعى الملك الجديد لعقود إلى تحرير نفسه ممّا يسمّيها "المادّيّة الغربيّة"، وذلك من خلال الانغماس في ثاني أكبر ديانة في العالم، كما درس، أيضاً، اللغة العربيّة لفهم القرآن

 

يتجلّى إعجاب تشارلز بالإسلام في حياته الشّخصيّة وعمله؛ وضع سجادة حدائقيّة في منزله المحبّب في هايغروف مستوحاة من التّصاميم الإسلاميّة والنّباتات المذكورة في القرآن الكريم، وهو راعٍ لـ "مركز أكسفورد للدّراسات الإسلاميّة"، وتدرّس "مدرسة الفنون التّقليديّة" التّابعة لـ "مؤسّسة الأمير" مجموعة واسعة من الدّورات حول التّقاليد الإسلاميّة، كذلك جعل زيارة الأضرحة الإسلاميّة، والأماكن المقدّسة، وحتّى الجامع الأزهر في القاهرة جزءاً من أسفاره الملكيّة. ووصفه إمام الجامع الأزهر بأنّه "صوت غربيّ عادل" بشأن الإسلام واحتفل بلقائهما. 

مداواة جراح 11 سبتمبر

يريد كبير الدّبلوماسيّين الملكيّين البريطانيّين الجديد، على الرّغم من أنّه ربما لم يقل ذلك صراحةً، أن يُداوي الجراح التي خلّفتها حقبة الحادي عشر من أيلول (سبتمبر).

إنّ جهوده في إقامة حوارات ثقافيّة لا تقتصر على الإسلام؛ فقد بنى جسوراً رائعة مع اليهود، واستضاف حفلة ملكيّة بمناسبة عيد "الهانوكا"، عام 2019، في قصر باكنغهام وعقد صداقات مع كبار الحاخامات وكرّم ناجين من الهولوكوست من خلال التّكليف بوضع بورتريهات لهم ضمن المجموعات الملكيّة. فيما يتعلّق بإرث الإمبراطوريّة وأولئك الذين وقعوا ضحايا في بلدان أخرى، فقد ذهب إلى أبعد ممّا فعلته والدته، وقال (عام 2021): "العبودية كانت فظاعة"، وعلى نحو مثير للاهتمام أنّ "الوقت حان" لمواجهة إرثها.

لكنّ افتتان الملك الجديد بالإسلام هو الذي يحظى بأكثر التّداعيات السّياسيّة وضوحاً. 

 

عندما كان أميراً لويلز، عارض الاستعمار الغربيّ الجديد بصوت مسموع، وعندما كانت حكومة توني بلير تجهّز نفسها للمشي على خطى الولايات المّتحدة في العراق، أعلن تشارلز معارضته للحكومة

 

عندما كان أميراً لويلز، عارض الاستعمار الغربيّ الجديد بصوت مسموع، وعندما كانت حكومة توني بلير تجهّز نفسها للمشي على خطى الولايات المّتحدة في العراق، أعلن تشارلز معارضته للحكومة "كان الزّحف مع حمل لافتة للدّيمقراطيّة على النّمط الغربيّ شيئاً متهوّراً وعديم الجدوى"، هكذا نقل الصّحفيّ روبرت جوبسون، في سيرةٍ كتبها عن حياة تشارلز، رأي الملك في غزو العراق. والملك، أيضاً، من أشدّ المؤيّدين للفلسطينيّين، وتمنّى لهم في الآونة الأخيرة "الحرّيّة، والعدالة، والمساواة"، بينما ضغط مراراً على الحكومة البريطانيّة لبذل المزيد.

جاء احتضان الملك للإسلام على خلفيّة تصاعد ظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب، وهو سياق سياسيّ يدركه جيّداً. 

"المدافع عن الإيمان"

في حديث يعود إلى عام 2016، انتقد ضمنيّاً الرّئيس الأمريكيّ المنتخب حديثاً، دونالد ترامب، وسياسته المتمثّلة في حظر دخول العديد من الزّوار القادمين من بلدان ذات أغلبيّة مسلمة الأراضي الأمريكيّة. وأعرب تشارلز عن أسفه لظهور "العديد من الجماعات الشّعبويّة، في أنحاء العالم كافّة، التي تزداد عدوانيّة تجاه أولئك الذين ينتمون إلى ديانات أقلّويّة، كلّ هذا له أصداء مزعجة للغاية لأيّام الثّلاثينيّات المظلمة" [في إشارة إلى النّازيّة]. هذا ما يبرز أهميّة تردّد تشارلز المُعلَن بشأن لقبه "المدافع عن الإيمان"، وكونه، كما يقول، يرى نفسه أكثر على أنّه "مدافع عن إيمان". ملك بريطانيا الجديد رجل مهّمته وضع التّعدّديّة الثّقافيّة، وليس القوميّة، أوّلاً.

 افتتان الملك الجديد بالإسلام يحظى بأكثر التّداعيات السّياسيّة وضوحاً

الآن، قد يشكّك نقّادٌ في مدى تخلّي تشارلز، الذي يمتلك قصوراً متعدّدة ويشتهر بانغماسات، عن المادّيّة الغربيّة، كما أَقرّ، قبل تولّي العرش وبعده، بأنّه بصفته صاحب السّيادة، من المتوقّع أن يكون أكثر حذراً بشأن آرائه.

 من غير الواضح إلى أيّ مدى سيستمرّ في التّعبير عن بيانات وأفعال سياسيّة، وهو الذي تعرّض بالفعل لانتقادات يمينيّة لتعهّده في مكالمة مع الرّئيس الفرنسيّ بمواصلة العمل معاً "بدءاً بحماية المناخ والكوكب".

مع تولّي تشارلز الثّالث العرش، سيدرك تماماً أنّ قوّة الملكيّة تكمن في استخدام سلطتها الرّمزيّة لوضع أشياء معيّنة فوق السياسة كمهمّة وطنيّة، تماماً كما فعلت الملكة مع الكومنولث. قال للقادة الدّينيّين: "لطالما فكّرتُ في بريطانيا كمجتمع يتكوّن من مجتمعات".

يمكن لملكٍ صريح يوجّه رسائل للمسلمين في أعيادهم، ويدافع عن التّنوّع، ويكره الإسلاموفوبيا، كسب الأصدقاء وتضميد الجراح في الخارج، وعلى المنوال نفسه، يمكن لذلك، أيضاً، أن يصنع أعداء في الولايات المتّحدة إذا استعاد ترامب، أو حركته، البيت الأبيض من خلال سياسة التّفوّق العنصريّ التي يرفضها تشارلز.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

بن يودا، الواشنطن بوست،  أيلول (سبتمبر) 2022



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية