المنافسة تحتدم بين إيران وروسيا في سوريا... كيف يتواجه الطرفان؟

المنافسة تحتدم بين إيران وروسيا في سوريا... كيف يتواجه الطرفان؟


29/06/2021

تحتدم المنافسة بين روسيا وإيران على سوريا، خاصة في المجال الاقتصادي والثقافي، إلى درجة عالية من الحدة، فمع انخفاض حدة القتال في غالبية أنحاء سوريا، بدأ الداعمان الرئيسيان لبشار الأسد في التنافس على النفوذ وغنائم الحرب.

وكانت الشركات الروسية هي المُهيمنة عادةً في هذه القطاعات المتنازع عليها، فقد فازت مثلاً بـ5 عقود نفطية بين عامي 2013 و2020، رغم أنّ إيران نجحت العام الماضي في الحصول على أول عقد نفط سوري لصالحها. وفي ربيع عام 2019 أعلن النظام السوري أنّه يخطّط لتأجير ميناء طرطوس لروسيا ومنح محطة الحاويات في ميناء اللاذقية لإيران، لكنّ العقد الأخير انهار لاحقاً، وفق تقرير لصحيفة Washington Post  الأمريكية.

ميناء طرطوس

وقد وعد النظام السوري إيران في البداية بعقد لتعدين الفوسفات، لكنّ العقد ذهب في النهاية إلى شركة روسية عام 2018، والتي من المقرر أن تحصل على 70% من أرباح الفوسفات المستخرج لمدة 50 عاماً، بحسب رئيس تحرير موقع Syria Report  السوري جهاد يازجي.

ويبدو أنّ طهران تشعر بأنّها تخسر في معركة التنافس الروسي الإيراني على سوريا، أو على الأقل تتخلف عن الروس.

 

الشركات الروسية فازت بـ5 عقود نفطية بين عامي 2013 و2020، وإيران نجحت في 2019 بالحصول على أول عقد نفط سوري

 

يقول جهاد يازجي في تصريح صحفي: "شعر الإيرانيون بأنّهم لم يحصلوا على حصة عادلة من الأصول السورية مقارنة بالتزامهم، سواء العسكري أو الاقتصادي، وقد قدّم الإيرانيون الكثير من الدعم الاقتصادي، لكنّ المزايا الاقتصادية ذهبت إلى الروس أكثر من الإيرانيين".

وفي عام 2018 طالب أحد كبار مساعدي المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي اللواء يحيى رحيم الصفوي، بضرورة تعويض إيران عن دعمها لسوريا بعقود نفط وغاز وفوسفات، وقال حينها: "يمكن لإيران عقد اتفاقات سياسية واقتصادية طويلة المدى مع النظام السوري لتعويض النفقات التي تحملتها".

اللواء يحيى رحيم الصفوي

وإضافة إلى التنافس الروسي الإيراني على سوريا في المجال الاقتصادي، فهناك توترات وصراعات بين الجانبين في المجالين؛ الأمني والسياسي، وقعت خلال الأعوام الأخيرة، بدت واضحة في وقوع عدة اشتباكات بين أبرز قوتين تابعتين للجيش السوري النظامي، هما "الفرقة الـ4" التي يقودها ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري والتي تدعمها إيران، و"الفيلق الـ5" وقوات "النمر" التي يقودها سهيل الحسن المعروف بلقب النمر، والتي تتلقى دعماً من روسيا، من جهة أخرى.

ومن مظاهر التنافس الروسي الإيراني على سوريا، تجنيد البلدين للمقاتلين من أبناء العشائر السورية في صفوف الميليشيات التابعة لهما.

 

النظام السوري وعد إيران بعقد لتعدين الفوسفات، لكنه ذهب في النهاية إلى شركة روسية والتي من المقرر أن تحصل على 70% من الأرباح لمدة 50 عاماً

 

وتفاقم مؤخراً التنافس الروسي الإيراني على سوريا في مجال النفط، خاصة الثروة النفطية في شمال شرقي سوريا، غير الخاضعة لسيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) المدعومة من التحالف الدولي بقيادة أمريكا، حسبما ورد في تقرير لصحيفة الشرق الأوسط السعودية.

وتاريخياً، كانت علاقات سوريا الاقتصادية مع روسيا أقوى من إيران، لكنّ إيران نجحت في اقتطاع جزء لنفسها من السوق السورية، ويجري استيراد الأجهزة الإلكترونية والأدوية مثلاً من إيران على نحو متزايد.

فضلاً عن أنّ تحدي إيران للغرب له أثره الطيب في نفوس بعض السوريين، فحين افتتح الإيرانيون مجمعاً ترفيهياً جديداً في دمشق في شهر آذار (مارس) الماضي، استقبلت الزائرين لوحةٌ تحمل صوراً لخامنئي وقاسم سليماني إلى جوار الأسد.

 

وقوع اشتباكات بين "الفرقة الـ4" التي تدعمها إيران، و"الفيلق الـ5" وقوات "النمر" التي تتلقى دعماً من روسيا

 

وقامت إيران ببناء مركز تجاري من 12 طابقاً في قلب العاصمة، والذي من المنتظر أن يكون مقراً لـ24 شركة إيرانية، بحسب موقع "إيران إنترناشيونال".

وفي مجال آخر، امتدّ التنافس الروسي الإيراني على سوريا إلى التعليم، فروسيا سبقت إيران إلى المدارس السورية، وقد تمّ إدراج اللغة الروسية إلى جانب اللغة الفرنسية كخيار عند دراسة لغة ثانية، وجرت أولى امتحانات اللغة الروسية في المرحلة الثانوية العام الماضي.

وتُواصل إيران الضغط من أجل تدريس اللغة الفارسية رسمياً أيضاً؛ إذ وقّعت العام الماضي اتفاقية تنص جزئياً على مساعدة سوريا في إعادة بناء المدارس، وحينها أكّد وزير التعليم الإيراني محسن حاجي مرزاعي على "أهمية إدخال اللغة الفارسية في النظام التعليمي السوري".

واستثمرت إيران وروسيا أيضاً في بناء مطاحن الدقيق في سوريا، وجرى افتتاح المطحنة الأولى من أصل 5 بتمويل إيراني قبل عامين.

 

إيران نجحت في اقتطاع جزء لنفسها من السوق السورية، ويجري استيراد الأجهزة الإلكترونية والأدوية من إيران على نحو متزايد

 

وقد أعلنت شركة روسية بدورها عام 2017 أنّها حصلت على عقد بقيمة 84 مليون دولار لبناء 4 مطاحن في محافظة حمص، وتستفيد روسيا أيضاً من صادرات القمح المباشرة إلى سوريا، والتي وصلت إلى مليون طن سنوياً بين عامي 2017 و2019، وفقاً للمسؤولين الروس والسوريين.

هذا، وتسعى روسيا إلى مساعدة سوريا في إعادة مد جسور العلاقات بينها وبين العالم العربي، الذي تنظر غالبية دوله إلى إيران بعين الريبة، وتدعم روسيا اللجنة الدستورية التي تسيّرها الأمم المتحدة لإعادة كتابة الدستور.

 

روسيا سبقت إيران إلى المدارس السورية، فقد جرى إدراج لغتها كلغة ثانية، وتُواصل إيران الضغط من أجل تدريس اللغة الفارسية رسمياً

 

وكانت روسيا قد بعثت رسالة التطمين إلى رئيس النظام السوري بشار الأسد، في أعقاب القمة التي جمعت الرئيسين؛ الروسي فلاديمير بوتين، والأمريكي جو بايدن، في 16 حزيران (يونيو) الجاري، في مدينة جنيف السويسرية.

نائب رئيس الوزراء الروسي، يوري بوريسوف، أطلع الأسد على نتائج قمة الرئيسين، "مشدداً على موقف روسيا المبدئي المبني على الشرعية الدولية والالتزام بالقانون الدولي واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية"، حسبما نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).

وقد كافأ الأسد روسيا ببحث توسعة "التعاون الثنائي القائم، خصوصاً على الصعيد الاقتصادي والاستثماري والجهود المشتركة، ليشمل مجالات إضافية، خصوصاً التعاون في مجال الطاقة والتقنيات الحديثة والصناعة والزراعة، وتم تأكيد أنّ الديناميكية التي تتسم بها العلاقات بين البلدين تعطي المرونة لتوسيع آفاق التعاون بشكل دائم ومستمر"، حسب ما أوردت الوكالة نفسها.

وحول الأطماع الإيرانية في سوريا، قال مدير شبكة  Deir Ezzor 24 عمر أبو ليلى: إنّ إيران "لا تُريد المال فقط، بل تريد الأرض أيضاً"، حسبما نقلت عنه صحيفة  Washington Post.

 

استثمرت إيران وروسيا في بناء مطاحن الدقيق، وجرى افتتاح المطحنة الأولى بتمويل إيراني قبل عامين، وأعلنت شركة روسية أنها ستبني 4 مطاحن

 

 وأضاف أنّ الإيرانيين يشترون العقارات في شرق سوريا من أجل السكن والأعمال التجارية، وكذلك في حي السيدة زينب بالعاصمة دمشق ومحيطه، حيث يقع الضريح المقدس لدى الشيعة.

قد يعطي هذا ميزة نسبية لطهران في مضمار التنافس الروسي الإيراني على سوريا؛ لكونها الأكثر انتشاراً على الأرض، إلا أنّ لهذا التواجد الإيراني في أوساط السوريين عيوباً أيضاً.

 

عمر أبو ليلى: إيران لا تُريد المال فقط، بل تريد الأرض أيضاً، ويشتري الإيرانيون العقارات في سوريا من أجل السكن والأعمال التجارية

 

فالعديد من السوريين يرفضون هذه التعديات الإيرانية، وقد تراكمت المخاوف من تصاعد النفوذ الشيعي بالتزامن مع زيادة الوجود الإيراني خلال العقد الماضي وشرائهم العقارات.

 وتُتهم إيران بمحاولة "تشييع السُنّة" في سوريا عبر الأموال والمنح الدراسية والرعاية الصحية، حسبما ورد في تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.

 وفي سياق المنافسة، أوضحت موهدان المحللة السياسية المختصة بالشؤون الخارجية الروسية ساغلام، في تصريح لـ"العربية"، أنّ "اختلاف الاستراتيجيات بين الطرفين أدى الى وجود حالة التنافس هذه، لكنّ الأمر لن يؤثر بشكل كبير على علاقاتهما، خاصة أنّ تلك الاستراتيجيات المختلف عليها تقع في نطاق المصالح الضيقة والقصيرة المدى، ولأسباب اقتصادية بالدرجة الأولى، لذلك يتفق الروس مع الإيرانيين إلى الآن حول مستقبل سوريا ورئيسها الحالي".

 

بعد قمة بوتين وبايدن كافأ الأسد روسيا ببحث توسعة التعاون على الصعيد الاقتصادي والاستثماري في مجال الطاقة والتقنيات الحديثة والصناعة والزراعة

 

 وتابعت: "الأهداف الاقتصادية لكل طرف مختلفة عن الآخر، ولهذا نجد نوعاً من المواجهة بين موسكو وطهران في سوريا، لكن في واقع الأمر تبدو هذه المواجهة مدخلاً للتفاوض لاحقاً بين الجانبين، وكلاهما يستخدمان جماعات محلّية لتحقيق مثل هذه الأهداف، وإرغام بعضهما بعضاً على تقديم بعض التنازلات في نهاية المطاف".

 من جهته، رأى الأكاديمي والمحلل السياسي الروسي إكبال درة أنّ التنافس الروسي ـ الإيراني يعود إلى وقت طويل، حتى في حقبة الاتحاد السوفييتي السابق كانت موسكو وطهران تتنافسان في مختلف المجالات، لا سيّما في المجال الاقتصادي".

 وأضاف: "رغم أنّ الدولتين حليفتان لدمشق ورئيس النظام بشار الأسد، إلا أنّ طهران لعبت الدور الأبرز عسكرياً على الأرض، لذلك تبدو المنافسة شديدة بين الطرفين اليوم".

 وأشار إلى أنّ "الصمت الروسي حيال الهجمات الإسرائيلية على سوريا، وموقف موسكو من هضبة الجولان المحتلة، ومحاولة بعض الجماعات المسلّحة الموالية لطهران التواجد في محافظة اللاذقية، زاد من حدّة التنافس بين كلا الجانبين لأسباب اقتصادية وعسكرية وسياسية".

 

الصمت الروسي حيال الهجمات الإسرائيلية على سورية وموقفها من هضبة الجولان وتواجد الجماعات المسلّحة الموالية لطهران في اللاذقية زاد من حدّة التنافس

 

  إلا أنه أوضح في الوقت نفسه أنّ "ما يجمع موسكو وطهران ببعضهما بعضاً أكبر من التنافس الحالي، فعلى سبيل المثال يتفق الجانبان على إخراج قوات التحالف الدولي من سورية، وفي الوقت ذاته يتفقان على محاربة التنظيمات المتشددة، لكنّ أكثر ما يثير غضب روسيا هو أنّ طهران تتعامل مع سورية كعنصر مهم لمشروعها الذي يُعرف  بـ(الهلال الشيعي)".

يُذكر أنه خلال العقد الماضي من الحرب السورية، أقامت كل من روسيا وإيران علاقات مع السكان في مناطق تواجد قواتهما العسكرية من خلال بعض العشائر والتيارات السياسية وفعاليات المجتمع المدني، وحاول كلا الجانبين استمالة تلك الجماعات لطرفهما من خلال عقد مؤتمرات وتقديم بعض المساعدات المالية والإغاثية، بالإضافة إلى مشاريع "خدمية" مثل ترميم بعض المدارس التي تضررت مبانيها نتيجة الحرب، وفق ما نقلت وكالة "فرانس برس".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية