الموازنة تتضاعف لحساب الأمن والحرس الثوري: هل نفد صبر الإيرانيين؟

الموازنة تتضاعف لحساب الأمن والحرس الثوري: هل نفد صبر الإيرانيين؟

الموازنة تتضاعف لحساب الأمن والحرس الثوري: هل نفد صبر الإيرانيين؟


04/04/2023

تتضاعف نفقات إيران على الجانب الأمني والعسكري، في ظل تعزيز اقتصاديات الحرس الثوري الإيراني، الذي يقود سياسات طهران الإقليمية، وتعميق نفوذها الخارجي في عدة مناطق، باليمن وسوريا ولبنان.

ويضاف إلى ذلك تأمين وحماية النظام الذي يواجه احتجاجات عنيفة ومتواصلة منذ أيلول (سبتمبر) العام الماضي، حيث يؤشرّ واقع الحال إلى أزمة بنيوية في هياكل المؤسسات الإيرانية، الأمر الذي تفاقمه نسبة التضخم التي وصلت لـ 46.5 بالمئة في العام الإيراني المنتهي في 20 آذار (مارس) الماضي.

دولة الرفاه في إيران لمن؟!

هذا التضخم الذي برز في بيانات البنك المركزي، مؤخراً، كما كشفت موازنة إيران عن طبيعة النفقات وتوجهاتها، يكشف عن صعوبات جمّة تضاف إلى أعباء المواطن في طهران. فيما تتزايد الاحتجاجات الفئوية نتيجة ارتفاع تكاليف المعيشة، وفقدان الكثير من الامتيازات الاجتماعية والخدمية، ناهيك عن تدني الأوضاع الحقوقية المدنية والسياسية وحتى الثقافية.

وذكر مركز الإحصاء الإيراني أنّه "نظراً لتغيير تركيبة سلة المستهلك بمرور الوقت، فمن الضروري تغيير السنة الأساس في فترات زمنية محددة، بناء على توصيات دولية". وقال المركز: "وعلى هذا الأساس، فإنّ عملية تغيير السنة الأساس، التي بدأت عام 2021 بمركز الإحصاء الإيراني، وصلت إلى مراحلها النهائية، وسيتم الإعلان لاحقاً عن آخر نتائج مؤشر الأسعار للمستهلك بناء على السنة الأساس الجديدة".

بيد أنّ هناك أسباباً متعددة للأزمة الاقتصادية الحالية في إيران، منها الفساد البنيوي في هياكل الاقتصاد الإيراني، ما يعد "الأهم والأكثر تأثيراً على المواطنين العاديين"، وفق عضو المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، مهدي عقبائي.

مهدي عقبائي: ميزانية الحرس الثوري تصاعدت بنحو 130%

ويرى عقبائي أنّ إيران تعاني من سوء إدارة وتوزيع النفقات التي تتضاعف لحساب "الأمن" و"الحرس الثوري" وغيرهما من القطاعات الأمنية، موضحاً لـ"حفريات" أنّ ذلك قد أدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية، وزيادة مستوى التضخم على نحو كبير.

وفي ما يتعلق بتنامي النسب المخصصة لنفقات الحرس الثوري الإيراني، أكد عقبائي أنّ التضاعف المستمر في هذا الاتجاه إّنما يؤثر، بشكل كبير، على المواطنين العاديين في إيران، خاصة الفئات الفقيرة والمحرومة التي تعاني من صعوبات كبيرة في الحصول على الخدمات الأساسية.

واقع الحال يؤشر إلى أزمة بنيوية في هياكل المؤسسات الإيرانية، الأمر الذي تفاقمه نسبة التضخم التي وصلت لـ 46.5 بالمئة في العام المنتهي في 20 مارس الماضي

وخلال تصريحه، أشار عقبائي إلى أنّ مخصصات الدفاع تمثل نحو 29% من ميزانية البلاد، وأنّ ميزانية الحرس الثوري تصاعدت بنحو 130% بعد الانتفاضة العارمة على خلفية مقتل الفتاة الكردية الإيرانية مهسا أميني على يد دورية "شرطة الأخلاق"، وهو ما يشكل أعباء هائلة على المواطنين العاديين.

اعتراف الملالي بالعجز

وتكاد لا تختلف توقعات ممثلي الحكومة الاقتصادية عن ما تردده المعارضة، حيث رجح، في وقت سابق، عضو لجنة الصناعات في البرلمان الإيراني، مرتضى حسيني، ارتفاع التضخم لنحو 40 في المائة في موازنة العام الجديد. وقال: "بهذه الأوضاع الحالية، قد نشهد زيادة في التضخم تصل إلى 60 في المائة في بعض السلع".

وسبق لرئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف، أن اعترف في لقاء تلفزيوني، بإخفاق الحكومة في مسألة توفير احتياجات المواطنين وتحسين شروط حياتهم على خلفية العجز في الموازنة، وكذا التضخم. مع الأخذ في الاعتبار أنّ تصريح قالبيقاف على وجاهته يعد ضمن مواقفه المتشددة التي يتخذها في إطار خصومته أو بالأحرى تنافسه السياسي مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي. وقال قالبيقاف: "نقبل أنّنا لم نتمكن من دعم وتغطية نفقات المواطنين بما يتناسب مع التضخم، لا سيّما الشريحة الضعيفة من المجتمع".

وعلى هامش هذا المشهد الاقتصادي الصعب والمرير الذي يقع تحت وطأة عوامل عديدة، منها العزلة الدبلوماسية لإيران والعقوبات الأمريكية، احتشدت قطاعات عديدة للاحتجاج بعدة مناطق على خلفية تدني أوضاعهم الاقتصادية، والمطالبة بزيادة رواتبهم. وقد أعلن "اتحاد المتقاعدين" في إيران تأييده للتظاهرات، بينما طالب بالاصطفاف بين المحتجين. وقال الاتحاد في بيان: "الآن بعدما تم الكشف عن فضيحة المجلس الأعلى للعمل في تنسيقه مع الحكومة وأصحاب العمل، فما من سبيل آخر سوى الاحتجاج في الشوارع والإضراب".

عضو المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية مهدي عقبائي لـ"حفريات": إيران تعاني من سوء إدارة وتوزيع النفقات التي تتضاعف لحساب "الأمن" و"الحرس الثوري" وغيرهما من القطاعات الأمنية

وشدد الاتحاد على ضرورة تحقيق مطالب المواطنين ومنها "زيادة الرواتب، والحق في تشكيل النقابات، والحق في العمل والأجور المتساوية للنساء والرجال، وتأمين مناسب ضد البطالة، وحرية الإضراب والاحتجاج، وحرية التعبير، وكذلك إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين".

وقبل أيام، حرّض المتقاعدون باقي المحتجين في قطاعات أخرى، من بينها التعليم والتمريض والعاطلين عن العمل، بالشروع في تنفيذ إضرابات موسعة بالمصانع والشركات بغية "الدفاع عن مطالبهم يداً بيد وسط الشوارع بهتافات عالية". وجاء في بيانهم: "لننهض معاً ضد الفقر والعوز. يمكن لقوتنا تحريك الجبال. يمكننا أن نبني حياة أفضل... سننال حقوقنا وسط الشارع فقط".

وعود "رئيسي": هل تلين الاحتجاجات الفئوية؟

إلى ذلك، أكد معهد واشنطن أنّ مشروع الموازنة الذي قدمه إبراهيم رئيسي "لم يتضمن أيّ بوادر حسن نية في مجال الاقتصاد. كما تجنب الإصلاحات الهيكلية التي يمكن أن تساعد في كبح جماح التضخم ودفع عجلة النمو".

لكنّ الرئيس الإيراني، في خطابه، بمجلس النواب أثناء تقديم مشروع الموازنة،  قال إنّ من بين الأهداف الأساسية للموازنة، تحقيق "الانضباط المالي وإدارة السيولة، وخفض التضخم، وتحقيق نمو مستقر وفعال، وموجه نحو العدالة". وقال رئيسي إنّه يمكن "زيادة رواتب موظفي الحكومة بنسبة 20% فقط، مما يشكل خفضاً فعلياً في ظل ارتفاع معدلات التضخم".

معهد واشنطن ذكر أنّ الانفاق الدفاعي قد تمت زيادة نسبته لنحو 5%، بينما ألمح إلى مصادر أخرى للمؤسسات الدفاعية للحصول على مواردها من دون رقابة حكومية أو مساءلة برلمانية، وذلك من خلال التهريب. لكنّ الموازنة في كل الاحوال "توفر معياراً مرجعياً مفيداً". أما مركز الإمارات للسياسات فيوضح في ورقة بحثية حول الموازنة الإيرانية أنّه لا يمكن اعتبار الاقتصاد الإيراني حكومياً، بسبب تأثره بتوجهات وقرارات مؤسسات اقتصادية كبرى تقع خارج سيطرة الحكومة. وتسيطر المؤسسات التابعة لجهات سيادية غير حكومية (الحرس الثوري، وبيت القائد) على نحو ثلثي النشاط الاقتصادي في البلاد.

معهد واشنطن: مشروع الموازنة الذي قدمه إبراهيم رئيسي لم يتضمن أيّ بوادر حسن نية في مجال الاقتصاد

ومع ذلك، وفق المركز، تبقى الموازنة العامة التي تقدمها الحكومة في كلّ عام، "عاملاً رئيسياً في رسم ملامح النشاط الاقتصادي في البلاد؛ فهي تمثل نشاط قطاع مهم يستحوذ على ثلث حجم الاقتصاد الإيراني تقريباً. وفيما تحاط معظم أنشطة المؤسسات الاقتصادية السيادية وخططها الاستراتيجية بالسرية التامّة، يعتبر مشروع الموازنة الوثيقة الوحيدة المعلنة التي يمكن من خلالها قراءة توجهات الاقتصاد الإيراني وأدائه. ويمكن اعتباره عينة لفاعلية جميع القطاعات الأخرى التي تغيب عن أعين المراقبين. ويمكن القول إنّ الأرقام الواردة في الموازنة  تحمل إلى حد بعيد، دلالات حقيقية على اتجاهات الاقتصاد، والتضخم، وأسعار النفط، باعتباره البضاعة التي لا تزال الحكومة تمسك بزمام الجزء الأكبر منه حتى الآن".

ويرجح عضو المجلس الوطني للمقاومة الإيراني، مهدي عقبائي، أن تدفع تداعيات الوضع الاقتصادي، في إيران، الشرائح كافة إلى "الحافة"، بل تجعل التظاهرات مرشحة للزيادة باستمرار، لافتاً إلى أنّ "الانتفاضة الإيرانية التي استمرت لأكثر من 6 أشهر وراح ضحيتها 750 شخصاً، وأدت إلى اعتقال 30 ألف شخص، لا تنفصل عن هذه البيئة التي كما تغيب فيها الحقوق الاجتماعية والاقتصادية الفئوية، تتلاشى الحقوق الثقافية المدنية والمواطنية".

 وتفاقم الأزمة الاقتصادية والتضخم الهائل في البلاد الأوضاع السياسية والمجتمعية بصفة عامة، فيما أبدى الشعب الإيراني، خلال هذه الانتفاضة، "نبذه للنظام السياسي، برمته، دونّما رغبة في الإصلاح أو حتى الإشارة له"، وفق عقبائي الذي أكد أنّه "لا يمكن تجاهل أنّ تفاقم الأزمة الاقتصادية في إيران يمثل تحدياً كبيراً للحكومة الإيرانية. والوضع مرشح للانفجار المجتمعي بفعل استمرار ‌المظاهرات والاحتجاجات الشعبیة".

واضيع ذات صلة:

مشروع الموازنة الإيرانية: أرقام متفائلة تصطدم بالواقع

كيف يؤثر الاتفاق السعودي الإيراني على إسرائيل؟

هل يملأ الاتفاق السعودي الإيراني الفراغ الرئاسي اللبناني؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية