المولد النبوي.. نهج المحبة والرحمة

المولد النبوي.. نهج المحبة والرحمة

المولد النبوي.. نهج المحبة والرحمة


27/09/2023

لبنى الهاشمي

منذ فجر الدعوة الإسلامية، نشأ غرض شعري ذو قيمة إبداعية وأخلاقية، وهو غرض "المديح النبوي"، فإذا تتبعنا تاريخ المديح النبوي، سنجد أن أوله ما قاله عبد المطلب إبان ولادة محمد صلى الله عليه وسلم، إذ شبه ولادته (ص) بالنور والإشراق، حين يقول: وأنت لما ولدت أشرقت ** الأرض وضاءت بنورك الأفقُ فنحن في ذلك الضياء وفي ** النور وسبل الرشاد نختــرقُ

ثم ها هو أبو طالب يمدح النبي (ص) في صغره، عندما استسقى به في أيام القحط.

وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ** ثمال اليتامى عصمة للأرامل

يلوذ به الـهُلَّاك من آل هاشم ** فهم عنده في نعمة وفواضل

ومع ذلك فهذا الفن الشعري الذي ازدهر وتنامى مع الدعوة النبوية والفتوحات الإسلامية، كان هذا وهو حي عليه الصلاة والسلام قائم بين ظهراني أصحابه، وممن اشتهروا بهذا مجموعة من الشعراء الصحابة رضوان الله عليهم الذين كانوا يُعرفون بالفصاحة والبلاغة، ومنهم "حسان بن ثابت"، و"كعب بن مالك"، و"كعب بن زهير"، و"عبد الله بن رواحة"، فقد كانوا يكتبون الشعر في مدح الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكان هذا فناً من فنون المحبة والشوق، والشغف بمدح خصائصه وخصائله.

فمابالكم بنا نحن الذين أحببناه ولم نره! لماذا حين نحتفل به نقع تحت طائلة الضلالة، ونواجه بوابل الإنكار والذم من بعض المتشددين الذين يرون ذلك بدعة سيئة، أو يعدونه كبيرة من الكبائر أو ذنباً عظيماً، هل يتناسى هؤلاء أنه احتفاء يُعبّر عن المحبة له صلى الله عليه وسلم، وهل ينكرون أنه كان يعظّم يوم مولده، ويشكر الله تعالى فيه على نعمته، وكان يعبّر عن ذلك التعظيم بالصيام، هل ينكرون أن محبته أصل من أصول الإيمان، وقال: لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أجمعين)؟! هل ينكرون المفارقة المهمة فى حديث -البخاري- قيل أن الله يخفّف عن أبي لهب كل يوم اثنين بسبب عتقه لثويبة جاريته لما بشرته بولادة النبي صلى الله وعليه وسلم؟!

إن محبته صلى الله عليه وسلم تتغلغل في قلوب المؤمنين، وإن التعبير عنها ليس على درجة واحدة، ولا بشكل واحد، بل لها عدة سبل وطرائق في التنفيس عنها.

وقد أجازت دار الإفتاء المصرية احتفال المسلمين بالمولد النبوي الشريف، وأوضحت الدار في فتواها حول ذلك، أن المولد النبوي الشريف إطلالة للرحمة الإلهية، كما أخبر عنها في القرآن بالنسبة للتاريخ البشري جميعه.

وأشارت الفتوى إلى أن جماهير العلماء سلفاً وخلفاً أجمعوا على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، بل ألف في استحباب ذلك جماعة من العلماء والفقهاء، بيّنوا بالأدلة الصحيحة استحباب هذا العمل، وأكدوا أن الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف فعل لا مخالفة فيه لسنة، ولا إحياء فيه لبدعة غير حسنة، غير تلك التي شهد الشرع باعتبارها، ويكفي ما قاله عمر رضي الله عنه "نعم البدعة هذه".

مشروعية الاحتفال بذكرى المولد النبوي صدرت عن علماء الأمة الإسلامية المعتدلين، وأقربهم إلى الصواب والوسطية والتسامح، كما أن المولد النبوي الشريف، يعد فسحة كبيرة لإدخال البهجة، وتعطير المجالس بذكره وبذكراه، والاقتداء بسيرته صلى الله عليه وسلم، وترسيخ معاني الإنسانية والمحبة والسلام والتسامح، متخلقين بأخلاقه وبمنهجه صلى الله عليه وسلم.

كما أن الاحتفاء بذكرى المولد رسالة ذات مغزى تربوي وأخلاقي وروحي، وهو أمر محمود، وعمل مبرور، يكفي أنه توقير للرسول صلى الله عليه، شريطة أن يكون ذلك بقراءة السيرة ومدارستها من باب الأسوة الحسنة، فهي فضيلة في هذا الشهر، فنحن أحوج ما نكون إلى هديه في هذا العصر الذي كثرت فيه الفتن، وانتشر التطرف، والتكفير، وتم اختطاف الدين، وبدأ يعيش المسلم في غربة، وكثر أعداؤه، فلا طريق إلى الخلاص من كل ذلك إلا باتباع "نهج المحبة" التي تلطف الأجواء، وترسخ الاعتدال والتسامح، وتعزز من أدبيات التدين الصحيح.

كما يعتبر المولد من الفرص السانحة لنرتقي بأخلاقنا، وإظهار الاستئناس والابتهاج بهذه الذكرى، فحياته كلها أسوة لنا، ولذا فإن تأصيل محبة الرسول عليه الصلاة والسلام واجب شرعي.

وتختلف الاحتفالات الشعبية والرسمية من بلد لآخر ومن منطقة لغيرها، مثل إقامة مجالس لذكر الله وقراءة القرآن والابتهالات، ومدح النبي، وتدارس سيرته، وذِكر شمائله، ويُقدّم فيها الصدقات والطعام والحلوى وغيرها.. وهو يوم إجازة رسمية في معظم الدول العربية والإسلامية.

من الثوابت الوطنية في دولتنا والنابعة من حكمة قيادتنا، أن المناسبات الدينية يجب استثمارها في إعادة الإرث التاريخي والمنهج الحضاري، لكون الإمارات منبعاً ثرياً للمحبة، وموطناً أصيلاً للاعتدال، ومحجّة للتعايش السلمي بين الناس.

ندعو الله أن يعيد هذه الذكرى على دولتنا وعلى العالم الإسلامي والإنسانية جمعاء بالخير والبركة والرخاء، وكل عام والجميع بخير ومحبة وسلام.

عن موقع "24"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية