النسوية الإسلامية: حضور متزايد يُقيّد أفق المرأة

النسوية الإسلامية

النسوية الإسلامية: حضور متزايد يُقيّد أفق المرأة


04/02/2020

في إطار ما تمرّ به منطقة الشرق الأوسط، منذ قرابة عقد زمني، استمر فيه الحراك السياسي والاجتماعي بلا توقف، كان للنساء نصيب الأسد من هذا الحراك، تتعالى أصواتهنّ مطالبات بالمزيد من الحقوق، ويتّخذن سبلاً متعددة لأجل تفعيل آليات تمكنهنّ من انتزاع حقوقهنّ، بالتوازي مع حراك شعبي ذي طابع مدني، تصاعدت أصوات نساء الإسلام السياسي، متصدرات لتلك الساحة؛ بل ومتصدرات لما يسمينه "التيار العلماني للنسوية"، والذي يروّج له الإسلامويون باعتباره النموذج الغربي للنيل من المرأة المسلمة، بافتراض أنّ الحركة النسوية العالمية، تنطلق من منظور مسيحي، بحسب ما يتصورون.

اقرأ أيضاً: فاطمة حافظ: ما يقدمه السلفيون من نسوية يسيء للإسلام
وبصرف النظر عمّا تطرحه التيارات الإسلامية، باختلاف درجة انفتاحها، تظلّ القراءة الجامدة للنصوص التراثية، بما لا يدع مجالاً للشكّ، هي مصدر تشريعاتهم ونظرتهم الأبدية للمرأة، غير مبالين بمعطيات العصر، أو طبيعة المجتمع، كون اختلاف الثقافات وأنثروبولوجيا الشعوب تتحكم في الدور المجتمعي المنوط بالنساء.


والمثال الأكبر على ذاك التباين الاجتماعي، النظام القائم في مقاطعة "مينانغكاباو"، في إندونيسيا ذات الأغلبية المسلمة والحكم الديني؛ حيث تتمتع نساء تلك المقاطعة بالسيادة على الرجال، ويحقّ للأم أن يُنسب أطفالها إليها، دون الأب، مع أنّ هذا، وفق تفسيرات الفقهاء مرفوض، استناداً لقوله تعالى، من [سورة الأحزاب]: ﴿ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ﴾، وهو تشريع صريح بألّا ينسب الطفل لامرأة، حتى لو لم يجد أباً يعترف بنسبه، هنا تطغى الطبيعة الاجتماعية على النصّ بشكل صريح، تتمتع فيه النساء بالحضور الأعلى، حدّدت معطياته الظروف الاجتماعية والاقتصادية والأعراف القبلية في هكذا مجتمع.

"نساء مينانغكاباو"
تفرد "حفريات" ملفاً خاصاً لما يسمَّى "النسوية الإسلامية"، تعرض فيه أهم محاوره، وكيف تلعب دعاوى تلك الحركة دوراً محورياً في عرقلة مسيرة النساء، باعتبارها أحد روافد الفكر الذكوري المتشح بالتقدمية التي تتكشف عند أول محكّ.

ظهر مصطلح النسوية الإسلامية للمرة الأولى في إيران تحديداً مع قدوم العام 1992

يمكن توصيف النسوية الإسلامية بصفتها الوحيدة التي تربط تحرر المرأة برؤية دينية، وتعدّ المساواة بين الجنسين، كمبدأ للعدالة الاجتماعية، لُبّ صراعها، ويمكننا إعادة الموجة الأولى من النسوية الإسلامية إلى مستهلّ القرن العشرين، والتي أشير إليها ذاك الوقت باسم "النسوية العلمانية"؛ فهي أشبه بحركة اجتماعية، تنقل أفكار المواطنة، ومشاركة المرأة في الفضاء السياسي العام.
وفي هذا السياق ترى الباحثة الأمريكية المتخصصة في الحوار بين الأديان، مارجوت بدران، وفق ما ورد بصحيفة "لوموند" الفرنسية، أنّ تلك الحركات النسوية قامت كجزء من حراك اجتماعي ونضالات قومية لمجابهة الاستعمار، وتشير إلى أنّ "ما يجب قوله حول النسوية الإسلامية: "إنّ مصر كانت دولة رائدة في إنتاج الفكر النسويّ، وفي التنظيم الجماعي للتشدّد النسوي؛ حيث ادّعت هؤلاء النسويات العلمانيات وصول النساء إلى المساجد لممارسة الصلاة معاً، أو الحقّ في التعليم للجميع".

اقرأ أيضاً: السينما النسوية السعودية تضع المجتمع أمام عيوبه
بالانتقال إلى أوائل التسعينيات من القرن الماضي، وبعد تمكّن أذرع الإسلامويين من مقاعد للسلطة في عدة بلدان إسلامية، اتّخذت النسوية الإسلامية شكلاً جديداً، وتطورت في كلّ ركن من أركان العالم، ولكن بالنظر إلى إيران تحديداً، مع قدوم العام 1992، ظهر مصطلح النسوية الإسلامية، للمرة الأولى.
إلّا أنّ هناك نساء أكاديميات في تلك الحقبة، الإسلاموية بامتياز، تولّين قيادة حركة تتبنى إعادة قراءة القرآن الكريك وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وفي مقدمتهنّ النسوية الأمريكية، ذات الأصول الإفريقية، ربيبة جامعة ميتشغن الأمريكية، أمينة ودود، والباكستانية أسماء بارلاس، التي مُنحت حقّ اللجوء السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية، وغيرهنّ من الإيرانيات والتركيات، وبعض الناشطات من جنوب إفريقيا وماليزيا، اللواتي قمن بعملية تفكيك الممارسات الأبوية في الفقه الإسلامي، مثل تعدّد الزوجات أو ضربهن.


وكان هدفهنّ، وما يزال، التحرر من هيمنة الذكور من خلال الاعتماد على النصوص الدينية، والمطالبة بالمساواة بين الجنسين، وحرية الاختيار، وتبنين الادّعاء، بمساعدة أدوات تحليل النوع الاجتماعي ثمّ تطويرها، أنّ مصدر التشريع الأول في الإسلام، ليس أبوياً في جوهره؛ لذلك أخذن على عواتقهنّ إجراء تغييرات في قانون الأسرّة، والحثّ على إصدار تشريعات تنصف النساء في قوانين الأحوال الشخصيّة، كان هذا أبرز تجليات أمينة ودود، في كتابها الأشهر "القرآن والمرأة"، الذي تمحورت أفكاره حول إعادة قراءة النصّ المقدس من خلال منظور النساء.

مصطلح "النسوية الإسلامية" لم يبرز في مصر اجتماعياً إلا بعد العام 2011

وفق المجلة الفرنسية "femmes-pluriell"، أو "جموع النساء"؛ فإنّ ما يسمى بالنسوية الإسلامية قد أخذ حيزاً متسع الانتشار في أوروبا، بشكل كبير في بلجيكا وفرنسا، وهو ما يتضح من خلال وجود شبكات دولية ترافق هذه الحركة أساساً، بصورة غير متجانسة، أو خاصة بالسياقات الوطنية التي تظهر فيها التجمعّات والمبادرات، وترجئ المجلة في حديثها عن انتشار ذاك الشكل من النسوية الإسلامية في بلدان أوروبية، إلى وقوع النساء المسلمات ضحايا التمييز المزدوج، من ناحية الجنس الذي يتعرضن له في المجال الخاص من جانب النساء والرجال، وثانيهما: القراءات الاجتماعية الإثنية التي يعانين منها في التعليم المدرسي، وذلك بالانتقال إلى شخصية الآخر، بسبب المسلمين أو اللغة العربية، أو من ثقافة متباينة، وهو ما تجلَّى في آخر النقاشات العامة التي تمت بالبرلمان الفرنسي حول قضية الحجاب في فرنسا. 
طرحت النسوية الفرنسية، ورئيسة تحرير "عالم الأديان"، بمعهد العالم العربي في باريس، فيرجيني لاروس، تساؤلاً مهمّاً حول تلك الحركة، خلال جلسة مؤتمر القوى والأديان، العام 2016، قائلة: "هل هذه النسوية الإسلامية هي نتيجة لإعادة الأسلمة، أم ردّ فعل على النسوية العلمانية في الستينيات والسبعينيات؟".

اقرأ أيضاً: كيف أصبحت النسوية المعاصرة ذراعاً خفياً للنظام الرأسمالي الذكوري؟
من خلال هذا التساؤل دار النقاش حول مفهوم النسوية الإسلامية خلال المؤتمر، لتدلي بدلوها أستاذة علم الاجتماع بجامعة باريس، ومديرة مركز التعليم فيها، البروفيسيرة الإيرانية الفرنسية؛ أزاده كياني، في بلورة تلك الحركة قائلة: إنّ النسويات الإسلاميات يعرفن أنفسهن في المجتمع الإسلامي، لكنهنّ لا يعتزمن تطبيق قوانينهنّ الدينية، وهنا يجب الحديث عن النسويات الإسلاميات في صيغة الجمع؛ حيث تتباين أفكارهنّ وفق السياق التاريخي والاجتماعي والثقافي والإقليمي، وبالتالي تتباين أهداف النسويات الإيرانيات عن أهداف التركيات والأوروبيات والعربيات.

القراءة الجامدة للنصوص التراثية تظلّ هي مصدر تشريعات التيارات الإسلامية ونظرتهم الأبدية للمرأة

ورغم قول البعض: إنّ مبدأ المساواة بين الجنسين إنّما هو أطروحة قرآنية جليّة، إلّا أنّ كثيرين لا يعتزمون طرح تلك المسألة بتجلٍّ بين الأوساط الإسلامية؛ حيث يتمّ تدريب كثيرات من النساء في علم اللاهوت لإعادة تفسير القوانين والإرث الديني من منظور نسائي، وهو ما ينفي تجلي أطروحة النصّ التي يقدمها البعض.

لطالما كانت المرأة محور العقل الأصولي الذي لا يكترث بها بل يقاتل لأجل تحجيم دورها لصالح سيطرته

في هذا الإطار، تقول المحامية الجزائرية والمديرة السابقة لحقوق المرأة في اليونيسكو، وسيلة تمزالي، في حوار لها مع جريدة "لوموند" الفرنسية: علينا التمييز بين الناشطة النسوية المسلمة خارج النسوية الدينية، فالنسوية الإسلامية ذات الطابع الأيديولوجي تحارب من خلال الإطار الديني، وهو وفق ما يشهده العالم العربي، فإنّ اللجوء إلى الدين دائماً ما يحدث استجابة إلى الفراغ السياسي بشأن النظام القائم، وعليه فيمكن للمرء أن يوقظ ضمير الجموع من خلال الدين.
لكن هذا بحدّ ذاته أدّى إلى تجاوزات خطيرة بشأن المرأة المسلمة، خاصة في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وبأخذ النموذج الجزائري في الاعتبار؛ فإنّه بعد استقلال البلاد عقب ثورة التحرير، انحازت البلاد إلى القطب السوفييتي، وطورت الجزائريات مفردات ماركسية عن الصراع الطبقي في سبعينيات القرن الماضي؛ حيث نظمت الجماعات النسائية نفسها في حركات ذات طابع تروتسكي، باستخدام الخطاب المناهض للاستعمار، القضية المحورية في ذلك الوقت، وقدمن أطروحات ذات طابع تقدمي بحقّ المرأة في الحرية والمساواة بين الجنسين، دون أن يجدن أنفسهنّ في حاجة إلى الرجوع للإسلام.

اقرأ أيضاً: "النسوية".. المرأة الغربية ماتزال تعاني التمييز
ومع هذا لم تنعزل النسويات الماركسيات الجزائريات عن الحركة الإسلامية الناشئة وقتها، فقد ذهبت المحامية والناشطة الماركسية، وسيلة تمزالي، العام 1964، إلى ماليزيا، لإجراء نقاشات مع الأخوات المسلمات حول منظورهنّ النسوي؛ حيث إنّ هناك نساء بخلفية أيديولوجية أخرى يكافحن لأجل المساواة، أما بالنسبة إلى النسويات الماركسيات، كانت النسوية في المقام الأول تفكيكاً لفكرة النساء في جميع أنحاء العالم، وعلى إثرها هاجمن القومية والدين، ما جعلهنّ يضعن النسويات الإسلامية في قالب استنساخ للحضارة الغربية، وأحد روافد الاستعمار وإرثه المتجذر.

يمكن إعادة الموجة الأولى من النسوية الإسلامية إلى مستهلّ القرن العشرين التي أشير إليها باسم "النسوية العلمانية"
بالتوجه إلى مصر؛ فـمصطلح "النسوية الإسلامية" ليس بالمصطلح السائد في المجتمع، بل إنّه تعالى وتمدّد، بعد العام 2011، حين أتاحت ثورة 25 يناير والحراك الاجتماعي الواسع الذي حدث إثرها رواجاً لأفكار الإخوان المسلمين، وظهرت إشكالية خطيرة بعد الانتخابات البرلمانية، التي استحوذ فيها التيار الأصولي من الإخوان والسلفيين على أغلبية برلمانية، ما استدعى دقّ ناقوس الخطر على كثيرٍ من القوانين والحقوق الدستورية، التي كفلها التشريع للنساء في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، لذا فقد ظهرت المنظمات النسائية باعتبارها الظهير الحامي لحقوق النساء في مصر.

اقرأ أيضاً: شيرين عبادي: نعم أنا نسوية ومسلمة.. أين التعارض؟
كانت منظمة "المرأة والذاكرة" في مقدمة تلك المنظّمات، بحسب تصريح أستاذة الأدب الإنجليزي، وإحدى مؤسسات الحركة النسائية الإسلامية في مصر، الدكتورة أميمة أبو بكر، في حوار أجرته لموقع "قنطرة" قالت: إنّ "فكرة النسوية الإسلامية في مصر يمكن تقديمها كمشروع عقائدي ومعرفي، يقوم به باحثون مسلمون ومتخصصون في الدراسات الإسلامية، مع تقديم الغرض من نقد الأبوية في التراث الإسلامي، وبناء بديل آخر أكثر إنصافاً، وهذا المشروع نشط على المستوى المحلي والإقليمي والدولي".

جماعة الإخوان المسلمين تجيد استخدام النساء بحسب التداعيات السياسية التي يقدّمها الواقع لمشروعهم

  البروفيسور الأمريكي من جامعة كارولينا، والمتخصص في فلسفة الأديان، والباحث في الإسلام السُنّي بمصر وشمال إفريقيا ( (Jeffry R Halverson قدّم بحثاً نشرته جامعة كامبريدج البريطانية، بعنوان "النسوية الإسلامية في مصر والمغرب من منظور جندري"، يسبر فيه أغوار حركة الإخوان المسلمين، منذ منبتها الأول الممثل في رواج أفكار محمد رشيد رضا، أستاذ حسن البنا، المرشد الأول للجماعة، وتأثرات رضا التي مالت إلى الجانب الوهابي أكثر من ميلها لأستاذه، وإمام الإصلاح الديني في أواخر القرن التاسع عشر، الشيخ محمد عبده.
وهو بما لا يدع مجالاً للشكّ، من منظور الباحث، عزّز النظرة الرجعية تجاه المرأة عبر تعاقب الأجيال، فالبنا كان أكثر تشدّداً من رضا، وهكذا تعالت صيحات التشدّد، جيلاً عقب آخر، مع توالي الهزائم الاستعمارية والفراغ السياسي، وأزمات المنطقة بأكملها، هنا يقدم الباحث في النسوية الإسلامية من منظور محايد، باعتبارها حركة عالمية تجمع عموم المسلمات، دون النظر إلى البعد القومي أو الإقليمي، ويرى أنّها بدأت منذ قاسم أمين ومحمد عبده، كردّ فعل معارض للمنتج الثقافي الغربي، من أجل الحفاظ على الطابع المحافظ للمجتمع الإسلامي، مع قليل من الانفتاح بما لا يتناقض مع تفسيرات النصوص.
وبالقفز إلى العام 1970؛ نجد أنّ النسويات الإسلاميات في مصر قدمن أطروحات متمركزة حول سلطة القرآن، وتشجيع تفسيره باعتبار تماسكه، وغضّ الطرف عن السياقات التاريخية والاجتماعية للنصّ.

اقرأ أيضاً: عاملات لا يصرخن عبر "هاشتاغات" .. نسويات بلا نسوية
ورغم تقدمية النصوص الإسلامية في بعض الأجزاء بالنسبة للمعطى التاريخي والسياق الاجتماعي الذي بدأت فيه؛ فإنّ بعض الرواسب القبلية والعادات والإرث الذكوري قد علق بالنصوص الفقهية، بشكل يتجلى في كتب التراث حول أمور المرأة، دون أن يلتفت تيار مثل الأخوات المسلمات في مصر لهذا الأمر، ودون المساس به، رغبة في الحفاظ على الطابع الأبوي المقدس، حملت هذا اللواء ذا الطابع التكفيري، زينب الغزالي.
وبالتوازي مع صعود وانتشار الحراك النسائي في مصر، انفصلت زينب، التي عملت لمدة عام مع هدى شعراوي، بعد استشعارها أنّ ما تقدمه الحركة النسائية العلمانية، ليست سوى تشظٍّ للهوية المصرية والإسلامية، ومحاولة لاستعمار ثقافي وفكري وهويتي، لا العكس، وعليه فقد انضمت إلى لواء البنا، الذي فاضت كتاباته بتوضيح دور المرأة في المجتمع من منظور إسلامي، والذي لا يتخطّى عتبات المنزل؛ حيث تظلّ منوطة بتربية النشء المسلم، وإعداد الخليفة القادم، الذي سيجدّد أمجاد المسلمين ويعيد الأمور إلى نصابها، من خلال تتبع مسيرة حياة زينب التي أرّختها كما ترى، في كتابها "أيّام من حياتي"، فإنّ الثقة الزائدة واليقين المطلق الذي تكتب به سيرتها الشخصية، يعكس كيف يتمحور فكر الجماعة حول حمل الحقّ المطلق، يعكس هذا أيضاً شرط عقد زواجها من الزوج الأول، الذي دوّنته في مستندات الزواج؛ "أنّ ينتهي زواجها منه في الحال إذا حالت العلاقة بينها وبين واجبات الدعوة"، ورغم عدم إنجابها للأطفال، رأت أنّ كلّ اللواتي تتلمذن على يديها هنّ بناتها؛ حيث كانت تعقد دورات مع جامعة الأزهر لتخريج الداعيات.

د. أميمة أبو بكر

تتشابه زينب الغزالي وتشتبك بأفكارها وأيديولوجيتها مع سيد قطب، ويمكن استشعار ذلك من كتاباتها ورؤيتها التكفيرية للمجتمع المصري، رجاله ونسائه، الذين وصمتهم بالجاهلية والبربرية والهمجية، متبنيّة حتى موتها، العام 2005، عقيدة التأديب التي يجب أن يخضع لها هذا الشعب، يمكن تفسير هذا الشيء جزئياً بالتعرض لتجربة قاسية في السجن، بعد العام 1954، الذي احتدت فيه العلاقة بين عبد الناصر وجماعة الإخوان.

اقرأ أيضاً: بخصوص النسوية العربية العابسة
ولكنّ النزعة المتعالية على عموم المصريين، تنضح بها كتابات قطب والغزالي، التي رافقت شقيقتَيه، حميدة وأمينة، في الزنزانة نفسها، والتي رأت أنّ الجهاد وحده هو الطريق نحو حكم الإسلام، وربما يخلو طرحها من أيّ بُعد جندري للمرأة المسلمة، بل -بحسب ما يرى كثيرون- كانت درعاً لتوظيف النساء للمشروع الكبير في جماعة الإخوان المسلمين، وأطروحتها الأبوية الذكورية، والتي تجيد استخدام النساء بحسب التداعيات السياسية التي يقدّمها الواقع لمشروعهم.
وكان أبرز تجليات هذا الاستخدام ما حدث من تغيرات في مواقف الجماعة تجاه النساء، بعد العام 2011، من توظيف لهنّ لأجل الحصول على أكبر مكاسب سياسية توظَّف في خدمة مشروعهم الرئيس، على الصعيد المحلي؛ فانتخابات مجلس النواب العام 2012، والتي قام ممثلو جماعة الإخوان والتيار السلفي إثرها بعمل دستور جديد للبلاد، قد شهدت تعدّيات واضحة من جانب نساء التيار الإسلامي على تشريعات المرأة، على سبيل المثال؛ محاولة تقنين زواج القاصرات، والختان، وتحجيم عمالة النساء، وهو ما أكّده المستشار الدكتور محمد سمير، أحد أعضاء لجنة وضع الدستور، ممثلاً عن الدولة، ل ـ"حفريات" قائلاً: "كانت النساء الإسلاميات أكثر شراسة في التصدي لأيّ تشريعات تعزز قضايا المرأة، بل كنّ الأكثر ذكورية، وكأنهنّ أبواق رجعية تجلد غيرهنّ من النساء المهمَّشات".
لطالما كانت المرأة، وستبقى، محور العقل الأصولي الذي لا يكترث بها، بل يقاتل لأجل تحجيم دورها، لصالح سيطرته، برز هذا منذ الظهير الأول للتاريخ الإسلامي، الذي تراكم بأيادي الذكور، وما يزال يحاول البعث من جديد بالنمط نفسه، لكنّه بصدد التواجد داخل عالم أكثر تعقيداً مما يحتمل عقله المملوء بأفكار جامدة، لا تخضع حتى لقوانين المرونة العصبية، التي يمليها الدماغ البشري على السلوك الإنساني.
ولسبر أغوار النسوية الإسلامية وكشف حقيقة أطروحاتها حول حقّ النساء في المساواة والحرية تستكمل "حفريات" الملف الخاص بهذا الموضوع من خلال تقديم مقالات تنشر تباعاً.

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية