النهضة الإخوانية واتحاد الشغل التونسي.. تناقضات عميقة تجعل التقارب مستحيلاً

النهضة الإخوانية واتحاد الشغل التونسي.. تناقضات عميقة تجعل التقارب مستحيلاً

النهضة الإخوانية واتحاد الشغل التونسي.. تناقضات عميقة تجعل التقارب مستحيلاً


08/03/2023

عبر التاريخ لم ينضمّ الإسلاميون للمنظمة الشغيلة إلا بوصفهم أفراداً، لا كتيار سياسي ناشط في البلاد، وقد تميّزت علاقة الطرفين دائماً بتباينات أبعد من الخلافات السياسية التكتيكية، بل هي تناقضات إيديولوجية وفكرية تتصل بنظر الحركة للعمل النقابي، وبتصور الاتحاد لطبيعة المجتمع.

وينظر الإسلاميون إلى اتحاد الشغل (أكبر تجمع نقابي) على أنّه معقل اليسار التونسي، فقد اقترن اسم اليسار عبر التاريخ بالعمل النقابي، وتعود بدايات التجربة النقابية إلى أربعينيات القرن الماضي مع تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل الذي ناضل ضد المستعمر الفرنسي إلى أن نالت البلاد استقلالها عام 1956. 

هذه التباينات جعلت من تقارب الطرفين أمراً مستحيلاً، برغم التقائهما في نقطة معارضة الرئيس قيس سعيّد، وإجراءات 25 تموز (يوليو) 2021، أو دعم بعض القضايا التي لا توحّد ضرورة الخصمين، اللذين ظلّا على طرفي نقيض، باختلاف المحطات السياسية والاجتماعية التي مرّت بها تونس.

اتهامات بالتقارب

وخلال اليومين الماضيين تعرّض اتحاد العمال الذي يترأسه نور الدين الطبوبي، وحزب العمال اليساري الذي يتزعمه حمة الهمامي، إلى حملة انتقادات واسعة، على خلفية ظهور بوادر تقارب مع حركة النهضة الإخوانية، بعد دفاعهما عن بعض قيادات الحركة الإسلامية، وبعض النشطاء السياسيين المعتقلين.

هذه الانتقادات قادتها أحزاب سياسية وأطراف يسارية، بينهم عائلات ضحايا الاغتيالات السياسية التي عاشتها تونس خلال عام 2013، أي خلال حكومة حركة النهضة الإخوانية، قبل انسحابها من المناصب الحساسة، فضلاً عن نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي.

ينظر الإسلاميون إلى اتحاد الشغل (أكبر تجمع نقابي) على أنّه معقل اليسار التونسي

جاء ذلك على خلفية تقدّم الطبوبي بتحية خاصة خلال المسيرة، التي نظّمها نهاية الأسبوع الماضي، إلى كافة الموقوفين بسجن "المرناقية" (غرب العاصمة)، ومن بينهم علي العريض وزير الداخلية السابق، وبعض المعتقلين من قيادات حركة النهضة، وهو ما خلّف ردود أفعال سلبية.

وقد تسبب حضور قيادات من حركة النهضة في المسيرة الاحتجاجية التي دعا إليها اتحاد الشغل السبت الماضي إحراجاً كبيراً للمنظمة الشغيلة، خصوصاً أمام منظوريها، فقد بدا الأمر مقدمة لتحالف معلن مع الحزب الإسلامي وباقي الطيف السياسي المتحالف معه.

تميّزت علاقة الطرفين دائماً بتباينات أبعد من الخلافات السياسية التكتيكية، بل هي تناقضات إيديولوجية وفكرية

 

 كذلك، رفض حمة الهمامي زعيم اليسار التونسي رفع شعارات مسيئة لزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي خلال مسيرة احتجاجية نُظمت الأحد، واعتبرها "غير ملائمة، وليست في وقتها"، وهو ما أثار أيضاً تساؤلات حول حقيقة العلاقات التي باتت تجمع الأحزاب التي تعرّضت للإقصاء من المشهد، بعد إعلان الرئيس قيس سعيّد التدابير الاستثنائية عام 2021، وإخراج المنظومة السياسية السابقة بأكملها من السلطة، وفقاً لما نشرته صحيفة "الشرق الأوسط".

اتحاد الشغل يتبرّأ

من جانبه، سارع اتحاد الشغل إلى التبرؤ من أيّ تحالف أو تقارب له مع جبهة الخلاص التي تقودها حركة النهضة الإخوانية، قائلاً: إنّ بعض مكوناتها كان وما زال عدوّه.

 وأعرب الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي عن استغرابه من الهجمة الموجهة إلى الاتحاد، لافتاً إلى أنّ الكلمة أخذت أكثر من حجمها وتغافل مستغلوها عن مضامينها الرامية إلى معنيين أساسيين، معتبراً أنّ "التضامن مع من يتقاطع معنا في مواقفنا، لا مع من يدعم أو يتورط في قضايا إرهابية، وثانياً نحن في الاتحاد نحترم قرينة البراءة، ونرفض المحاكمات الشعبية".

 وانتقد الطبوبي في افتتاح اجتماع المكتب التنفيذي الموسع المنعقد بمدينة الحمامات الساحلية، تحضيراً للهيئة الإدارية الطارئة، ما سمّاه بإعلام السلطة والمعارضة على حدٍّ سواء، قائلاً: "الجميع يحاول رصّ الاتحاد في صفه، وكلّ السلطات حاولت تقليم أظافر الاتحاد، وحتى المعارضة هذه المرة تلوّح بالوعيد للاتحاد لاختلافه في تقييمه عمّا انتهجته". وأضاف: "نقول لهؤلاء، سلطة ومعارضة، حذارِ، لا أحد يقلّم أظافر الاتحاد، فللنقابيين مخالب لا تُقلّم!".

بعد ثورة 2011 حاولت حركة النهضة تأسيس أو دعم تأسيس منظمات نقابية موازية، لسحب البساط من تحت اتحاد الشغل

 

 ونفى الطبوبي ما ذهب إليه البعض من قوله تحية للمعتقلين وسحبها نحو معنى تبييض الإرهاب، معتبراً أنّه فهم خاطئ، ويرفضه الاتحاد، وأنّ المنظمة ليست في صف أحد، وكل مواقفه تُعبّر عن مبادئه وقناعاته، ولا تنبع من معسكر زيد أو عمرو. ومن بين الموقوفين متهمون بالتستر وتعطيل سير التحقيقات في قضية اغتيال الزعيم اليساري شكري بلعيد والقيادي القومي محمد البراهمي في العام 2013.

 وترفض القاعدة الشعبية للاتحاد أيّ تقارب مع حركة النهضة التي يحمّلونها المسؤولية الرئيسية في حالة التدهور التي شهدتها البلاد أمنياً واقتصادياً منذ العام 2012. ويرى جزء كبير من منظوري الاتحاد أنّ الحركة تسعى للاحتماء بالمنظمة الشغيلة من أجل التهرب من المحاسبة، وهي تريد أن يكون أبناء الاتحاد وقوداً لمعركتها السياسية مع الرئيس قيس سعيّد.

محاولات فاشلة لتطويع الاتحاد

يُذكر أنّه بعد ثورة 2011 حاولت حركة النهضة تأسيس أو دعم تأسيس منظمات نقابية موازية، لسحب البساط من تحت اتحاد الشغل، وكان ذلك محاولة تهدف إلى التقليص من جماهيرية المنظمة وشعبيتها التي خولتها لعب أدوار سياسية ووطنية منذ تأسيسها.

 كما عملت الحركة الإخوانية على بناء منظمات نقابية قريبة من الحركة تخدم أهدافها، طالما عجزت عن شقّ صف الاتحاد، سواء من خلال التسرب إلى الهياكل، أو من خلال التأثيم والتشويه والوصم بالفساد والمحسوبية وخدمة النظام السابق.

 وقد فشلت كل محاولات النهضة، ليس فقط لقوة الاتحاد وعراقة تاريخه، وإنّما أيضاً لأنّ العمل النقابي هو فعل غريب وغير منسجم مع الأدبيات الفكرية للحركة الإسلامية، بحسب تحليل نشره موقع "سكاي نيوز عربية".

 ويرى مراقبون أنّ محاولة حركة النهضة التقارب مع الاتحاد العام التونسي للشغل محاولة "مشبوهة"؛ لأنّها تحشر الاتحاد العام التونسي للشغل في أجندة المواجهة الكاملة والصريحة مع رئيس الجمهورية قيس سعيّد، وتقطع نهائياً إمكانية الحوار والتقارب بين الطرفين.

 وأنّها تحاول التغطية على تراجع شعبيتها وانعدام قدرتها على التأثير، وتوفر لها فرصة لتجنب التقييم الموضوعي لكلّ ما ارتكبته من أخطاء مدمرة في العشرية الأخيرة، خاصة في التمهيد للارتهان لصندوق النقد الدولي، وإغراق المؤسسات العمومية والوظيفة العمومية بانتدابات أثقلت كاهل الميزانية.

محاولة حركة النهضة التقارب مع الاتحاد العام التونسي للشغل محاولة "مشبوهة"؛ لأنّها تحشر الاتحاد العام التونسي للشغل في أجندة المواجهة الكاملة والصريحة مع رئيس الجمهورية قيس سعيّد، وتقطع نهائياً إمكانية الحوار والتقارب بين الطرفين

 ويُنظر إلى الاتحاد على أنّه قوة نقابية ضخمة لا يمكن تحييدها عن المشهد السياسي، ويضم نحو (500) ألف عضو يتوزعون على معظم القطاعات الاقتصادية والفئات الاجتماعية، كما أنّ للاتحاد تاريخاً من الشدّ والجذب، بلغ حتى الصدام مع جميع الأنظمة التي تعاقبت على حكم البلاد.

 خلافات إيديولوجية عميقة

ومنذ عام 2011 تميزت العلاقة بين الحركة الإخوانية والمنظمة الشغيلة بالتصادم بين مشروعين تشقهما تباينات عميقة؛ أي بين مشروع لا يفصل بين ثوابت الدولة المدنية وتاريخ البلاد وبين ضرورة صون مؤسسات الدولة ومقدراتها، ومشروع آخر لا يرى في الدولة سوى هدف تمكين يُنجز بتؤدة وصبر طويلين.

 كما يعتمد الإسلاميون على أدوات تحليل دينية لكل الظواهر السياسية والاقتصادية الراهنة، وينتج عن هذا الاقتصار على المنهل الديني فقر فكري يناصب العداء لكل وجهة نظر قادمة من خارج المدونة الدينية، فيما ينطلق الاتحاد من أرضية فكرية تنهض على ثوابت من قبيل الدفاع عن الدولة المدنية والحقوق والحريات، ومقاومة التوحش الليبرالي والارتهان للمديونية الخارجية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية