"النهضة" وآلية التحريض ... كيف فقدت الحركة الإخوانية قدرتها على الحشد؟

"النهضة" وآلية التحريض ... كيف فقدت الحركة الإخوانية قدرتها على الحشد؟


24/07/2022

مظاهرة محدودة للغاية لم تضم سوى بضع مئات من المتظاهرين عكست دون قصد وهن حركة النهضة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في تونس، التي لطالما تباهت بقدرتها على الحشد انطلاقاً من منابر مساجد طُردت منها شعبياً على مدار العام الماضي، ولا سيّما بعدما تلطّخت يدها بالفساد المالي والسياسي، وبدماء أسالتها في سلسلة اغتيالات استهدفت المعارضين للحركة في 2013، وتلاعبت، عبر أذرعها المختلفة والمتوغلة في السلطة التنفيذية، في ملفات الاغتيال.

 ومنذ مطلع حزيران (يونيو) الماضي وتموز (يوليو) الجاري، بُحّ صوت النهضة، واستخدمت كافة الوسائل لتأليب الشعب التونسي ضد أجهزة الدولة والرئيس التونسي قيس سعيّد في المقام الأول، وللتظاهر ضد مشروع الدستور الجديد ومقاطعة الاستفتاء، غير أنّه لم يُلبِّ دعوات النهضة سوى عدد قليل من المتظاهرين، ممّا يعكس تدهور صورة الحركة وتراجع شعبيتها، فقد تظاهر أمس السبت بضع مئات من التونسيين في شارع الحبيب بورقيبة ضد مشروع الدستور الجديد، المقرر أن يُطرح للاستفتاء في الداخل غداً الإثنين.

  ضعف الإقبال

مع انطلاق شارة بدء التصويت في الاستفتاء على دستور "الجمهورية الجديدة" للتونسيين في الخارج، أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات نسب مشاركة ضعيفة في التصويت، غير أنّ رئيس الهيئة فاروق بوعسكر أكد أنّ النسب تتوافق مع تلك التي تم تسجيلها في الانتخابات التشريعية في 2019، وأنّ آخر أيام التصويت، الممتد لـ3 أيام، قد يشهد ارتفاعاً في نسب المشاركة، على غرار الانتخابات والاستحقاقات الدستورية السابقة.

استخدمت "النهضة" كافة الوسائل لتأليب الشعب التونسي ضد أجهزة الدولة والرئيس التونسي قيس سعيّد في المقام الأول

 ونقلت صحيفة "العرب" اللندنية عن مراقبين قولهم: إنّه حتى لو كان الإقبال محدوداً، فإنّ ذلك لا يعود إلى خطاب المعارضة المغضوب عليها شعبياً، وإنّما إلى مشاغل الناس الذين تضغط عليهم الظروف الاقتصادية الصعبة، وخاصة في ظل ارتفاع الأسعار، وهو الأمر ذاته الذي أكدته إذاعة "فرنسا 24"، التي نقلت عن بعض الباعة الجائلين انشغالهم بتأمين قوت يومهم أكثر من الاستفتاء على الدستور، انطلاقاً من كسب العيش وليس انصياعاً لدعوات النهضة وتيارات المعارضة التونسية.

رحيق "الياسمين" في الباعة الجائلين

الغضب الشعبي من حركة النهضة و"عشريّتها السوداء" امتد إلى فئة الباعة الجائلين، الذين ينتمي إليهم محمد البوعزيزي مفجّر "الثورة" التونسية التي استولت عليها الحركة الإخوانية زوراً، وحققت من ورائها مكاسب سياسية جمّة، فقد قال منصف، بائع شاي وبيض مسلوق وسجائر، لـ"فرانس24": "سأصوت الإثنين، لا أدري ما هي الجمهورية الجديدة، لكنّي سأصوت بنعم".

وأضاف منصف: "أصوت من أجل دعم الرئيس، أرجو أن يرأف بحالنا ويدعمنا. قيس سعيّد يحب الشعب ويريد القضاء على الفساد، نريد منه أن يقضي على المنظومة القديمة التي يجب أن ترحل (في إشارة إلى الأحزاب السياسية التي شاركت في الحكم منذ الثورة، وأبرزها حركة النهضة). منذ الثورة لم نرَ شيئاً غير الهمّ والغم".

 لم يتبدد رحيق "ثورة الياسمين" من أوساط الباعة الجائلين، فثورتهم، التي سرقتها النهضة، مستمرة ضد الحركة، ومتمثلة في المشاركة في الاستفتاء، وإن عزف بعضهم عن المشاركة في الاستفتاء لانشغاله بكسب قوت يومه.

 

مظاهرة محدودة للغاية لم تضم سوى بضع مئات من المتظاهرين عكست دون قصد وهن حركة النهضة الإخوانية

 

 ولم تخلُ الأعوام الـ(10) الأخيرة، قبل 25 تموز (يوليو) 2021، من محاولات نهضاوية دؤوبة للتغلغل في مفاصل الدولة التونسية، ومن الفساد المالي الذي أدى إلى تدهور الاقتصاد التونسي، وإغراق جموع الشعب التونسي في دوامة من الأزمات الاقتصادية المتلاحقة.

 وفي مطلع شباط (فبراير) الماضي، كشفت هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي في ندوة صحفية بـ"الوثائق" تورط حركة النهضة وزعيمها راشد الغنوشي في الاغتيالات السياسية التي طالت عدداً من النشطاء السياسيين وفي مقدمتهم بلعيد في عشرية الإخوان، وكشفت تورط الغنوشي ونجله، إضافة إلى آخرين، في جرائم غسيل الأموال، والقيام بتحركات مالية مشبوهة مع أطراف مرتبطة بدولة قطر لتمويل عمليات تسفير شبان تونسيين إلى سوريا للالتحاق بمعسكرات "داعش"، فضلاً عن الاعتداء على أمن الدولة الداخلي والتجسس على التونسيين.

 

الغضب الشعبي من النهضة و"عشريتها السوداء" امتدّ إلى فئة الباعة الجائلين، الذين ينتمى إليهم محمد البوعزيزي مفجر الثورة التونسية

 

 وقال رضا الرداوي عضو هيئة الدفاع عن شكري بلعيد ومحمد البراهمي، في الندوة الصحفية نفسها: إنّ جمعية تأسست في 2011 تحت اسم "نماء تونس" كان هدفها تشجيع الاستثمارات الأجنبية، وتورطت في جرائم التسفير (تسفير شباب تونسي للقتال بمناطق النزاع والحروب) وتم فتح أبحاث جزائية أولية سرعان ما لاحقتها يد حركة "النهضة" الإخوانية عبر ذراعها في القضاء، وتم وقف التحقيق.

مع فقدان النهضة التأثير على الشارع التونسي، بات مؤكداً أنّه لا يمكنها التشويش على الاستفتاء على الدستور

وأشار إلى أنّ "أحد الأطراف المتهمة هو شخص يُدعى ناجح الحاج لطيف الذي يدير أعمال زعيم إخوان تونس الغنوشي، وهو أحد أذرعه الخفية، وكان وكيلاً لشركة تنشط في مجال النسيج بتونس، وهذه الشركة بريطانية في الأصل وتم طرده منها، لكنّه خلال إدارته للشركة كان يستعمل الحساب الإلكتروني للشركة الثانية في إدارة الأعمال الإدارية والمالية المشبوهة مع النهضة".

 مظاهرة بورقيبة 

مع فقدان حركة النهضة ومجموعاتها الحليفة التأثير على الشارع التونسي، بات مؤكداً أنّ الحركة الإخوانية لا يمكنها التشويش على الاستفتاء على الدستور، وهو الأمر الذي أقرّ به نور الدين البحيري، القيادي النهضاوي ووزير العدل السابق، المتهم بالتلاعب في ملفات الاغتيال التي طالت عدداً من النشطاء السياسيين المعارضين للنهضة في 2013، فقد نقلت "فرنسا 24" عن البحيري قوله: "لا شك في أنّ الدستور سيمر".

 

مراقبون: حتى لو كان الإقبال محدوداً، فإنّ ذلك لا يعود إلى خطاب المعارضة المغضوب عليها شعبياً، وإنّما لمشاغل الناس

 

 اعتراف البحيري، الذي تحوّل المجلس الأعلى للقضاء في عهده إلى ساحة للمحاصصة الحزبية والتسويات والتنكيل بالشرفاء للتعتيم على جرائم النهضة وتسهيل توغلها بمفاصل الدولة، لم يمنعه من مواصلة الخطاب التحريضي النهضاوي المعهود، فقد وصف نظام الرئيس قيس سعيّد بـ"الانقلاب"، وتعهد بمواصلة العمل على إسقاطه وإسقاط الدستور "طال الزمن أو قصر"، متجاهلاً أنّ الرئيس منتخب بأغلبية كبيرة للاستمرار في رئاسة الجمهورية إلى حدود 2024، وأنّ نجاح الاستفتاء أو فشله لن يؤثر على وضعه كرئيس للجمهورية.

 إلى جانب محددوية المشاركة، تجلى فشل تظاهرة الأمس أيضاً في غياب زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، الذي لطالما أتقن التلاعب اللغوي لليّ الحقائق والتعامل مع الإعلام الغربي، في مؤشر جديد على يأس الحركة الإخوانية وانحسار دورها.

بائع متجول: لا أدري ما هي الجمهورية الجديدة، لكنّي سأصوت بنعم، ومنذ الثورة لم نرَ شيئاً غير الهمّ والغم

 

 وتحاول حركة النهضة التسويق لانقسامات وأزمات داخلية لتبرير انشقاق بعض أعضائها، الذي يعتبره الكثير من المراقبين "مناورة" سياسية للعودة إلى المشهد السياسي التونسي، وإيهام الشارع التونسي بأنّ هؤلاء المنشقين قد خلعوا عباءة النهضة، وذلك بعدما اهتزت صورتها على خلفية اتهامات تقول الدولة وهيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي إنّها "موثقة"، بينما تصرّ النهضة على أنّها "سياسية"، في محاولة لكسب التعاطف الشعبي من جديد وتفادي تأثر صورتها.

تحاول حركة النهضة التسويق لانقسامات وأزمات داخلية لتبرير انشقاق بعض أعضائها

 ويوم غدٍ الإثنين، يبدأ تونسيو الداخل التصويت في الاستفتاء على الدستور الجديد، الذي ينسف مكتسبات الأحزاب ذات المرجعية الدينية، وفي مقدمتها حركة النهضة الإخوانية، وينطلق التصويت في حوالي (4500) مركز اقتراع يضم (11200) مكتب اقتراع في تونس، وقرابة (300) مركز اقتراع في الخارج.

 والدستور هو أحدث جبهات المواجهة بين سعيّد وإخوان تونس، فقد أعلن الرئيس التونسي، نهاية آذار (مارس) الماضي، حل البرلمان الذي غالبيته نهضاوية، بعد (8) أشهر من تعليق أعماله في 25 تموز (يوليو) 2021، ضمن إجراءات استثنائية وصفها خصومه بأنّها "انقلاب على الشرعية"، بينما أكد هو أنّها تصحيح للمسار الثوري.

 وقد اتهم سعيّد نواب المجلس المنحل من حركة النهضة بالسعي لـ"تقسيم البلاد وزرع الفتنة"، قائلًا: "نجوم السماء أقرب إليهم من ذلك، وما يقومون به الآن هو تآمر مفضوح على أمن الدولة".

مواضيع ذات صلة:

كيف نقرأ المشهد السياسي التونسي قبيل انطلاق الاستفتاء على "الدستور الجديد"؟

مستقبل حركة النهضة في تونس..ماذا بعد إحالة الغنوشي إلى قاضي مكافحة الإرهاب؟

مشروع الدستور التونسي يفجر حالة من الجدل... ما موقف حركة النهضة؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية