الهجرة غير الشرعية في تونس: فردوس أوروبا يتحول إلى جحيم

الهجرة غير الشرعية في تونس: فردوس أوروبا يتحول إلى جحيم

الهجرة غير الشرعية في تونس: فردوس أوروبا يتحول إلى جحيم


23/10/2022

بنسق سريع لا ينضب، يتوجه مئات التونسيين إلى الشواطئ بحثاً عن قوارب تقلّهم نحو حلم العيش الرغيد، أو ما يعتقدونه فراديس أوروبا ، لكن سرعان ما يتحول الحلم إلى كابوس مرعب؛ إذ يتم بشكل شبه يومي الإعلان عن غرق قوارب تقل مهاجرين غير شرعيين، وإحباط محاولات هجرة، وضبط مئات الأشخاص من قبل قوات الأمن والجيش في البلاد.

 وفي أحدث نشرة، أعلنت السلطات التونسية السبت إحباط (6) محاولات للهجرة غير الشرعية عبر الحدود البحرية، وإنقاذ (79) مهاجراً من الغرق، من بينهم (60) شخصاً من جنسيات أفريقية و(19) تونسياً، وبحوزتهم مبالغ مالية من العملة التونسية والأجنبية، وألقت القبض على (3) أشخاص يمتلكون ورشة لصنع القوارب البحرية بدون رخصة، بغرض مساعدة المهاجرين على اجتياز الحدود البحرية خلسة.

 هذا، وكشف المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، في أيلول (سبتمبر) 2022، أنّ أكثر من (13) ألف مهاجر تونسي وصلوا إلى السواحل الإيطالية هذا العام على متن قوارب، وتوفي وفُقد أكثر من (500) مهاجر في عرض البحر.

 من مغامرات فردية إلى مشاريع عائلية

ومع ركود الاقتصاد في الأعوام الأخيرة، وتعرّضه لأزمة غير مسبوقة وسط اضطرابات سياسية، تحولت الهجرة غير الشرعية في تونس، التي ارتفعت نسبتها بشكل كبير في الأشهر الماضية، من مغامرات فردية إلى مشاريع عائلية؛ بسبب الوضع الاجتماعي المزري الناتج عن سوء الظروف الاقتصادية في البلاد.

أعلنت السلطات التونسية السبت إحباط (6) محاولات للهجرة غير الشرعية عبر الحدود البحرية

 ففي بعض المناطق بات لكل عائلة مرشحها للإبحار إلى أوروبا على متن قوارب غير قانونية، برغم تعرّض المهاجرين لخطر الغرق بالبحر المتوسط، خصوصاً أنّ أعداداً متزايدة من التونسيين صاروا يلجؤون إلى قوارب متهالكة في كثير من الأحيان، وقد سجل البلد وفاة المئات في البحر.

 وكشف التقرير السنوي للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية حول الهجرة للعام الماضي أنّ ظاهرة الهجرة السرّية توسعت في العقد الأخير لتشمل مختلف الفئات العمرية، وتحوّلت تدريجياً إلى مشروع عائلي.

 

يتوجه مئات التونسيين إلى الشواطئ بحثاً عن قوارب تقلّهم نحو حلم العيش الرغيد، أو ما يعتقدونه فراديس أوروبا

 

 وأضاف التقرير أنّ النساء والرجال يشتركون في الأسباب التي تدفعهم إلى ركوب البحر سراً أو اجتياز الحدود البرية خلسة، والمتمثّلة أساساً في التهميش الاقتصادي؛ إذ يعاني جلّهم من الإقصاء والبطالة والفقر.

وبيّن التقرير أنّ المناخ السياسي المرتبك والهشّ، الذي استمر مع الحكومات المتعاقبة بعد عام 2011، لم يلبِّ طموحات التونسيين والتونسيات، ووجدت العائلات نفسها في حالة اجتماعية واقتصادية ونفسية صعبة.

 قصص مؤلمة

والأسبوع الماضي، هزّت الأوساط التونسية قصة طفلة تونسية تبلغ من العمر (3) أعوام، أبحرت دون أن يكون أحد من والديها مرافقاً لها، من سواحل محافظة المنستير التونسية، نحو جزيرة لامبيدوزا الإيطالية.   

 الطفلة أبحرت على متن قارب يضم عشرات المهاجرين غير القانونيين، قبل أن يتم إيقافه من قبل الشرطة الإيطالية، واعتقال كل من كانوا على متنه في مركز لإيواء المهاجرين، باستثناء الطفلة التي تم الاحتفاظ بها لدى السلطات الإيطالية.

 القصة تداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، الذين نشروا صوراً للفتاة ومقاطع للفيديو من قنوات إيطالية ألقت الضوء على القصة على نطاق واسع، واستنكر أغلبهم الحادثة، وندّد آخرون بما وصفوه "دفعاً" من السلطات للشباب والأطفال وحتى الرضّع نحو الارتماء في "قوارب الموت".

 النساء والرجال يشتركون في الأسباب التي تدفعهم إلى ركوب البحر سراً أو اجتياز الحدود البرية خلسة

 وبحسب ما أكد "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" (منظمة تُعنى بمتابعة ملف الهجرة في تونس)، فإنّه كان من المفترض أن تشارك العائلة المؤلفة من الأب والأم وابن يبلغ (7) أعوام، فضلاً عن الطفلة، في عملية الهجرة التي انطلقت من سواحل منطقة "صيّادة" الساحلية (شرق)، لكنّ "الأب سلّم الطفلة لأحد المهربين على متن القارب، وعاد ليساعد زوجته وابنه، غير أنّ القارب انطلق ووصل إلى جزيرة لامبيدوزا".

 وعقب رحلة خطيرة امتدت نحو (30) ساعة في عرض البحر، وصلت الطفلة بمفردها دون أسرتها إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية (جنوب)، التي يعاني مركز استقبال المهاجرين فيها من حالة اكتظاظ كبيرة جرّاء تزايد وصول عدد إضافي من المهاجرين إليه.

 

بلغت نسبة القُصّر التونسیین من مجموع القادمين التونسیین إلى إیطالیا نحو 24% خلال عام 2021

 

 يُشار إلى أنّ والدي الطفلة يعملان بائعين متجولين في مناطق الساحل التونسي (شرق)، وقد دفعا مبلغاً يُقدّر بـ (24) ألف دينار، نحو (7500) دولار، للمهرّب مقابل المشاركة في عملية العبور.

 وفي فاجعة مماثلة، ابتلع البحر الأبيض المتوسط طفلة رضيعة وأمها غرقاً في رحلة هجرة غير شرعية انطلقت من سواحل مدينة جرجيس شرق تونس، وأدت إلى وفاة (18) شخصاً، حيث كانت الأم تحاول اللحاق بزوجها المقيم في إيطاليا.

 وبلغت نسبة القُصّر التونسیین من مجموع القادمين التونسیین إلى إیطالیا نحو 24% خلال عام 2021، مع تسجيل وصول (227) قاصراً من دون مرافقة، وارتفعت نسبة النساء اللواتي يهاجرن بهذه الطريقة من 3% في عام 2011 إلى 11% عام 2020.

 أوجاع الهجرة

وعلى إثر ذلك الحادث، تتجمّع عائلات وأهالي المفقودين في ميناء جرجيس (جنوب شرقي تونس) يومياً منذ حوالي شهر، بانتظار الأخبار القادمة من البحر، سواء من مراكب الصيد الخاصة التي هرعت لتمشيط البحر، أو من قوارب الدولة الرسمية.

 في حين يرابط آخرون أمام المشارح والمخابر في انتظار نتائج التحاليل الجينية للجثث التي يتم انتشالها يومياً، على أمل الحصول على معلومات جديدة واستعادة أبنائهم، حتى وإن كانوا جثثاً، وذلك بعد مرور نحو شهر على غرق المركب الذي كان يقلّهم.

 وكانت السلطات المحلية قد قامت بدفن بعض من لفظهم البحر سرّاً في "مقبرة الغرباء" المخصصة للمهاجرين مجهولي الهوية.

"مقبرة الغرباء"، ويُطلق عليها أيضاً اسم "جنان أفريقيا"، تقع في مدينة جرجيس جنوب تونس

 و"مقبرة الغرباء"، ويُطلق عليها أيضاً اسم "جنان أفريقيا"، تقع في مدينة جرجيس جنوب تونس، وتضم أكثر من (500) قبر، وهي مكان لدفن المهاجرين مجهولي الهوية الذين لفظتهم أمواج البحر المتوسط على الشواطئ التونسية، وأغلبهم من أفريقيا جنوب الصحراء.

 

غرق قارب في رحلة هجرة غير شرعية انطلقت من سواحل مدينة جرجيس شرق تونس، وأدى إلى وفاة (18) شخصاً

 

عملية دفن الجثث دون تحديد هويتها أثارت موجة كبيرة من الغضب والاحتجاج بمدينة جرجيس، ممّا أجبر السلطات على فتح القبور حديثة البناء، التي تدور شكوك أنّها تضم جثث حوالي (11) مهاجراً مفقوداً، لأخذ عينات للتحليل الجيني، ومقارنتها مع عينات أهالي المفقودين.

 وضع اقتصادي سيّئ

وتمرّ تونس بأزمة اقتصادية وسياسية خانقة منذ أعوام، وقد بدأت أعداد المهاجرين غير القانونيين تتزايد بمشاركة ليس فقط عاطلين عن العمل فيها، بل أيضاً عائلات بأكملها وحتى كوادر، وتكشف أحدث الأرقام الرسمية اعتراض أكثر من (22) ألف و(500) مهاجر قبالة السواحل التونسية منذ بداية العام الحالي، بما في ذلك نحو (11) ألفاً من جنسيات أفريقيا جنوب الصحراء.

 وفي الفترة نفسها، تم توقيف (536) مهرباً، من بينهم (21) أجنبياً، وخلال عام 2021  ضبطت وزارة الداخلية (20) ألفاً و(616) مهاجراً غير شرعي، بينهم (10) آلاف و(371) أجنبياً، معظمهم من دول أفريقيا جنوب الصحراء، وفق بيانات سابقة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية