انتهى كأس العالم، فهل انتهت معاناة العمالة المهاجرة في قطر؟

انتهى كأس العالم، فهل انتهت معاناة العمالة المهاجرة في قطر؟

انتهى كأس العالم، فهل انتهت معاناة العمالة المهاجرة في قطر؟


22/12/2022

ترجمة: محمد الدخاخني

على مدار الاثني عشر عاماً الماضية، سلّطت الاستعدادات لكأس العالم لكرة القدم 2022، في قطر، الضّوءَ على استخدام العمّال المهاجرين، وإساءة معاملتهم، في الاقتصاد العالميّ اليوم. استدان مئات الآلاف من العمّال من أجل الدّفع لشركات التّوظيف، ولم يحصل الكثيرون منهم على ما وعدوا به، وعاد الآلاف إلى أوطانهم بعد أن ماتوا. الآن، العرض المُبهر انتهى. والألم، الذي وُثّق جيّداً، انتهى تقريباً.

ولذلك، فإنّ السّؤال، بالنّسبة إلى أولئك العمّال المهاجرين الذين نجوا، هو: إلى أين، بعد ذلك؟

أيّ مكان عدا الوطن

خارج كوخه، في السّهول الجنوبيّة لنيبال، يفلق راميش الخيزران لصنع سلّة لاستخدامها في البيت. منذ عودته من قطر، حيث ساعد في بناء محطّة للحافلات، يقوم بأعمال منزليّة مثل هذه - أعمال أُسريّة لا يتقاضى عليها أجراً.

يقول الشّاب البالغ من العمر 27 عاماً: «لم تكن وظيفتي في قطر سهلة. كان الأمر أصعب بكثير من حَبْك الخيزران. لكنّني على الأقلّ كنت أكسب بعض المال هناك. كنت آمل في سداد ما عليّ من ديون والبدء في توفير المال للمستقبل. لكن هذا لم يحدث».

استدان مئات الآلاف من العمّال من أجل الدّفع لشركات التّوظيف، ولم يحصل الكثيرون منهم على ما وعدوا به

في قطر، كان راتبه الشّهري ألف ريال (275 دولاراً). يصف هذا الرّقم بأنّه «ضئيل» لمثل هذا العمل الشّاق، لكنّه يقول إنّ كسب «شيء» هناك أفضل من «لا شيء» في بلدته المفقرة. أُعيد إلى وطنه، بعد أقلّ من عام على العمل، مثقلاً بالدّيون. مثل العديد من العمّال المهاجرين، استدان راميش لتغطية تكاليف التّوظيف. يقول إنّه دفع 155 ألف روبية (1170 دولاراً)، بفائدة سنويّة 36 في المائة، للذّهاب إلى قطر. بالمال الذي كسبه أثناء وجوده هناك، سيكون قادراً على سداد 120 ألف روبية فقط. ويعتقد أنّ الطّريق الوحيدة لتسوية الدّين هي العثور على وظيفة أخرى في الخارج.

نيبال مليئة بالعمّال المهاجرين العائدين، الذين، مثل راميش، يجدون أنفسهم، الآن، في أوضاع أكثر يأساً ممّا كانوا عليه عندما غادروا البلاد. وفقاً لوزارة العمل النّيباليّة، عاد أكثر من 116 ألف عامل مهاجر نيباليّ من قطر في الأشهر العشرة الأولى من عام 2022. ويأتي المزيد كلّ شهر. في غضون ذلك، انخفض عدد العمّال المتّجهين إلى قطر بنحو 45 في المائة في الفترة نفسها.

وفقاً لوزارة العمل النّيباليّة، عاد أكثر من 116 ألف عامل مهاجر نيباليّ من قطر في الأشهر العشرة الأولى من عام 2022، ويأتي المزيد كلّ شهر

في الحقيقة، من غير الملائم أن نقول إنّ العمّال المهاجرين «عادوا». قد لا تكون قطر الوجهة المفضلة بعد الآن، لكنّهم لن يمكثوا طويلاً. يقول راميش: «ذهب بعض أصدقائي بالفعل إلى الخارج. أنا، أيضاً، أحاول الذّهاب. كلّ ما نريده هو أن نعمل وأن يُدفع لنا. نحن الفقراء لا يمكننا البقاء في الوطن عاطلين عن العمل».

ثمن العمل

منطقة جنوب شرق نيبال، حيث يعيش راميش، تُرسِل من العمّال المهاجرين إلى الخارج أكثر من أيّ جزء آخر من البلاد. بصرف النّظر عن بعض الأعمال الزّراعيّة غير المنتظمة وذات الأجر المنخفض، لا توجد ببساطة العديد من الوظائف المحلّيّة التي تدفع ما يكفي للعيش.

تلك الوظائف موجودة في الخارج، لكن لها ثمنها. لا توجد فرصة تقريباً للحصول على تأشيرة من دون دفع رسوم باهظة لشركات التّوظيف. ومع عدم وجود موارد خاصّة بهم، فإنّ العمّال الفقراء ليس لديهم خيار سوى اقتراض المال والأمل في أن يؤتي العمل في الخارج ثماره على المدى الطّويل.

يقول عامل نيباليّ موجود الآن في كوالالمبور، عاصمة ماليزيا، إنّه دفع 300 ألف روبية (2270 دولاراً) للذّهاب إلى هناك بعد أن رُحّل من قطر. اعتقدَ أنّ وظيفةً في مجال النّجارة في ماليزيا ستخدمه بشكل أفضل من الزّراعة للاستغلال المعيشيّ في الوطن. يقول: «العمل في الخارج هو الخيار الوحيد لكسب العيش في قريتي. يبحث الكثير من الشّباب أمثالي عن وظائف في الخارج. يمكن أن تكون في ماليزيا، أو قطر، أو أيّ مكان في الخليج».

يمكن رؤية يأس العمّال في المطار الدّوليّ للعاصمة النّيباليّة، كاتماندو. أكثر من 2,100 عامل يغادرون من هناك كلّ يوم، وفقاً لسجلّات وزارة القوّة العاملة في الخارج. يستقبل المطار نفسه ثلاث إلى أربع جثث لعمّالٍ في المتوسّط كلّ يوم، معظمهم من بعض دول الخليج وماليزيا.

قد لا تكون قطر الوجهة المفضلة بعد الآن

أحياناً تؤتي المقامرة بثمارها. هناك عمّال في نيبال حسّنوا وضعهم الماليّ من خلال العمل في الخارج. لكن بالنّسبة إلى كثيرين، فإنّ التّمتّع بحياة كريمة في الوطن بعد العمل لساعات طويلة في الخارج يظلّ حلماً بعيد المنال.

كمال البالغ من العمر 37 عاماً أمضى 14 عاماً في العمل في مواقع بناء في قطر. مَرِض عدّة مرّات أثناء وجوده هناك. أصيب بارتفاعٍ في ضغط الدّم، وشَهِد وفاة وإصابة زملاء له في العمل، وواجه تأخيرات لا حصر لها في الرّواتب. سافر في جميع أنحاء الدّفنة، والخور، والوكرة، ومدينة لوسيل للعمل في نوبات طويلة على مشاريع خطوط أنابيب وطُرُق. عاد إلى نيبال في نيسان (أبريل) 2022.

عامل: نحن العمّال غير المتعلّمين وغير المهرة لا نستطيع الحصول على وظائف أفضل. هذه هي حياة العمّال المهاجرين. نعلم أنّنا تعرّضنا للاستغلال

الشّيء الرّئيس الذي جناه من كلّ هذا العمل هو منزل من طابق واحد بجدران من الطّوب في جنوب شرق نيبال. استنفد مدّخراته في بنائه. الآن، لمواصلة دفع الفواتير، يفكّر في السّفر إلى الخارج مرّة أخرى. يقول: «لا بدّ لي من دفع تكاليف تعليم بناتي. لا بدّ لي من دفع فواتير طبّيّة. أريد أن أعمل لخمسة أعوام أخرى. إذا كان لديّ بعض المدّخرات بحلول ذلك الوقت، يمكنني أن أجعل بقيّة حياتي أسهل».

يشعر كمال بالإهانة من الطّريقة التي يُعامل بها العمّال في قطر، لكنّه يقول إنّه سيعود إذا استطاع. يقول: «عملت بالفعل بشكل كاف هناك. أريد أن أبقى في الوطن. لكن لا يمكنني كسب المال هنا. إذاً، ماذا أستطيع أن أفعل؟».

تقاليد المهور في نيبال، التي أصبحت غير قانونيّة ولكنها لا تزال تُمارس على نطاق واسع، تضيف ضغوطاً على كمال لمواصلة العمل. يقول: «يجب أن يكون لديّ مدّخرات لحفلات زفاف بناتي الثّلاث. في هذه المنطقة، يكلّف حفل زفاف كلّ بنت ما لا يقلّ عن نصف مليون روبية».

معضلة لا يمكن حلّها

هذه الأنواع من الضّغوط الاقتصاديّة هي التي تُحدّد قرار العمّال المهاجرين بقضاء أعوام من حياتهم في الخارج، بعيداً عن عائلاتهم. خلال 12 عاماً من الحياة الزوجيّة، أمضى أبيندرا أربعة أعوام فقط مع زوجته. أبيندرا، المحاصر بين الفقر والدّيون، عمل سابقاً في الهند. وهو الآن في قطر، حيث لم تكن أرباحه من الوظائف السّابقة كافية لسداد القروض. يقول: «أفتقد عائلتي كثيراً. إذا كان وضعي الماليّ جيّداً، فلن أفكّر أبداً في المجيء إلى هنا. شاهدَ النّاس المباني الشاهقة في قطر. رأوا الملاعب الجميلة. لكن من يفهم ما يمرّ به العمّال هنا؟ إنّ الوضع يفوق الكلمات».

مثل عشرات الآلاف من العمّال النّيباليّين المهاجرين الآخرين في قطر، قام أبيندرا بأعمال التّجريف، والسّحب، والتّنظيف في مواقع بناء الملاعب ومشاريع البنية التّحتيّة الأخرى. حتّى في حرارة الصّيف الشّديدة، استمرّ في العمل مع وصولٍ محدودٍ إلى الماء والرّاحة. كان ينام على فراش وجده في كومة قمامة في معسكر عمل محصور. لطالما شعر بالخداع والاستغلال من قِبل صاحب العمل. لكنّه يقول إنّه كان له رأي محدود في ظروف العمل والمعيشة هناك، ولا توجد خيارات أفضل في نيبال.

يقول: «نحن العمّال غير المتعلّمين وغير المهرة لا نستطيع الحصول على وظائف أفضل. هذه هي حياة العمّال المهاجرين. نعلم أنّنا تعرّضنا للاستغلال. لكن مع ذلك، لا يمكننا الاستسلام».

إنّها نظرة يعرفها بريم جيداً. تمزّقت ساقه بواسطة آلة طحن أثناء العمل في مجمع سكنيّ كان يُبنى لزوّار كأس العالم. لم يستطع العمل لمدّة خمسة أشهر واستخدم كرسياً متحرّكاً للتنقّل. أرسلته الشّركة إلى وطنه، لكنّه اختار العودة إلى قطر بمجرّد تعافيه.

يقول عبر الهاتف من مخيّمٍ للعمّال في قطر: «بصراحة، لا أريد العمل هنا. ماذا يمكنني أن أفعل؟ من الذي سيعتني بأسرتي إذا لم أكسب المال؟».

مراراً وتكراراً، أثناء عملي على هذه القصص لصالح «أوبن ديموكراسي»، سمعت العمال المهاجرين يصفون عملهم في الخارج على أنّه شيء مجبرون على القيام به. ومع ذلك، في الوقت نفسه تقريباً، قالوا، أيضاً، إنّهم يريدون مواصلة العمل في الخارج لكسب عيشهم. إنّها معضلة لا يمكن حلّها ولا مفرّ منها ويواجهها العديد من العمّال المهاجرين. وهذا يعني أنّه على الرّغم من احتقار العديد من العمّال في قطر لعملهم هناك، فإنّهم يخشون فقدانه. ويتساءلون إلى أين سيذهبون بعد ذلك.

غُيّرت أسماء العمّال في هذا التّقرير.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

برامود أشاريا، أوبن ديموكراسي، 19 كانون الأوّل (ديسمبر) 2022


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية