انسحاب التيار الصدري في العراق: مناورة أم علامة على انسداد سياسي؟

انسحاب التيار الصدري في العراق: مناورة أم علامة على انسداد سياسي؟


20/07/2022

ما يزال الوضع السياسي في العراق، خاصة في ما يتصل بأزمة تشكيل الحكومة، يكشف عن تعقيدات جمّة. كما أنّ انسحاب التيار الصدري من البرلمان، الذي فاز بأغلبية مقاعده (73 مقعداً)، يعد بمثابة "مناورة تكتيكية"، وفق مراقبين تحدثوا لـ"حفريات"، بينما يفاقم ذلك من حدة الصراع السياسي والخصومة بين الأطراف المختلفة، ويجعل الوصول إلى "أغلبية وطنية" مهمة شاقة وصعبة.

واقع سياسي مأزوم       

الانسداد السياسي القائم، منذ تشرين الأول (أكتوبر) العام الماضي، يؤشر إلى عدة نتائج منها تصدر الإطار التنسيقي (مجموعة الأحزاب الولائية المدعومة من إيران) للمشهد السياسي من جديد، واحتمالات تعبئة الشارع، ناهيك عن عودة المحاصصة الطائفية باعتبارها أمراً واقعاً ونهائياً أو بالأحرى محتوم.

وبعد مضي نحو تسعة أشهر على ظهور نتائج الانتخابات العراقية، فالمؤشرات كافة ذهبت إلى وجود نسيج سياسي يقاوم التغيير، بينما لا يقبل بالتمثيل الجديد الذي كشفت عنه الأرقام واختيارات المواطنين. ومن ثم، ظهرت حالة قصوى من الاستقطاب بين قوى الإطار التنسيقي التي تعرضت لهزيمة مدوية، ووصفت الانتخابات بأنّها "مزورة"، والتيار الصدري الذي أعلن عزمه تشكيل حكومة "أغلبية وطنية".

رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي

غير أنّ زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الذي انخرط في "تحالف ثلاثي" مع القوى السياسية السنية، بقيادة محمد الحلبوسي، رئيس البرلمان الحالي، وكذا الحزب الديمقراطي الكردستاني المتصدر في عدد مقاعده للقوى السياسية الكردية، قد ساهمت تصريحاته بإنهاء وجود السلاح غير الشرعي بيد التنظيمات المدعومة من طهران في تنامي مخاوف قوى "الإطار"، فضلاً عن تفخيخ الصراع بينهما.

الصدر يعاود ترديد تصريحاته ضد الحشد

مطلع الأسبوع الحالي، شدد زعيم التيار الصدري على ضرورة تنحية الحشد الشعبي عن أيّة تدخلات خارجية، بل طالب الصدر بتصفية سائر التنظيمات المسلحة والعسكرية في العراق، مؤكداً على أنّه "لا يمكن تشكيل حكومة عراقية بوجود سلاح منفلت وميليشيات".

وعلق الصدر، في تغريدة على حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، على التسريب الصوتي لرئيس ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، والذي حمل سباباً واتهامات للتيار الصدري بأنهم "جبناء"، وقال الصدر موجهاً حديثه لأنصاره من التيار: "لا تكترثوا بالتسريبات، فنحن لا نقيم له وزناً".

وبالتزامن مع تقارير محلية رصدت وجود استعدادات تعبوية من قبل أنصار التيار  الصدري في الشارع العراقي، وتشكيل لجان لإقامة صلوات موحدة، والاستعداد لحراك شعبي طويل وممتد، أكد الصدر أنّه لا يسعى إلى الدخول في "فتنة"، وفق تعبيره، لكنه في الوقت ذاته "سيكون داعماً، في الأيام المقبلة، لأيّ حراك شعبي لمناصرة الإصلاح".

الانسداد السياسي القائم، منذ تشرين الأول (أكتوبر) العام الماضي، يؤشر على عدة نتائج منها تصدر الإطار التنسيقي للمشهد السياسي من جديد، واحتمالات تعبئة الشارع، ناهيك عن عودة المحاصصة الطائفية

وفي خطبة الجمعة الماضية الموحدة، التي ألقاها (بالنيابة عن مقتدى الصدري)، الشيخ محمود الجياشي، نقل عن الصدر قوله: "إنّنا أمام مفترق طريق صعب ووعر إبان تشكيل الحكومة من قبل بعض من لا نحسن الظن فيهم والذين جربناهم سابقاً ولم يفلحوا". ودعا الصدر خصومه من "الإطار التنسيقي" "إذا ما أرادوا تشكيل الحكومة" إلى الالتزام بـ 10 نقاط منها "إنّهم يعدون الشعب بأن تكون حكومتهم المقبلة ليست كسابقاتها، فأقول إنّ أولى خطوات التوبة هي محاسبة فاسديهم علناً".

وقال الصدر إنّه "لا يمكن تشكيل حكومة عراقية قوية مع وجود سلاح منفلت وميليشيات منفلتة، لذا عليهم التحلي بالشجاعة وإعلان حل جميع الفصائل". ونوّه الصدر إلى أنّه للحفاظ على "سمعة الحشد" ينبغي أن تحدث عملية "إعادة تنظيمه وترتيبه وتصفية جسده من العناصر غير المنضبطة والاعتناء بالمجاهدين منهم والاهتمام بأحوالهم".

كما طالب بضرورة "إبعاد الحشد من التدخلات الخارجية وعدم جره إلى حروب طائفية أو خارجية، وإبعاده من السياسة والتجارة حباً وحفاظاً على سمعة الجهاد والمجاهدين".

تسمية رئيس الحكومة.. معضلة السياسة والطائفة

رغم أنّ انسحاب مقتدى الصدر من سباق تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، وفق مبدأ الأغلبية السياسية، أعاد الأمور إلى مسارها القديم القائم على "المحاصصة الطائفية"، التي حكمت العملية السياسية في البلاد، منذ عام 2003، فإنّ أزمة الاتفاق على تسمية المرشح لرئاسة الحكومة تمثل مرحلة جديدة ومغايرة مع انتقال الصراع على المنصب إلى داخل معسكر "الإطار التنسيقي" ذاته، بحسب الباحث العراقي في العلوم السياسية، منتظر القيسي، وبخاصة بعدما تجددت مطامع نوري المالكي، زعيم ائتلاف دولة القانون، أكبر كتلة داخل الإطار بقرابة أربعين نائباً (الرقم غير مؤكد بسبب وجود شك في انتماء نائبين اثنين)، في العودة إلى مكتب رئيس الوزراء.

وثمّة محاولات يقودها العامري لتسمية مرشح مستقل، لضمان عدم استفزاز مقتدى الصدر، وكذا المرجع الشيعي الأعلى، علي السيستاني، بحسب القيسي في حديثه لـ"حفريات". لكنّ قوى الدولة تأمل بتقديم العبادي كمرشح مقبول، داخلياً وخارجياً، كما أنّ لديه الخبرة اللازمة للتعاطي بهدوء مع الاستقطاب الإقليمي والدولي حول العراق.

غازي فيصل حسين: التيار الصدري خاض معركة ليست بالسهلة أمام خصومه السياسيين

ويلفت الباحث العراقي إلى أنّ الأوضاع الحالية وتداعياتها، قد كشفت عن "مدى هشاشة تحالف الإطار التنسيقي وعدم قدرته على إيجاد سبب بديل وشروط جديدة للاستمرار، بعد زوال تهديد انفراد مقتدى الصدر بزعامة الطائفة (الشيعية) سياسياً"، موضحاً أنّ "أطراف الإطار وقعوا في حلقة مفرغة من النقاشات حول سبل حسم هذا الخلاف، لا سيما مع إصرار المالكي على اللجوء إلى التصويت داخل الكتلة البرلمانية لـ"لإطار" حتى قبل أن تسجل نفسها، رسمياً، لدى مجلس النواب باعتبارها الكتلة الأكبر بعدما ارتفع عدد نوابها إلى 120 عضواً إثر استقالة نواب الكتلة الصدرية".

كما أنّ صراع شيعة الإطار التنسيقي قد غطى على الأزمة الأخرى المتمثلة في استمرار الخلاف بين الحزبين الكرديين الكبيرين، الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، على خلفية تمسك كل منهما بمنصب رئيس الجمهورية، وفق القيسي، وهو ما يعني أنّ دعم "الإطار" لمرشح أحدهما على حساب الآخر، أو الذهاب إلى التصويت دون اتفاق مسبق، سيهدد فرص عقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء البرلمان (النصاب القانوني الذي حددته المحكمة الاتحادية)، وكان السبب الرئيسي في إفشال التحالف الثلاثي بين الصدر والحلبوسي ومسعود بارزاني، ودفع بالنهاية إلى استقالة نواب التيار الصدري من البرلمان.

الكاظمي يقود حكومة انتقالية

وهذه التعقيدات بدأت ترسم ملامح "حكومة انتقالية" مبطنة برئاسة مصطفى الكاظمي، لمدة عام، تعمل خلالها على إقرار قانون الموازنة العامة للعام الحالي والقادم معاً، ثم تجهيز البلاد لعقد انتخابات برلمانية مبكرة، بحسب المصدر ذاته، وهو المسار أو الإتجاه المرجح عوضاً عن تشكيل حكومة يشل قدراتها مقتدى الصدر، عبر إطلاق أو تأييد حركة احتجاجات ضدها في بلد لا يعوز مواطنيه أية أسباب إضافية للنزول إلى الشارع.

يتفق والرأي ذاته، مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، الدكتور غازي فيصل حسين، والذي يرى أنّ انسحاب التيار الصدري يعد بمثابة "مناورة تكتيكية"، وقد سبق له اللجوء لهذه السياسة في مرات سابقة، بهدف الضغط على القوى السياسية، أو الكمون حتى يكون بمقدوره تحديد فرص وآليات العمل للمرحلة المقبلة، موضحاً لـ"حفريات" أنّ التيار الصدري خاض معركة ليست بالسهلة أمام خصومه السياسيين لفرض حكومة "الأغلبية الوطنية"، وتشكيل تحالف "إنقاذ العراق" مع السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني لمواجهة "طبقة الفساد السياسي والكتائب المسلحة المنفلتة"، وذلك في مقابل "الحكومة التوافقية" التي يسعى لتحقيقها قوى الإطار التنسيقي، مع الوضع في الاعتبار أنّ التحالف الثلاثي لإنقاذ العراق فشل كذلك في تحقيق النصاب القانوني المطلوب بسبب الثلث المُعطل الذي يعمد إلى استمرار السياسات والصفقات التوافقية ومنهج المحاصصة الطائفية واحتكار السلطة بوصفها غنيمة.

مدير المركز العراقي للدراسات الإستراتيجية الدكتور غازي فيصل حسين لـ"حفريات": انسحاب التيار الصدري يعد بمثابة "مناورة تكتيكية" وقد سبق له اللجوء لهذه السياسة في مرات سابقة

ويتفق فيصل حسين مع القيسي في مسألة استمرار حكومة الكاظمي لمدة عام، بما سيترتب على ذلك الوضع من نتائج إجرائية مباشرة، منها إنهاء الموازنة وتهيئة البلاد لانتخابات مبكرة. لكن ثمة مخاوف من تحريك الشارع وحدوث مناوشات في الفترة المقبلة، لا سيما بعد ظهور أكثر من تسريب لنوري المالكي يحذر فيه من وقوع "قتال بين الشيعة، وأنّ العشائر جاهزة للمواجهة".

وبالتالي، فإنّ الوضع، في حال استمرار عزوف وانسحاب التيار الصدري، سوف يفرض عدة نتائج، محلية وإقليمية، منها تشكيل الحكومة من خلال قوى "الإطار" المدعومة من طهران، وعودة التباعد بين العراق ومحيطة الإقليمي الحيوي العربي، بعد التقارب الذي حدث في عهد حكومة حيدر العبادي، بينما نجح الكاظمي في دفعه لمراحل متقدمة على مستوى الشراكة السياسية والاقتصادية والأمنية.

وبالمحصلة؛ فإنّ الشروط الحالية لا تعكس سوى صدام وشيك، إذ قال المالكي، في التسريب الأخير الذي قام بنفي ما ورد فيه، إنّ "المرحلة المقبلة قتال. بالأمس دعانا مصطفى الكاظمي وقلت له اسمع، المرحلة المقبلة قتال.. وكل واحد سيدافع عن نفسه، وأنا سأدافع عن نفسي، وقد تحدثت مع جماعة (لم يذكر من هي هذه الجماعة) بأنّ القضية قضية قتال، وأنّ مقتدى الصدر يريد الدم والذبح كما يقول".

 

مواضيع ذات صلة:

ما أهداف تركيا الحقيقية من حصار العراق مائياً؟

سيناريوهات تعطيل "الثلث المعطل" في العراق

ما مآلات عملية الانسداد السياسي في العراق؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية