بعدما اضطهدت الأرمن والأكراد.. تركيا تهجّر السوريين قسرياً

بعدما اضطهدت الأرمن والأكراد.. تركيا تهجّر السوريين قسرياً

بعدما اضطهدت الأرمن والأكراد.. تركيا تهجّر السوريين قسرياً


31/10/2022

تتزايد المخاوف بشأن أوضاع اللاجئين السوريين، في تركيا، خاصة مع المعلومات الموثقة بشأن عمليات الترحيل القسري التي جرت، مؤخراً.

ففي النصف الثاني من الشهر الحالي تشرين الأول (أكتوبر)، اتهمت اليونان الحكومة التركية بأنّها أرغمت نحو 92 لاجئاً غالبيتهم سوريون على الخروج من البلاد، وقد أعلنت الشرطة اليونانية، الجمعة الماضية، عن ضبط العديد من المهاجرين "بدون ملابس، وبعضهم مصاب بجروح جسدية".

هل بدأت تركيا في تنفيذ خططها تجاه اللاجئين؟

تتزامن هذه المعلومات مع تقرير لـ"هيومان رايتس ووتش" الأمريكية، والذي كشف، بدوره، عن ترحيل مئات اللاجئين إلى سوريا، الأمر الذي يؤكد التوجه السياسي التركي الممنهج، وكذا خطط الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان. وقد سبق لوزيرة الأسرة والشؤون الاجتماعية التركية، داريا يانيك، أن صرحت بإخلاء بلادها من اللاجئين مع عام 2023 والذي سيشهد انتخابات رئاسية صعبة في ظل الأوضاع، المحلية والإقليمية والدولية، المعقدة.

وغرد وزير الهجرة اليوناني، نوتيس ميتاراشي، عبر حسابه الرسمي في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، أنّ "سلوك تركيا تجاه 92 مهاجراً، عار على الحضارة". وتابع: "نتوقع من أنقرة التحقيق في الحادث وحماية حدودها مع الاتحاد الأوروبي".

وفي المقابل، عقّب نائب وزير الداخلية التركي والناطق بلسان الوزارة، إسماعيل تشاتاكلي، على تغريدة وزير الهجرة اليوناني، بأنّه "نظراً لأنّه لا يمكنكم العثور على انتهاك واحد لحقوق الإنسان من الجانب التركي، فأنتم تحاولون وضع بلادنا محل الفاعل في الصورة التي تعكس اضطهادكم".

الصحفي السوري علي نمر: التقرير الأخير كشف النهج الفاشي لحكومة حزب العدالة والتنمية

وتابع: "عوضاً عن أن تقضي وقتك في التلاعب والاحتيال، اقضهِ في الامتثال لحقوق الإنسان. كونوا متحضرين بعض الشيء. إنّه ليس بالأمر الصعب".

غير أنّ المعلومات الرسمية التركية، تشير إلى أنّ عدد اللاجئين الذين أعادتهم اليونان إلى أنقرة، بلغ 41 ألفاً و523 مهاجراً غير شرعي، وذلك في الفترة بين عامي 2020 ونهاية أيار (مايو) 2022. مع الأخذ في الاعتبار أنّ أحدث حصيلة رسمية أصدرتها وزارة الداخلية بتركيا تقول إنّ تعداد اللاجئين بلغ قرابة أربعة ملايين، بينما تسجل مصادر حقوقية ومستقلة أعداداً أكبر.

ووفق المنظمة الأمريكية المعنية بحقوق الإنسان، فإنّ السلطات التركية اعتقلت واحتجزت ورحّلت، بشكل تعسفي، مئات الرجال والفتيان السوريين اللاجئين إلى سوريا، في الفترة بين شباط (فبراير) وتموز (يوليو) العام الحالي. ووثقت شهادات عديدة من سوريين عن ملابسات ترحيلهم.

إدانة أممية

قال سوريون مرحّلون لـ"هيومن رايتس ووتش" إنّ المسؤولين الأتراك "اعتقلوهم من منازلهم وأماكن عملهم وفي الشوارع، واحتجزوهم في ظروف سيئة، وضربوا معظمهم وأساءوا إليهم، وأجبروهم على التوقيع على استمارات العودة الطوعية، واقتادوهم إلى نقاط العبور الحدودية مع شمال سوريا، وأجبروهم على العبور تحت تهديد السلاح".

وذكرت نادية هاردمان، وهي باحثة في حقوق اللاجئين والمهاجرين في المنظمة الأمريكية: "في انتهاك للقانون الدولي، اعتقلت السلطات التركية مئات اللاجئين السوريين، حتى الأطفال غير المصحوبين بذويهم، وأجبرتهم على العودة إلى شمال سوريا. رغم أنّ تركيا قدمت حماية مؤقتة لـ 3.6 مليون لاجئ سوري، يبدو الآن أنّ تركيا تحاول جعل شمال سوريا منطقة للتخلص من اللاجئين".

الكاتب علي نمر لـ"حفريات": تركيا تمارس السلوك الفاشي بأدواتها الإخوانية المستحدثة، والاستعانة بتنظيمات الإسلام السياسي الإرهابية الجديدة. وتدخلاتها ا في سوريا وليبيا واليمن والصومال دليل واضح على ذلك

وفي تعليقه على ما يحدث للاجئين السوريين، قال الصحفي السوري، علي نمر، إنّ تقرير هيومن رايتس ووتش، ليس الأول، إذ تصدر المنظمة، سنوياً، العديد من التقارير والبيانات، حول الانتهاكات التي تتورط فيها تركيا بحق السوريين، سواء في الداخل التركي، أو على الحدود والمناطق المحتلة بواسطة الفصائل الموالية لها، بالإضافة لتقارير منظمة العفو الدولية التي أكدت بالدلائل أنّ أنقرة ترحل السوريين قسراً إلى بلادهم، بعد إجبارهم على توقيع وثائق تفيد بأنّهم يريدون العودة طوعاً، للتخلص من الإدانات الدولية والأممية.

وأضاف نمر لـ"حفريات" أنّ "ما يميز التقرير الأخير هو أنّه شامل، بعكس التقارير السابقة، حيث كشف، بدقة، النهج الفاشي الذي تقوم به حكومة حزب العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب أردوغان، وذلك في انتهاك صارخ للقانون الدولي؛ إذ لم تفرق بين كبير وصغير أثناء الترحيل، فاعتقلت المئات ومنهم أطفال بدون ذويهم، رغم امتلاكهم الحماية المؤقتة، فضلاً عن احتجازهم في ظروف سيئة، وتعذيب معظمهم والإساءة لإنسانيتهم، ثم إجبارهم على عبور الحدود والعودة تحت تهديد السلاح".

 الكاتب السوري درويش خليفة: تركيا تستخدم ورقة اللاجئين في الصراع والمنافسة

بالعودة لسجلات التاريخ، فإنّ تركيا ومنذ تأسيسها قامت "بإبادة شعوب المنطقة تحت أنظار النظام العالمي الذي يحميها، وارتكبت عشرات المجازر، تحديداً في الفترة العثمانية، بحق العرب والكرد والأرمن"، يقول نمر.

ويردف: "وما تزال تركيا تمارس السلوك الفاشي ذاته، بأدواتها الإخوانية المستحدثة، والاستعانة بتنظيمات الإسلام السياسي الإرهابية الجديدة. وما تدخلاتها واحتلالاتها في سوريا وليبيا واليمن والصومال، إلا دليل واضح على استمرارها في النهج ذاته".

التطبيع مع الأسد.. والشتات السوري مرة أخرى

ويؤكد نمر أنّ "كل ما جاء في تقرير هيومن رايتس ووتش، قد حدث بدون أيّ مبالغات، بل إنّ هناك شهادات أخرى مروعة، خاصة أنّ بعض السوريين قد يخافون من الإدلاء بمعلومات، وهذا ما يعيدنا إلى القول دائماً أنّ تركيا لم تستقبل هذا العدد من اللاجئين السوريين إلا لاستخدامهم كورقة تهديد لأوروبا وابتزازها"، مشيراً إلى أنّ "التوصيات التي ختمت بها المنظمة تقريرها والموجهة للحكومة التركية، لن تستفيد منها شيئاً؛ لأنّ السلطة التي تقوم بهذه الأعمال الوحشية والفاشية تعلم علم اليقين ما تقوم به. ومن هنا؛ على المنظمة التركيز على التوصيات المقدمة للمفوضية الأوروبية، والعمل على تطبيقها وإنجازها بأسرع وقت، مع إلزام تركيا باحترام مبدأ عدم الإعادة القسرية، بموجب المعاهدات والقانون الدولي العرفي، الذي يحظر إعادة أيّ شخص إلى مكان قد يواجه فيه خطراً حقيقياً بالاضطهاد أو التعذيب أو غيرهما من ممارسات  سوء المعاملة أو تهديد الحياة".

تؤشر الدلائل الأخيرة من تركيا وحكومات أخرى إلى أنّها تسعى لتطبيع العلاقات مع الرئيس السوري بشار الأسد. ففي أيار (مايو) الماضي، أعلن الرئيس التركي أنّه يعتزم إعادة توطين مليون لاجئ في شمال سوريا، في مناطق لا تسيطر عليها الحكومة، رغم أنّ سوريا لا تزال غير آمنة لعودة اللاجئين، وفق المنظمة المعنية بحقوق الإنسان. كما أنّ العديد من العائدين هم من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، لكن حتى لو تمكنوا من الوصول إليها، فإنّ الحكومة السورية هي نفسها التي تسببت بأكثر من ستة ملايين لاجئ، وارتكبت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ضد مواطنيها حتى قبل بدء الثورة.

وأثبتت المعارك البينية بين فصائل ما يسمى "الجيش الوطني"، المدعوم من تركيا، خلال الأسابيع القليلة الماضية، بأنّ مناطق الشريط الحدودي مع تركيا التي تسيطر عليها تلك القوى، غير آمنة على الإطلاق، وفق الكاتب السوري، درويش خليفة، الذي أوضح لـ"حفريات" أنّ "الاقتتال بين هذه الفصائل أصبح سمة شبه أسبوعية، ناهيك عن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي يعاني منها سكان تلك المناطق وربطها بالليرة التركية التي فقدت جزءاً كبيراً من قيمتها، والتضخم الذي وصلت نسبته80 بالمئة. ويضاف إلى ذلك، التضييق على النشطاء واغتيال البعض منهم، كان آخرها قتل الناشط أبو غنوم في مدينة الباب السورية".

وبالتالي، فإنّ الأوضاع في سوريا بالعموم "غير آمنة لعودة للاجئين"، مع الأخذ في الاعتبار أنّ غالبية العائدين أو بالأحرى المرحّلين قسراً هم من "الشباب الذين ليس لهم أقارب في شمال سوريا، ولا يملكون مالاً للإقامة في مناطق بها كثافة سكانية، بما أدى لأوضاع أمنية متردية"، يقول خليفة.

وبالنسبة للعائدين من تركيا، تقول مصادر محلية إنّ المرحّلين هم من أصحاب المخالفات، ومعظم تلك المخالفات يتعلق بالتنقل بين الولايات التركية، بسبب فرض السلطات هناك منع التنقل للسوريين، إلا في حال الحصول على إذن سفر من دائرة الهجرة في الولاية التي يقيم فيها.

ويلفت الكاتب السوري إلى أنّ هناك ظروفاً سياسية اقتصادية فرضت نفسها على تركيا، يتحمل اللاجئ السوري جزءاً يسيراً من تبعاتها، مؤكداً على أنّ النظام، في أنقرة، عمد إلى استخدام "ورقة اللاجئين" في الصراع والمنافسة والاستقطابات بين الأحزاب السياسية، الأمر الذي يؤشر إلى وجود عوامل عديدة جعلت من اللاجئين "ورقة ضغط"، خاصة بعد الانعطافة التركية تجاه نظام "الأسد"، والذي كان سبباً مباشراً في تهجير وتشريد نصف الشعب السوري.

مواضيع ذات صلة:

اللاجئون السوريون رهينة المزاج السياسي... هل استخدمهم أردوغان للتعتيم على فساد مالي؟

بعد استخدامهم أعواماً ورقة ابتزاز مالي وسياسي.. تركيا تدير ظهرها للاجئين

إيران تعيد اللاجئين إلى جحيم طالبان وتركيا تكثف الإجراءات الأمنية على حدودها



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية