بعد أعوام من محاربتها.. هل تمكنت السلطات التركية من القضاء على حركة غولن؟

بعد أعوام من محاربتها.. هل تمكنت السلطات التركية من القضاء على حركة غولن؟


06/07/2021

في أعقاب محاولة الانقلاب في تموز (يوليو) عام 2016، شهدت تركيا أكبر حملة "تطهير" في تاريخها،  وبينما كان الصراع بين حزب "العدالة والتنمية" من جهة، وحركة "فتح الله غولن" من جهة أخرى، قد بدأ قبل ذلك بأعوام، وشهد تضييقات شديدة على الحركة، إلّا أنّ الحملة جاءت لتحقق هدف استئصال الحركة والقضاء عليها بشكل نهائي، داخل تركيا وخارجها.

مصير المؤسسات.. استيلاء وإغلاق ومصادرة

مباشرةً بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في الخامس عشر من تموز (يوليو) 2016، شَرَعَت السّلطات التركيّة بالسيطرة والمصادرة للأصول المالية والمؤسسات والشركات التابعة والمرتبطة بحركة غولن، وبخاصّة المؤسسات الإعلامية والتعليمية التي كانت تعتبر أبرز أدوات الحركة وأهم روافدها الماليّة.

وبعد أيام قليلة من محاولة الانقلاب، أعلن "المجلس الأعلى للإذاعة والتلفزيون في تركيا" إبطال تراخيص المؤسسات الإعلامية المقربة من الحركة. ووفقاً لـ "وكالة الأناضول"، فقد شمل القرار حينها 24 مؤسسة إعلامية، بينها صحيفة "زمان"، و"وكالة جيهان للأنباء"، ومحطات راديو كـ: "بورج"، و"سامانيولو خبر"، و"راديو مهتاب"، إلى جانب مجلات مثل: "أكسيون"، و"سِزِنتي"، و"يَني أومي"د، إضافة إلى مجلة "حِراء" العربية، ومجلة "فاونتِن" الإنجليزية.

من المدارس التي تسلمها وقف "المعارف" في أفغانستان

ومن ثم جاءت معركة السيطرة على المدارس التابعة لحركة غولن، فجرى مباشرةً تنفيذ قرارات إغلاق بحق نحو (800) مدرسة في تركيا. تلا ذلك الشروع بمساعي إغلاق جميع المدارس المقربة من حركة غولن حول العالم، والبالغ عددها (767) موزعة في مئة دولة؛ إذ نجحت، بعد الضغوط، في إغلاق معظم المدارس الموجودة في البلدان العربية والإسلامية، مثل: ماليزيا، وباكستان، والعراق، والأردن، وكوسوفو، إلا أنّ المساعي التركيّة ظلّت متعثرة في بلدان أخرى، وبخاصة في الدول الغربية.

بحسب الإحصاءات الصادرة عن الحكومة التركية في آذار 2019 فقد اعتُقل منذ وقوع المحاولة الانقلابية نحو نصف مليون شخص

في تموز (يوليو) 2019، وبمناسبة الذكرى الثالثة لمحاولة الانقلاب، أعلن رئيس وقف "المعارف" التركي،  بيرول أكغون، أنّ الوقف تسلم (218) مدرسة تابعة لحركة غولن من أصل (767) مؤسسة تعليمية في مختلف دول العالم. ووقف "معارف" هو الوقف الذي تأسس في العام 2016 عقب محاولة الانقلاب، بغرض الاستحواذ على المدارس المرتبطة بحركة غولن وتولي إدارتها.

وتوجد حوالي (250) مدرسة تابعة لحركة غولن في الدول الأوروبية والولايات المتحدة وأستراليا، ولا تبدي هذه الدول استعداداً للتعاون مع تركيا بخصوص منحها السيطرة على هذه المدارس. وفي دول أخرى خارج أوروبا والولايات المتحدة، طور مديرو مدارس حركة غولن طُرقاً للتصدي لجهود السلطات التركية، ومن بينها القيام ببيع المدرسة لطرف ثالث كي لا يتم إغلاقها أو الاستيلاء عليها، كما فعلت مدارس غولن في إثيوبيا، أو القيام باستبدال المدرسين والإداريين بآخرين محليين، كما فعلت مدارس الحركة في تنزانيا.

حملة "التطهير" داخل تركيا.. نصف مليون معتقل!

استهدفت حملة الاعتقالات و"التطهير" التي تلت المحاولة الانقلابية القضاء التام على القدرات التنظيمية لحركة فتح الله غولن، وبحسب الإحصاءات الرسمية الصادرة عن الحكومة التركية، في آذار (مارس) 2019، على لسان وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، فقد اعتُقل منذ وقوع المحاولة نحو نصف مليون شخص، بقي بينهم نحو (30) ألفاً رهن الاعتقال، في حين صدرت أحكام سجن عالية بحق المئات.

من عمليات الاعتقال الواسعة التي طالت المتهمين بمناصرة حركة غولن في تركيا

في حين أقيل أكثر من (110) آلاف من موظفي مؤسسات الدولة المدنية (وبخاصّة المؤسسات التعليمية)، ومن المؤسسات العسكرية والأمنيّة؛ إذ وصل عدد المُقالين من أجهزة الأمن إلى زهاء (31) ألف عنصر، إلى جانب (15) ألف عنصر من الجيش. في حين اضطر عشرات الآلاف إلى الهرب خارج البلاد.

اقرأ أيضاً: قصة الإسلاميين في تركيا.. أردوغان في مواجهة غولن

وشملت الحملة كل من جمعته بالحركة وأعضائها أيّ روابط، مهما كانت صلته بأعضائها هشة وعابرة، وبما في ذلك حتى مجرد التعاطف مع الحركة. وقد نُفّذَت قرارات الفصل والاعتقالات في ظل إعلان حالة الطوارئ في البلاد وتطبيق قوانين مكافحة الإرهاب.

خارج تركيا.. عمليات اعتقال واختطاف

منذ محاولة الانقلاب في العام 2016، بدأت السّلُطات التركيّة تسخّر أجهزتها الأمنية وبعثاتها الدبلوماسية في مختلف دول العالم من أجل مراقبة المنتمين لحركة غولن وتنظيم عمليات اختطافهم واعتقالهم في الخارج أيضاً. وفي هذا الصدد أعلنت مصادر تركية في نيسان (أبريل) 2018 أنّ جهاز الاستخبارات التركي تمكّن من إحضار ثلاثة قياديين بحركة غولن من دولة الغابون.

سخّرت السلطات التركيّة أجهزتها الأمنية وبعثاتها الدبلوماسية في مختلف دول العالم من أجل مراقبة المنتمين لحركة غولن وتنظيم عمليات اختطافهم واعتقالهم

وفي الشهر نفسه أُعلن عن عملية مماثلة قادت إلى اعتقال 6 من قيادات الحركة كانوا في "كوسوفو"، في عملية أدت إلى ارتدادات وأزمة بسبب اتهام رئيس كوسوفو جهات أمنية بالتعاون بشكل غير قانوني مع الاستخبارات التركية دون التنسيق مع الجهات الرسميّة.

وفي آب (أغسطس) من عام 2018 تمكنت الاستخبارات التركيّة من جلب مسؤول حركة غولن في ماليزيا، عارف كوميش، وعقب هذه العملية، صرحّ المتحدث باسم الحكومة التركية، بكير بوزداغ، بأنّ منظمة الاستخبارات القومية التركيّة تمكنت حتى ذلك التاريخ من إعادة 80 من أعضاء حركة غولن من 18 بلداً إلى تركيا. وفي أيار (مايو) 2021 أعلن عن اعتقال وإحضار صلاح الدين غولن، ابن شقيق فتح الله غولن، وإعادته قسراً إلى تركيا، وذلك من مكان تواجده في كينيا.

قامت السلطات التركية بجلب صلاح الدين غولن ابن شقيق فتح الله غولن من كينيا

وفي حين بدا بأنّ الأجهزة التركيّة لم تتمكن من تحقيق اختراق على صعيد إحضار عناصر حركة غولن من دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، فإنّها اتجهت إلى البحث عن إنجازات في دول أضعف من حيث الإجراءات والقدرات الأمنيّة على غرار كوسوفو، والغابون. واعتباراً من العام 2020، اتجهت تركيا أكثر لتفعيل أدوات الضغط على عدد من الدول، خاصة الدول الأفريقيّة ودول آسيا الوسطى، من أجل التعاون بشكل رسمي مع تلك الدول في عملية تسليم أعضاء حركة غولن.

الملاذ الأخير

وبالتدريج ومع كثرة عمليات الاعتقال والتعاون في التسليم التي أقدمت عليها عدة بلدان، باتت الدول الأوروبية والولايات المتحدة المساحة الأكثر أمناً وضماناً لمنتسبي حركة فتح الله غولن؛ إذ يأمنون فيها أكثر من غيرها من التعرض للملاحقات وعمليات الاختطاف والاعتقال. وهو ما تأكّد مع مواقف متكررة من قبل سلطات هذه الدول، رفضت فيها أيّ خطوات تركية من هذا القبيل.

باتت الدول الأوروبية والولايات المتحدة المساحة الأكثر أمناً وضماناً لمنتسبي حركة فتح الله غولن

ففي آذار (مارس) 2017 صرحّت النيابة السويسرية أنها فتحت تحقيقاً جنائياً في مزاعم تجسس محتمل من قبل "جهاز استخبارات" لم تسمه، على الجالية التركيّة في سويسرا، وبالتحديد على معارضين لسياسات الحكومة التركيّة. وفي الشهر نفسه، أبلغ وزير الخارجية السويسري، ديدييه بوركهالتر، نظيره التركي، مولود جاويش أوغلو، بأنّ سويسرا ستحقق في أي تجسس تقوم به تركيا على الأتراك في سويسرا.

اقرأ أيضاً: لماذا يكره أردوغان فتح الله غولن؟

وفي نيسان (أبريل) 2019، رفضت محكمة بريطانيّة طلباً من تركيا للطعن على قرار بمنع ترحيل رجل الأعمال التركي، أكين إبيك، والمترابط بحركة غولن، والذي وجهت له تركيا اتهامات بتمويل الإرهاب. وفي عام 2019 أيضاً، رفض مكتب الإنتربول الرئيسي، ومقره في فرنسا، طعون تركيا بشأن رفض المنظمة طلبات بشأن تسليم (464) شخصاً من المتهمين بالانتماء لحركة غولن، وجاء الرفض بالاستناد إلى تعريف الإنتربول القانوني لمحاولة الانقلاب على أنها ليست إرهاباً بل انقلاب عسكري فاشل.

محامون في بلجيكا يحتجّون أمام السفارة التركية تضامناً مع زملائهم من المحامين الأتراك المدانين بتهمة الإرهاب

وتزامنت هذه المواقف مع تصاعد في تقديم طلبات اللجوء من قبل الأتراك المنتمين لحركة غولن إلى دول الاتحاد الأوروبي، ففي عام 2017 وصل عدد الطلبات إلى (16) ألفاً، وفي عام 2018 وصلت إلى (25000) طلب لجوء.

أرادت السلطات التركية عملية "التطهير" شاملة وقاضية بشكل نهائي على ما تطلق عليه "الكيان الموازي"، حركة غولن، إلا أنّه، وبينما تمكّنت تركيا من تحقيق ذلك على المستوى الداخلي، إلا أنّ مواقف الدول الغربية، حالت دون ذلك على المستوى الخارجي؛ إذ إنّ هذه الدول، وبخاصّة الأوروبية، تسعى لتوظيف حركة غولن في مواجهتها مع تركيا، التي تزداد وتيرة الخلافات معها، وهي تُسند مسعاها هذا بخطاب وممارسة مستندة لخطاب الالتزام بضمان الحقوق والحريات، فضلاً عن رفض ما تنطلق منه تركيا من اعتبارات تصف الحركة بكونها "إرهابية"، مع تشكيك وعدم إقرار على مزاعم مشاركتها في المحاولة الانقلابية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية