بعد "الشائعات" حول عادل إمام... هل الألزهايمر سر لا يصح نشره؟

بعد "الشائعات" حول عادل إمام... هل الألزهايمر سرّ لا يصحّ نشره؟

بعد "الشائعات" حول عادل إمام... هل الألزهايمر سر لا يصح نشره؟


20/09/2022

شريف صالح

في العام 2010، جسّد عادل إمام في فيلم "زهايمر" شخصية أب يتظاهر بإصابته بهذا المرض للإيقاع بأولاده الطامعين فيه. هل انطوى الفيلم على نبوءة ما؟ فقبل أيام أعلن الصحفي المصري محمد الباز عن إصابة إمام (82 سنة) بأعراض آلزهايمر... وشكك في تصريحات الأسرة بخصوص استعداده لعمل فني يجمعه مع نجله محمد وما قاله شقيقه المنتج عصام إمام بأن صحته جيدة.

وأكد الباز أن مقربين زاروه وقالوا إنه يعاني أعراض المرض ولن يمثل مرة أخرى. واعتبر أن من حق جمهوره أن يعرف حقيقة حالت الصحية.

أولاده لم ينشرون تكذيبًا للخبر، لكنّ شقيقه عصام إمام نفاه تمامًا كما أنّ نقيب الممثلين أشرف زكي اعتبر ما قيل "إشاعة"!

يأتي الخبر الصادم لمحبي أيقونة الكوميديا بالتزامن مع اليوم العالمي لآلزهايمر الموافق 21 أيلول/ سبتمبر من كل عام حيث يعاني منه أكثر من 50 مليون شخص في العالم، يتحولون فجأة إلى عبء على أسرهم ويحتاجون إلى حب ورعاية.

فرق ثقافي

ثمة فروق واضحة بين ثقافتين، ثقافة تفضّل التكتم وعدم إعطاء تفاصيل للجمهور والاكتفاء بجمل جاهزة مثل "صحته جيدة" أو "بخير ويطمئن جمهوره".

وثقافة تفضل الشفافية وإعلان الموقف الطبي بدقة مطالبين الجمهور باحترام خصوصيته. ففي أمريكا وقبل ستة أشهر أعلنت أسرة النجم بروس ويلس (1955) عن إصابته باضطراب دماغي يؤدي إلى فقدان القدرة على الكلام و"يؤثر على قدرته الإدراكية".

في العام 2010، جسّد عادل إمام في فيلم "زهايمر" شخصية أب يتظاهر بإصابته بهذا المرض للإيقاع بأولاده الطامعين فيه

وكتبت ابنته "نتيجة لذلك يبتعد بروس عن مهنته التي تعني له الكثير" وهو مرض شبيه بآلزهايمر يعرف بـ "الحبسة" يفقد المريض القدرة على الكتابة والكلام وإدراك ما يقوله الآخرون ويصيب سنويًا 180 ألف شخص في أمريكا.

وكان زملاء للنجم العالمي أشاروا إلى ضعف تركيزه وتشتته وعجزه عن حفظ دوره أثناء تقديم آخر أعماله.

وسبق ويلس حالات كثيرة في الغرب شخصت صراحة بآلزهايمر أشهرها الممثل والرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان (1911 ـ 2004)، والنجمة ريتا هيوارث (1918 ـ 1987).

في عالمنا العربي تأرجحت الأمور بين الإعلان والإخفاء والتلميح. ثمة حالات سمعنا عنها قديمًا، مثل الكلام عن إصابة الممثل الكوميدي الراحل عبد الفتاح القصري (1905- 1964) بالعمى وفقدان الذاكرة، وحالات أعلنت عنها الأسر بلغة صريحة أو مواربة مثلما حدث مع الفنانة ماجدة (1931 ـ 2020) حين قدمت ابنتها طلبًا بالحجر عليها، كما أعلن مدير أعمال عمر الشريف (1932 ـ 2015) إصابته بالمرض ذاته، وأكد نجله أن ذلك حدث قبل ثلاث سنوات من رحيله.

كذلك عايدة عبد العزيز (1936 - 2022) أصيبت بالمرض عقب رحيل زوجها المخرج أحمد عبد الحليم، وأعلن ابنها شريف ذلك صراحة، حيث ابتعدت نهائيًا عن التمثيل في سنواتها الأخيرة.

بينما فضلت أسر أخرى تجاهل الأمر، أو تكذيب الأخبار، فعائلة محمود ياسين (1941 - 2020)  اكتفت بالتقاط صور له مع أولاده وأحفاده وهددت باللجوء إلى القضاء ضد من يشير إلى إصابته بالمرض.

أحمد السعدني نجل الفنان القدير صلاح السعدني (1943) اكتفى أيضًا بالتقاط صور لوالده مع عائلته، مؤكدًا أنه يقضي وقته مع أحفاده ولن يعود إلى التمثيل. لكنّ غياب السعدني عن الشاشة، وعن كافة المناسبات الاجتماعية والفنية، رجح فرضية مرضه.

لماذا الإخفاء؟

مبدئيًا هناك حزمة من الأمراض المتقاربة التي تصيب كبار السن منها "الحبسة" و"فقدان الذاكرة" و"الخرف" و"آلزهايمر" وكلها مرتبطة بمشاكل يصاب بها المخ مثل الجلطات.

يعرّف آلزهايمر بأنه مرض عصبي "تدريجي" يتسبب في ضمور المخ وموت خلاياه، كأنه وداع بطيئ للذاكرة التي تنحو إلى البياض، بكل ما أنجزه الإنسان وكل من عرفهم من أهل وأصدقاء وأحباب. أو موت بطيء للمخ ينتهي بالاستسلام التام.

النجم بروس ويلس

وتشير الإحصاءات إلى أنه يصيب من تجاوزوا الخامسة والستين لكنه قد يحدث قبل بلوغ الخمسين، والفيلم الشهير "ما تزال أليس" الذي نالت عنه جوليان مور أوسكار أفضل ممثلة، تطرق إلى إصابة أستاذة جامعية بالمرض وهي في مطلع الخمسين.

هذا أكثر ألمًا ومأساويةً، حين يطرق الزائر المزعج باب المخ والمرء مازال في متوسط الحياة والأحلام، وليس في نهاية الرحلة كما حدث مع ريغان.

السؤال الأهم لا يتعلق بعمر المريض وإنما بالمفاضلة بين الإعلان أو الإخفاء. فمن عيوب المرض أنه يتدهور تدريجيًا عبر مراحل كثيرة، إلى حد أن الأهل لا يلاحظون. ربما لاتتعدى الحالة تكرار طرح السؤال نفسه لأنه نسي الإجابة أو المواعيد، وأسماء المقربين منه، ومعظمنا يتعرض لحالات نسيان مشابهة.

ثم تدهور جسدي بسيط قبل أن يتعرض المريض لأن يضيع في الشارع أو يحتاج إلى مساعدة في ارتداء ملابسه.

ونظرًا الى طول مدة التدهور التدريجي، وعدم الانتباه، يحدث تعايش تلقائي مع الحالة، تنتهي إلى قناعة بعدم الإعلان عنها.

إحدى الدراسات تشير إلى أن حالة من أربع حالات تخفي أسرتها حقيقة المرض بسبب الصور النمطية القاسية المحيطة به مثل وصف المريض بـ "الجنون" و"الخرف" و"الشيخوخة" ما يكون محزنًا لأولاده وأحفاده. ولأن الإعلان لن يقدم أو يؤخر في الشفاء، يفضل هؤلاء التكتم وعدم الإفصاح.

سبب ثالث يرجح الإخفاء وهو رغبة الأسرة في الحفاظ على "الصورة الجميلة" للفنان في قلوب محبيه، بغض النظر عن طبيعة المرض هل هو السرطان أم آلزهايمر.

ولكن أليست "الصورة الجميلة البراقة" مزيفة وغير إنسانية وتحول الفنان إلى "سلعة" يتم استثمار حضورها؟ فما المانع أن يطلع الجمهور على لحظات ضعف النجوم مثل تعرضهم للاكتئاب أو السرطان. وربما يكون نضالهم ضد الأمراض ملهمًا للآخرين أكثر من أعمالهم الفنية.

ولا ننسى أن بعض الفنانين أشركوا الجمهور في تطورات حالتهم الصحية أولًا بأول، وأشهر هؤلاء عبد الحليم حافظ، حيث تابع محبوه العمليات التي تعرض لها ورحلاته العلاجية، والتقطت له عشرات الصور على أسرة المستشفيات.

 الخاص والعام

إعلان آلزهايمر أو إخفاؤه كأنه سر حربي، يعيد سؤال الخاص والعام.. أين ينتهي ما هو عام ليبدأ ما هو خاص بالنسبة للفنانين والمشاهير؟

تحت وطأة السوشيال ميديا والهوس بها، تآكلت مساحة "الخاص" إلى درجة الصفر. فكل شيء ملاحق وتحت الضوء. ومعظم أخبار المشاهير متعلقة بالحب والزواج والأموال والإدمان والشتائم والفساتين. أي بكل شيء خاص ما عدا الفن. من ثم يصبح فستان جريء لممثلة "ترند" أما خبر عن دور جديد لها، فلن يلفت نظر أحد.

الفيلم الشهير "ما تزال أليس" تطرق إلى إصابة أستاذة جامعية بالمرض

تحوّل كل ما هو خاص و"مثير وغريب" إلى وقود يضمن بقاء الفنان في دائرة الضوء، فيظل يتلقى عروض التمثيل وحفلات الغناء، وإلا سوف يذهب إلى النسيان مهما كانت موهبته.

عشرات الفنانين المعروفين والموهوبين اختفوا من الساحة، ليس بسبب آلزهايمر، ولا الشيخوخة، بل لأنهم عجزوا عن مسايرة "الترند" بكل المشهيات الآتية من حياتهم الخاصة.

فهل الأفضل أن نعتبر آلزهايمر شأنًا خاصًا بالفنان وعائلته، وعلينا احترام ذلك أم شأنًا عامًا من حق الجمهور أن يعرفه؟

هل الإعلان سوف يكسب الفنان والأسرة التعاطف والمزيد من المحبة أم سيتحول إلى وصمة عار وشفقة؟

لا توجد إجابة صحيحة أو خاطئة، لأن الموضوع يرتبط بوعي الجمهور ومدى احترامه لما هو خاص أوعام. والمؤسف أن الناس لا تتردد في نشر صور تظهر مرض فنان أو شيخوخته (كما حدث مع ميرفت أمين) من باب الشماتة في المآلات وتحقير الفن، كأن النهاية كانت عقابًا عنه.

عن "النهار العربي"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية