بعد تجاهله... هل يسعى اتحاد الشغل التونسي لإذابة الجليد بينه وبين سعيد؟

بعد تجاهله... هل يسعى اتحاد الشغل التونسي لإذابة الجليد بينه وبين سعيد؟

بعد تجاهله... هل يسعى اتحاد الشغل التونسي لإذابة الجليد بينه وبين سعيد؟


31/05/2023

الهدوء في التصريحات والكفّ عن لغة التهديد والوعيد أبرز ما ميّز نشاط الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في تونس)، الذي اعتاد التصعيد ضد الحكومات المتعاقبة، وضدّ الرئيس قيس سعيّد أخيراً، برغم دعمه لقرارات 25 تموز (يوليو) 2021 في بدايتها، بما فيها حلّ البرلمان.

المنظمة التي لزمت الصمت في الفترة الأخيرة، وتجنبت أيّ تصعيد أو إضرابات قد تجر السلطة لردّ فعل قوي ضدها، قدّر مراقبون أنّها تسعى لتحقيق تهدئة، وربما مصالحة أو إذابة الجليد الذي طبع علاقتها بسعيّد خلال الأشهر الأخيرة، وبالتالي لكسر العزلة بعد غياب الاهتمام الرسمي بالمنظمة.

وكانت المنظمة قد عملت طيلة أشهر على إظهار أنّ بمقدورها تحريك الشارع لإجبار السلطة على الاستجابة لمطالبها، تنفيذاً لتهديدات أطلقها أمينها العام نور الدين الطبوبي، مؤكداً من خلالها أنّ المنظمة لن تبقى مكتوفة الأيدي إزاء الأزمة التي تعيشها البلاد.

اتحاد الشغل يقدّم مبادرة جديدة

وبعد فشل كل محاولات التواصل مع مؤسسة الرئاسة، وفشل كل أشكال التصعيد، ومنها التحركات الميدانية، إذ تتالت التحركات الاحتجاجية والإضرابات العامة، إلى جانب التصريحات التصعيدية، عاد الاتحاد من جديد لطرح مبادرة جديدة من أجل "الخروج من الأزمة السياسية" الراهنة.

هذا، وتنكبّ قيادات اتحاد الشغل ومجموعة من الشركاء الاجتماعيين على الانتهاء من المبادرة، لعرضها قريباً على الرئيس سعيّد، ويعتبر خبراء الدستور بتونس أنّها "ولدت ميتة"، وقال أستاذ القانون الدستوري: إنّ "مبادرة الاتحاد وُلدت ميتة، باعتبار أنّ الجهة التي سيتم التحاور معها رافضة للحوار، وهنا نعني رئاسة الجمهورية"، وفق تعبيره.

شدّد سعيّد في عدّة مناسبات على أنّه لن يجلس على طاولة الحوار مع من اعتبر أنّهم أجرموا في حق تونس

وأشار اللغماني خلال تصريح لإذاعة (موزاييك) التونسية إلى رفض قيس سعيّد الحوار خارج المؤسّسات المنتخبة، وبالتالي فإنّ إطار هذا الحوار هو مجلس نواب الشعب، وإنّ الأجسام الوسيطة لا يمكن أن تكون بديلاً لذلك الإطار، وفق تصوّر رئيس الجمهورية.

المبادرة التي تم تغيير اسمها من مبادرة "الإنقاذ الوطني" إلى مبادرة "تونس المستقبل"، شارك فيها إلى جانب اتحاد الشغل، كلٌّ من عمادة المحامين التونسيين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

عاد الاتحاد من جديد لطرح مبادرة جديدة من أجل "الخروج من الأزمة السياسية" الراهنة

ويرى مراقبون أنّ الاتحاد لم يعد قادراً على الضغط وعلى التصعيد، حتى لو تمسكت قيادته بذلك، لأنّ التيار الغالب داخله يتجه نحو التهدئة والتصالح مع الحكومة، وهو ما كشف عنه اتفاق نقابة الثانوي الذي لا يمكن وصفه سوى بأنّه قبول بتهدئة دون اشتراطات، وصادر عن أهم النقابات وأكثرها وزناً وتأثيراً.

ورغم انطلاق مشاوراتها قبل الدور الثاني للانتخابات التشريعية، إلّا أنّ المبادرة لم تجهز بعد، وما تزال المنظمات الراعية لها منكبّة على وضع اللمسات الأخيرة عليها، مفضلة عدم تحديد موعد للإعلان عنها، لكنّها تؤكد أنّه قريب.

المنظمة الشغيلة تسعى لاستعادة دورها

وتذّكر هذه الخطوة بمبادرة "رباعي الحوار الوطني" التي قادتها المنظمات نفسها مع الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة، في ذروة الأزمة السياسية التي شهدتها البلاد عام 2013، حين نجحت المنظمات الـ (4) آنذاك في تجنيب البلاد الانزلاق إلى الفوضى وتحقيق توافق بين الأطراف السياسية الرئيسية.

وانتهى الحوار حينها بتوقيع اتفاق على تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية عام 2014، وسلّم حزب "حركة النهضة" الحاكم حينها الحكم لحكومة تكنوقراط أشرفت على تنظيم الانتخابات.

ونال الاتحاد والمنظمات التي رعت الحوار معه حينها جائزة نوبل للسلام، بعد نجاحه في الخروج بالبلاد من أزمة سياسية حادة كادت تسلك منعطفاً خطيراً، خصوصاً في ظل موجة من العمليات الإرهابية والاغتيالات السياسية عاشت على وقعها تونس.

وتذهب قراءات الوضع التونسي إلى أنّ الاتحاد قد تجاوز منذ وقت طويل دوره كطرف اجتماعي، لهندسة المشهد السياسي والتدخل في العملية السياسية، غير أنّ سعيّد قد أنهى هذا الدور منذ 25 تموز (يوليو) 2021.

 الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي

كما يرجح مراقبون أنّ الاتحاد يحاول استعادة دور الوساطة السياسية، التي تمكنه من أن يكون زعيماً للحوار الوطني، كما كان في 2013، وأن يكون صاحب فضل على السابقين بأن يخرج البلاد من وضع اللّاتفاهم السياسي، ويمهد لتوافق وطني.

واتسمت انتقادات الاتحاد العام التونسي للشغل لخطوات سعيّد بالبطء في بادئ الأمر، بينما وصفتها الأحزاب السياسية بالانقلاب، لكنّ الاتحاد ذا النفوذ بدأ في معارضة الرئيس بوضوح، مع تجاهل الرئيس للاتحاد ولاعبين آخرين.

سعيّد يرفض أيّ حوار خارج البرلمان

بالمقابل، شدّد سعيّد في عدّة مناسبات على أنّه لن يجلس على طاولة الحوار مع من اعتبر أنّهم أجرموا في حق تونس، في إشارة إلى الطبقة السياسية التي تولت الحكم بعد 2011، في مقدمتهم حركة النهضة الإخوانية.

كما يرفض سعيّد منذ إعلانه التدابير الاستثنائية في تونس في 25 تموز (يوليو) 2021 التحاور أو التفاوض مع أيّ طرف، ويؤكد أنّه لا مجال للتفاوض خارج أطر مؤسسات الدولة.

قدّر مراقبون أنّ المنظمة تسعى لتحقيق تهدئة، وربما مصالحة أو إذابة الجليد الذي طبع علاقتها بسعيّد خلال الأشهر الأخيرة

وخلال مشاركته في إحياء ذكرى وفاة الرئيس السابق الحبيب بورقيبة، أوصد الرئيس سعيّد الأبواب في وجه مبادرة اتحاد الشغل، مؤكداً أنّه لا حاجة للحوار ما دام ثمّة برلمان منتخب يمارس مهامه. وقال سعيّد: "لماذا انتخبنا برلماناً إذاً؟ وعمّ سنتحاور؟"، مضيفاً أنّ "الحوار يُجرى في البرلمان، وهي مهمّة المشرّع المتمثلة في المصادقة على مشاريع القوانين".

بدوره قال رئيس البرلمان إبراهيم بودربالة: إنّ الحوار يجب أن يكون بين مجلس النواب ومجلس الأقاليم (غرفة تشريعية ثانية لم يتم انتخابها بعد)، لافتاً إلى أنّ البرلمان يعوّض الحوار الوطني.

مواضيع ذات صلة:

النهضة الإخوانية واتحاد الشغل التونسي.. تناقضات عميقة تجعل التقارب مستحيلاً

اتحاد الشغل التونسي يقاضي استعجالياً عبير موسي... لماذا؟

الغنوشي يفاقم إحراج اتحاد الشغل التونسي... ماذا فعل؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية