بعد زيارة شمخاني: هل تتغير استراتيجية طهران الأمنية في العراق؟

بعد زيارة شمخاني: هل تتغير استراتيجية طهران الأمنية في العراق؟

بعد زيارة شمخاني: هل تتغير استراتيجية طهران الأمنية في العراق؟


26/03/2023

إثر التقارب السعودي الإيراني والإعلان عن الاتفاق الثلاثي بقيادة الصين، فإنّ قراءات عديدة تتجه إلى مراقبة التحولات في مناطق الصراع بين الخصمين الإقليميين، للتفتيش عن المقاربات الجديدة، والبحث في المتغيرات السياسية والأمنية، بهدف تحديد ما هو مؤقت وتكتيكي وما هو استراتيجي.

محاولة فهم أبعاد وتداعيات هذا الاتفاق، بالإضافة إلى حدود التفاؤل الممكنة وإمكانية التصعيد المحتملة، تحتاج إلى اختبارات عديدة، كما أنّها تصطدم برهانات قد تبدو، في أحايين كثيرة، صعبة، وربما، مستحيلة. غير أنّ اللافت هو وجود رغبة مشتركة في التهدئة بين الأطراف الخليجية وإيران. اليمن كما سوريا والعراق، فضلاً عن المشروع النووي الإيراني، تعد من بين الملفات والقضايا التي تشهد خلافات جمّة بين الطرفين، وذلك على خلفية تباين المصالح بينهما، سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية أو الأمنية.

وكما تحتاج السعودية إلى إنهاء الحرب في اليمن، حسبما أعلن في مرات سابقة وزير خارجيتها فيصل بن فرحان، والتي كبدتها خسائر فادحة، فإنّ باقي دول الخليج ومنها الإمارات التي زارها أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران، علي شمخاني، مؤخراً، تحتاج إلى إنهاء التوترات الإقليمية لتأمين ممرات الملاحة الدولية وتسهيل حركة التجارة والنفط.

تعد تحركات إيران الخارجية، والتي يقودها شمخاني في زيارته إلى العراق والإمارات، لافتة، بينما تعكس دبلوماسية إيرانية جديدة وخطط سياسية وأمنية تعاونية مغايرة. هذه الزيارة، التي تأتي في أعقاب الاتفاق الثلاثي بين الرياض وطهران وبرعاية الدبلوماسية الصينية، تؤشر إلى خطوات باتجاه التعاون والانفتاح الإيراني على دول الخليج. كما أنّ التعاون الأمني بين إيران والعراق، مؤخراً، يمثل قفزة نوعية بخلاف الدور المشبوه الذي قاده فيلق القدس في زياراته غير العلنية والسرية لبغداد، وإدارته للملف الأمني بواسطة قادة الميليشيات المدعومة من الحرس الثوري.

الباحث سامح مهدي: العلاقات بين الإمارات وإيران لم تصل للصدام الخشن

أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران شمخاني، المحسوب على التيار الإصلاحي، والذي مثّل طهران في محادثات بكين التي أسفرت عن الاتفاق الثلاثي، يؤدي دوراً مهماً في حلحلة الملفات الإقليمية التي باعدت بين إيران ودول الخليج، وذلك بعد أسبوع من الإعلان عن عودة العلاقات الدبلوماسية مع الرياض. غير أنّ دور شمخاني بعث بتساؤلات حول تغييب أو غياب دور الخارجية الإيرانية عن مشهد التطبيع مع دول الخليج، لدرجة أنّ وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، اضطر للتغريد نافياً أي خلافات داخل المؤسسات الإيرانية. وقال: "التنسيق في السياسة الخارجية قائم وكل شيء يتم بنظام وتحت إشراف رئيس الجمهورية".

ما وراء زيارة شمخاني للعراق والإمارات؟

ووفق وكالة أنباء "تسنيم" الإيرانية، فقد توجه شمخاني للعاصمة العراقية، وذلك ضمن مواصلة استراتيجية دبلوماسية الجوار. وسيتم خلال زيارة شمخاني إلى العراق، توقيع وثيقة تعاون أمنية مشتركة، والتي يجري بحثها منذ عدة أشهر من قبل كبار المسؤولين الأمنيين في البلدين.

وستتناول الزيارة محادثات حول تعزيز المبادلات التجارية، بحسب وكالة الأنباء الإيرانية، فضلاً عن تسهيل التعاون المصرفي وحل بعض التحديات الأمنية المفروضة على العلاقات بين البلدين، والإسراع في تنفيذ الاتفاقيات الاقتصادية. كما زار شمخاني "أبو ظبي على رأس وفد رفيع المستوى الاقتصادي والأمني بعد زيارة قام بها مستشار الأمن الوطني في الإمارات الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان لإيران".

ومن جهته، أكد وزير الخارجية الإيراني أنّ زيارة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي للإمارات والعراق تأتي في إطار العلاقات الأمنية. وفي تغريدة على حسابه الموثق في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" قال أمير عبداللهيان: "تتم زيارة الأدميرال شمخاني إلى الإمارات والعراق في إطار العلاقات الأمنية القائمة. ليست ظاهرة جديدة. ممثل وزارة الخارجية يرافقه في زيارته. هناك تنسيق في السياسة الخارجية".

الباحث العراقي منتظر القيسي لـ"حفريات": غضب عارم من نقل الخبرات الإيرانية في مجالات فض التظاهرات والتضييق على الحريات، ومراقبة الاتصالات، وحتى التشويش على بث القنوات الفضائية

وأضاف أنّ "كل شيء يتم في إطار النظام وتحت إشراف رئيس الجمهورية. هناك تنسيق. ليعلم الأعداء أنّه لا يوجد خلاف".

وفي حديثه لـ"حفريات" يوضح الباحث المتخصص في العلوم السياسية، الدكتور سامح مهدي، أنّ العلاقات بين الإمارات وإيران، رغم العديد من الملفات الخلافية بينهما، كانت "منضبطة"، ولم تصل لحدود الصدام الخشن، موضحاً أنّ أبو ظبي تتجه إلى سياسة "تصفير المشاكل"، بما يعزز دورها الإقليمي الحيوي.

ووفق مهدي، فإنّ حجم التبادل التجاري بين أبو ظبي وطهران يسجل زيادة وتقدماً نسبياً في كل عام. ويردف: "في فترة انسحاب دونالد ترامب الأحادي من الاتفاق النووي، تراجع حجم التجارة بين البلدين على خلفية العقوبات الأمريكية بشكل طفيف، مع الأخذ في الاعتبار أنّ هذه الفترة الصعبة وصف رئيس الغرفة التجارية الإيرانية الإماراتية المشتركة، الإمارات، بأنّها ثاني أكبر شريك تجاري لإيران".

ما الجديد؟

إلى ذك، قال شمخاني إنّ هذا الاتفاق الأمني مع العراق "سيؤدي إلى تنمية شاملة للعلاقات". وأضاف شمخاني في لقاء مع نظيره العراقي، قاسم الأعرجي: "مع التنفيذ الكامل للاتفاقية الأمنية بين إيران والعراق، ستسرع العلاقات نحو التطور الشامل".

من جهته، قال الأعرجي: "لا شك أنّ الاتفاق بين البلدين لإزالة التحديات الأمنية المفروضة على العلاقات الإيرانية العراقية يخدم مصالح البلدين"، لافتاً إلى أنّ "بغداد لن تسمح لأيّ جماعة أو دولة باستخدام الأراضي العراقية لخلق حالة من انعدام الأمن في إيران".

 أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران، علي شمخاني

ولا يشكك أحد في مدى تغلغل النفوذ الإيراني في العراق على المستويات كافة، لا سيما الأمني منها، وفق الباحث العراقي المتخصص في الشؤون السياسية والأمنية، منتظر القيسي، موضحاً لـ"حفريات" أنّه مع تولي حكومة الإطار التنسيقي الشيعية القريبة من إيران، زمام السلطة "تبدو الفرصة مناسبة أكثر من أي وقت مضى لإتمام السيطرة على بعض المفاصل الأمنية، والتي ظلت عصية عليها خلال السنوات الماضية، وأبرزها جهاز المخابرات العامة وجهاز مكافحة الإرهاب. صحيح أنّ هذا الجهاز أو ذلك لم يكن أيّ منهما بمنأى عن الاختراق لكنهما حافظا، بفضل  الاشتراطات الأمريكية لاستمرار التعاون مع العراق في ما خص عمليات مكافحة الإرهاب، على درجة عالية من الاستقلالية عن التأثير الإيراني المباشر. وهو الأمر الذي يبدو بأنّه على وشك الانتهاء في ظل حكومة محمد شياع السوداني، الذي يجد نفسه في خضم صراع عنيف بين أخطر فصيلين ولائيين، كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق، لحيازة منصب رئيس جهاز المخابرات العامة، مما اضطره للاحتفاظ برئاسة الجهاز لنفسه".

ومن هنا؛ تأتي زيارة شمخاني إلى العراق، وتوقيعه اتفاق التنسيق الأمني مع السوداني بصفته رئيس الوزراء وكذا رئيس جهاز المخابرات، فضلاً عن بقية قادة الأجهزة الأمنية، لوضع الخطوط الأخيرة على استراتيجية طهران الأمنية في العراق خلال المرحلة المقبلة، وفق القيسي.

وتهدف هذه الاستراتيجية الأمنية الإيرانية بالعراق إلى "التعامل مع أبرز التحديات التي تواجه التضييق على هيمنة إيران وسلطة حلفائها ببغداد، والمتمثلة في الحركة الاحتجاجية بمعناها العام، أو بشكلها الخاص (تظاهرات التيار الصدري، ومجموعات الناشطين المدنيين)، فضلاً عن تشديد الرقابة والقمع على أشكال المعارضة الأخرى، ومنها حملات المعارضة التي يقودها الناشطون والمدونون على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تقف على النقيض من تأثير نفوذ إيران على القرار العراقي".

تأتي زيارة شمخاني إلى العراق، وتوقيعه اتفاق التنسيق الأمني مع السوداني لوضع الخطوط الأخيرة على استراتيجية طهران الأمنية في العراق خلال المرحلة المقبلة

ويشير القيسي إلى غضب عارم في الأوساط المدنية العراقية من نقل الخبرات الإيرانية في مجالات فض التظاهرات والتضييق على الحريات، ومراقبة الاتصالات، وحتى التشويش على بث القنوات الفضائية.

علاوة على "مكافحة أنشطة أجهزة المخابرات الأجنبية والجماعات المعارضة الإيرانية المتواجدة على الأراضي العراقية في إقليم كردستان، الأمر الذي أكد عليه شمخاني حين شدد على ضرورة التطبيق الحازم لاتفاقية حماية الحدود المشتركة، ومنع تسلل المخربين، والتهريب الذي يبعث بأضرار ومخاوف اقتصادية لإيران. فقط لأنّ تجارة التهريب من وإلى إيران تعتبر أحد أعمدة اقتصاد الفصائل الولائية وإحدى الثغرات التي تتحايل إيران من خلالها على العقوبات الأمريكية، والحظر الأمني على تنقل ميليشياتها (ونقل الأسلحة) إلى حلفائها في سوريا ولبنان".

القيسي يقول أيضاً: "هناك العديد من الضغوط الإيرانية المكثفة على حكومة السوداني لبذل المزيد من أجل التحايل على رقابة البنك الفيدرالي الأمريكي الذي شدد الخناق، مؤخراً، على التجارة بين العراق وإيران وقام بفرض قيود صارمة على التحويلات المالية التي تجريها المصارف العراقية لمنع وصول الدولار إلى الخزانة الإيرانية".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية