بعد مصادقة قيس سعيد على دستور تونس الجديد... ما الخطوات المقبلة؟

بعد مصادقة قيس سعيد على دستور تونس الجديد... ما الخطوات المقبلة؟


18/08/2022

بعد تخطّيه العديد من العراقيل، التي وضعت عمداً في طريق خروج دستور "الجمهورية الجديدة" من قبل حركة النهضة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في تونس، صادق الرئيس التونسي قيس سعيّد على الدستور الجديد أمس، معطياً إشارة انطلاق العمل به.

 في كلمة نقلت إذاعة "موزاييك" مقتطفات منها، قال سعيّد: "هذا دستور الشعب يتمّ ختمه اليوم وإصداره لينطلق العمل به حالاً، دستور الجمهورية التونسية لـ 26 من شهر ذي الحجة الحرام من عام 1443، الموافق لـ 25 تموز (يوليو) 2022".

  يأتي ذلك بعد يومين من إعلان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أول من أمس عن النتائج النهائية للاستفتاء حول الدستور الذي تمّ إجراؤه في 25 تموز (يوليو) الماضي.

 يوم تاريخي

وصف سعيّد هذا اليوم بـ"التاريخي"، معتبراً أنّه ''يوم من الأيام التاريخية الخالدة، وهي كثيرة، وليس أقلها 25 تموز (يوليو) من هذه العام والعام الذي قبله''، في إشارة إلى انطلاق مسار 25 تموز (يوليو) بعد تفعيل الفصل (80) من دستور كانون الثاني (يناير) 2014، وإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، وتجميد عمل مجلس نواب الشعب، قبل أن يقوم بحلّه.

 وقال رئيس تونس: إنّه ''يوم التطابق بين الشرعية الدستورية والمشروعية الشعبية''، معتبراً أنّ ما قام به هو ''تصحيح لمسار الثورة ومسار التاريخ''، بعد أن ''ساد الظلام، واستفحل الظلم في كل مكان".

الدستور هو أحدث جبهات المواجهة بين سعيّد وإخوان تونس

 والدستور هو أحدث جبهات المواجهة بين سعيّد وإخوان تونس، فقد أعلن الرئيس التونسي نهاية آذار (مارس) الماضي حل البرلمان ذي الغالبية النهضاوية، بعد (8) أشهر من تعليق أعماله في 25 تموز (يوليو) 2021، ضمن إجراءات استثنائية، وصفها خصومه بأنّها "انقلاب على الشرعية"، بينما أكد هو أنّها تصحيح للمسار الثوري. واتهم سعيّد نواب المجلس المنحل من حركة النهضة بالسعي لـ"تقسيم البلاد وزرع الفتنة" قائلاً: "نجوم السماء أقرب إليهم من ذلك، وما يقومون به الآن هو تآمر مفضوح على أمن الدولة".

 وأوّل من أمس أعلنت هيئة الانتخابات النتائج النهائية للاستفتاء على الدستور الجديد للبلاد، وقد بلغت نسبة التصويت بـ "نعم" 94.60%، ما يعادل (2) مليون و(6748) إجابة بـ"نعم"، وبلغت نسبة الإجابة بـ "لا" 5.40%، ما يساوي (148) ألف و(723) إجابة بـ"لا".

 هرم قانوني مقلوب

 في كلمته بمناسبة المصادقة على الدستور الجديد، اتهم سعيّد ضمناً "قضاة النهضة" بـ"قلب" الهرم القانوني "رأساً على عقب"، قائلاً: ''بالرغم من  أنّ هذا اليوم ليس يوماً للدخول في سجال قانوني، فإنّ الواجب يقتضي التذكير  بقرار المحكمة الإدارية المؤرخ في  26 من شهر حزيران 2013 الذي ورد فيه بالحرف الواحد ما يلي: إنّ القرارات الصادرة عن المجلس التأسيسي في إطار مهامه التأسيسية أو التشريعية أو الرقابية أو غيرها من المسائل المتصلة بها  تخرج بطبيعتها عن ولاية القاضي الإداري".

 وأضاف سعيّد: إنّ مثل هذا الموقف معلوم وراسخ ومألوف في عدد من الدول الأخرى، متسائلاً: "كيف لسلطة مُؤسَّسة أنّ تراقب إرادة السلطة التأسيسية الأصلية؟ فهي تصدر الأحكام والقرارات باسم الشعب، وتتولى مراقبة الشعب حينما يفصح عن إرادته في الاستفتاء".

 

بعد تخطيه العديد من العراقيل، صادق الرئيس التونسي قيس سعيّد على الدستور الجديد أمس، معطياً إشارة انطلاق العمل به

 

 وتابع: "لو كان (هانز) كيلسن صاحب النظرية الخالصة للقانون والترتيب التفاضلي للقواعد القانونية، لو كان هذا الفقيه المعروف على قيد الحياة، لمات مرة ثانية حزناً وكمداً على ما وصل إليه تأويل القانون في تونس"، مضيفاً: "ومع ذلك انتظرنا البتّ في الطعون، في ظلّ هذا الهرم القانوني الذي قلبوه رأساً على عقب".

 وحول الانتقادات بشأن عدم دستورية الاستفتاء على الدستور، أشار سعيّد إلى أنّ "البعض يريد الإصرار على الخطأ، وما يزال يتعلّل بالقانون المتعلق بالانتخابات والاستفتاء"، مؤكداً أنّ "الاستفتاء المنصوص عليه في ذلك القانون يتعلق بالاستفتاء في ظلّ الدستور الذي انتهى".

 ومعركة سعيّد مع القضاء تعود إلى منتصف شباط (فبراير) الماضي حين أصدر مرسوماً يقضي باستحداث مجلس أعلى مؤقت للقضاء يحل محل مجلس القضاء المنحل الذي سيطرت عليه حركة النهضة المنتمية لجماعة الإخوان المسلمين، المصنفة إرهابية في عدد من دول العالم، فور وصولها إلى الحكم في أعقاب ثورة الياسمين في 2011، بعد اتهامات للمجلس المنحل بالتلاعب في ملف الاغتيالات السياسية التي طالت نشطاء سياسيين كشكري بلعيد ومحمد البراهمي. 

دعا سعيّد القضاة إلى أن يكونوا في الموعد لمحاسبة من استولى على مقدرات الشعب المنهوبة في الداخل والخارج

  وقال سعيّد حينها: إنّ "المجلس الجديد جاء ليضع حداً لحالات الإفلات من العقاب، فالمحاسبة العادلة أمام قضاء عادل هو واجب مقدّس، إلى جانب أنّه أحد المطالب المشروعة للشعب التونسي".

 موعد مع المحاسبة

 دعا سعيّد القضاة إلى أن ''يكونوا في الموعد لمحاسبة من استولى على مقدرات الشعب المنهوبة في الداخل والخارج"، في إشارة إلى حركة النهضة، التي يحمّلها التونسيون المسؤولية عمّا يطلقون عليه "العشرية السوداء"، أي الـ 10 أعوام التي سبقت قرارات 25 تموز (يوليو) 2021، وشهدت سيطرة الحركة الإخوانية على صنع القرار التونسي.

 الخطوات المقبلة

بعد دخول الدستور الجديد حيّز التنفيذ، أكّد قيس سعيّد أنّه ''سيتمّ إرساء المحكمة الدستورية في أقرب الآجال للحفاظ على الدستور وحماية للحقوق والحريات."

 

اعتبر سعيّد أنّ ما قام به ''تصحيح لمسار الثورة ومسار التاريخ''، بعد أن ''ساد الظلام، واستفحل الظلم في كل مكان"

 

 وأعلن أنّه سيتمّ وضع قانون انتخابي جديد في الفترة المقبلة، تمهيداً للانتخابات التشريعية المرتقبة في 17 كانون الأول (ديسمبر) القادم، وفقاً للروزنامة المعلن عنها في كانون الأول (ديسمبر) 2021.

 العدل الاجتماعي

المحكمة الدستورية والقانون الانتخابي ليسا إلّا أوّل خيط الإصلاحات، فقد كشف سعيد أنّ قضية العدل الاجتماعي تقتضي العناية والرعاية في المقام الأول في الفترة المقبلة.

 وقال سعيّد: إنّ "الأغلبية عانت من التفقير، وآن الأوان لوضع سياسات جديدة وتشريعات مختلفة في ظل مقاربة وطنية شاملة، لا في ظل مقاربات قطاعية معزولة أثبتت التجربة فشلها"، في إشارة إلى سياسات حركة النهضة الإفقارية التي أدت إلى أزمة اقتصادية مزمنة دفعت تونس للتخلف عن سداد ديونها مطلع هذا العام.

 واعتبر أنّ إرساء المجلس الوطني للجهات والأقاليم، الذي نصّ عليه الدستور الجديد، "يصبّ في هذا الاتجاه"، وسط حملات تشكيك مستمرة تقودها حركة النهضة ومشتقاتها، ولا سيّما مع سعي سعيّد إلى إبرام صفقة مع صندوق النقد الدولي، الذي يضع شروطاً صعبة تهدد بتقليص الدعم وعدد آخر من الإصلاحات الاقتصادية القاسية، ممّا قد ينعكس سلباً على الطبقات الفقيرة والمتوسطة، وفقاً لـ"موزاييك".

 الحريات وثروة الشباب

اعتبر رئيس الجمهورية قيس سيعيّد أنّ الحقوق والحريات التي نصّ عليها الدستور الجديد أكثر من الحقوق التي تمّ التنصيص عليها في الدستور الذي "أنهى الشعب وجوده".

 وأضاف سعيّد أنّ "قضية الحريات محسومة"، مشيراً إلى أنّ "شباب تونس ثروة لا تنضب، ويكفي تمكينه من الوسائل القانونية حتى يصير فاعلاً، ويساهم في التنمية الحقيقية في كافة المجالات والجهات"، وأضاف أنّه "لهذا السبب تم إنشاء المجلس الوطني للجهات والأقاليم."

 ويظلّ الشباب الرقم الصعب في المعادلة السياسية في تونس، فقد انحاز قطاع كبير من تلك الفئة إلى الرئيس سعيّد، ممّا يشير إلى مستقبل ضبابي لحركة النهضة، فقد نقلت صحيفة "العرب" اللندنية عن بوعسكر قوله: إنّ نسبة الإقبال في التصويت في الاستفتاء على الدستور شهدت صعوداً، لا سيّما من قبل فئات الشباب التي تعودت على الذهاب إلى مكاتب الاقتراع في الساعات الأخيرة.

  والشباب هم الفئة الأكثر تصويتاً للرئيس قيس سعيّد في انتخابات 2019، وخاصة في الدورة الثانية، وفقاً لصحيفة "العرب" اللندنية.

 

مواضيع ذات صلة:

قضاة تونس المعزولون: فاسدون مرتبطون بالإخوان أم ضحايا قرار فرديّ؟

التمويل الخارجي لحركة النهضة الإخوانية تحت مجهر العدالة التونسية.. ما الجديد؟

الاتحاد التونسي للشغل يعلن إضراباً عاماً.. فهل خانه اختيار التوقيت؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية