بفعل التحولات الجيوستراتيجية.. هل تنافس اليونان تركيا في ليبيا؟

بفعل التحولات الجيوستراتيجية.. هل تنافس اليونان تركيا في ليبيا؟

بفعل التحولات الجيوستراتيجية.. هل تنافس اليونان تركيا في ليبيا؟


09/11/2022

أكد رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، أنّه لا يعترف بمذكرة ترسيم الحدود البحرية بين ليبيا وتركيا، غير القانونية، مشيراً إلى أنّ المذكرة واجهت تنديداً واسعاً في كل المحافل الدولية، وأنّ من يعترف بها هي حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية.

وقال ميتسوتاكيس، وفقاً لما أعلنته رئاسة الوزراء اليونانية: "نريد أن نفتح أبواب الحوار والتعاون في ليبيا كلها؛ حتى نتمكن من ترسيم المناطق البحرية مع ليبيا، فاليونان وليبيا لديهما سواحل متقابلة".

وأضاف: "يمكننا استكشاف إمكانية الاستغلال المشترك للنفط والغاز الموجود في المنطقة الواقعة بين البلدين، وهذا الاتفاق لاستغلال المنطقة المشتركة يحتاج مسبقاً إلى توقيع اتفاق نهائي؛ لترسيم الحدود البحرية مع ليبيا".

وتابع: "المسوحات الزلزالية لاستكشاف رواسب الغاز الطبيعي ستبدأ على الفور، وستبدأ شركة، إكسون موبيل، في الأيام القليلة المقبلة، التنقيب عن الغاز في قطعتين تقعان جنوب غرب بيلوبونيز وكريت".

مساعي أثينا وأهدافها

يسعى الجانب اليوناني من خلال فتح قنوات الحوار مع الجانب الليبي، إلى تجاوز ما تراكمه أنقره من واقع على الأراضي الليبية؛ عبر مذكرات التفاهم التي أبرمتها حكومة الدبيبة منتهية الولاية .

ومن الواضح في حديث رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، سعي أثينا للنفاذ في عمق الأجسام السياسية الليبية؛ سواء عبر حكومة الغرب، أو الحكومة المكلفة من قبل مجلس النواب برئاسة السيد فتحي باشاغا، باعتبار أنّ تفعيل الحوار مع الجانب الليبي أمر حتمي وفعال.

رئيس الوزراء اليوناني: نريد أن نفتح أبواب الحوار والتعاون في ليبيا كلها؛ حتى نتمكن من ترسيم المناطق البحرية مع ليبيا

من أهم معالم الخلاف الحالي بين تركيا واليونان، والذي يعود إلى مئات السنين؛ ثروات شرق المتوسط وأزمة الحدود البحرية، خاصّة مع توقيع الجانب الليبي مذكرة تفاهم مع تركيا مطلع الشهر الماضي، مما قد يؤدي إلى انفجار الصراع بين أنقرة وأثينا.

وكان وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس، اتهم تركيا باستغلال الوضع المضطرب في ليبيا؛ لزيادة زعزعة الأمن في منطقة البحر المتوسط، وتحقيق هيمنة إقليمية.

سيناريوهات الصراع المرتقب

من جهته، قال الأستاذ المساعد في قسم الدراسات الدفاعية في كلية كينغز كوليدج لندن، إيمانويل كاراجيانيس، إنّ هناك ثلاثة سيناريوهات للتحركات التركية، بعد توقيع مذكرات التفاهم مع الحكومة منتهية الولاية برئاسة عبدالحميد الدبيبة.

وأضاف كاراجيانيس، في تصريحات صحفية، أنّ السيناريو الأول: هو أن تعمل سفن الحفر التركية في خليج السدرة قرب السواحل الليبية، دون التعدي على المنطقة الاقتصادية اليونانية الحصرية المطالب بها أو المحددة، وهذا ما سيبقي التوتر عند مستوى مقبول، ويمنع التصعيد إلى أزمة عسكرية.

نيد برايس: تنمية الموارد في شرق البحر المتوسط يجب أن تعزز التعاون لأمن الطاقة المستدامة في جميع أنحاء المنطقة

 

وفي السيناريو الثاني، توقع كاراجيانيس قيام أنقرة بتحدي حقوق اليونان السيادية جنوب جزيرة كريت، لكن السفن التركية ستظل تتجنب المنطقة الاقتصادية الخالصة لليونان ومصر.

أما السيناريو الثالث، فتقرر فيه أنقرة إرسال سفينة حفر إلى المنطقة الاقتصادية اليونانية/المصرية، بمرافقة سفينة حربية؛ من أجل فرض أحكام ما يسمى بمذكرة ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا. وهو ما قد يفضي إلى أزمة حقيقية.

أثر الحرب الروسية الأوكرانية

أفضى الصراع الروسي الأوكراني إلى مسارات إقليمية ودولية مغايرة، على صعيد التنافس في شرق المتوسط، وما نتج عنه من ارتفاع أسهم تداول الغاز، ما كان من شأنه أن يعيد صياغة ترسيم تحالفات الشرق الأوسط، وسط منافسة تصل إلى حد الصراع بين مصر واليونان من جهة، وتركيا من جهة أخرى، حيث تسعى الأخيرة إلى حيازة النصيب الأكبر من عمليات نقل الغاز إلى أوروبا.

من أهم معالم الخلاف الحالي بين تركيا واليونان؛ ثروات شرق المتوسط وأزمة الحدود البحرية

يأتي ذلك في الوقت الذي تراجعت فيه إمدادات الغاز الروسي؛  جراء العقوبات الغربية المفروضة على موسكو، الأمر الذي يدفع دولاً عديدة نحو التحرك بكامل طاقتها السياسية؛ لتثبيت قدمها في حيز الجغرافيا السياسية لشرق المتوسط .

يصف الدكتور أحمد قنديل، رئيس برنامج دراسات الطاقة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، في تصريحاته لـ"حفريات"، إعلان اليونان فتح قنوات الحوار مع ليبيا بشأن ترسيم الحدود البحرية، بالتطور المفاجئ واللافت في تحولات الجغرافيا السياسية داخل شرق المتوسط، خاصّة مع التطورات السياسية والميدانية، التي صاحبت الحروب الروسية في أوكرانيا، وتداعياتها المباشرة على ملف الطاقة.

أحمد قنديل: اليونان تأخرت كثيراً في فتح هذا الملف الهام، ما أدّى إلى تزايد النفوذ التركي في ليبيا

 

يتابع قنديل قائلاً: إنّ اليونان تأخرت كثيراً في فتح هذا الملف الهام، ما أدّى إلى تزايد النفوذ التركي في ليبيا، عبر توقيعها اتفاقيات مع حكومة الوفاق سابقاً في العام 2019، وما أبرمته مع عبدالحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية مؤخراً، وبالتالي إذا ما استطاعت اليونان المضي قدماً في حوارها مع الجانب الليبي، وتوقيع اتفاق يؤدي إلى ترسيم الحدود البحرية فيما بينهما، فإنّ ذلك سيفضي إلى تبديد ادعاء أنقرة بأنّ لها حدوداً مع ليبيا، خاصّة وأنّ القاهرة وأثينا أتمتا سابقاً ترسيم الحدود فيما بينهما، وبالتالي لن يكون هناك سبيل للتواصل البحري بين تركيا وليبيا.

إنّ مذكرة التفاهم التي أبرمها الدبيبة، لم تحظ بأي اعتراف كونها غير شرعية، ولا تقوم على أسس القانون الدولي، يؤكد قنديل، لافتاً إلى أنّ نجاح اليونان وليبيا، في حوارهما بغية الاتفاق على ترسيم الحدود، يعني بالضرورة نهاية الحلم التركي .

وتعاني ليببا التي تقع كافة حدودها البحرية على المتوسط، وتتمتع باحتياطات هائلة من موارد الطاقة، من انسداد سياسي بين الأجسام السياسية الفاعلة؛ جراء الاختلاف على مسار الاستحقاق الانتخابي، وتسوية قاعدة دستورية؛ تسمح بالمرور الآمن نحو ذلك، سيما في ظل نفوذ حكومتين: واحدة تسيطر على العاصمة طرابلس، والأخرى في الشرق، فضلاً عن نفوذ الميليشيات المسلحة.

سليمان البيوضي: في النهاية أيّ موقف تجاه دعوات اليونان سلباً أو إيجاباً، هو موقف مشكوك فيه، وسيفتقر للشرعية

من جانبه، قال الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس، إنّ الولايات المتحدة منفتحة على إمكانية ربط الطاقة بين اليونان وليبيا.

وأضاف برايس، في تصريحات نقلتها وكالة أنباء أثينا المقدونية، أنّ تنمية الموارد في شرق البحر المتوسط، يجب أن تعزز التعاون لأمن الطاقة المستدامة في جميع أنحاء المنطقة.

وأكد برايس، على مواصلة دعم مشاريع الطاقة، لا سيما وصلات الكهرباء البينية، التي تساعد في التحضير للانتقال إلى الطاقة النظيفة.

يذكر أنّ رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، فرحات بن قدارة، صرح في شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، أنّ ليبيا تدرس إنشاء خطي أنابيب للغاز الطبيعي مع اليونان، ومدينة دمياط المصرية.

المرشح الرئاسي سليمان البيوضي يذهب في تصريحات خصّ بها "حفريات"، إلى التأكيد على أنّ الوضع السياسي القائم في ليبيا لا يحتمل مزيداً من الصراعات على أرضها، ومسألة الحدود البحرية قضية شائكة ومتداخلة، ولا يمكن مناقشتها مع السلطات الحالية، التي أكد أنّها تفتقر للشرعية الوطنية الكاملة، ومن المهم أيضاً، بحسب البيوضي، الإشارة إلى أنّ السيادة الوطنية أيضاً منقوصة؛ بفعل القرارات الأمميّة أولاً، ووجود قوات أجنبية ومرتزقة، من جهة ثانية، لافتاً إلى أنّ الحديث عن تفعيل  الحوار حول ترسيم الحدود في ليبيا؛ سيخلق في النهاية المزيد من الانقسامات، ما يهدد وحدة الكيان الوطني.

واقع الأمر أنّ ليبيا تشهد أزمة مركبة، تتفاقم كلما تم تجاهل حقيقة أنّ الليبيين يريدون انتخابات رئاسية وبرلمانية؛ ليجددوا شرعية مؤسساتهم، ويختاروا قيادات قادرة على طرح كل الملفات، وتفكيك الألغام التي تهدد واقع ليبيا ومستقبلها.

يتابع سليمان البيوضي حديثه قائلاً، في النهاية أيّ موقف تجاه دعوات اليونان سلباً أو إيجاباً، هو موقف مشكوك فيه، وسيفتقر للشرعية، وربما أحد الأطراف سيقوم بتوقيع مذكرة تفاهم (كأمر واقع)؛ وهو ما يخدم اليونان في صراعاتها الإقليمية، وستجد في ذلك ورقة لمواجهة تركيا التي تسبق بخطوات في هذا المضمار، وقطعاً ستتفاقم في ليبيا حدة الانقسام والتدخل الأجنبي، وهو أمر لن يهتم به أحد، ومثل هذه المذكرات هي حبر على ورق، تخدم فقط الصراعات الإقليمية في شرق المتوسط، ولن ينال ليبيا منها إلّا غبار الحروب والصراعات والتشظي، ومهما طال زمن هذه الفوضى؛ بسبب غياب السلطة الوطنية المنتخبة، فإنّ الجلوس بسيادة كاملة وتمثيل شرعي حقيقي؛ من أجل التفاوض وفق المصالح الوطنية، وبما يخدم السلام الدولي والإقليمي، أمر قادم لا محالة.

مواضيع ذات صلة:

بعد تجميد المحادثات بينهما.. أنقرة تحاول احتواء غضب القاهرة.. ماذا عن اليونان؟

كيف سترد مصر واليونان وقبرص على اتفاقيات الطاقة بين أنقرة وحكومة الدبيبة؟

الصراع التركي اليوناني يتجدد في بحر إيجه... ما احتمالات التصعيد العسكري؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية