بيروت الحزينة: مناسبة إخوانية للتشفي والترويج للاحتلال التركي

بيروت الحزينة: مناسبة إخوانية للتشفي والترويج للاحتلال التركي


11/08/2020

أصيب العالم بفاجعة انفجار مرفأ بيروت المروّع، وتوالت الدول والمؤسسات العالمية في التكاتف والتفاعل لتقديم المساعدة الممكنة، فمنها ما أقام جسراً جوياً لنقل الأدوات الطبية، ومنهم من ساهم في توفير الغذاء لأهالي بيروت، ومنهم من لم يملك إلّا دموعه فسكبها حزناً، لعلها تعزّي القلوب المفطورة على المفقودين.

اقرأ أيضاً: دمعة ساخنة على خد بيروت

إلّا الغالبية من الإخوان المسلمين، ذلك التنظيم المغروس في جسد الأمّة ليبث سمومه في خلاياها الحية، فبعيداً عن البيانات الرسمية كانت ردود الأفعال على مواقع السوشيال ميديا أكثر إثارة للأسف، فقد تناولت صفحاتهم ترويجاً لمنشور للمذيع الإخواني أحمد منصور الذي عدّله بعد 4 ساعات، حسب محطة (CNN) العربية، الذي يتباهى بالاحتلال التركي لبيروت؛ لأنّ صوامع تخزين الغلال التي في المرفأ، والموجودة، وفق زعمه، منذ الاحتلال التركي للشام، هي التي صمدت أمام الانفجار وحمت بيروت من دمار أكثر، مؤكداً أنّ الاحتلال التركي أفضل من الفرنسي!

منصات الإخوان احتفت بمنشور أحمد منصور المروج للاحتلال التركي قبل أن يعدله بعد نشره بساعات

في الوقت الذي انشغل فيه الناس إنسانياً بتقديم مساعداتهم المادية والبدنية أو النفسية لضحايا الانفجار، مُنحّين الطائفية والمذهبية، رافضين الاستغلال السياسي للفاجعة، وحدهم الإخوان انشغلوا بالتشفي والصيد في الماء العكر والترويج لتركيا. لقد تفشّت فيهم أمراض الروح حتى صارت سمة "مُعلنة" ملازمة للشخصية الإخوانية من بعد 2013.

 ضاعت إنسانيتهم المفقودة أساساً بالتنظيم، فلم يعد يشغلهم حزن الحزانى ولا بكاء الثكالى، كلّ ما يعنيهم إرواء روحهم الشرهة لمصائب الناس والمجتمعات. لم نشهد فئة من الناس تفرح وتهلل وتطبل في المصائب مثل الإخوان المسلمين، إنهم لا يحترمون مشاعر أحد، ولا يشغلهم أحد، ولا يتعاطفون مع أحد، ولا يثقون بأحد، ولا يوفون بعهودهم وعقودهم مع أحد!

اقرأ أيضاً: انفجار مرفأ بيروت يزلزل صورة حزب الله ومستقبل سلاحه

رغم أنّ فكرة الصوامع التركية التي صمدت ضدّ الانفجار، فكرة متهافتة ولا تستحق التفنيد، وهي أكذوبة من أكاذيبهم التي يجيدون نسجها ليحصلوا على مكسب، وهمي أو مؤقت، ليرضوا أرواحهم المريضة، إلّا أنّ اللافت للنظر أنهم هذه المرّة لم يعتمدوا على لجانهم الإلكترونية ولا الأسماء المستعارة، بل يخوضون معركة الدفاع عن تركيا بأسماء لامعة ومعروفة إعلامياً، ممّا يعني أنّ الترويج للاحتلال التركي وتبييض وجهه ليس مجرّد تعاطف أو مساندة للرئيس رجب طيب أردوغان، بل هو مشروع تمّ دمجهم فيه وتماهت معه هويتهم، وأصيبوا بمرض جديد هو الحنين إلى الاستعمار التركي، فراحوا يروّجون له بكلّ جرأة، ويمدحونه ويصفونه بالرائع والعظيم، ويسوقون الأدلة مثل قصة الصوامع، المغلوطة، لإثبات أنّ الاحتلال التركي أفضل من الاحتلال الفرنسي، يعتمدون على أعدادهم المنتشرة بين الناس وتوغّلهم في المجتمعات للعمل كطابور خامس، ليطمسوا الوقائع ويطفئوا نور الحقائق، ويصرفوا الناس عن انتمائهم لوطنهم. 

اقرأ أيضاً: كيف استغلت تركيا انفجار مرفأ بيروت؟

ولأنّ آفة حارتنا النسيان، كما يقول الكاتب والأديب العالمي نجيب محفوظ، كان يجب أن نذكّر الوعي الجمعي العربي والإنساني بجرائم الأتراك والعثمانيين في لبنان، ليس ردّاً على الصوامع التي لم تتهدّم، ولكن للتأكيد على المؤكد، وهو أنّ الوجود التركي في أيّ بقعة من العالم العربي لم يأتِ بخير أبداً.

 في الوقت الذي وقف فيه الجميع إنسانياً مع لبنان وحدهم الإخوان انشغلوا بالتشفي والترويج لتركيا

لبنان إحدى الدول التي عاشت ويلات وظلمات الخلافة العثمانية، خاصّة وقت الحرب العالمية الأولى، إذ لم تسلم بيروت من العنجهية التركية، ولعلّ أشهرها الحصار الذي فرضه جمال باشا قائد الجيش الرابع للإمبراطورية العثمانية في منطقة سوريا، حيث منع دخول المحاصيل إلى جبل لبنان أثناء الفترة من 1915 إلى 1918، فحدثت مجاعة عظيمة أنهك فيها اللبنانيون، قامت تركيا العثمانية بهذا الحصار وذاك الجوع لتركيع اللبنانيين، لعدم إعطائهم أيّ فرصة أو مجال للثورة على الحكم العثماني.

جريمة إنسانيّة أبكت جبران خليل جبران الذي قال فيهم: "ماتوا صامتين، لأنّ آذان البشريّة قد أغلقت دون صراخهم، ماتوا لأنهم لم يحبوا أعداءهم كالجبناء ولم يكرهوا محبّيهم، ماتوا لأنهم لم يكونوا مجرمين، ماتوا لأنهم لم يظلموا الظالمين، ماتوا لأنهم كانوا مسالمين، ماتوا جوعاً في الأرض التي تدرّ عسلاً. ماتوا لأنّ الثعبان الجهنمي التهم كلّ ما في حقولهم من المواشي وما في أحراجهم من الأقوات".

اقرأ أيضاً: كذبة "صوامع العثمانيين"... كيف حاول الإخوان الترويج لتركيا بعد انفجار بيروت؟

ورد في كتاب "لبنان 1914 – 1918 عبر وثائق وزارة الخارجيّة الفرنسيّة" للمؤرخ والباحث اللبناني الدكتور عصام خليفة ذكر إحصاء قام به الصليب الأحمر الأمريكي: "يقدّر فيه عدد ضحايا الجوع في جبل لبنان في العام 1917 بـ250 ألف نسمة من أصل 400 ألف، وهو العدد الإجمالي للسكان". إنه من دون شكّ رقم يستحقّ التوقّف عنده والتساؤل عن سبب نسيانه.

يقول البروفسور أنطوان بستاني في كتابه "تاريخ المجاعة الكبرى في جبل لبنان 1915-1918، الإبادة التي مرَّت بصمت"، وهو باللغة الفرنسيّة: "ونشبت الحرب العالميّة الأولى، وسقطت الاتفاقات الدوليّة والمعاهدات، فتحوّل جبل لبنان إلى ساحة مفتوحة، واللبنانيون لقمة سائغة دون سلاح، ودون حماية أجنبية، ممّا سمح للأتراك باحتلال الجبل، وكان لهم ذلك بمثابة نزهة، وقد عاثوا في البيوت والقرى والبلدات نهباً وخراباً. ومثالاً على ذلك، أمر الأتراك الآباء اليسوعيين بالخروج من ديارهم في بكفيا، ولم يكتفوا بسلب الدير ونهبه، بل حوّلوا الكنيسة إلى إسطبل لخيولهم".

يجب أن نعيد إلى الأذهان حقيقة وبشاعة الحقبة العثمانية؛ لأن الأتراك مع صمتنا، يستغلون كل فرصة للنفوذ إلى وعي الناشئة ويعبثون به

ويتابع: "وهكذا فعلوا في مدرسة عينطورة الذائعة الشهرة آنذاك، وفي غيرها من المؤسسات التربوية والاستشفائية. ثمّ كان حصار الجبل، فضربوا طوقاً عسكريّاً قاسياً يهدف إلى منع وصول القوافل المحمّلة قمحاً وزروعاً غذائية، من شعير وذرة وأرز إلى الأهالي. ففي الحادي عشر من آذار 1915 (وكانت الحرب في بدايتها) أصدر جمال باشا أمراً مشدّداً بوجوب إبعاد المؤن والغلال والحاصلات والعربات والحيوانات وسائر مسبّبات النقل الموجودة في القرى الساحلية إلى القرى الداخلية البعيدة (أي خارج جبل لبنان)، وأكّد جمال باشا على مأموري الحكومة أن يلبّوا الأمر بالعجلة الممكنة، وأشار إليهم أن يحرقوا ما يتبقى من الحبوب في المخازن، فيما لو تسنّى للأعداء أن ينزلوا على الشواطئ لأجل احتلالها. ابتدأت أسعار الحنطة بالارتفاع، وقبل ذلك كانت قد تصاعدت أثمان باقي الحبوب (عدس، حمص، فاصوليا، شعير وذرة…) وكلّ حاجيات المعيشة (الكاز، الأرز، السكر…). أمّا أرباب الحكومة البيروتيّة الذين كانوا يدأبون طبقاً لرغائب جمال باشا لإيجاد الطرق المضرّة بصوالح الجبل، فإنّهم أخذوا الحيطة لمنع الغلال من دخول لبنان، وإذا تسنّى لأحدنا جلب شيء من الحبوب بطريقة أو بأخرى، كانت المفارز العسكريّة المشتتة في سائر جهات لبنان تضع يدها عليه، مدّعية أنّها بشديد الحاجة إلى الحبوب لأجل إطعام الجيش الذي يحارب عن الوطن والدولة".  

أيّ جريمة تلك، وأيّ بشاعة يمكن أن يتحمّلها الضمير العربي تجاه الأهل في لبنان وقتها!

الصفحة الرئيسية