بين الصدر والحائري: ما قصة اعتزال السياسة والمرجعية؟

بين الصدر والحائري: ما قصة اعتزال السياسة والمرجعية؟


04/09/2022

يعدّ اعتزال المرجعية الدينية عملاً طارئاً وغير مألوف بين المرجعيات الشيعية، لكنه حدث، في الآونة الأخيرة، لأسباب عديدة وشائكة.

مع إعلان زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، اعتزاله العمل السياسي نهائياً، فإنّ التطورات الصعبة التي لاحقت ذلك القرار قد رفعت منسوب التوتر بينما عمقت حالة الفوضى السياسية التي تقع تحت وطأتها الأطراف كافة، الأمر الذي نجم عنه حدوث صدامات عنيفة ودامية بين أنصار الصدر، من جهة، وخصومهم في الإطار التنسيقي، من جهة أخرى.

سيناريو الفوضى مجدداً

اللافت أنّ قرار الصدر جاء بعد إعلان المرجع الشيعي، المقيم في إيران، كاظم الحائري، اعتزاله، هو الآخر، المرجعية، بينما دعا مقلديه (غالبيتهم من الصدريين) الامتثال إلى مرجعية الولي الفقيه، في نسختها الخمينية.

وقد عزا مراقبون اعتزال المرجعيات الشيعية إلى وجود ضغوطات جمّة من المرشد الإيراني.

وفي بيان رسمي، برّر الحائري موقفه بـ "عدم الاستمرار في التصدي للمرجعية للمرض والتقدم في العمر"، ثم طالب مقلديه بـ "إطاعة الولي السيد علي خامنئي"، ووجه انتقاداً لمقتدى الصدر، الذي وصفه بأنّه "فاقد للاجتهاد".

نبيل جبار العلي: مشروع الصدر يتناقض مع قواعد اللعبة

واتهم الحائري، في بيانه، الصدر "بالسعي لتفريق أبناء الشعب العراقي والمذهب الشيعي باسم المرجعين الشيعيين؛ محمد باقر الصدر ومحمد صادق الصدر، والتصدّي للقيادة باسمهما، وهو فاقد للاجتهاد أو لباقي الشرائط المشترطة في القيادة الشرعية، فهو، في الحقيقة، ليس صدرياً مهما ادّعى أو انتسب".

وفي المقابل، اصطفت الصحف الإيرانية على موقف شبه موحّد بخصوص الأحداث في العراق، حيث قالت صحيفة "خراسان" القريبة من المرشد الإيراني؛ إنّ التيار الصدري هو سبب الانسداد السياسي بالعراق، ورأت أنّ أنصار الصدر مجموعة من"الفوضويين"، وقالت الصحيفة المتشددة: "لو كان اعتزال الصدر حقيقياً لأصدر أمراً لأنصاره بترك الشوارع، لكن ما قام به الصدر كأنّه دعوة للفوضى".

يعدّ اعتزال المرجعية الدينية عملاً طارئاً وغير مألوف بين المرجعيات الشيعية، وقد عزا مراقبون ذلك إلى وجود ضغوطات جمّة من المرشد الإيراني

اتفقت والرأي ذاته صحيفة "جوان" المتشددة، والتي وصفت قرار اعتزال الصدر بأنّه مجرد "مناورة تكتيكية" لاستعادة (الصدر) نفوذه وسيطرته السياسية، لافتة إلى أنّ قراره ليس بالجديد أو المباغت، ووصفت شخصية الصدر بـ "المزاجية"، الأمر الذي يؤدي إلى مزيد من التصعيد والتعبئة وفشل تشكيل الحكومة.

فتّش عن إيران

ويكاد لا يختلف موقف صحيفة "وطن امروز"، التابعة للحرس الثوري الإيراني، عن سابقتيها، غير أنّها عرجت على اعتزال المرجع الشيعي العراقي، المقيم في إيران، كاظم الحائري، وقد وصفت ذلك بـ"العاصفة الكبيرة".

ووفق الصحيفة الأصولية والمتشددة، فإنّ هذه "العاصفة الكبيرة" سوف تكون لها تأثيراتها المباشرة والمدوية التي ستفرضها رياح التغيير القادمة من مرجعية قم الإيرانية إلى مرجعية النجف العراقية، وقالت إنّ قرار الحائري يعدّ "تحولاً فقهياً" وسيحمل جملة انعكاسات على المشهد السياسي بالعراق.

وإثر استجابة أنصار التيار الصدري لقرار زعيمهم بالعدول عن موقفهم الاحتجاجي واعتصامهم الذي تحوّل لاشتباكات دامية في المنطقة الخضراء، أعلنت قيادة العمليات المشتركة رفع حظر التجول في كامل العراق، وقد قال قائد عمليات بغداد، الفريق الركن أحمد سليم؛ إنّه تمّ فتح جميع الطرق المغلقة بمحيط المنطقة الخضراء.

لكنّ حصيلة الاشتباكات وصلت إلى 33 قتيلاً، غالبيتهم من الموالين للتيار الصدري، فضلاً عن سقوط مئات الجرحى، وفق مصادر محلية.

طالب الأمين العام للأمم المتحدة، الجهات الفاعلة إلى اتخاذ خطوات فورية لتهدئة الموقف وتجنب العنف في العراق

ورغم تعددية اعتزال السيد الصدر للعمل السياسي، الأمر الذي تكرر في مرات سابقة، إلا أنّ هذه المرة قد تبدو استثنائية، وفق المحلل السياسي العراقي، نبيل جبار العلي، الذي أبلغ "حفريات" بأنّه من غير المستبعد أن تكون هذه المرة هي الأخيرة، وبالتالي، قد تساهم بتغيير الأحداث في المستقبل، ومنها تقليل فرص وحظوظ الصدر السياسية.

ويرى جبار العلي أنّ هناك أسباب عدة لموقف الصدر وفشل الوصول لنتيجة سياسية، لافتاً إلى أنّ مشروع الصدر يتناقض مع "قواعد اللعبة المفروضة" بالعراق، وهذه القواعد، والحديث للمصدر، التي تستجيب لها أطراف الحكم، وكذا المجتمع الدولي، رفضت خطوات الصدر و"إجراءاته نحو التغيير السلمي"، على حدّ تعبيره، الأمر الذي من الممكن ملاحظته في بيانات الممثلة الأممية جينين بلاسخارت، وبيانات السفارة الأمريكية في بغداد .

المحلل السياسي العراقي نبيل جبار العلي لـ "حفريات": قد يساهم هذا الموقف في تغيير الأحداث في المستقبل بالعراق، وتقليل فرص وحظوظ الصدر السياسية

ويلفت المحلل السياسي العراقي إلى أنّ مشروع الصدر لا يتوافق كذلك مع الأعراف الدينية الحاكمة للمؤسسات الشيعية، وقد بعثت المرجعيات برسائل غير مباشرة وأخرى مباشرة، لرفض تحركات الصدر. ويردف: "كانت آخر هذه الرسائل هي رسالة السيد كاظم الحائري في إيران، الممثل لمرجعية الصدريين؛ وهي رسالة شديدة وواضحة، انتقد فيها سلوك زعيم التيار الصدري، ثم قرّر على إثرها اعتزال المرجعية تماماً".

ما رهانات الصدر؟

ويرجّح المصدر ذاته، أنّ الحصار الذي واجهه الصدر من محاور سياسية مختلفة، داخلية وخارجية، وكذا الانتقادات التي وجهت له من داخل المنظومة الدينية، بالإضافة للمعضلات القانونية المتعلقة بعدم القدرة على كسب الدعاوى المقدمة للمحكمة الاتحادية بشأن حل البرلمان، قد أفضت إلى النتيجة النهائية والتي تبدو منطقية؛ لذلك كان من الضروري أن ينسحب الصدر من خطواته السابقة، لكن بصورة قد تبدو مناسبة.

وإلى ذلك، طالب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الجهات الفاعلة إلى اتخاذ خطوات فورية لتهدئة الموقف وتجنب العنف في العراق.

وقال ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام، في بيان، إنّ غوتيريش يتابع الاحتجاجات في العراق بقلق ويدعو إلى الهدوء وضبط النفس.

كما دعا غوتيريش سائر الأطراف والجهات الفاعلة في العراق على ضرورة "الانخراط في حوار سلمي وشامل دون مزيد من التأخير".

ومن جانبه، دعا الاتحاد الأوروبي في بيان رسمي، الإثنين الماضي، جميع الأطراف في العراق إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس والهدوء "وتجنب أية أعمال قد تؤدي إلى مزيد من العنف".

وغردت المتحدثة باسم الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، نبيلة مصرالي، عبر حسابها الرسمي في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "في أعقاب اشتباكات اليوم والتصعيد، يدعو الاتحاد الأوروبي جميع الأطراف إلى ممارسة ضبط النفس والتزام الهدوء".

وتابعت: "من المهم جداً لجميع الفاعلين أن يتجنبوا أيّة تصرفات من شأنها أن تقود إلى مزيد من العنف.. نؤكد على أنّه يجب احترام جميع القوانين وحماية نزاهة المؤسسات".

ويقول الباحث العراقي، عادل الخزاعي؛ إنّ اعتزال مقتدى الصدر الحياة السياسية هو قرار جاء بعد عدة محاولات لحصول التيار الصدري (الفائز بالأغلبية في البرلمان)، على نتائج الاستحقاق الانتخابي، إلا أنّ الإجماع السياسي العراقي المقرب من إيران (السنّي والشيعي معاً) تسبّب في هذه المآلات الصعبة.

وبالتالي، اضطر "مقتدى الصدر الخروج من الساحة السياسية الحالية، الأمر الذي نجم عنه اندلاع شرارة التظاهرات العنيفة والدموية، بالإضافة إلى مواجهات مسلحة في الشارع بين التيار الصدري والحشد". يقول الخزاعي لـ "حفريات".

ووفق الباحث العراقي؛ فإنّ انسحاب الصدر الأخير، ربما، يختلف عن ما حدث عام 2017، عندما اقتحم أنصاره المنطقة الخضراء وانتهت بالانسحاب في غضون أيام، موضحاً أنّ زعيم التيار الصدري لا يريد "المخاطرة بسمعته الدولية والإقليمية، كما أنّه يسعى، في الوقت نفسه، إلى إبراز قوته الجماهيرية ومدى سيطرته وتأثيره".

مواضيع ذات صلة:

دلالات اعتزال المرجع الشيعي كاظم الحائري... ورقعة الشطرنج العراقية

لماذا اختارت إيران مواجهة الصدر عسكرياً في العراق؟

هل تعكس زيارة الحكيم للسعودية أزمة طهران ووكلائها في العراق؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية