تآكل قوة ردع الجيش الإسرائيلي تجاه غزة تعمق الخلافات

تآكل قوة ردع الجيش الإسرائيلي تجاه غزة تعمق الخلافات

تآكل قوة ردع الجيش الإسرائيلي تجاه غزة تعمق الخلافات


كاتب ومترجم فلسطيني‎
15/05/2023

ترجمة : إسماعيل حسن
يواصل الإسرائيليون التظاهر ضد الحكومة الإسرائيلية بعد تراجع قوة ردع الجيش تجاه غزة، وذلك مع تصاعد هجمات إطلاق الصواريخ تجاه المدن الإسرائيلية بين الفيّنة والأخرى، حيث يتعرض رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لموجة انتقادات حادة من أعضاء اليمين في أعقاب القصف الضعيف على قطاع غزة ، فيما سادت الفوضى والاحتجاجات داخل مدن الغلاف الإسرائيلية التي تدفع الثمن في كل جولة تصعيد عسكري، صافرات الإنذار لا تتوقف وركض السكان من الخوف إلى الملاجئ يرافقه أحياناً إصابات في الأرواح.
 الكل يطالب الحكومة بالعمل أكثر حزماً تجاه الإرهابيين في غزة، السكان منزعجون من أداء القبة الحديدية السيئ التي لم تنجح في منع سقوط الصواريخ، والغضب بالصراخ على الحكومة يزداد نتيجة الرد المحدود، والمؤسف رؤية انضمام الكثيرين من أعضاء اليمين للمنتقدين والمطالبين بـرد قاس، وكأنّه إذا ما أنزلنا على غزة عدة أطنان أخرى من القنابل سيتغير الواقع في الجنوب، فغزة الفقيرة والعنيدة كانت ولا تزال وستبقى إلى الأبد حجر الرحى وحائط الواقع القاسي، الذي تتحطم عليه وعود السياسييّن الذين أقسموا بتغيير الواقع في الجنوب، فهي تلقن لكل حكومة في إسرائيل درساً في قيود القوة، فأرضها مليئة بالخراب نتيجة سلسلة الردود الإسرائيلية القاسية خلال الحملات العسكرية التي لم تنجح في تحقيق الردع بعد.
إسرائيل عاجزة عن إعادة الهدوء
لقد خرج الجيش الإسرائيلي إلى ثلاث حملات عسكرية بلا جدوى في القطاع من أجل إعادة الهدوء في الجنوب، في المقابل نجحت حماس في غضون أربعة أشهر في أن تكشف حكومة اليمين بكامل ضعفها، وكذلك حقيقة أنّ إسرائيل الممزقة مردوعة من مواجهة واسعة، المنظمات الإسلامية في قطاع غزة ترى في ذلك سبباً ناجحاً لإطلاق الصواريخ على إسرائيل.

من قصف غزة
 هم لا يريدون حرباً ولهذا فإنّ حجم النار ملجوم في معظم الحالات، حكومة إسرائيل لا تمر عن ذلك مرور الكرام وهي أيضاً لا تريد حرباً، وعليه فردها محدود جداً من قبل سلاح الجو، أحياناً يدور الحديث عن هجمات ليس لها مغزى في غزة وأحياناً عن هجمات ذات مغزى أكثر بقليل، حماس هي الأخرى غير معنية بمواجهة واسعة في غزة، في السنة الماضية وقفت جانباً في الوقت الذي خرج فيه الجيش الإسرائيلي إلى حملة إثر التصعيد في يهودا والسامرة، وكذلك عندما هاجمت إسرائيل الجهاد الإسلامي في حملة بزوغ الفجر، امتنعت حماس عن الانضمام إلى القتال إلى جانب الجهاد الإسلامي، لحماس أسباب وجيهة للامتناع عن مواجهة واسعة مع إسرائيل بعد حملة حارس الأسوار.

النار نحو بلدات غلاف غزة فعلت فعلها وكان هذا كافياً لحماس، لكنّ رد غزة دفع حكومة إسرائيل إلى الزاوية، ومن شأن نتنياهو ورجاله الآن أن يعتبروا ضعفاء


 فهمَ رئيس أركان حماس محمد الضيف بأنّ إسرائيل نجحت في حرمانه من معظم القدرات حتى دون أن تنجر إلى مناورة برية في القطاع، فالعائق الأرضي نجح حتى الآن في تحييّد قدرات حماس للتسلل إلى إسرائيل من خلال الأنفاق، والقوة البحريّة لحماس تضررت وصواريخها حيّدتها القبة الحديدية، ولم تنجح في إلحاق إصابة ذات مغزى في الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وكان الضيف ملزم بأنّ يواصل المعركة بإطلاق الصواريخ مع نفاذ سائر الخيارات الأخرى أمامه.
إسرائيل قوية على الضعفاء
خلال جولة المواجهة الأخيرة في الجنوب أطلق أكثر من مئة صاروخ نحو إسرائيل، لكن لشدة الحظ لم تقع خسائر في الأرواح، الأمر الذي سمح لإسرائيل باحتواء الحدث وإنهائه، ولكن مع نهاية هذه الجولة بدأ العد التنازلي للجولة التالية من القتال، إسرائيل تتعاطى مع غزة كمشكلة تكتيكية بمثابة مرض عضال يتفجر بين الحين والآخر، وتمتنع عن معالجة جذور المرض، هذا النهج يقضي على سكان الجنوب بالعيش بين جولة وجولة مع تهديد دائم، غزة تعتبر تحدياً أمنياً لإسرائيل لكن مشاكلها الأساسية ليست عسكرية ولا يمكن حلها بالقنابل والقذائف، هذا القطاع هو بمثابة إقليم ضيّق ومكتظ يحشر فيه أكثر من مليونيّ نسمة مع نقص شديد بالمياه والطاقة والعمل، لم تحاول أيّ حكومة على مدار السنوات صياغة استراتيجية تسعى لتغيير الواقع في غزة والجنوب، والحكومة الحاليّة بالتأكيد غير قادرة على إجراء مثل هذا البحث، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خريج غير قليل من مثل هذه الدروس.

لقد خرج الجيش الإسرائيلي إلى ثلاث حملات عسكرية بلا جدوى في القطاع من أجل إعادة الهدوء في الجنوب، في المقابل نجحت حماس في أن تكشف حكومة اليمين



 بيْد أنّ الدرس هذه المرة أليم على نحو خاص، فاختيار نتنياهو رداً محدوداً في هذا الوقت لم يقدنا إلى حملة أخرى عديمة الجدوى في غزة، قد نجد الوقت والفرصة للتخلص من زعيم آخر لحماس في الفترة القريبة القادمة، وهذا لن يضمن الهدوء للجنوب، الحرب في غزة أو أيّ حملة كبيرة حتى لو لم تقع صباح غداً هي السيناريو الأكثر معقولية الذي يواجهه رئيس الأركان هرتسي هليفي، أيّ مواجهة في غزة كفيلة بأنّ تؤدي إلى تحديات كبيرة أخرى في جبهات أخرى، لا يوجد شك لدى جهاز الأمن بأنّ إسرائيل ستتحدى تهديدات أمنية أخرى في الساحة الشمالية، حماس وحزب الله وإيران يرون كيف تفكك هذه الحكومة أساسات القوة الإسرائيلية، وهذا يدفعهم جميعاً ليتجرأوا على طعننا انطلاقاً من الفرضية بأنّ إسرائيل في وضعها الحالي ستمتنع عن رد يؤدي إلى معركة واسعة، هم محقون في ذلك في ظل وجود حكومة لا تعنى إلا بتشريع جهاز القضاء لصالحها، فإسرائيل كعادتها قوية على الضعفاء، فهي تمتنع عن الصدام مع حزب الله وتتردد في العمل تجاه حماس، وحذرة في سلوكها تجاه إيران، لكنّها تضرب بكل قوة بشار الأسد الذي أصبح ضحية للإحباط المتزايد.
إسرائيل غارقة بمشاكلها
بعد موت الأسير القيادي في منظمة الجهاد الإسلامي خضر عدنان داخل سجن الرملة بعد إضراب عن الطعام استمر لـ 86 يوماً، حاولت حماس إرضاء منظمة الجهاد الإسلامي بعد أن سمحت لها وللفصائل الأخرى بإطلاق الصواريخ نحو إسرائيل، لكن نسيت حماس بأنّ حكومة نتنياهو ملزمة بالرد أيضاً لأسباب سياسية داخلية ولاعتبارات ردع الطرف الآخر، لكن حماس غير معنية بالانجرار إلى التصعيد لجملة من الاعتبارات ومنها، إدخال العمال من القطاع إلى إسرائيل ونقل الأموال من قطر وجملة مشاريع تساعد على إعمار القطاع، ولكنّها ربما أخذت بالحسبان هذه المرة بأنّ عليها السير إلى تصعيد محدود ومحسوب يستمر يوماً واحداً.


 بعد ساعات معدودة من التصعيد حاولت حماس تهدئة الخواطر ونقل رسائل تفيد بأنّ ليس في نيتها الوصول إلى مواجهة عسكرية واسعة، النار نحو بلدات غلاف غزة فعلت فعلها وكان هذا كافياً لحماس، لكنّ رد غزة دفع حكومة إسرائيل إلى الزاوية، ومن شأن نتنياهو ورجاله الآن أن يعتبروا ضعفاء جداً في نظر جمهور ناخبيهم إذا لم يردوا بما يكفي بشكل حازم، ثمة احتمال كبير بأن تتعاظم محاولات تنفيذ عمليات إطلاق الصواريخ،  لكن ستبقى حماس تواصل تفضيل رد عسكري ضد إسرائيل من ساحات أخرى مثلما كان قبل بضعة أسابيع، لكن حالياً وفي ضوء الوضع القائم، لا ترغب أي من الجبهات الدخول بمواجهة واسعة، لكن جميعهم يتجرأون على أخذ خطورة أكبر ويرفعون احتمال التدهور إلى معركة، الحكومة الحالية غارقة في جدول أعمال منقطع تماماً عن الواقع الإقليمي، وإذا لم تهتم بالتحديات الحقيقية التي نقف أمامها في ظل الشرخ الداخلي وضعف القيادة، فستجني أثماناً باهظة مع التوقعات الواسعة بأنّ جولات النار التي شهدناها في الجنوب ستتكرر وتتعاظم في الأيام القادمة.
مصدر الترجمة عن العبرية:
https://www.maariv.co.il/journalists/Article-1004056

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية