تأويل النصوص الدينية بحثاً عن المعاني المختبئة (1-2)

تأويل النصوص الدينية بحثاً عن المعاني المختبئة (1-2)


03/04/2022

إن جاز وصف عصر الإنسانية الحديث والمعاصر، فيمكن القول إنّه العصر الذي شهد تحوّل اللغة من الدلالة على حقائق العالم إلى نظامٍ من الرموز والعلامات تعبّر عن رؤية الجماعة البشرية الخاصة للعالم، وتحوّل "المعنى" من الأحادية إلى التعدّدية.

ورافقت التغيّرات السابقة مراحل نموّ الوعي البشري، فالإنسان امتلك العقل قبل أن يكون عقلانياً، فكانت الأسطورة هي الحقيقة في المراحل الأولى، ثمّ الدين بتجلياته الأولية، وأمكن للإنسان بالتفلسف أن يبحث في العقل ذاته، ومصادر معرفته، وصولاً في العصر الحديث إلى نقد العقل الخالص مع كانط، وانشغال الفلسفة بالبحث في نظرية المعرفة، وما تزامن مع ذلك من نمو غير مسبوقٍ للمعرفة، في الفروع القديمة والجديدة.

ورافقت اللغة الأسطورة - الدين في العقل البشري، فبدت بُناها اللفظيّة ككياناتٍ أسطوريةٍ، أُسبغت عليها قوّى أسطورية معيّنة، وأصبحت الكلمة نوعاً من القوة الأولية، التي يتولد فيها الوجود بأسره والفعل برمّته.

الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط

وتدعّمت هذه الرؤية للغة مع الأديان؛ إذ بالكلمة خلق الله الوجود، ولا يقتصر الخلق بالكلمة على الديانات التوحيدية، وربّما تعود إلى مرحلةٍ ذهنية أقدم، فمن ضمن النصوص التي جمعها "بروس" لدى هنود "ويتوتو"، كما ذكر أرنست كاسيرر في كتابه "اللغة والأسطورة"، هناك نصّ رأى أنّه النظير المباشر للفقرة الافتتاحية من "إنجيل يوحنا"؛ إذ يتطابق معها في الترجمة، ويقول: "في البدء أعطت الكملةُ الأب أصله".

يبدأ التفسير من فض مغلق هذا العالم من المعنى المستقلّ. ومهمة التفسير النفاذ إلى عالم النصّ، وحل مستويات المعنى الكامن فيه؛ الظاهر والباطن، الحرفي والمجازي، والمباشر وغير المباشر

وإذا كانت اللغة تدلُّ على حقائق العالم؛ فإنّ معنى النصوص هو هذه الحقائق الخارجية، وما النصّ إلا حامل لهذا المعنى، الذي ينتظر المُفسِر ليظهره إن كان غامضاً، ما يعني أنّ هناك "المعنى" وليس "معنى" ضمن معانٍ أخرى، تلك هي الرؤية التي سادت، بدرجاتٍ متفاوتة، حتّى العصر الحديث، وطبعت رؤى مفسّري النصّ القرآنيّ.

 المعنى في التّراث العربيّ-الإسلاميّ 

ولم ينظر اللغويون العرب إلى اللغة على أنّها ظاهرة اجتماعية حية نامية متطوّرة، بل اقتصرت جهودهم على درس وتدوين لهجة مُعيّنة في الزمان والمكان، وحرصوا على ضبط أحكامها وقواعدها، كيلا يجد التغيير إليها سبيلاً، وذلك لارتباط دراستهم بالنصّ القرآنيّ، بمعنى أنّهم ربطوا اللغة بنصّ مركزي واحد ثابت، بدلاً من أن يحتل النصّ مكانته كأحد مقامات ظهور اللغة في لحظة محدّدةٍ، كما ذكر أنيس فريحة في كتابه "نظريات في اللغة".

اقرأ أيضاً: "الخلافة وسلطة الأمة": لماذا غابت تفاصيلها في النصوص الشرعية؟

وانقسم اللغويون حول أصل اللغة؛ هل هي توقيفيةٌ من الله أم اصطلاحية توافق البشر بينهم على ألفاظها ومعانيها، وتعود هذه القضية إلى الخلاف بين المتكلّمين حول القرآن الكريم، وترتبط بقضية خلق القرآن، وصفات الله، وكُتبت السيادة للقائلين بالتوقيف، وهو الموضوع الذي أدّى إلى النظر إلى اللغة على أنّها لغة البعثة والنبوّة، ممّا جعل معظم اللغويين يحرصون على ثبات اللغة، وقياسها على زمنٍ محدّد.

 غلاف كتاب "اللغة والأسطورة" لـ أرنست كاسيرر

وبناء على ذلك؛ فالمعنى يُعبّر عن حقائق خارجية، وهو معنى واحد ثابت، أراده المؤلّف، ويجب على المُفسر الوصول إليه، سواءً كان المعنى واضحاً بنفسه أم يحتاج إلى تجاوز المعنى الظاهر للوصول إلى المعنى الحقيقي الباطن. ومهما تتعدّد طرق الوصول إلى المعنى ويُختلف حول المعنى الصحيح، إلّا أنّ هناك اتّفاقاً حول وجود معنى واحد حقيقي، وفي هذا التصوّر أصبح النصّ وسيطاً حاملاً للمعنى، والمُفسّر مجرّد أداة محايدة هدفها استخراجه، غير أنّ ذلك لم يكن صحيحاً.

اقرأ أيضاً: هل ما زلنا في حاجة إلى الفلسفة؟

وذكر المفكر الراحل، حسن حنفي، في بحث بعنوان "الاتجاهات الجديدة في علم الكلام"؛ أنّ حياد القدماء كان وهماً، إذ فرض كلٌّ منهم المعنى والدلالة على النصّ القرآني، وتعاملوا معه على أنّه وسيطٌ لاختبار صدق أحكامهم المسبّقة، دون إدراك أنهم بذلك طمسوا النصّ لصالح أيديولوجياتهم وقبلياتهم.

اقرأ أيضاً: النصوص الدينية لا تقتل.. التأويل الظلامي لها هو المجرم

وتبعاً لبحث حنفي، لم يعرف العرب النصّ بمعنّاه الحديث، فكان عندهم أحدّ أشكال الدلالة اللغوية، وأحدّ أنماط البيان، يعرّفه الشافعي بقوله: "المستغني فيه بالتنزيل عن التأويل"، وهو الّذي لا يعذر أحدٌّ بجهّالته، ونمط آخر هو "المجمل" وهو البيّن بذاته على مستوى الدلالة اللغوية، وإن كان يحتاج إلى التفصيل.  ونمط آخر؛ هو المتشابه الذي يحتاج إلى التأويل. وكتب: "بساطة التصور في مجال "المعنى" ترجع إلى بساطة التصوّر على صعيد "اللغة"".

اقرأ أيضاً: الفلسفة هي الحل

ويقول حنفي: "في القرن الثامن عشر فقط حينما برزت اللغة كقضية معقّدة، وترعرعت فلسفات لغوية جديدة خسر "المعنى" بساطته تدريجياً، وبرزت نظريات مختلفة حول ما هو المعنى؟ ومن الواضح أنّ "المعنى" لم يعد تلك "الحقائق الخارجية" في أيّ من النظريات الحديثة للغة."

الهرمنيوطيقا والمعنى

ومع تغير تصورات الإنسان في العصر الحديث عن اللغة، تغيّر مفهوم المعنى، ومفهوم النصّ؛ فانتقل من المعنى، بالألف واللام، إلى معنى، إذ أصبحت هناك معانٍ متعدّدة، دون أن يطبع أحدها ختمه على النصّ ويغلقه لصالحه، فالنصّ يعطي معنى لكل إنسان كفء لمحاورته وسبر أغواره. وهذه التعدّدية مرت بأطوار عديدة، وبدأت رحلتها مع الهرمنيوطيقا الحديثة، فرحلة الهرمنيوطيقا هي رحلة المعنى، وفق ما ذكره نصر حامد أبو زيد في كتابه "النص والسلطة والحقيقة".

المفكر الراحل حسن حنفي

ويقول أبو زيد، أصبح النصّ: "سلسلةٌ من العلامات المنتظمة في نسق من العلاّقات تنتج معنى كلياً يحمل رسالة"، وبات هو كلّ نصّ مكتوب، سواء النصّ التاريخي أو الديني أو الأدبي، ولم يعد "الجلي الواضح"، وتحرّر من تقسيم علماء التراث من تصنيفه بحسب ظهور أو اختفاء المعنى.

اقرأ أيضاً: الفلسفة الإسلامية: مشروع النسيان والنبذ

ويأخذنا أبو زيد في رحلة تاريخية لتطور المعنى في فنّ الهرمنيوطيقا في الفصل الأول من كتابه "إشكاليات القراءة وآليات التأويل"، وعليه الاعتماد في استعراض التطور التاريخي للمعنى في الدراسات الهرمنيوطيقية في التاريخ الحديث والمعاصر في الفلسفة والفكر الغربي.

اقرأ أيضاً: يناقش علاقة الأدب بالفلسفة.. صدور عدد جديد من مجلة "ميريت الثقافية"

وتعدّ قضية الهرمنيوطيقا الأساسية هي معضلة تفسير النصّ بشكل عام. ومصطلح الهرمنيوطيقا قديم، اُستخدم في دوائر الدراسات اللاهوتية، ليشير إلى مجموعة القواعد والمعايير التي يلتزم بها المُفسر ليفهم الكتاب المقدّس. وهي بمثابة نظرية في التفسير، وتختلف عن التفسير الذي يشير إليه المصطلح (Exegesis) الذي يشير إلى التفاصيل التطبيقية للتفسير.

اقرأ أيضاً: لماذا يهاب العرب والمسلمون الفلسفة؟

وانتقل المفهوم في التطبيقات الحديثة من مجال اللاهوت إلى العلوم الإنسانية كافّة: كالتاريخ، علم الاجتماع، الأنثروبولوجي، فلسفة الجمال، النقد الأدبي، والفلكلور. وتناولت الهرمنيوطيقا ونظرية الأدب بشكل متمايز قضايا مشتركة، منها؛ علاقة المؤلف بالنص، وقصد المؤلف، والمفسر، وإمكانية النفوذ لعقل المؤلّف، وعلاقة الناقد أو المُفسر بالنص.

اقرأ أيضاً: خلدون النبواني: الفلسفة اليوم ليست بخير

وتتناول الهرمنيوطيقا العلاقة الثلاثية للفهم، التي يشترك فيها (المؤلف/القصد، النصّ، الناقد/المؤول/القارئ)، وخلال مسيرة الهرمنيوطيقا، منذ شلايرماخر (1768-1834)، تراوحت نظرية الفهم بين العلاقة الثلاثية، لصالح طرفين على حساب الآخر.

غلاف كتاب "النص والسلطة والحقيقة" لـ نصر حامد أبو زيد

ويمثّل شلايرماخر الموقف الكلاسيكي للهرمنيوطيقا، ويعود الفضل إليه في نقل المصطلح من دائرة الاستخدام اللاهوتي، ليكون علماً أو فناً لعملية الفهم وشروطها في تحليل النصّ، وبذلك تباعد بالهرمنيوطيقا عن أن تكون أداةً في خدمة علم خاص، لتصبح علماً يؤسّس عملية الفهم، بالتالي، عملية التفسير. غير أنّه حرص على وضع قوانين ومعايير لعملية الفهم، ومن ثَمّ لعملية التفسير لتجنّب سوء الفهم، وأدّى ذلك به إلى مطالبة المُفسر بأن يساوي نفسه بالمؤلف، عن طريق إعادة البناء الذاتي والموضوعي لتجربة المؤلف من خلال النصّ، مشترطاً ذلك كأداةٍ للفهم الصحيح، إلّا أنّه أهمل ذاتية القارئ/الناقد، حين طالبه بالتخلي عن ذاتيته والحلول في ذاتية المؤلف، وهو أمر مستحيل، ويقع في وهم الموضوعية.

اقرأ أيضاً: أثر الفلسفة في تجديد الفكر الديني

وجاء بعده فيلهلم دلتاي (1833-1911)؛ الذي واجه محاولة الوضعيين فرضّ منهج العلوم الطبيعية على العلوم الإنسانية والاجتماعية، لتحقق ما حققته هذه العلوم. ويرى دلتاي أنّ الإدراك الفني والإنساني هما غاية العلوم الاجتماعية، ويمكن الوصول إليهما من خلال التحديد الدقيق للقيم والمعاني التي ندرسها في عقول الفاعلين الاجتماعيين، وهذه هي عملية الفهم الذاتي أو التفسير، التي نصل إليها من خلال "العيش مرةً أخرى" في الأحداث الاجتماعية.

اقرأ أيضاً: كيف عادت السلطة الفلسفة والفلاسفة في التاريخ الإسلامي؟

والأساس المعرفي عند دلتاي يتحدّد في أنّ كلّ معرفة قائمة على التجربة، والوحدة الأصلية للتجربة ولنتائجها الصحيحة، وهما مشروطتان بالعوامل التي تشكّل الوعي، أي أنّهما محكومتان بالطبيعة الكلّية للبشر. ومن خلال التعبير، سواء كان ذلك نصّاً مكتوباً أو سلوكاً اجتماعياً، تتحوّل التجربة من الذاتية إلى الموضوعية، وتصبح حالة خارجية تمكن المشاركة فيها من قبل آخرين.

الفيلسوف اللاهوتي الألماني فريدريك دانيال إرنست شلايرماخر

وبذلك لا تعنى الهرمنيوطيقا مجرّد عملية الفهم لشيء معطى محدّد سلفاً، له وجود خارجي محايد عن المتلقي، بل هناك مشترك بينهما، وهو تجربة الحياة، ورغم أنّها ذاتية عند المتلقي، لكنّها تحدّد له الشروط المعرفية التي لا يستطيع تجاوزها.

ومن خلال معايشة التجربة التي يعبّر عنها النصّ ينفتح المتقلي على النصّ، وتتسع تجربته الذاتية بإثراء النصّ لها، وتختلف عملية الفهم بشكل دائم لاختلاف التجارب الذاتية للمتلقين.

اقرأ أيضاً: الفلسفة كوصفة طبية

وبناءً على ذلك يرفض دلتاي فكرة المعنى الثابت، طالما أنّ الذوات تختلف، حتّى أنّ ذات الفرد تختلف خلال معايشته للنص، ليدور في دائرة تأويلية لا تنتهي. غير أنّ توحيده بين العمل الأدبي / النصّ وتجربة الحياة، ترتّب عليه إهمال ذاتية المبدع، والمساواة بين الأعمال الأدبية جميعها، ما دامت تعبّر عن تجربة الحياة، إلا أنّ تأكيده على دور المُفسّر الإيجابي في عملية الفهم والتفسير يعدّ خطوة للأمام.

يمثّل شلايرماخر الموقف الكلاسيكي للهرمنيوطيقا، ويعود الفضل إليه في نقل المصطلح من دائرة الاستخدام اللاهوتي، ليكون علماً أو فناً لعملية الفهم وشروطها في تحليل النصّ

وانتقل هايدجر (1889-1967) بعملية الفهم إلى إدراك الوجود، وأصبح العمل الفني لديه دفعة من خلالها تتجلّى الحقيقة، وينفتح العالم من خلاله، ويكون الفهم ممكناً بانفتاح المتلقي وجودياً، من خلال وعيه بوجوده الذاتي. فالوجود الذاتي للمتقلي لحظة وجودية، والعمل الفني لحظة وجودية، وحين تلتقي اللحظتان يبدأ الحوار، وتُطرح الأسئلة، ومهمة الفهم هي كشف الغامض والمستتر من خلال الواضح والمكشوف، من خلال الحوار مع النصّ. لكنّ اعتبار النصّ لحظة وجودية، أسقط دور المبدع، على اعتبار أنّ العمل الفني يفصح عن رؤيته لواقع محدّد في لحظة تاريخية محدّدة.

اقرأ أيضاً: ماذا يعني حضور الفلسفة في الفضاء المعرفي السعودي؟

وبحث جادامير (1900-2002) معضلة الفهم باعتبارها معضلة وجودية، ونقطة البدء عنده ليست ما يجب فعله أو تجنبّه في عملية الفهم، بل الاهتمام بما يحدث بالفعل في هذه العملية بصرف النظر عمّا نقصد، وهرمنيوطيقية جادامير منشغلة بفهم العلوم الإنسانية على حقيقتها، بصرف النظر عن المنهج، ولفهم علاقتها بتجربتنا الكلية في العالم.

وتتجلّى الحقيقة في الفنّ من خلال وسيط له استقلاله الذاتي، وهذا الوسيط هو ما يستطيع الفنان من خلاله أن يُحوّل تجربته الوجودية إلى معطى ثابت، وهو التثبيت للتجربة الوجودية للفنان من خلال الشكل، الذي يجعل تلقّي هذه التجربة مفتوحاً للأجيال القادمة، ويجعله عملية متكرّرة.

الفيلسوف الألماني مارتن هايدجر

ومعه أصبح فهمنا لنصّ ما لا يعني فهم تجربة المؤلف، بل يعني فهم تجربة الوجود التي تفصح عن نفسها من خلال النصّ. وعنده يعدّ (النصّ الأدبي/ الشكل الفني) وسيطاً ثابتاً بين المبدع والمتلقي، وعملية الفهم متغيرة طبقا لتغير الآفاق والتجارب، لكن ثبّات النصّ هو الأساس لجعل عملية الفهم ممكنة.

اقرأ أيضاً: تكفير التفكير.. الصحوة والفلسفة

واهتمّ الهرمنيوطيقون المعاصرون بإقامة نظرية "موضوعية" في التفسير، بإقامة الهرمنيوطيقا علماً لتفسير النصوص يعتمد على منهج موضوعي صلب، يتجاوز عدم الموضوعية، التي تناولها جادامير. ولم تعد الهرمنيوطيقا معهم قائمة على أساس فلسفي بل أصبحت علم تفسير النصوص أو نظرية التفسير.

اقرأ أيضاً: حسن حنفي.. إسلام لا يخجل من رداء الفلسفة

ورأى بول ريكور (1913-2005) أنّ النصّ المكتوب يحمل في طياته استقلاله من حيث المعنى، وإن أشار إلى كاتبه، ويبدأ التفسير من فض مغلق هذا العالم من المعنى المستقلّ. ومهمة التفسير النفاذ إلى عالم النصّ، وحل مستويات المعنى الكامن فيه؛ الظاهر والباطن، الحرفي والمجازي، والمباشر وغير المباشر، غير أنّه أهمل علاقة المُفسر بالنص، وجعل مهمة التفسير الوصول للمعنى بوسائل التحليل اللغوي.

اقرأ أيضاً: أصل الفلسفة اليونانية.. ابحث عن حكمة الشـرق

وبشكلٍ عام أصبحت العلاقة الثلاثية (القصد/المؤلّف، النصّ، والقارئ/المتلقي) أساسية لعملية الفهم، وترجيح أحدهم على حساب الآخر لا يؤدي إلى الفهم الصحيح. ويجمع بين هؤلاء الثلاثة مشترك واحد وهو اللغة، التي لم تعد أداة خدمية للمؤلف، أو أدوات محايدة لنقل المعنى، فلها استقلالها عن الجميع، كما أنّها وسيطٌ مشترك يفهم الإنسان من خلاله وجوده، ويفهم المعنى.

الفيلسوف الفرنسي بول ريكور

وعلى من يريد أن يفهم نصّاً تقديم فرضية تنسجم ووجهات نظره وقبلياته لتشخيص المعنى الذي أراده صاحب النصّ من بين المعاني الموجودة في بنية لغة النصّ، وكيف أراد هذا المعنى، ثمّ يَسُوق الأدلّة والشواهد لإثبات صحّة فرضيته، ويطرح معنى آخر وفق قبليات فرضية أخرى فيما يخصّ المعنى الذي رمى إليه المؤلّف، ويقدّم الأدلّة لإثباتها، وتستمر عملية تقديم الفرضيات والنظريات على هذا المنوال.

اقرأ أيضاً: سليمان بشير ديان.. الفلسفة ليست غريبة عن الإسلام

وبحسب حسن حنفي، يقصد هؤلاء جميعاً تشخيص المعنى الذي أراده المؤلّف، وهو بحسب الافتراض معنى واحد معيّن في بناء اللغة، ولكنّ أيًا منهم لا ينفتح انفتاحاً معيناً على المعنى، ولا يستطيع الاقتراب إليه إلّا عبر فرضية، ولأنّ الفرضيات متباينة بفعل تنوع وجهات النظر والقبليات؛ فإنّ تشخيص المعنى سيختلف من شخصٍ إلى آخر، والذي يقدّم أدلّة وشواهد أكثر رصانة ستحظى نظريته بقبول أوسع.

وللحديث بقية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية