تحذيرات دولية واحتجاجات رافضة للعملية العسكرية التركية شمال سوريا.. فهل تتراجع تركيا؟

تحذيرات دولية واحتجاجات رافضة للعملية العسكرية التركية شمال سوريا.. فهل تتراجع تركيا؟


29/05/2022

يعكس الزخم الإعلامي الذي رافق تجهيزات العمليات العسكرية التي ستشنها تركيا في كلٍّ من العراق وسوريا حجم العمليات الكبير والأهداف الحقيقية وطموحات الرئيس رجب طيب أردوغان التوسعية. 

وكشفت مصادر إخبارية محلية نقل عنها موقع "هابر ترك" أنّ تركيا أوشكت على الانتهاء من الاستعدادات لهجومين عسكريين جديدين على الجارتين سوريا والعراق، وذلك بعد يومين من إصدار مجلس الأمن القومي التركي بياناً سلط فيه الضوء على ضرورة التوغل على حدود البلاد الجنوبية والشرقية.

 وأشارت المصادر إلى أنّ الهجمات ستظلّ مقصورة على غرب نهر الفرات؛ حيث تمثل منطقة تل رفعت صداعاً لتركيا، فيما العناصر العربية داخل "الجيش السوري الحر" تريد السيطرة على منبج.

 ووفقاً لموقع "أحوال تركية"، فإنّ من المتوقع أن تستهدف أيّ عمليات شمال سوريا وحدات حماية الشعب الكردية السورية المدعومة من الولايات المتحدة، التي تعتبرها أنقرة كياناً واحداً هي وحزب العمال الكردستاني الذي يشنّ تمرداً في جنوب شرق البلاد منذ 1984، وتصنف تركيا الجماعتين ضمن المنظمات الإرهابية.

احتجاجات رافضة للعملية العسكرية التركية

هذا، وشهدت بلدات ريف إدلب ومخيمات النازحين فيها حالة من الاحتقان والرفض للعملية العسكرية التركية، فقد خرجت أول من أمس مظاهرة احتجاجية في بلدة سرمين جنوب مدينة إدلب على بعد (1) كم من موقع عسكري للقوات التركية، وارتفعت الأصوات الرافضة للعملية العسكرية التي من المزمع أن يقوم بها الجيش التركي والميليشيات الإخوانية التابعة لأنقرة، وفق موقع "عفرين بوست".

 المتظاهرون في سرمين هم من المهجرين من مناطق سورية أخرى بموجب اتفاقات التسوية التي عُقدت بين الثلاثي الضامن (منصة أستانة)، وأنتجت مناطق خفض التصعيد، وقذفت بهم إلى عراء النزوح.

تركيا أوشكت على الانتهاء من الاستعدادات لهجومين عسكريين جديدين على الجارتين سوريا والعراق

 وطالب المتظاهرون بالعودة إلى بلداتهم وقراهم الأصلية، وهو مطلب أساسي لإنهاء معاناتهم، وحمّلوا الضامن التركي المسؤولية المباشرة عن محنتهم، ورددوا شعار "الشعب يريد إسقاط أردوغان"، في تحوّل لافت وغير مسبوق في الشعارات التي لطالما رددوها طيلة أعوام الأزمة السورية، باعتبار أنّ المناطق التي يسكنون فيها تخضع مباشرة للنفوذ التركي.

 المتظاهرون رفضوا العمليات في مناطق شمالي سوريا واستهداف الكرد خدمة للأجندة التركية، وطالبوا بفتح الجبهات لتكون سبيل عودتهم إلى مناطقهم الأصلية، وعبّروا عن رفضهم تهجير سكان أصليين من مناطقهم وتوطين النازحين والمهجرين واللاجئين فيها وإقامة المشاريع السكنية التي تطيل أمد الأزمة.

هندسة اجتماعية وديموغرافية

وفي سياق متصل، أكد المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي ميغيل بوينو رفض الاتحاد أيّ تغيير ديموغرافي في أيّ جزء في سوريا، ردّاً على خطة الرئيس التركي أردوغان لإعادة نحو مليون سوري وإسكانهم في شمال سوريا، وهذه الخطة من شأنها إحداث تغيير ديموغرافي كبير فيها، وأشار إلى أنّ مصادر التمويل خارجية وبعضها أوروبي.

بلدات ريف إدلب ومخيمات النازحين تشهد حالة من الاحتقان والرفض للعملية العسكرية التركية، وخروج مظاهرات مطالبة برحيل أردوغان

 

 وقال الناطق الرسمي باسم الاتحاد الأوروبي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لويس ميغيل بوينو في حديثه مع "العربية": إنّه "منذ بداية النزاع في عام 2011 دعونا إلى ضرورة التواصل لإيجاد حلّ سياسيّ تحت رعاية المبعوث الخاص للأمم المتحدة، وما يزال هذا موقفنا رغم التحدّيات، أمّا على الصعيد الإنساني، فإنّ الاتحاد هو أكبر مانح للمساعدات الإنسانية حتى اليوم، فقد قدّمنا (27,4) مليار يورو للشعب السوري منذ عام 2011. ونبحث بشكل دائم عن سبل جديدة لدعم الشعب السوري، ومن الأمثلة المعبرة عن ذلك مؤتمر بروكسل السادس الذي انعقد في 10 أيار (مايو) الجاري، والذي أنشأ مساحة للاستماع إلى صوت السوريين، ووفر زخماً للمناقشات الصادقة تجاه حلٍّ مستدام، الأمر الذي يستحقه السوريون الآن أكثر من أيّ وقت مضى".

 وحول الخطة التركية الهادفة لبناء آلاف المستوطنات السكنية في شمال سوريا لإعادة اللاجئين السوريين، أوضح المسؤول الأوروبي أنّ "الاتحاد الأوروبي يلتزم بوحدة وسيادة وسلامة أراضي الدولة السورية، التي لا يمكن ضمانها إلا من خلال انتقال سياسي حقيقي، ونرفض أيّ محاولة للهندسة الاجتماعية والديموغرافية في أيّ جزء من سوريا".

المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي ميغيل بوينو يؤكد رفض الاتحاد أيّ تغيير ديموغرافي في أيّ جزء في سوريا

 وأعرب بونيو عن قلقه إزاء الوضع في شمال وشرق سوريا، مؤكداً أنّ "الاتحاد يدعم جهود تحقيق الاستقرار، فهو يوفر من خلال شركائه الغذاء والمياه والمرافق الصحية والنظافة العامة وخدمات الحماية للأطفال المعرضين للخطر في مركز الحوري ومقر وحدات حماية المرأة".

 هل جرى اتفاق بين تركيا وواشنطن؟

من جهتها، عبّرت الولايات المتحدة يوم الثلاثاء الماضي عن القلق من خطط أردوغان لشنّ عمليات عسكرية جديدة على الحدود الجنوبية لبلاده، قائلة إنّ أيّ هجوم جديد في شمال سوريا سيقوض الاستقرار في المنطقة ويعرّض القوات الأمريكية للخطر.

 وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس: "نشعر بقلق عميق إزاء التقارير والمناقشات عن احتمال زيادة النشاط العسكري في شمال سوريا، ولا سيّما تأثيره على السكان المدنيين هناك"، وفق ما نقلت وكالة "رويترز".

 وأضاف: "نحن ندرك مخاوف تركيا الأمنية المشروعة على حدودها الجنوبية، لكن أيّ هجوم جديد من شأنه أن يقوّض الاستقرار في المنطقة، ويعرّض القوات الأمريكية وحملة التحالف على تنظيم الدولة الإسلامية للخطر".

 

الولايات المتحدة: أيّ هجوم جديد في شمال سوريا سيقوّض الاستقرار في المنطقة، ويعرّض القوات الأمريكية للخطر

 

 مصدر إعلامي تركي مقرب من الحكومة التركية كشف في تصريح صحفي عن معلومات تسرّبت عن لقاء وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بمسؤولين أمريكيين خلال زيارته الأخيرة للولايات المتحدة، وأشار إلى أنّ الوزير التركي "طلب الموافقة الأمريكية على البدء بتنفيذ العملية، لكنّه لقي رفضاً قاطعاً".

 وذكر المصدر أنّ المسؤولين الأمريكيين "اقترحوا على جاويش أوغلو دخول الأتراك إلى مناطق أخرى من دون قتال، وذلك لإنشاء المنطقة الآمنة عليها وإعادة اللاجئين السوريين، غير أنّ المقترح قوبل برفض تركي".  

ولفت المصدر إلى أنّ "تركيا ألقت الكرة في الملعب الدولي والغربي بانتظار استثمار التبعات سياسياً"، مشيراً إلى أنّ "إصرار أنقرة على تنفيذ العملية من دون الموافقة الأمريكية ستكون نتائجه كارثية على أردوغان، لأنّ الحسابات مختلفة، لا سيّما أنّ الإدارة الأمريكية حالياً بيد الديمقراطيين، وهذا يختلف عمّا كان عليه في عهد الجمهوريين".

تزعم تركيا أنّ العملية حاجة ملحّة للأمن القومي

 وتزعم تركيا أنّ العملية حاجة ملحّة للأمن القومي لسببين؛ الأول يتعلق بحماية حدودها الجنوبية والمحاذية لسوريا في ظلّ انتشار المجموعات الكردية، ويكمن السبب الثاني في رغبة أردوغان بإعادة مليون لاجئ سوري من بلاده إلى شمال سوريا، أو المنطقة الآمنة التي يريد إنشاءها هناك بتوسيع نطاق النفوذ والسيطرة التركية مع المعارضة في الشمال.

 في حين وجدت حكومة أردوغان في طلب كلٍّ من فنلندا والسويد الانضمام لحلف شمال الأطلسي فرصة لبازار سياسي جديد قد تستخدمه على طاولة التفاوض لتكريس وفرض المنطقة الآمنة قبل إعطاء الموافقة على انضمام البلدين، وتبدو العملية بانتظار موافقة من واشنطن التي ما تزال تتحفظ عليها حتى الساعة.

 

حكومة أردوغان وجدت في طلب كلٍّ من فنلندا والسويد الانضمام لحلف الناتو فرصة للضغط على طاولة التفاوض لفرض المنطقة الآمنة في شمال سوريا

 

 الجدير ذكره أنّ اجتماع "مجلس الأمن القومي التركي" الذي انعقد الخميس 26 أيار (مايو) الجاري قال: إنّ العمليات العسكرية التركية التي تُنفذ الآن وفي المستقبل على الحدود الجنوبية للبلاد لا تستهدف سيادة الجيران، لكنّها ضرورية لأمن تركيا.

جاء ذلك في أعقاب إعلان الرئيس رجب طيب أردوغان يوم الإثنين الماضي أنّ أنقرة ستشنّ قريباً عمليات عسكرية جديدة على حدودها الجنوبية لمكافحة ما سمّاه "التهديدات الإرهابية" هناك، وذلك عن طريق توسيع المنطقة الآمنة بعمق (30) كيلومتراً.

مواضيع ذات صلة:

استثناء شمال سوريا من عقوبات "قيصر" يلزمه ردع تركيا

تركيا تختلق بالتوطين واقعاً ديمغرافياً جديداً في شمال سوريا

سجن غويران ومعضلة فلول داعش بشمال سوريا.. ما علاقة تركيا؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية