تحذيرات من "انتخابات بلا ناخبين" في فرنسا.. ما الأسباب؟

تحذيرات من "انتخابات بلا ناخبين" في فرنسا.. ما الأسباب؟


07/04/2022

حذرت تقارير فرنسية من ارتفاع نسب الامتناع عن التصويت في الانتخابات الرئاسية الفرنسية المزمع إجراؤها في 10 نيسان (أبريل) الجاري، وقالت إنّ نسب المقاطعة ستتجاوز حدها التاريخي وتسجل رقماً غير مسبوق، وذلك بحسب استطلاعات الرأي التي جرت مؤخراً لقياس نسب المشاركة. 

وفي السياق تحدث تقرير نشره موقع "كونكسيون" الفرنسي، الصادر باللغة الإنجليزية، عن تداعيات "خطيرة" إذا ما صحّت احتمالات المقاطعة الراهنة خلال الانتخابات الرئاسية، وحذر أيضاً من أنها، ستشهد مستويات قياسية من الامتناع عن التصويت، وقال إنّ الخبراء وشركات الاستطلاعات يعزون ذلك إلى الرفض العام للسياسة وتركيز الانتباه على وباء كورونا وحرب أوكرانيا.

 ظلال الحرب والجوع تربك الانتخابات الفرنسية

 ويرى الكاتب الصحفي المختص بالشأن السياسي، المقيم في باريس، نزار الجليدي، أنّ العارف بالحياة السياسية في فرنسا يمكنه أن يدرك بسهوله أنّه "لا توجد" انتخابات رئاسية في البلاد بعد أيام، مدللاً على ذلك بغياب كافة المظاهر الخاصة بالدعاية الانتخابية أو المؤتمرات الحاشدة التي تعد واحدة من أهم سمات المارثون الانتخابي في البلاد. 

 نسب المقاطعة ستتجاوز حدها التاريخي وتسجل رقماً غير مسبوق

وفي تصريح لـ"حفريات"، يقول الجليدي إنّ استطلاعات الرأي تُظهر نسباً كبيرة من الامتناع عن التصويت يُرجعها المراقبون إلى احتدام الحرب الأوكرانية، وما نتج عنها من فقدان سلّة الغلال واحتمالات وقف تصدير الغاز الروسي لأوروبا وهذا معناه "كارثة" تشغل بال الفرنسيين والأوروبيين بشكل عام وأيضاً التداعيات الناجمة عن فيروس كورونا. 

الجليدي: استطلاعات الرأي تُظهر نسباً كبيرة من الامتناع عن التصويت يُرجعها المراقبون إلى احتدام الحرب الأوكرانية، وما نتج عنها من فقدان سلة الغلال واحتمالات وقف تصدير الغاز الروسي لأوروبا

وأشار الجليدي إلى أنّ الفرنسيين مشغولين بالتفكير في تأمين احتياجاتهم الأساسية من الغلال والغاز خلال الفترة المقبلة، ولا تحتل الانتخابات الرئاسية حيزاً كبيراً من تفكيرهم، خاصة أنّ مؤيدي الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون يعتبرون أنه قد فاز بالفعل ولا يحتاج للمشاركة، موضحاً أنّ قطاعاً كبيراً من الناخبين الفرنسيين يعتبرون نتائج الانتخابات تم حسمها بالفعل وليس هناك منافسة حقيقية تستدعي الاهتمام من جانبهم، خاصة أنّ قضايا أخرى تحتل الأولوية. 

اقرأ أيضاً: الانتخابات الفرنسية.. لعنة بوتين ستحدّد ملامح السياسة القادمة في فرنسا‎

ويرى الجليدي أنّ ظلال الحرب والخوف من البرد والجوع تربك الانتخابات الفرنسية، مؤكداً أنها تاريخية وكافة ملامحها غير مسبوقة، وتحدث في ضوء تداعيات عالمية وإقليمية غاية في الصعوبة والتعقيد. 

نسب تصويت لن تتجاوز 40%

وبحسب دراسة أجرتها مؤسسة "جان ثوريس" البحثية الفرنسية، ونشرها موقع "يورو نيوز" المختص بالشأن الأوروبي، لن يصوت نحو 40% من الفرنسيين في انتخابات الرئاسة المقبلة. 

 

اقرأ أيضاً: هجرات متزايدة لمسلمي فرنسا.. ما الأسباب؟

يفصل بريستيل النتائج التي أسفرت عنها الدراسة، فيقول إنّ من بين الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 35 عاما 43 ٪ يقولون إنهم سيصوتون بالتأكيد. في حين أنّ هذه النسبة تصل إلى 58٪ بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 35-59 عاماً، وتصل إلى 72٪ بين من يبلغون أكثر من 60 عاماً، ما يعني أنّ الأجيال تتبع قيماً مختلفة تؤثر على سلوكها وأدائها في ما يخص الانتخابات.

إنّ قطاعاً كبيراً من الناخبين الفرنسيين يعتبرون نتائج الانتخابات تم حسمها بالفعل

ويضيف بريستيل إنه بالرغم من ازدياد معدلات المقاطعة في جميع الانتخابات من سنة إلى أخرى، تبقى الانتخابات الرئاسية هي الاستثناء، حيث تكون معدلات الامتناع عن التصويت عند معدلات منخفضة، 20% تقريباً.

اقرأ أيضاً: ما مدى تأثير المسلمين في الانتخابات الفرنسية؟

إلا أنه في الوقت الحالي 40٪ من الفرنسيين غير متأكدين إن كانوا سيصوتون، لذا قد تسجل هذه الانتخابات نسبة مقاطعة غير مسبوقة.

لماذا يمتنع الفرنسيون عن التصويت؟

وتحدث بريستيل عن ظاهرتين تلعبان دوراً في الامتناع عن التصويت، الأولى هي خيبة الأمل من السياسة لدى الأشخاص الذين يعتبرون أنّ السياسة ليست بهذه الأهمية وأنه يمكننا تغيير الأشياء بأنفسنا. الثانية هي الاشمئزاز ورفض السياسة، والفكرة القائلة بأنّ الطريقة المثلى لمعارضة النخب السياسية تتمثل في التظاهر والأفعال السياسية الفردية عوضاً عن الذهاب للتصويت الذي سيكون "عديم الفائدة".

بحسب دراسة أجرتها مؤسسة "جان ثوريس" البحثية الفرنسية، ونشرها موقع "يورو نيوز" المختص بالشأن الأوروبي، لن يصوت نحو 40% من الفرنسيين في انتخابات الرئاسة المقبلة

وفي تفسيره لظاهرة امتناع الناخبين الفرنسين عن المشاركة في الانتخابات يرجع الكاتب المختص بالشأن السياسي الهاشمي نويرة، في مقال نُشر تحت عنوان: "انتخابات فرنسا.. عزوف الشباب وانتفاضتهم"، الأسباب إلى عوامل عديدة منها: أوّلاً؛ فقدان الثقة في طبقة السياسيين على اختلاف مشاربهم الفكرية والسياسية، وثانياً؛ يعد أغلب المقاطعين للانتخابات وللمشاركة في الشأن العامّ أنّ نظام الديمقراطية التمثيلية لم يعد يستجيب لطموحات أغلب مكوّنات المجتمع الفرنسي وخصوصاً فئة الشباب منه، وثالثاً؛ بسبب غياب الشخصيات التي تتمتّع بالكاريزما والجاذبية الضرورية لتكون مثالاً يُقتدى، ورابعاً؛ نقدّر أنّ تطوّر السلوك الانعزالي لدى الشباب بخاصّة، والذي عمّقته التطوّرات التكنولوجية الحديثة ونزوع هذه الفئة إلى العيش في عالمها الخاصّ مع روابطها الافتراضية وفي انقطاع تامّ عن المجتمع والعائلة، ساهم بقوّة في تفكّك النسق القيمي التقليدي السائد ودفع بشرائح واسعة من المجتمع الشبابي إلى ثقافة الاستهلاك بشتّى أنواعه بعيداً عن كلّ ضوابط وقواسم مجتمعية مشتركة، كما دفع بأجزاء أخرى منه إلى اعتناق مذاهب التطرّف السياسي من اليمين واليسار.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية