"تحريك طالبان طاجيكستان": تداعيات تأسيس نسخة أخرى من طالبان

"تحريك طالبان طاجيكستان": تداعيات تأسيس نسخة أخرى من طالبان

"تحريك طالبان طاجيكستان": تداعيات تأسيس نسخة أخرى من طالبان


13/10/2022

أثار إعلان مقاتلي طالبان في طاجكيستان مؤخراً تأسيس نسخة جديدة من الحركة الأفغانية، بهدف مواجهة الحكومة الطاجيكستانية، الكثير من التداعيات والمخاوف على المستوى الدولي والإقليمي، أهمها ما يتعلق بإثبات الاتهامات الموجهة لطالبان بتقديم الدعم والإيواء لتنظيمات إرهابية في محيطها الإقليمي، واستخدامها بشكل أو بآخر لإسقاط الحكومات في دول الجوار الأفغاني التي هي على خلاف مع الحركة.

وفي هذا السياق، أوردت الباحثة بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية منى قشطة أسباب وتداعيات تأسيس تنظيم "تحريك طالبان طاجيكستان"، على المستوى الإقليمي والدولي، واعتبرت النسخة الجديدة للحركة بمثابة تهديد إقليمي خطير يؤدي إلى زعزعة ثقة دول الجوار الإقليمي في حكومة طالبان.   

وفي دراستها المنشورة بموقع المركز تحت عنوان: "نسخة طالبانية جديدة… دوافع وتداعيات نشأة "تحريك طالبان طاجيكستان"، قالت منى قشطة: إنّ "الامتدادات الجغرافية بروافدها الاجتماعية والعرقية واللغوية والمذهبية والدينية والثقافية بين أفغانستان ودول الجوار أنتجت جملة من الارتدادات على الأوضاع السياسية والأمنية، سواء على الجغرافيا الأفغانية أو على جغرافيا دول الجوار الإقليمي، ويمكن نمذجة نشأة حركة "تحريك طالبان طاجيكستان" كأحد الأمثلة على تلك الارتدادات المرتبطة بصعود حركة طالبان إلى الحكم في أفغانستان مرة ثانية في آب (أغسطس) 2021."

ما دوافع نشأة طالبان الطاجيكستانية؟

تعزو الباحثة المصرية نشأة "تحريك طالبان طاجيكستان" إلى توتر العلاقات بين حكومة طالبان الجديدة والحكومة الطاجيكية بشكل أساسي، وترى أنّه "بخلاف باقي دول الجوار، تبنت طاجيكستان لهجة أكثر حدة تجاه حركة طالبان بعد سيطرتها على الحكم في آب (أغسطس) 2021، فأدان رئيس طاجيكستان إمام علي رحمون نظام طالبان في كابل لفشله في تشكيل حكومة شاملة ولانتهاكه حقوق الإنسان في وادي بنجشير، وقد ردّت طالبان بتحذير طاجيكستان من التدخل في الشؤون الداخلية لأفغانستان. 

منى قشطة: الامتدادات الجغرافية بروافدها المختلفة بين أفغانستان ودول الجوار أنتجت جملة ارتدادات على الأوضاع السياسية والأمنية

وتضيف: "قامت دوشانبي بتوفير ملاذات آمنة، وقدّمت الدعم المادي والمعنوي للعديد من شخصيات المقاومة الأفغانية البارزة على رأسهم أحمد مسعود زعيم جبهة المقاومة الوطنية الذي تشير المعلومات إلى أنّه يقيم حالياً في طاجيكستان."

وأشارت أيضاً إلى قيام دوشانبي بإجراء تدريبات عسكرية بالقرب من حدودها التي يبلغ طولها (1300) كيلومتر مع أفغانستان، إلى جانب قوات من أعضاء منظمة الأمن الجماعي التي تقودها روسيا، وفي المقابل نشرت طالبان ما يقدّر بنحو (4) آلاف مقاتل على طول حدودها مع آسيا الوسطى، ونشرت كذلك كتائب من المفجّرين الانتحاريين المعروفين باسم عسكر المنصوري في مقاطعتي بدخشان وتخار بشمال شرق أفغانستان، ممّا زاد من القلق في طاجيكستان.

وتُعدّ المقاطعتان، وفق الدراسة، مأوى لمئات المسلحين من طاجيكستان وأوزبكستان ودول أخرى قاتلوا إلى جانب طالبان لأعوام عديدة.

ما أسباب توتر العلاقات بين دونباشي وكابل؟

تطرح الباحثة ثلاثة أسباب رئيسية دفعت إلى توتر العلاقات بين حكومة طالبان ونظيرتها الطاجيكية؛ أوّلها مخاوف طاجيكستان من انتقال التهديدات الأمنية إليها عبر حدودها الممتدة مع أفغانستان، والتي تتمثل في تدفق المخدرات غير المشروعة واللاجئين إلى البلاد، حيث تنتقل كميات كبيرة من الأفيون والهيروين من أفغانستان إلى أوروبا عبر طاجيكستان التي تشهد معدلات عالية من تعاطي المخدرات، إلى جانب تخوفها من تسلل المسلحين والعناصر الإرهابية عبر حدودها.

التعاون الواضح بين طالبان وجماعة أنصار الله وسماحها بتشكيل "تحريك طالبان طاجيكستان" يناقض سرديات الحركة على لسان مسؤوليها بأنّ نظامها في أفغانستان لا يوفر ملاذاً آمناً للمقاتلين الأجانب

والسبب الثاني وفق الباحثة، يتجسد في وجود العرقية الطاجيكية التي تمثل ثاني أكبر عرقية في أفغانستان بعد عرقية البشتون؛ واهتمام دوشانبي بدعم الطاجيك الأفغان لضمان مشاركتهم بشكل أكبر في الحكومة التي تقودها طالبان، ولضمان عدم استهدافهم وتعرضهم للتعذيب من قبل الحركة، خصوصاً بعد توجيه العديد من الاتهامات للحركة لقيامها بارتكاب انتهاكات وجرائم حرب ضد الطاجيك المنضمين لجبهة المقاومة الشمالية.

ويتمثل السبب الثالث في الخلاف بين طالبان وحكومة دوشانبي حول استعادة الطائرات الأفغانية الموجودة في طاجيكستان وأوزباكستان؛ ففي أكثر من مرّة خلال العام الجاري صرّح الملا محمد يعقوب نجل مؤسس طالبان الملا عمر ووزير الدفاع في حكومة طالبان الحالية بأنّ طالبان تريد الطائرات الحربية والمروحيات في طاجيكستان وأوزبكستان التي هربت من القوات الحكومية الأفغانية إلى هذين البلدين، عندما كانت طالبان تتحرك باتجاه كابل للسيطرة عليها.

ما التداعيات؟

تصف قشطة تداعيات تأسيس الحركة بأنّها خطيرة، وترى أنّ أبرزها  زعزعة ثقة دول الجوار الإقليمي في حكومة طالبان، وتقول: إنّ "التعاون الواضح بين طالبان وجماعة أنصار الله وسماحها بتشكيل "تحريك طالبان طاجيكستان" يناقض سرديات الحركة المتكررة الواردة على لسان مسؤوليها بأنّ نظامها في أفغانستان لا يوفر ملاذاً آمناً للمقاتلين الأجانب، ولا يسمح بأن تكون الجغرافيا الأفغانية بمثابة نقطة انطلاق للعديد من التهديدات الإرهابية إلى دول الجوار.

إنّ تداعيات تأسيس هذه الحركة خطيرة جداً

كما يتبدى "نقض طالبان لتعهداتها بضمان أمن الحدود أيضاً في إيوائها العديد من الجماعات الإرهابية وفي مقدمتها تنظيم القاعدة، إلى جانب عناصر من حركة طالبان باكستان، وحركة تركستان الشرقية، وجماعة الجهاد الإسلامي، والحركة الإسلامية الأوزبكية، وجماعة عسكر الإسلام، وعسكر طيبة، وكتيبة الإمام البخاري، وغيرها من الجماعات التي تشير التقارير إلى أنّها متحالفة بشكل وثيق مع طالبان، وساعدتها في السيطرة على البلاد من أجل إنشاء إمارة أفغانستان الإسلامية."

وبحسب الدراسة، تُزيد نشأة "تحريك طالبان طاجيكستان" من المخاوف الأمنية الحدودية لدوشانبي، التي تأججت منذ نجاح حركة طالبان في السيطرة على أفغانستان، وقيام العديد من المواطنين الأفغان بالانتقال عبر الحدود إلى طاجيكستان، الأمر الذي عدته الأخيرة تهديداً لأمنها القومي، وهو ما دفع الرئيس الطاجيكي إمام رحمون إلى المطالبة أكثر من مرّة بإنشاء حزام أمني حول أفغانستان لمنع التوسع المحتمل للجماعات الإرهابية في المنطقة.   

الباحثة منى قشطة: نشأة "تحريك طالبان طاجيكستان" تعزز من الاتهامات الموجهة لطالبان بأنّها توفر الملاذ الآمن للعديد من التنظيمات الإرهابية، وتسمح بأن تكون أراضي أفغانستان بؤرة للتهديدات الإرهابية

نشأة نسخة طالبانية طاجيكية يضع حكومة دوشانبي، وفق الدراسة، بين مطرقة التهديدات الأمنية التي تواجهها عبر حدودها الجنوبية مع أفغانستان، وسندان تلك التوترات الناجمة عن المواجهات العنيفة التي تصاعدت حدتها مؤخراً بينها وبين قيرغيزستان عبر حدودها الشمالية.

ويُعدّ الاستقرار في شمال أفغانستان أمراً حيوياً للحفاظ على الأمن القومي لجيرانها الشماليين، ومع عجز طالبان عن فرض سيطرتها الكاملة على تلك المناطق في ظل نشاط المقاومة الشمالية المسلحة من جهة، وتنامي نشاط تنظيم "داعش-خراسان" من جهة أخرى، قد تزداد التهديدات الأمنية التي تواجهها حكومات دول آسيا الوسطى المرتبطة بحدود طويلة مع أفغانستان، ولعل ظهور "تحريك طالبان طاجيكستان" قد يكون محفزاً لاستنساخ حركة طالبان جديدة في المستقبل المنظور تقترن بأسماء تلك الدول، وفق قشطة.   

ومن أخطر التداعيات لتأسيس الحركة تصاعد فرص استقطاب تنظيم داعش لعناصر جديدة، وبحسب الدراسة ربما تدفع نشأة التنظيم الجديد، الفرع الخراساني لتنظيم داعش لزيادة منافسته المحتدمة مع حركة طالبان للسيطرة على الساحة الجهادية في أفغانستان ومنها إلى دول الجوار، ومن ثم تحقيق طموحاته التوسعية في المنطقة.

وتخلص الدراسة إلى أنّ نشأة "تحريك طالبان طاجيكستان" تعزز من الاتهامات الموجهة لطالبان بأنّها توفر الملاذ الآمن للعديد من التنظيمات الإرهابية، وتسمح بأن تكون أراضي أفغانستان بؤرة تنتقل منها التهديدات الإرهابية إلى دول المنطقة، وهي الاتهامات التي تصاعدت حدتها بعد أن أكدت عملية مقتل زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في مطلع آب (أغسطس) 2022 في حي بالعاصمة كابل أنّ الحركة حريصة على توفير ملاذات للقاعدة وعناصرها، وربما تكون نشأة حركة طالبان جديدة ذات طابع طاجيكي إنذاراً باحتمالية تأسيس حركات أخرى مماثلة تستهدف دول الجوار الإقليمي.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية