تحولات تاريخية للسياسات الخارجية المصرية في 2023... ما أبرز ملامحها؟

تحولات تاريخية للسياسات الخارجية المصرية في 2023... ما أبرز ملامحها؟

تحولات تاريخية للسياسات الخارجية المصرية في 2023... ما أبرز ملامحها؟


12/01/2023

كانت دعوة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال قمة المناخ (كوب 27) في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، لوقف الحرب الأوكرانية وعزمه التدخل فعلياً للوساطة بالأمر، فضلاً عن جملة من التحركات الأخرى للدبلوماسية المصرية خلال الأعوام الماضية، بمثابة مؤشر رسمي عن تحول السياسات الخارجية المصرية خلال الفترة المقبلة نحو مساحات أكبر من التأثير والتفاعل مع قضايا الإقليم والعالم.

ويتوقع مراقبون أن تشهد السياسات الخارجية للدولة المصرية خلال العام الجاري 2023  تحولات نوعية، وتوجهات جديدة تتسم بالتفاعل والمشاركة بشكل أكبر، بالتركيز على قضايا الشرق الأوسط ذات الاهتمام المشترك، وكذلك القضايا الدولية، بهدف الانتقال من مرحلة التطور المتنامي إلى التأثير النوعي، الذي يحقق لمصر الحفاظ على مكانتها وتوازنها إقليمياً ودولياً.

أبعاد تحول الدبلوماسية المصرية

دفعت حالة الاستقرار السياسي، التي شهدتها البلاد خلال الأعوام الماضية، بعد فترة مخاض عسير عاشتها الدولة المصرية منذ عام 2011 حتى عام 2014، نحو دعم الجهود لتدعيم ركائز السياسيات الخارجية المصرية، سواء بالتعامل مع دول أفريقيا أو منطقة الشرق الأوسط، أو دول التعاون الدولي في مختلف المجالات، بحسب مراقبين.

وترى رئيسة وحدة الدراسات العسكرية والأمنية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إيمان رجب، أنّ العام الجديد 2023 سيشهد انتقال السياسة الخارجية لمصر من مرحلة النشاط المتنامي إلى مرحلة التأثير النوعي في عدد من القضايا على نحو يؤسس، في حال اكتمال هذا الانتقال، لمكانة جديدة لمصر في إقليم الشرق الأوسط، ويعيد تعريف أهميتها بالنسبة إلى القوى الكبرى المهتمة بشؤون هذا الإقليم.

يتوقع مراقبون أن تشهد السياسات الخارجية للدولة المصرية خلال العام الجاري 2023  تحولات نوعية

وفي تحليل نشره مركز الأهرام للدراسات، تحت عنوان: "انطلاقة جديدة في 2023... أبعاد التحول في السياسات الخارجية المصرية"، أوردت رجب (6) مؤشرات، اعتبرتها تمهيداً لهذا التطور المحتمل في وجه الدبلوماسية المصرية.

الأوّل: هو إعلان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في تشرين الثاني (نوفمبر) 2022 خلال قمة المناخ بشكل واضح وصريح دعوته لوقف الحرب الروسية -الأوكرانية وعن استعداده للعب دور في ذلك، وهو ما يمثل موقفاً متمايزاً يعكس مساعي مصر منذ بدء الحرب لتبنّي موقف متوازن منها وتجنب تأييد أيّ طرف من طرفي الصراع؛ وذلك بسبب ارتباطها بمصالح متشابكة مع روسيا وأوكرانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والصين.

إيمان رجب: العام الجديد 2023 سيشهد انتقال السياسة الخارجية لمصر من مرحلة النشاط المتنامي إلى مرحلة التأثير النوعي في عدد من القضايا على نحو يؤسس، في حال اكتمال هذا الانتقال، لمكانة جديدة لمصر في إقليم الشرق الأوسط، ويعيد تعريف أهميتها بالنسبة إلى القوى الكبرى المهتمة بشؤون هذا الإقليم

ويتمثل المؤشر الثاني في  إعلان استضافة مصر للمحادثات الروسية -الأمريكية بخصوص معاهدة "نيوستارت" المعنية بضبط سباق التسلح النووي بين موسكو وواشنطن، والتي كان مخططاً انعقادها خلال الفترة من 29 تشرين الثاني (نوفمبر) إلى 6 كانون الأول (ديسمبر) 2022.

ورغم أنّ هذه المحادثات لم تنعقد في ميعادها بسبب إعلان روسيا تأجيلها، إلا أنّ اختيار القاهرة يفيد بوجود انطباع ما لدى موسكو وواشنطن حول حياد مصر وإمكانية لعبها دور المضيف للمحادثات، وهو ما من شأنه أن يضفي بُعداً آخر على طبيعة الدور الذي يمكن أن تلعبه مصر في تخفيف حدة الشد والجذب بين روسيا والولايات المتحدة، والذي زادت شدته منذ اندلاع الحرب الروسية -الأوكرانية في شباط (فبراير) الماضي.

سياسات داخلية تعزز جهود الدبلوماسية المصرية

أمّا البعد الثالث، فقد ارتبط، وفق رجب، بعدد من السياسات الداخلية التي تبنتها الحكومة المصرية استكمالاً لتأسيس "الجمهورية الجديدة"، حيث أعلنت مصر عن وثيقة الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في 2021، وهو ما بعث برسالة واضحة للمجتمع الدولي باكتساب هذا الملف أولوية في سياسات الدولة، وتتابع تنفيذ هذه الاستراتيجية من مختلف الجهات الحكومية اللجنة الوطنية الدائمة لحقوق الإنسان، وأصدرت هذه اللجنة تقرير المتابعة الأول لتنفيذ الاستراتيجية في كانون الأول (ديسمبر) 2022.

وتمّ تفعيل عمل لجنة العفو الرئاسي التي تعمل بشكل حثيث على إطلاق سراح عدد من المحبوسين في قضايا الرأي.

تمّ تفعيل عمل لجنة العفو الرئاسي التي تعمل بشكل حثيث على إطلاق سراح عدد من المحبوسين في قضايا الرأي

فضلاً عن ذلك، دعا الرئيس المصري منذ نيسان (أبريل) 2022 إلى تنظيم "حوار سياسي حول أولويات العمل الوطني"، بهدف إشراك مختلف القوى والأحزاب السياسية في صياغة وتحديد أولويات العمل في الدولة خلال المرحلة المقبلة.

وترى الكاتبة أنّ هذه الإجراءات في مجملها تؤسس للبُعد السياسي الذي ترتكن إليه الجمهورية الجديدة، الذي يقوم على أساس إتاحة الفرصة للجميع للمشاركة في إطار دستور 2014، كما أنّه يسهم بشكل ما في معالجة عدد من القضايا الخلافية.

توسيع التعاون الإقليمي سياسياً وأمنياً وعسكرياً

وتنوه الكاتبة بأهمية انفتاح مصر على تطبيع العلاقات مع قطر وتركيا وتجاوز الخلافات التي أدت إلى أزمات دبلوماسية بينها، على نحو يسمح باحتفاظها بقنوات اتصال مفتوحة مع هاتين الدولتين اللتين تُعدّان حليفتين رئيسيتين لواشنطن في المنطقة، وهو ما قد يعزز من التقدير الأمريكي لما يمكن أن تقوم به مصر من أدوار إقليمية في المنطقة خلال الفترة المقبلة.

طارق فهمي: السياسة الخارجية المصرية شهدت، منذ تولي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم في مصر قبل (8) أعوام، نشاطاً مكثفاً وفتح آفاق جديدة للتعاون من مبادئ السياسة المصرية القائمة على تعزيز السلام والاستقرار في المحيط العربي، والإقليمي، والدولي

أمّا المؤشر الخامس على تطور السياسات المصرية في الخارج، فيتعلق بدور مصر في تحقيق الأمن البحري في الممرات الرئيسية في الشرق الأوسط، حيث انضمت مصر لتحالف "القوات البحرية المشتركة "Combined Maritime Forces في 2021، ومنذ ذلك الحين اقتصر دورها على المشاركة فيما ينفذ من تدريبات ومناورات وعمليات ذات صلة بمهمة هذا التحالف التي تتمثل في مكافحة تهريب المخدرات والقرصنة وتشجيع التعاون الإقليمي وتأمين الملاحة ضد أيّ تهديدات نابعة من الفاعلين من غير الدول.

وفي 12 كانون الأول (ديسمبر) 2022 أعلن التحالف عن تولي مصر قيادة قوات المهام المشتركة Combined Task Force (CTF) 153 التي استحدثت في إطار هذا التحالف منذ 17 نيسان (أبريل) 2022، ووفق بيان التحالف تُعدّ هذه هي المرة الأولى التي تتولى فيها مصر قيادة أيّ قوة من قوات المهام المشتركة في إطار التحالف منذ انضمامها له في 2021. وتعنى قوات CTF 153  بتأمين الممر الملاحي للبحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن.

ويرتبط المحور السادس بمساهمة مصر في مشاريع إعادة الإعمار والتنمية في عدة دول مجاورة، حيث شهد العام 2021 تنفيذ الحكومة من خلال القطاع الخاص مشاريع إعادة الإعمار في قطاع غزة، كما شهدنا منذ أيام الافتتاح الرسمي لسد "جوليوس نيريري" في تنزانيا الذي نفذه التحالف المصري لشركتي المقاولون العرب والسويدي إليكتريك، فضلاً عن الإعلان في تشرين الثاني (نوفمبر) 2022 عن تنفيذ نسخة أفريقية من مبادرة حياة كريمة في عدد من الدول الأفريقية من خلال مبادرة "حياة كريمة لأفريقيا صامدة أمام التغيرّات المناخية".

وهذا التطور يكشف، وفق رجب، عن اتجاه مصر للاعتماد على قدرات القطاع الخاص في التغلب على محدودية الموارد الاقتصادية الحكومية التي ظلت عائقاً لأعوام تحول دون تبنّي سياسات خارجية ذات طابع تنموي.

مرتكزات جديدة للدبلوماسية المصرية

تكشف هذه التطورات في مجملها، وفق الكاتبة المصرية، عن (3) مرتكزات رئيسية يرتكن إليها ما يمكن أن تمارسه السياسة الخارجية المصرية من تأثير نوعي خلال الفترة المقبلة.

ينصرف المرتكز الأوّل إلى إدراك مصر للتغير في موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط وعدم واقعية تفرد دولة بعينها بقيادة المنطقة، ومرونتها في تقبل تقاسم وتشارك التأثير مع القوى الإقليمية الأخرى على نحو يسمح لها بتأثير نوعي في قضايا جزئية في المنطقة.

ويتعلق المرتكز الثاني بعدم اقتصار السياسة الخارجية للدولة على النشاط الدبلوماسي في صورته التقليدية كما كان الوضع لأعوام طويلة، واتجاه مصر لاستخدام أدوات اقتصادية تعتمد بشكل كبير على قدرات القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني التنموية من أجل التحرك في مساحات جديدة للتأثير كانت بعيدة عن السياسات المصرية مثل السياسات التنموية وسياسات إعادة الإعمار وغيرها.

ويتعلق المرتكز الأخير بتخليق الأفكار التي تكتسب أهميتها في تحديد مساحات التأثير الممكنة والتي هي كفيلة بفتح مساحات جديدة للسياسة الخارجية للدولة تستطيع من خلالها أن تعزز أهميتها بالنسبة إلى العديد من القضايا التي يهتم بها المجتمع الدولي.

أولويات السياسة الخارجية المصرية

يقول أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة طارق فهمي: إنّ السياسة الخارجية المصرية شهدت، منذ تولي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم في مصر قبل (8) أعوام، نشاطاً مكثفاً وفتح آفاق جديدة للتعاون من مبادئ السياسة المصرية القائمة على تعزيز السلام والاستقرار في المحيط العربي والإقليمي والدولي، فضلاً عن عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ودعم مبدأ الاحترام المتبادل وتعزيز التضامن، والتمسك بمبادئ القانون الدولي.

وتمثل القضية الفلسطينية، وفق تصريحات تلفزيونية للأكاديمي المصري، ركيزة من ركائز السياسة الخارجية المصرية، سواء في مجالات التحرك الإقليمية أو الدولية، مشيراً إلى أنّ الدولة المصرية تبذل جهداً كبيراً، سواء على مستوى الدبلوماسية الرئاسية أو مؤسسات الدولة الكبيرة، في إعادة القضية الفلسطينية للواجهة للدولية، كما تتحرك بشكل فعال في الملف الليبي، وتدعو القوى الإقليمية والدولية لإعادة الانتخابات المعطلة في ليبيا، وتدعم حلّ الملف الليبي ودعم الاستقرار خلال عدد من اللقاءات الخاصة طوال العام المنقضي في 2022.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية