ترتيب العالم على وقع التوتر النووي

ترتيب العالم على وقع التوتر النووي


02/03/2022

أسعد عبود

إلى أين يمكن الحرب الجارية في أوكرانيا أن تقود العالم؟ هذا سؤال من بين تساؤلات كثيرة تثار حول النتائج العسكرية والسياسية، التي ستترتب على الدخول الروسي إلى أوكرانيا، وما إذا كان في إمكان روسيا وأميركا تفادي نشوب نزاع مباشر بينهما. 

وزاد إعلان روسيا حال التأهب القصوى لقواها الإستراتيجية النووية، وإعلان فرنسا بلسان وزير خارجيتها جان-إيف لودريان قبل ذلك بيومين أن موسكو يجب أن تتذكر بأن حلف شمال الأطلسي "حلف نووي"، من حدة التوتر العالمي، هذا فضلاً عن التعزيزات غير المسبوقة من القوات التقليدية التي يزج بها الحلف في الدول الأعضاء القريبة من الحدود الروسية مثل بولندا ودول البلطيق ورومانيا وبلغاريا. 

ولن تكون المسألة محصورة بتغيير الحدود أو الأنظمة قبل أن يقتنع الجانبان في نهاية المطاف بالجلوس معاً للبحث في تسويات جديدة غير تلك التي كانت قائمة حتى الآن وثبت فشلها في تجنيب القارة الأوروبية حرباً أخرى مدمرة، بصرف النظر عن المنتصر فيها.   

وعلى رغم التصعيد العالمي، لا تبدر أي إشارة من الجانبين الأميركي أو الروسي، تشير إلى رغبة في التورط في نزاع مباشر. ويقول الرئيس الأميركي جو بايدن إن أميركا لن ترسل قوات إلى أوكرانيا وستكتفي بإرسال الأسلحة "الفتاكة" إليها. لكن هل يكفي ذلك لعدم نشوب حوادث عرضية وسط المعارك العنيفة والحشود العسكرية على الجانب الأطلسي ومن الجانب الروسي؟ تبقى تلك مسألة غير محسومة. ويعتبر بايدن أن العقوبات الاقتصادية الواسعة هي البديل لنشوب حرب عالمية ثالثة.

لكن تفادي النزاع المباشر، لا يلغي أن الحرب الباردة قد تجددت فعلاً بين أميركا وروسيا على نطاق واسع، والتأهب العسكري على الحدود الروسية مع الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، فضلاً عن العقوبات الواسعة النطاق التي فرضها الغرب على موسكو، تدل على أن العلاقات الروسية - الغربية، لن تعود إلى ما كانت عليه قبل 24 شباط (فبراير) تاريخ التوغل الروسي في أوكرانيا.    

والطرفان سيبنيان علاقات وتحالفات من شأنها تدعيم موقف كل منهما في المواجهة الجارية. أوروبا ستبحث عن بدائل للتبادل التجاري مع روسيا وخصوصاً عن مصادر جديدة للنفط والغاز الطبيعي، سواء من النروج أم من أذربيجان أو بلدان الشرق الأوسط. وفي المقابل، ستبحث روسيا عن زبائن لنفطها من غير الدول الأوروبية، وبطبيعة الحال ستتجه موسكو أكثر نحو الصين التي من المستبعد أن تنخرط في العقوبات الغربية على روسيا، لا بل على العكس، إذ من الممكن أن تتوثق العلاقات الروسية - الصينية أكثر في المرحلة المقبلة في مواجهة التحالف الغربي.   

وشبح التحالف الروسي - الصيني المحتمل، يؤرق الولايات المتحدة وأوروبا، لأن من شأنه أن يفقد العقوبات الغربية الكثير من فاعليتها وتأثيرها. فهل من الممكن أن تسعى أميركا في سبيل محاصرة روسيا أكثر، إلى مهادنة بكين في المرحلة المقبلة كي لا تذهب بعيداً في تقاربها مع موسكو؟ ربما كان هذا من الاحتمالات الممكنة لولا العداء الذي أظهرته الولايات المتحدة للصين في الأعوام الأخيرة. أما في ظل التردي القائم حالياً في العلاقات الصينية - الأميركية، فإن من المستبعد أن تتخلى بكين عن موسكو.   

وإذا لم تتوصل روسيا والولايات المتحدة إلى تفاهم حول نظام جديد للأمن الأوروبي، فإن ذلك سيؤدي إلى خوض سباق جديد للتسلح وسيكبد الدول الأوروبية المزيد من الخسائر الاقتصادية بسبب تسخير المزيد من الأموال للموازنات الدفاعية. وهذا ما سينعكس على كل مناحي الحياة العادية للناس في دول الاتحاد الأوروبي.    

وحتى الدول غير الأوروبية، ستدفع ثمناً أيضاً للتحولات الناجمة عن تجدد الحرب الباردة. وسيجد العالم نفسه منقسماً من جديد ما بين مؤيد لموسكو وآخر داعم لواشنطن، كما كان الحال قبل سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي.   

وستنعكس عودة الاستقطاب الدولي على بؤر النزاع العالمية التي سيحاول كل طرفٍ استغلالها لمصلحته، من الشرق الأوسط إلى أفريقيا وحتى أميركا اللاتينية. 

  عن "النهار" العربي


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية