تركيا تثير التوترات مع بلغاريا عبر ذراعها الديني

تركيا تثير التوترات مع بلغاريا عبر ذراعها الديني


30/01/2021

براق تويغان

تصدرت حكومة حزب العدالة والتنمية في تركيا عناوين الصحف بأعمالها العسكرية العدوانية هذا الشهر، لكن الحزب ركز على مدى أكثر من عشر سنوات على وسائل القوة الناعمة أكثر للتوسع، وغالباً ما كان يعتمد على الدبلوماسية من خلال الدين عند جيرانه في البلقان.

وهذا يعني تحركات لاكتساب النفوذ على الأقليات المسلمة في المنطقة من خلال الجهود التي تبذلها مديرية الشؤون الدينية الحكومية (ديانت). وعلى الرغم من أن مشاريع تمويل المعاهد الدينية وترميم المباني التاريخية كانت موضع ترحيب في البداية، فقد أصبحت بلدان مثل بلغاريا ترى أن نفوذ تركيا خبيث وتبحث عن وسيلة للحد منه.

فقد ذكرت صحيفة ترود، وهي الصحيفة الأكثر انتشاراً في بلغاريا، أن تركيا خصصت ستة ملايين دولار لبناء مسجد في مقاطعة كارجلي في جنوب بلغاريا. وذكرت تقارير أن المسجد في ذلك الوقت كان مشروع البناء الأعلى تكلفة في ذلك الجزء من البلاد.

ويضع هذا المشروع والمشاريع المماثلة التي تمول أكبر المساجد في ألبانيا وبلغاريا المؤسسة الإنسانية التابعة لمديرية الشؤون الدينية التركية ووكالة التعاون والتنمية التركية في طليعة جهود تركيا لتطوير نفوذها في البلقان، وذلك حسبما قالت الخبيرة الإقليمية عشتار غوزايدين لصوت أميركا العام الماضي.

وعلاوة على المساجد الجديدة التي تبنيها المؤسسة الإنسانية التابعة لمديرية الشؤون الدينية التركية ووكالة التعاون والتنمية التركية، شاركت تركيا أيضاً في ترميم المعالم التاريخية بما في ذلك المساجد والجسور والمدارس الدينية التي تعود إلى الحقبة العثمانية.

وكانت بلغاريا من أهم محاور اهتمام أنقرة في السنوات الأخيرة.

وتضم بلغاريا أكبر أقلية مسلمة بالنسبة المئوية في أوروبا إذ يمثل المسلمون 15 في المئة من سكانها البالغ عددهم 7.5 مليون نسمة. وكانت أيضاً، إلى جانب اليونان، البلد الذي قضى أطول فترة تحت الحكم العثماني.

وانتهج حزب العدالة والتنمية ذو الجذور الإسلامية سياسة تقوية العلاقات مع الدول السابقة في الأراضي العثمانية السابقة بعد وصوله إلى السلطة في عام 2002، وقدم الحزب نفسه كبديل معتدل للتفسيرات الأصولية الصاعدة للإسلام مثل السلفية (حسب ادعائه). ولفترة طويلة، أكسب هذا حزب العدالة والتنمية قدراً كبيراً من الدعم الدولي.

وقد تعاونت دول البلقان مع مديرية الشؤون الدينية التركية لإنشاء حصن في مواجهة هذه الأصولية، حسبما كتب الباحث السياسي أحمد أردي أوزتورك في مقال في المجلة الأوروبية للدراسات التركية في عام 2018. كما لعب وضع تركيا كدولة علمانية دوراً مهماً في هذه العملية.

ومنح هذا مديرية الشؤون الدينية التركية أهمية عالمية إذ وقعت اتفاقات مع بلغاريا وألبانيا ومقدونيا وأذربيجان وقيرغيزستان وأوزبكستان وتركمانستان.

وقال أشار يالين كيليجلي محلل شؤون أوراسيا لهيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) في شهر مايو إن هذه الاتفاقات كانت جزءاً من جهود منسقة بعد عام 2009 لتطوير مكانة تركيا كقوة ناعمة.

وأضاف أن الهدف من هذه الجهود كان يتمثل في نشر الهوية التي ترغب حكومة حزب العدالة والتنمية في بنائها داخل تركيا على الساحة الدولية وفي الوقت نفسه تروج لنفسها كقيادة في العالم الإسلامي.

وقال يالين كيليجلي إن الكثير من السياسة في البلقان تم وضعها خلال فترة تولي أحمد داود أوغلو لمنصب وزير الخارجية في الفترة من 2009 إلى 2014، ثم عندما شغل منصب رئيس الوزراء حتى عام 2016. وتعود سياسة آسيا الوسطى إلى تسعينيات القرن الماضي، وهي فترة كانت فيها "القومية التركية" المرتبطة بفئة واسعة من الشعوب الناطقة باللغة التركية تحظى بشعبية.

ومع ذلك، تثير سياسات تركيا في البلقان ردود فعل من الاتحاد الأوروبي والمنطقة.

فقد أوضح خطاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في البرلمان الأوروبي في أبريل 2018 مخاوف الاتحاد الأوروبي إذ قال ماكرون إنه لا يريد عودة البلقان إلى فلك روسيا وتركيا.

وبالنسبة لمؤسس معهد كوسوفار لبحوث السياسات والتنمية وكبير باحثيه لولزيم بيتشي، فإن مساجد مديرية الشؤون الدينية التركية في كوسوفو هي مؤسسات سياسية مصممة لنشر رؤية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للإسلام.

وقال بيتشي للباحث الأميركي ألون بن مئير العام الماضي "في حالة كوسوفو وألبانيا، فإن عشرات الملايين من الدولارات التي يتم استثمارها في بناء المساجد تتعلق برمز التفوق والنفوذ التركي، ليس فقط الديني ولكن السياسي أيضاً".

وقد أدى ذلك إلى تعزيز مكانة تركيا وسط جيرانها في البلقان وتحقيق فوائد ملموسة، كما حدث عندما نجا حزب العدالة والتنمية من محاولة انقلاب في عام 2016. وفي اليوم التالي، تجمعت حشود كبيرة في مقدونيا والبوسنة وألبانيا وكوسوفو لإظهار الدعم لأردوغان.

ونقل بن مئير عن المؤرخ جمال أحمدي قوله "لقد جسدت بوضوح الإمكانات والآليات التي يمتلكها أردوغان في البلقان ولدى المغتربين، والتي يستفيد منها ويستخدمها حينما يريد".

لكن الأمر لم يكن سلساً طوال الوقت أمام توسع أردوغان الديني. كان المسلمون الرومانيون أوائل من عارضوا تحركات الرئيس التركي الناعمة، وأدى رد الفعل على التخطيط لبناء مسجد ضخم في بوخارست إلى إلغاء المشروع العام الماضي.

ونفوذ تركيا في بلغاريا أعمق بكثير: فبموجب بروتوكول وقعه البلدان في عام 1998، تدفع تركيا أجور 600 إمام في البلاد بالإضافة إلى جزء من نفقات المساجد والمؤسسات الدينية الأخرى.

لكن مستوى علاقات تركيا ببلغاريا قد وضع أيضاً العراقيل أمام الأقليات التركية والإسلامية في البلاد.

وتقول الجبهة الوطنية البلغارية إن تركيا تستخدم المسلمين للتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، وإنها بدأت إجراءات قانونية في عام 2016 لمواجهة التدخل الأجنبي.

وأشار وزير الدفاع البلغاري كراسيمير كاراتشانوف، وهو زعيم سابق للجبهة الوطنية، إلى المؤسسات الدينية التركية على وجه التحديد في الدعوى القضائية.

وخلال نفس العام، تسببت محاولات تركيا حشد الأتراك البلغاريين في أزمة دبلوماسية.

كان لهذا جذوره في الإطاحة بلطفي ميستان من دوره في قيادة حركة الحقوق والحريات، وهو حزب يهيمن عليه الأتراك البلغاريون، في عام 2015. وقال الحزب إن موقف ميستان أيد أنقرة بشدة في نزاعها مع موسكو بشأن إسقاط القوات التركية لطائرة روسية في ذلك العام.

ثم في فبراير 2016، أعلنت بلغاريا أن السفير التركي أوغور أمير أوغلو شخص غير مرغوب فيه بسبب ما وصفته بسوء السلوك.

ووصفت الصحافة البلغارية أمير أوغلو بأنه "إمام بجواز سفر دبلوماسي"، واتُهم بالتعاون مع ميستان والتشاور بشكل متكرر مع الزعماء الدينيين للأقلية التركية المحلية.

وبعد الانتخابات في العام التالي، تحركت الأحزاب القومية البلغارية في الحكومة المؤقتة لعام 2017 لإلغاء اتفاق 1998 مع تركيا، لتترك الأئمة ومعاهدهم الدينية يغرقون في الديون.

وفي محاولة لإعادة العلاقات إلى مسارها الصحيح، دعا أردوغان رئيس الوزراء البلغاري بويكو بوريسوف لحضور حفل الافتتاح الفخم للكنيسة البلغارية سان ستيفن بعد ترميمها في إسطنبول العام الماضي.

وتحدث أردوغان عن رغبته في مواصلة تمويل مشاريع الترميم في بلغاريا.

ومع ذلك، استمر تصاعد التوترات بفعل محاولات تركيا لتمويل المؤسسات الإسلامية في البلاد، حيث وصلت إلى ذروتها في 27 مارس، عندما صرح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في خطاب بأن تدخل تركيا قد أسفر عن تعديل قانوني جديد لإسقاط ديون مستحقة بقيمة أربعة ملايين يورو على مكتب المفتي الأكبر في بلغاريا.

وصدر القانون في 28 مارس، لكن خطاب جاويش أوغلو أثار غضب وزارة الخارجية البلغارية، وسجلت غضبها في مذكرة إلى السفارة التركية في صوفيا.

ولأردوغان أيضاً نصيبه من الإشارات إلى بلغاريا - لا سيما ماضيها العثماني - وقد وضع هذا تركيا في موقف صعب العام الماضي، عندما أرسل تحياته إلى "إخوانه وأخواته المضطهدين" في المدن الجارة لتركيا (إشارة الى بلغاريا ودول البلقان).

وقال أردوغان "قد تكون هذه المدن موجودة فعلياً على حدود البلدان الأخرى، لكنها تقع داخل حدودنا بروحها"، ما أثار ردود فعل حادة أخرى من وزارة الخارجية البلغارية.

عن "أحوال" تركية

الصفحة الرئيسية