تركيا تطارد معارضيها في 31 دولة حول العالم

تركيا تطارد معارضيها في 31 دولة حول العالم

تركيا تطارد معارضيها في 31 دولة حول العالم


29/01/2023

ترجمة وتحرير: محمد الدخاخني

في طفولتي، كنت أشاهد أفلام «الويسترن» الأمريكيّة على التّلفزيون التّركيّ، ولفتت نظري ملصقات «مطلوب للعدالة» التي تصوّر الأشرار من الخارجين عن القانون وتُعلن عن مكافأةٍ لمن يُدلي بمعلومات عنهم. في اليوم الأخير من عام 2022، وقد وصلت عامي الواحد والسّتين، وجدتّ اسمي وصورتي وقد عُرِضا على نحو مماثل، ضمن قائمة «إرهابيّون مطلوبون للعدالة» على موقع وزارة الدّاخليّة التّركيّة.

مثل مُلصَقٍ في فيلم «ويسترن» قديم، وُضعت مكافأة تصل إلى خمسمائة ألف ليرة تركيّة - حوالي سبعة وعشرين ألف دولار - للحصول على معلومات من شأنها أن تؤدّي إلى القبض عليّ.

ما الذي فعلته لأستحقّ هذا الخزي المفاجئ؟ على مدى الأعوام الستّة الماضية، عشت في ألمانيا، حيث أعمل صحافيّاً مستقلّاً عبر الإنترنت وفي الرّاديو. ربطتني ملاحظةٌ كُتبت أسفل اسمي بفتح الله غولن، وهو رجل دين مقيم في ولاية بنسلفانيا ومتّهم بتدبير محاولة انقلاب ضدّ الرّئيس التّركيّ، رجب طيب أردوغان، في عام 2016. لم يسبق لي أن التقيت بالرّجل قطّ.

إليك السّبب الحقيقيّ الذي أفترضُ أنّه وراء وجودي ضمن القائمة. في عام 2015، عندما كنت رئيس تحرير صحيفة «الجمهوريّة»، في إسطنبول، نشرنا تقريراً، تضمّن صوراً ومقاطع فيديو، عن شحن المخابرات التّركيّة أسلحة بشكل غير قانونيّ إلى متشدّدين إسلامويّين في سوريا. قال أردوغان إنّ التّقرير كشف عن «سرّ من أسرار الدّولة» وصرّح للتّلفزيون الحكوميّ أنّ «الشّخص الذي كتب هذه المقالة سيدفع ثمنها غالياً. لن أتركه يمرّ من دون عقاب».

اعتقال بسبب مقالة

اعطه حقّه: لقد أوفى بكلمته. اعتُقلت بعد ستّة أشهر من ظهور المقالة واحتُجزت على ذمةّ المحاكمة لمدة 92 يوماً. أفرجت المحكمة الدّستوريّة عنّي، على ذمّة القضيّة، وتمكّنت من مغادرة تركيا - وبعد محاولة الانقلاب العسكريّ في عام 2016، قرّرت عدم العودة. بعد أعوام قليلة، حكمت عليّ محكمة تركيّة، غيابيّاً، بالسّجن لأكثر من سبعة وعشرين عاماً بتهمّة الحصول على سرّ من أسرار الدّولة ونشره. وفي غضون ذلك، صادرت الحكومة كلّ ما أملك.

قال أردوغان إنّ التّقرير كشف عن «سرّ من أسرار الدّولة» وصرّح للتّلفزيون الحكوميّ أنّ «الشّخص الذي كتب هذه المقالة سيدفع ثمنها غالياً

بإضافة اسمي إلى قائمة الإرهاب بعد ستّة أعوام، فإنّ أردوغان يُهدّدني مجدّداً.

هذا ما يحدث لمعارضي النّظام التّركيّ الموجودين في المنافي في جميع أنحاء العالم. يحاول أردوغان إمّا اختطافهم وإعادتهم إلى تركيا، أو معاقبتهم في أماكن إقامتهم، ومن أجل ذلك يوظّف عملاء أجهزة المخابرات - بلطجيّة يعملون بشكل غير قانونيّ خارج البلاد - أو حتّى الدّبلوماسيّة.

قائمة «المطلوبين» في تركيا طويلة جدّاً بحيث لا يمكن وضعها على ملصق مسمّر على جدار مأمور شرطة. وستستمرّ هذه القائمة طالما أنّ العالم يستسلم لتنمّر أردوغان

وفقاً لتقريرٍ لـ«فريدم هاوس» نُشر عام 2021، فإنّ نظام أردوغان طارد منذ عام 2016 خصومه في واحد وثلاثين دولة في جميع أنحاء الولايات المتّحدة، وأوروبا، والشّرق الأوسط، وأفريقيا، وآسيا. وقد وثّق التّقرير ثماني وخمسين حالة تسليم أو اختطاف. يقول التّقرير: «لم تقم أيّ دولة جانية أخرى بمثل هذا العدد الكبير من عمليّات التّرحيل من العديد من البلدان المضيفة».

هذان مثالان على ذلك:

نوري جوخان بوزكير، وهو ضابط سابق في القوّات الخاصّة التّركيّة عمل مع المخابرات التّركيّة على شحن أسلحة بشكل غير مشروع إلى سوريا، وفرّ من تركيا في عام 2015، وطلب اللجوء في نهاية المطاف في أوكرانيا. هناك، قدّم أدلةً على تجارة الأسلحة هذه إلى وسائل الإعلام. من جانبه، طالب أردوغان بتسليم بوزكير. لكن بوزكير بقي... حتى بدأت روسيا في حشد القوّات على الحدود الأوكرانيّة في عام 2021، ويبدو أنّ حاجة أوكرانيا للدّعم العسكريّ تغلّبت على المبادئ. في كانون الثّاني (يناير) 2022، أعلن أردوغان بفخر أنّ عملاء أتراكاً قد قبضوا على بوزكير داخل أوكرانيا. بعد الاختطاف، لم يستجب المسؤولون الأوكرانيّون لطلبات وسائل الإعلام للتّعليق. وفي الأشهر الأولى بعد الغزو، كانت الطّائرات التّركيّة من دون طيار أساسيّة للدّفاع عن أوكرانيا.

وفقاً لتقريرٍ لـ«فريدم هاوس» 2021، فإنّ نظام أردوغان طارد منذ 2016 خصومه في واحد وثلاثين دولة في أنحاء الولايات المتّحدة، وأوروبا، والشّرق الأوسط، وأفريقيا، وآسيا


تقدّمت السّويد بطلب للحصول على عضويّة «حلف شمال الأطلسيّ» العام الماضي، في أعقاب الغزو الرّوسي لأوكرانيا. لكن تركيا، العضو في «حلف شمال الأطلسيّ» منذ عام 1952، اعترضت على ضمّها، وكذلك على ضمّ فنلندا المجاورة، وطالبت البلدين بتسليم أكثر من سبعين شخصاً يصفهم النّظام بأنّهم «إرهابيّون». مفاجأة: في تشرين الثّاني (نوفمبر)، غيّرت السّويد دستورها بحيث تضمّن «تقييد حرّيّة التّجمّع عندما يتعلّق الأمر بكيانات تشارك في الإرهاب أو تدعمه»، وفي ديسمبر  (كانون الأوّل)، سُلّم شخص ورد اسمه على «قائمة الإرهاب» التّركيّة واعتُقل فيما بعد في تركيا.
حتّى الآن، منعت المحكمة العليا السّويديّة تسليم الصّحافي بولنت كنيش، قائلة إنّ السّعي إلى تسليمه له دوافع سياسيّة، ورفضت الحكومة السّويديّة أربعة طلبات تسليم طويلة الأمد قدّمتها تركيا.

سنرى ما سيحدث.

في الوقت الحاليّ، من الواضح أنّ قائمة «المطلوبين» في تركيا طويلة جدّاً بحيث لا يمكن وضعها على ملصق مسمّر على جدار مأمور شرطة. وستستمرّ هذه القائمة في النّمو طالما أنّ العالم يستسلم لتنمّر وابتزاز أردوغان.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

جان دوندار، الواشنطن بوست، 23 كانون الثّاني (يناير) 2023




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية