تركيا ودعم فلسطين.. جسر نحو إسرائيل؟

تركيا ودعم فلسطين.. جسر نحو إسرائيل؟


25/05/2022

لم تهدأ خطوط الهاتف بين أنقرة وتل أبيب بالأشهر الأخيرة تماماُ كما لم تؤثر الأحداث بمختلف درجات تصعيدها على العلاقات القوية بين الجانبين.

فلطالما ظل التعاطف التركي مع القضية الفلسطينية أداة لكسب التعاطف تمضي بشكل منفصل عن علاقات ثنائية لم تنقطع -تجاريا على الأقل- حتى في ذروة توترها.

وبعد زيارة أجراها الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ إلى تركيا، بدا أن الجانبين انتقلا من دبلوماسية الهاتف إلى اللقاءات المباشرة، وكانت تلك أول زيارة رئاسية إسرائيلية لتركيا منذ عام 2007.

في غضون ذلك، يستعد وزير الخارجية التركي تشاووش أوغلو لزيارة تل أبيب، غدا الأربعاء، لـ"مناقشة القضية الفلسطينية مع المسؤولين، فضلا عن العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية"، وفق ما أعلنت وكالة الأناضول التركية الرسمية.

تصدير روتيني لأجندة الاجتماعات التركية مع إسرائيل بات يشبه التقليد حين يتعلق الأمر بمحاولة رفع الحرج عن مثل هذه اللقاءات التي غالبا ما توقع أنقرة في تضارب بين شعاراتها وبين ما يحدث على الأرض وخلف الأبواب المغلقة، بحسب طيف واسع من المراقبين.

مزايدات؟

وخلال مؤتمر صحفي جمعه، الثلاثاء، بنظيره الفلسطيني رياض المالكي بمدينة رام الله وسط الضفة الغربية، اعتبر تشاووش أوغلو أن دعم بلاده للقضية الفلسطينية منفصل تماما عن علاقاتها بإسرائيل.

تأكيد ينبع من قناعة المسؤولين الأتراك الدائمة بالنشاز الحاصل في تعاملهم مع فلسطين؛ القضية التي ترفعها أنقرة شعارا لاستدرار تعاطف الداخل والعالم الإسلامي والعربي من خلال الاستثمار في قضيته الأولى.

 حرج تؤكده تصريحات تشاووش أوغلو التي تركز بشكل مبالغ فيه على "الوقوف إلى جانب أشقائنا الفلسطينيين في كفاحهم من أجل دولة مستقلة ذات سيادة"، في تكرار ربما يعكس محاولات أنقرة لدحض الانتقادات اللاذعة التي تطالها في هذا الملف.

ويتابع الوزير التركي قائلا إن "الجميع يعلم الأهمية التي توليها أنقرة للقضية الفلسطينية"، وكأنه يحاول نفي ودحض اتهامات لا تغيب عنه.

وليمهد لزيارته إلى إسرائيل، شدد تشاووش أوغلو على أن سياسة تركيا تجاه فلسطين لا يمكن تغييرها، مشيرا إلى أن "المباحثات التركية الإسرائيلية تساهم بشكل كبير في تخفيف التوتر، وجعل القضية وصوت الفلسطينيين مسموع بشكل أكبر".

الحلم التركي

رغم محاولات التمويه والتعتيم والتكتم، تبرز إلى السطح حيثيات علاقات تركية إسرائيلية قوية لم تتأثر بمختلف الأحداث، بما في ذلك التوتر بين الجانبين على خلفية مجزرة سفينة "مافي مرمرة" في 2010.

ففي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، اتصل هرتسوغ بعد إطلاق سراح زوجين إسرائيليين كانا محتجزين أثناء إجازتهما في إسطنبول، بنظيره التركي، رجب طيب أردوغان، وشكره على دوره في حل الأزمة.

ولم يمر على ذلك سوى فترة وجيزة قبل أن يحذو على منواله رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، لتكون تلك أول محادثة رسمية بين رئيسي الحكومتين التركية والإسرائيلية منذ عام 2013.

بعدها بأشهر قليلة، وتحديدا في 20 يناير/ كانون الثاني الماضي، لم يفوت تشاووش أوغلو فرصة مكالمة نظيره الإسرائيلي يائير لابيد ليتمنى له التوفيق بعد شفائه من فيروس كورونا.

ولاحقا، اتصل أردوغان بنظيره الإسرائيلي مقدمًا تعازيه في وفاة والدته، وبدا أن كل تلك الاتصالات والقنوات الدبلوماسية تمضي كما يريد الطرفان، في وقت كانت فيه أنقرة تحاول الإيحاء بوجود قيود هيكلية عميقة في العلاقات.

وفي مارس/ آذار الماضي، زار هرتسوغ أنقرة للقاء أردوغان، وكانت تلك أول زيارة رئاسية إسرائيلية لتركيا منذ 15 عاما، واختزلت الكثير عن عمق العلاقات والرغبة التركية بتطبيع كامل مع تل أبيب.

فالحلم التركي بالتطبيع مع تل أبيب لم يتوقف يوما، وبالنظر إلى ما بلغته العلاقات، يعتقد مراقبون أن أنقرة قدمت أو تحتاج لتنازلات جدية من أجل جعل التطبيع مستساغا للأتراك، خصوصا في وقت يستعد فيه لاستحقاق مصيري في 2023.

في المقابل، لا يبدو أن لدى تل أبيب سببا وجيها لإرساء شريان الحياة للرئيس التركي قبل الانتخابات الرئاسية، فهي تدرك أن مستوى العلاقات قوي ومتين فيما يظل الباقي مجرد تفاصيل للدعاية.

تاريخ من التعاون

لتركيا وإسرائيل تاريخ طويل من التعاون، فلقد كانت أنقرة أول دولة ذات أغلبية مسلمة تعترف بإسرائيل في مارس/ آذار 1949.

 ومع أن أنقرة حاولت الإيهام في البداية بأن مبادراتها الأولية مستوحاة من الرغبة في كسب التأييد في واشنطن وكسب الدعم لعضويتها في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، إلا أنها أدركت وتل أبيب بسرعة المنافع المتبادلة من تعزيز العلاقات.

استفاد الجانبان اقتصاديا بشكل متبادل، وشملت المنفعة أيضا القدرات الاستخباراتية والعسكرية الهامة للطرفين.

تعاون لم يصمد في بعض الأحيان أمام الضغوط الخارجية، وتحديدا رغبة تركيا في كسب التأييد العربي لموقفها من أزمتها مع قبرص، وزيادة الاعتماد على النفط العربي، والاهتمام بتوسيع صادراتها إلى الأسواق العربية، وتصاعد المعارضة الداخلية لإسرائيل.

ففي 1966، خفضت أنقرة العلاقات مع إسرائيل إلى أدنى مستوياتها، ومع ذلك، أثبت تاريخ التعاون بين البلدين أنه فعال في إعادة التأهيل السريع للعلاقات وتوسيعها، بدءًا من التأسيس الرسمي للسفارات في عام 1991.

تاريخ طويل من التعاون يجعل العلاقات بين الجانبين في أبهى حللها رغم رياح السياسة التي تهب أحيانا لتعكرها لكنها سرعان ما تستعيد توهجها خصوصا حين يتعلق الأمر باستحقاقات مصيرية تتعلق بحكم أردوغان.

عن "العين" الإخبارية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية