تسليم المريمي إلى الولايات المتحدة يفجر تناقضات التيار الإسلاموي في ليبيا

تسليم المريمي إلى الولايات المتحدة يفجر تناقضات التيار الإسلاموي في ليبيا

تسليم المريمي إلى الولايات المتحدة يفجر تناقضات التيار الإسلاموي في ليبيا


20/12/2022

بدت واقعة اختطاف المواطن الليبي أبو عجيلة مسعود المريمي، وتسليمه للولايات المتحدة الأمريكية من قبل حكومة الوحدة الوطنية، منتهية الولاية، على خلفية اتهامه في قضية لوكربي، حدثاً فارقاً في الواقع الليبي؛ إذ تفاعلت كافة الأجسام السياسية والحزبية والقضائية مع واقعة الاختطاف والتسليم، ووجّه معظمها موجات من الغضب والهجوم الشديد على رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، واعتبروه مسؤولاً بشكل مباشر عن التفريط في سيادة واستقلال ليبيا، وفاض الأمر بعد أن خرج الدبيبة في حديث متلفز؛ ليقول إنّ المواطن الليبي المريمي، الذي تم تسليمه إلى الولايات المتحدة الأمريكية لمحاكمته في تفجير "لوكربي"، إرهابي متهم بتصنيع المتفجرات التي أودت بحياة أكثر من (200) شخص بريء.

الدبيبة هاجم كلّ من انتقد قرار تسليم المريمي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ومن تحدث عن انتهاك السيادة الليبية.

إلى ذلك، تصاعد غضب الليبيين على كافة المستويات ضدّ رئيس الحكومة، واعتبروا أنّ ما جرى يمثل خرقاً لسيادة بلادهم، وتفريطاً في حق المواطن، ممّا دعا أسرة المريمي وبعض المحتجين للخروج يوم الجمعة الماضي في ميدان الشهداء بالعاصمة الليبية طرابلس، في تظاهرة احتجاجية، هاجم فيها المحتجون حكومة الوحدة الوطنية عبر هتافات مناهضة لرئيس الحكومة، ووزيرة الخارجية نجلاء المنقوش، بينما ظهر أنصار المفتي المعزول الصادق الغرياني يناصرون الحكومة ويتحرشون بعائلة المريمي والمتظاهرين.

كواليس الاختطاف والتسليم

وقد بدأت قضية المريمي في الظهور منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، حين تداولت وسائل إعلام آنذاك أنباء عن اختفائه في ظروف غامضة من مقر سكنه في طرابلس، وسط احتمالات بتسليمه من قبل سلطات حكومة الوحدة الوطنية، منتهية الولاية، للولايات المتحدة الأمريكية، واكتفت الحكومة وقتها ببيان صادر عن وزارة العدل، أكد أنّ ملف قضية لوكربي قد "أقفل بالكامل من الناحيتين السياسية والقانونية"، وأنّه لا يمكن إثارته من جديد، ولا يمكن العودة إليه.

الدبيبة هاجم كلّ من انتقد قرار تسليم المريمي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ومن تحدث عن انتهاك السيادة الليبية

من جهتها، كشفت عائلة المريمي أنّه اعتقل يوم 17 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وجرى احتجازه. وأوضح ابن شقيق المريمي أنّ عمه يناهز الـ (80) عاماً من العمر، وكان طريح الفراش ساعة اعتقاله، حيث يعاني من أمراض مزمنة، وأشار إلى أنّ أفراداً من عائلة المريمي زاروه في مقر احتجازه بمدينة مصراته، وأبلغوا بقرب إطلاقه، إلا أنّهم تفاجؤوا فيما بعد بخبر تسليمه إلى السلطات الأمريكية.

تباين في مواقف التيار الإسلاموي

من اللافت أنّ ثمّة تناقضات بدت واضحة، خاصّة عبر المكونات السياسية الليبية التابعة لجماعات الإسلام السياسي، إزاء واقعة اختطاف وتسليم المريمي إلى السلطات الأمريكية، فقد تباينت مواقف حزب العدالة والبناء، والحزب الديمقراطي، والمجلس الأعلى للدولة، ومجموعة دار الإفتاء ومنصتهم الإعلامية المتمثلة في قناة التناصح.

ويمكن القول إنّ تيار الاسلام السياسي في ليبيا ينقسم إلى (3) أحزاب، وكذا مؤسسة دار الإفتاء، فضلاً عن شخصيات مستقلة مؤثرة، أبرزها علي الصلابي.

حمّل المجلس الأعلى للدولة حكومة الوحدة الوطنية المسؤولية القانونية والأخلاقية والتاريخية، باستمرارها في هذا النهج، وتسليم المواطن الليبي المريمي إلى الولايات المتحدة الأمريكية

الأحزاب هي: حزب الوطن، وهو حزب صغير جداً، ليس له كتلة في مجلس الدولة، وحزب العدالة والبناء، وهو حزب منهك بسبب الانقسام الذي حصل فيه بعد مؤتمره العام الأخير، حيث تولى رئاسته عماد البناني الذي لم يستطع تحقيق انطلاقة جديدة لحزبه، رغم فوزه بأغلبية مريحة، إلّا أنّ كوادر مهمة انشقت عنه لتؤسس مع محمد صوان الحزب الديمقراطي، الذي يذهب بعض المتابعين إلى أنّه يتحرك عبر رؤى ابتعد فيها كثيراً عن الخط المتشدد لتيار الإسلام السياسي.

أمّا دار الإفتاء، فيقودها الصادق الغرياني بطريقة فردانية كأنّه شيخ وله عدد من المريدين، بيد أنّ واقع الحال يبدو معه أنّه منخرط بقوة في العمل السياسي، وعقد تحالفاً مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية، منتهية الولاية، عبد الحميد الدبيبة، ومن خلال قناة التناصح التي يديرها ابنه سهيل يتحدث المفتي كلّ أربعاء بحديث مليء بالرسائل السياسية، التي تدعم أغلب ما يتخذه الدبيبة من قرارات حكومية، ومنها قرار تسليم الضابط السابق في جهاز المخابرات الليبية المريمي إلى الولايات المتحدة، التي تتهمه بالضلوع في تفجير طائرة البان أمريكان فوق قرية لوكربي في إسكتلندا.

دار الإفتاء يقودها الصادق الغرياني بطريقة فردانية كأنّه شيخ وله عدد من المريدين

من جانبه، حمّل المجلس الأعلى للدولة حكومة الوحدة الوطنية "المسؤولية القانونية والأخلاقية والتاريخية، باستمرارها في هذا النهج، وتسليم المواطن الليبي المريمي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بشكل مجحف ومخجل"، وفق منشور عبر صفحتها الرسمية، بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك".

التباين واضح في المواقف التي تفاعلت مع واقعة المريمي؛ بما يشي بوجود انقسام كبير داخل التيار الإسلامي، حسب تحالفاته الداخلية مع الأجسام السياسية الفاعلة، لا سيّما الحكومة في طرابلس، والعلاقة مع الدبيبة، وذلك ما يبدو واضحاً عبر الخط المتشدد الذي تقوده دار الإفتاء، والخط المنفتح الذي يعبّر عنه الحزب الديمقراطي، ورئيسه محمد صوان، ويتراوح بينهما حزب العدالة والبناء، وحزب الوطن، ورئيس مجلس الدولة.

استنكار حزبي

من خلال ذلك، تبدو قراءة ما جاء في بيان الحزب الديمقراطي بتاريخ 12 كانون الأول (ديسمبر) الجاري أكثر يسراً، خاصّة أنّه جاء تحت عنوان دال هو:" اختطاف مواطن ليبي وتسليمه إلى دولة أجنبية".

ونحو ذلك، أشار البيان إلى أنّ الحزب "يستنكر عملية اختطاف المواطن أبو عجيلة مسعود المريمي، وتسليمه إلى دولة أجنبية". وفي مقطع آخر من البيان، يذهب الحزب إلى أنّه يدين عملية الاختطاف، ويحمّل حكومة طرابلس المسؤولية القانونية والأخلاقية عن ذلك.

الصادق الغرياني: الولايات المتحدة تجعل من نفسها شرطياً على الدول الضعيفة، وتسخّر عملاءها، وتأخذ من تريد أن تأخذه

ويختم البيان برفض أيّ محاولة لتحقيق مكاسب سياسية ضيقة، أو السعي للاستمرار في السلطة؛ عبر التفريط في السيادة الوطنية، وتوريط الدولة بفتح ملفات تم إقفالها سابقاً بشكل نهائي، ودعا البيان المؤسسات التشريعية والقضائية والأحزاب والمجتمع المدني إلى اتخاذ موقف واضح من هذه التجاوزات.

بينما جاء حزب العدالة والبناء تحت عنوان: "احتجاز المواطن الليبي أبو عجيلة مسعود المريمي"، وأشار البيان إلى أنّ الحزب في سياق متابعته لواقعة الاحتجاز، يؤكد على (3) نقاط أساسية؛ الأولى يدين فيها واقعة الاحتجاز، ويرى في ذلك انتهاكاً للقوانين الليبية، ونبّه في النقطة الثانية إلى أنّ ثمّة اتفاقية بين ليبيا والولايات المتحدة الأمريكية أغلقت الباب أمام أيّ دعاوى أو مطالبات بين الطرفين.

ويختتم البيان بنقطة أخيرة قال فيها: إنّ "الحزب يطالب المجلس الرئاسي، وحكومة الوحدة الوطنية، والنائب العام، بالكشف عن ملابسات الواقعة، والإفصاح عنها للرأي العام، واتخاذ الإجراءات اللازمة لحفظ السيادة الليبية، وتحصين الأمن القومي الليبي".

تناقض الغرياني

في الوقت الذي وصف فيه المفتي المعزول، الصادق الغرياني، المريمي بـ "المجرم"، بسبب دوره في أحداث ثورة شباط (فبراير)، باعتباره "أحد أذرع القذافي"، وفق قوله، إلّا أنّه أبدى تحفظه على طريقة اعتقاله وتسليمه للولايات المتحدة الأمريكية.

وقال الغرياني في حديث عبر قناة "التناصح" الفضائية، تعليقاً على قضية المريمي: "بغضّ النظر عن الشخص، ما حدث يمثل تجاوزاً وتعدياً على قوانين الدولة"، لافتاً إلى أنّ الولايات المتحدة تجعل من نفسها شرطياً على الدول الضعيفة، وتسخّر عملاءها، وتأخذ من تريد أن تأخذه. وأشار إلى تعليق النائب العام في وقت سابق بشأن القضية نفسها، لكنّه قال: إنّ "القضاء غافل، ولا يدري بما يجري".

"حفريات" تواصلت مع عبد المنعم المريمي، ابن شقيق المريمي، الذي خصّها بتصريحات قال فيها: إنّ العائلة تدعو كافة أبناء الشعب الليبي للتظاهر والخروج على حكومة الوحدة الوطنية، منتهية الولاية، بعدما اعترف رئيسها بتسليم مواطن ليبي إلى دولة أجنبية؛ منتهكاً بذلك سيادة البلاد، وحتمية الحفاظ على حقوق المواطنين في حياة آمنة، ومسار قضائي عادل.

المتحدث باسم عائلة المريمي أضاف، في سياق تصريحاته لـ"حفريات"، أنّه يثمّن ما جاء على لسان رئيس الحكومة المكلف فتحي باشاغا، خلال كلمته المسجلة التي أذيعت مساء الأحد الماضي، حيث رفض بوضوح واقعة تسليم عمّه إلى دولة أجنبية، والعمل على فتح قضية تم إغلاقها بموجب اتفاقيات أبرمت مع الدولة الليبية.

عبد المنعم المريمي: نطالب بمواقف عملية من كافة الأجسام السياسية الفاعلة في البلاد، من أجل توفير بيئة قانونية آمنة

وأشار المريمي إلى أنّ العائلة تترقب خطوات النائب العام التي أعلن عنها للتحقيق في الواقعة، والكشف عن ملابسات القبض على عمّه من منزله بالعاصمة طرابلس، فجر الـ 17 من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، خاصّة أنّهم تقدّموا سابقاً بمذكرات قانونية تخص واقعة القبض والاحتجاز. واستطرد عبد المنعم المريمي قائلاً: "في الوقت الذي نثمّن فيه تعاطف كافة أبناء الشعب الليبي، وغضبهم الشديد من حكومة الدبيبة، منتهية الولاية، نطالب بمواقف عملية من كافة الأجسام السياسية الفاعلة في البلاد، من أجل توفير بيئة قانونية آمنة، إذ لم يتواصل معنا أيّ حزب من الأحزاب والمكونات السياسية الليبية".

واختتم عبد المنعم المريمي تصريحاته لـ"حفريات" بقوله: إنّ عمه الذي حصل على إفراج صحي من وزارة العدل، بموجب وضعه الطبي، وعمره الذي ناهز الـ (80)، يستحق أن تكون له هيئة دفاع، وأنّ العائلة تتحرك حثيثاً نحو ذلك، وترفض أن تتاجر الأحزاب السياسية بقضية المريمي.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية