تشريح الفصل العنصري في إسرائيل

تشريح الفصل العنصري في إسرائيل


كاتب ومترجم جزائري
13/08/2022

ترجمة: مدني قصري

في 13 تموز (يوليو) 2022، قدّم 38 نائباً يسارياً مشروع قرار يدين "مأسسة إسرائيل لنظام الفصل العنصري ضدّ الشعب الفلسطيني"، ما أثار جدلاً محتدماً. الثلاثاء 2 آب (أغسطس) 2022 انتقد حارس الأختام إريك دوبون موريتي في الجمعية الوطنية "معاداة السامية" من قبل "أقصى اليسار"، ما أدّى إلى خروج نواب الاتحاد الإيكولوجي والاجتماعي الشعبي الجديد.

فيما يلي نودّ أن نشير إلى بعض مقالاتنا التي تمّ نشرها بالفعل حول موضوع الفصل العنصري الإسرائيلي، بدءاً بمراجعة جان ستيرن للتقرير الأخير لمنظمة العفو الدولية، ومقتطفات من تقرير المنظمة الإسرائيلية للدفاع عن حقوق الإنسان بتسيلم "B’Tselem" المنشور عام 2021:

بدأت منظمة حقوق الإنسان، منظمة العفو الدولية، تهاجم نظام الهيمنة الوحشي على السكان الفلسطينيين، سواء في إسرائيل أو في الأراضي المحتلة أو في غزة أو اللاجئين. إنّ نقطة التحول الرئيسة هذه من قبل منظمة العفو الدولية التي تدعو إلى إحالة الموضوع إلى المحكمة الجنائية الدولية ضربة قوية للحكومة الإسرائيلية.

جاءت الهزة الأولى، عام 2020، عندما استخدمت منظمة الحقوقيين الإسرائيليين "يش دين/ Yesh Din" مصطلح "الفصل العنصري" لوصف نظام نصّب نفسه نظاماً ديمقراطياً،  ظلّ حتى الآن يمرّ مرور الكرام عبر التحليل السياسي الموضوعي، وهناك منظمة إسرائيلية غير حكومية أخرى، "بتسيلم  B’Tselem" حفرت ثلماً في كانون الثاني (يناير) 2021 بتقديرها أن الوقت قد حان لقول "لا للفصل العنصري من ضفتَي الأردن إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط". تابعت منظمة العفو الدولية "هيومن رايتس ووتش HRW" نشاط المنظمتين غير الحكوميتين، اعتباراً من نيسان (أبريل) 2021، من قبل. ومع ذلك فقد تحدثت المنظمة فقط عن الفصل العنصري القائم في الأراضي المحتلة وغزة.

ترى منظمة العفو الدولية أنّ الفصل العنصري الذي تمارسه إسرائيل ضدّ الفلسطينيين نظام هيمنة شرس وجريمة ضدّ الإنسانية

التقرير الذي نشرته منظمة العفو الدولية، الثلاثاء 1 شباط (فبراير) 2022، والذي كان موقع "Orient XXI" سباقاً إلى قراءته، يذهب إلى أبعد من ذلك بكثير ويستخدم مصطلح الفصل العنصري القائم على جميع الفلسطينيين، بغضّ النظر عن مكان إقامتهم ووضعهم.

للمرة الأولى ترى منظمة العفو الدولية (AI)، وهي واحدة من أهم منظمات حقوق الإنسان في العالم، وواحدة من أكثر منظمات حقوق الإنسان حرصاً أيضاً بشأن اختيار الكلمات لوصف المواقف، ترى أنّ "الفصل العنصري الذي تمارسه إسرائيل ضدّ السكان الفلسطينيين نظام هيمنة شرس وجريمة ضدّ الإنسانية "، في تقرير من المتوقع أن يُحدث ضجة، نُشر الثلاثاء 1 شباط (فبراير) 2022. وسيكون النصّ أيضاً علامة فارقة، لأنّه يتناول دون تمييز وضع الفلسطينيين، رجالًا ونساءً "الذين يعيشون في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، وكذلك اللاجئون النازحون في بلدان أخرى".

يستشهد تقرير منظمة العفو بعائلات الأحياء الفلسطينية في القدس الشرقية التي تعرّضت لمضايقات من قبل المستوطنين الذين استولوا على منازلها "بدعم كامل من الحكومة الإسرائيلية"

إنّ رفض تقسيم الفلسطينيين إلى أجزاء، واعتبار أنّ مصالحهم تتباعد في النهاية بحسب مكان إقامتهم، يمثّل ثورة هائلة في لغة المجتمع الدبلوماسي الإنساني الدولي، إنّه يعتمد على الحجج طويلة الأمد للعديد من الفلسطينيين (وكثيرين غيرهم) حول وحدة شعب مزقته إقامة دولة إسرائيل عام 1948.

إعادة ضبط العدادات من الصفر

تصف هذه الوثيقة الكثيفة الاضطهادَ الإسرائيلي وآليات الهيمنة على الفلسطينيين. عشرات المقابلات، ومئات الوثائق التي تم تحليلها بشكل رئيس خلال الفترة 2017 -2021، بعد أشهر من التحضير في سرّية تامة: تقرير منظمة العفو الدولية يؤدي إلى تغيير سياسي مهم، كما يقدم قدراً كبيراً من المعلومات حول الحقائق التي يعيشها الفلسطينيون، سواء كانوا في غزة أو الضفة الغربية أو القدس أو حيفا ...إلخ، وغالباً ما يعود التقرير إلى أصول دولة إسرائيل من أجل فهمٍ أفضل لجذور سياسةٍ تمّ بالفعل تسليط الضوء على استمراريتها من قبل العديد من المؤرخين من جميع الخلفيات في السنوات الأخيرة، هنا مرة أخرى تعيد منظمة العفو الدولية ضبط العدادات من الصفر.

"يحدث الآن عكس ما كانوا يتخيلونه تماماً"؛ هكذا أخبرت، في ربيع عام 2016، يولي نوفاك، المديرة التنفيذية لمنظمة "كسر الصمت" "Breaking The Silence"، وهي منظمة من قدامى المحاربين في الجيش الإسرائيلي تقوم بجمع الشهادات عن الانتهاكات التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في الأراضي المحتلة. علاوة على ذلك لقد غذت تقاريرُ "كسر جدار الصمت"، فضلاً عن تقارير منظمات غير حكومية إسرائيلية وفلسطينية أخرى، عمَلَ باحثي منظمة العفو الدولية، مما أدّى في النهاية إلى إحداث الصدى الذي يستحقونه.

جنود إسرائيليون يعتقلون متظاهراً فلسطينياً خلال مظاهرة على حاجز قلنديا (الضفة الغربية) في مارس 2011

ما يحدث ببساطة هو أنّ القوة الناعمة الإسرائيلية (والعديد من حلفائها من جميع الآفاق والقارات) قد فشلت في خنق الأصوات المعارضة في فلسطين أوّلاً، لكن أيضاً داخل إسرائيل، بين اليهود وبين العرب على السواء. على العكس من ذلك نطقت الكلمة ودوّت. مع هذا الالتزام الجديد الراسخ من منظمة العفو الدولية فإنّ استخدام كلمة الفصل العنصري فيما يتعلّق بإسرائيل سوف يتوقف عن التعرض للقصف الشديد، لا سيما في فرنسا، إنها قفزة عظيمة إلى الأمام تقدمها منظمة العفو الدولية على المسرح العالمي.

جريمة ضدّ الإنسانية

يحلل تقريرها المُحكم، المؤلف من 211 صفحة، عمليات الاعتقال الإداري، ومصادرة الأراضي والعقارات، والقتل غير القانوني، والنقل القسري، والقيود المفروضة على حركة السكان، والعقبات المفروضة على التعليم، ويستند هذا التقرير إلى العديد من الأمثلة الموثقة، في عدة أماكن من البلاد، في وادي الأردن وغزة، إنّه يجمع كثيراً من المعلومات، مما سمح للمنظمة بإجراء جرد دقيق للنظام الذي وضعته إسرائيل، إنّها مسألة تحديد أكبر عدد من "العوامل المكونة" لنظام الفصل العنصري وفق القانون الدولي.

سواء في قطاع غزة أو القدس الشرقية أو الخليل أو إسرائيل؛ فإنه يتم التعامل مع السكان الفلسطينيين على أنّهم مجموعة عرقية متدنية عنصرياً ويُحرَمون بشكل منهجي من حقوقهم

بالنسبة إلى منظمة العفو "تَكرَّس هذا النظامُ من خلال الانتهاكات التي تشكل جريمة الفصل العنصري ضدّ الإنسانية على النحو المحدّد في نظام روما الأساسي واتفاقية الفصل العنصري". في هذا الشأن أكدت أنييس كالامارد، الأمينة العامة الجديدة لمنظمة حقوق الإنسان منذ عام 2022 ما يلي:

"يكشف تقريرنا المدى الحقيقي لنظام الفصل العنصري الإسرائيلي؛ فسواء في قطاع غزة أو القدس الشرقية أو الخليل أو إسرائيل؛ فإنه يتم التعامل مع السكان الفلسطينيين على أنّهم مجموعة عرقية متدنية عنصرياً ويُحرَمون بشكل منهجي من حقوقهم".

"إنّ منظمة العفو الدولية تدعو المحكمة الجنائية الدولية إلى النظر في تجريم الفصل العنصري كجزء من تحقيقاتها الجارية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتدعو جميع الدول إلى ممارسة الولاية القضائية العالمية لمحاكمة المسؤولين عن جرائم الفصل العنصري".

نظام قائم منذ عام 1948

يفصل التقرير ما تعنيه منظمة العفو الدولية بـ "نظام الفصل العنصري"، وحول هذه النقطة بالذات يجدر عرضه بإسهاب:

وُلد نظام الفصل العنصري مع إنشاء دولة إسرائيل، في أيار (مايو) 1948، وقد تمّ بناؤه ورعايته على مدى عقود من قبل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في جميع الأراضي التي سيطرت عليها، بغضّ النظر عن الحزب السياسي الذي كان في السلطة في ذلك الوقت. أخضعت إسرائيل مجموعات مختلفة من الفلسطينيين لمجموعات مختلفة من القوانين والسياسات والممارسات التمييزية والإقصائية في فترات مختلفة، تماشياً مع المكاسب الإقليمية التي حققتها أوّلاً عام 1948 ثم في عام 1947، عندما ضمّت القدس الشرقية واحتلت بقية الضفة الغربية وقطاع غزة، وعلى مدى عقود بلورت الاعتباراتُ الديموغرافية والجيوسياسية الإسرائيلية مختلفَ السياسات تجاه الفلسطينيين في كلّ أرض من هذه الأراضي المحتلة.

منظمة العفو تدعو المحكمة الجنائية الدولية للنظر في تجريم الفصل العنصري كجزء من تحقيقاتها الجارية في الأراضي الفلسطينية المحتلة

على الرغم من أنّ نظام الفصل العنصري الإسرائيلي يتجلى بطرق مختلفة في مختلف المناطق الواقعة تحت سيطرتها الفعلية، إلا أنّه ما يزال يتبنى الهدف نفسه المتمثل في قمع الفلسطينيين والسيطرة عليهم لصالح الإسرائيليين اليهود، الذين يتمتعون بامتيازات القانون المدني الإسرائيلي، بغضّ النظر عن أماكن إقاماتهم؛ فهو مصمّم للحفاظ أساساً على أغلبية يهودية ساحقة تمتلك إمكانية الوصول والاستفادة من الحدّ الأقصى من الأراضي التي تم الحصول عليها أو السيطرة عليها، مع الحدّ من حقّ الفلسطينيين في الطعن في مصادرة أراضيهم وممتلكاتهم.

تمّ تطبيق هذا النظام في كلّ مكان تمارس فيه إسرائيل سيطرة فعلية على الأراضي والممتلكات، أو على حقوق الفلسطينيين؛ فهو يتجسّد في القانون والسياسة والممارسة، وينعكس في خطاب الدولة منذ نشأتها حتى يومنا هذا.

تمييز عنصري ومواطنة درجة ثانية

من الواضح أنّ التقرير يعود إلى التمييز العام لنظام ليست هندسته المتغيرة في النهاية سوى مجرد عامل تعديل.

أدّت حروب 1947-1949 و1967، والحكم العسكري الإسرائيلي الحالي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإنشاء أنظمة قانونية وإدارية منفصلة داخل الأراضي إلى عزل المجتمعات الفلسطينية وفصلها عن السكان اليهود الإسرائيليين، لقد جُزّئ الفلسطينيون جغرافياً وسياسياً، وهم يعانون من درجات متفاوتة من التمييز بحسب وضعهم ومكان إقامتهم.

يتمتع المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل حالياً بحقوق وحريات أكثر من نظرائهم في الأرض الفلسطينية المحتلة، كما تَبيّن أنّ حياة الفلسطينيين اليومية مختلفة تماماً، سواء كانوا يعيشون في قطاع غزة أو في الضفة الغربية، ومع ذلك تُظهر أبحاث منظمة العفو الدولية أنّ جميع السكان الفلسطينيين يخضعون للنظام نفسه، تستجيب معاملة إسرائيل للفلسطينيين في جميع المناطق للهدف نفسه: تفضيل اليهود الإسرائيليين في توزيع الأراضي والموارد، وتقليل تواجد السكان الفلسطينيين وحصولهم على الأراضي.

نظام واحد وثابت، يعتمد بالنسبة إلى منظمة العفو على التمييز العنصري وحالة المواطنة من الدرجة الثانية، من الواضح أنّ هذا التصنيف المجحف الظالم مصحوب بنزع الملكيات، ويعود التقرير إلى "التنفيذ واسع النطاق للمصادرة القاسية للأراضي ضدّ السكان الفلسطينيين"، وهدم مئات المنازل والمباني الفلسطينية "منذ عام 1948"، كما يستشهد التقرير بعائلات الأحياء الفلسطينية في القدس الشرقية التي تعرّضت لمضايقات من قبل المستوطنين الذين استولوا على منازلها "بدعم كامل من الحكومة الإسرائيلية".

تدعو منظمة العفو الدولية جميع الدول التي لديها علاقات جيدة مع إسرائيل "بما في ذلك بعض الدول العربية والأفريقية" إلى التوقف عن دعم نظام الفصل العنصري، للخروج من هذا "النظام"، الذي وثّقته منظمة العفو الدولية الآن، استنتجت أغنيس كالامارد "يجب ألا يقتصر ردّ الفعل الدولي على الفصل العنصري بعد الآن على إدانات عامة ومراوغات، يجب علينا التصدي لجذور النظام، وإلا سيظلّ السكان الفلسطينيون والإسرائيليون محاصرين في دائرة العنف التي لا نهاية لها والتي قضت على العديد من الأرواح".

"تقمصي لهذه القصة انتهى"

وصلت يولي نوفاك بقصة أخرى وبوسائل أخرى إلى الاستنتاج نفسه الذي توصلت إليه أغنيس كالامارد. الآن وعمرها 40 عاماً تركت دورها في "Breaking The Silence"، عام 2017، من أجل رحلة متعددة الوجهات من آيسلندا إلى جنوب أفريقيا. هناك التقت بأناس قاتلوا ضدّ الفصل العنصري، وحاولوا استيعاب "مخاوف" بعضهم من البعض الآخر، لكنّها على الخصوص فهمت الفصل العنصري في بلدها. "كان هيكلها السياسي مهيئاً ومخصّصاً منذ البداية للحفاظ على الأغلبية اليهودية، وبهذا المعنى كان غير ديمقراطي، لقد توقف تماثلي مع هذه القصة " تابعت يولي نوفاك في سرد طويل نشرته صحيفة "هآرتس" اليومية الليبرالية، في 28 كانون الثاني (يناير) 2022.

في كتاب نشرته للتوّ، تصف يولي نوفاك سنوات عديدة من الجحيم والمضايقات اليومية، ومن صدمة اكتشاف أنّ موظفاً في "Breaking The Silence" كان عميلاً لجهاز المخابرات الداخلية شين بيت. اعتقدت في البداية أنّ هذا "الرجل الغريب بعض الشيء، المنعزل قليلاً، والمؤثر" يعرف كلّ شيء عنها، وعن "ثرثراتها" الصغيرة، قبل أن تدرك أنّ الديمقراطية تنهار أمام عينيها. عندئذ أدركت أنّ عقدها مع بلدها "مشروط ما دمتُ مطيعة فإن رأى النظام مني شيئاً لا يرضيه فسينقلب ضدي. قيل لي: "إذا كنتِ ضدّ الاحتلال وتعتقدين أنه يجب علينا التظاهر بشأن الوضع في غزة فأنتِ إذاً لستِ جزءاً منا".

لاحظت أنّ الحديث عن الفصل العنصري في إسرائيل ليس سوى واقع قائم، وإذا كان تحمّله مؤلماً نفسياً وسياسياً بالنسبة إلى العديد من الإسرائيليين فهو أكثر إيلاماً لملايين الفلسطينيين ومنذ فترة طويلة، بالنسبة لهؤلاء وأولئك؛ فإن عاد الدعمُ الدولي ودون هراء فسيكون مُرحّباً به حتماً.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

orientxxi.info/magazin



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية