تشومسكي: العقوبات وجهت ضربة قاسية للاقتصاد الإيراني

تشومسكي: العقوبات وجهت ضربة قاسية للاقتصاد الإيراني

تشومسكي: العقوبات وجهت ضربة قاسية للاقتصاد الإيراني


كاتب ومترجم جزائري
09/01/2023

ترجمة: مدني قصري

اندلعت الاحتجاجات في إيران منذ منتصف أيلول (سبتمبر) ردّاً على وفاة مهسا أميني، وهي إيرانية تبلغ من العمر 22 عاماً من أصل كردي، توفيت في مستشفى بطهران بعد أن ألقت شرطة الآداب الإيرانية القبض عليها قبل أيام، بتهمة اختراقها قانون الثوب المفروض على النساء الذي وضعه النظام الثيوقراطي الإسلامي. يصف المتظاهرون وفاتها على نطاق واسع بأنها جريمة قتل ارتكبتها الشرطة (يُشتبه في أنها أسلمت الروح نتيجة للضرب الذي تعرّضت له)، لكنّ هيئة الطب الشرعي الإيرانية نفت هذه الرواية في تقرير طبي رسمي.

منذ شهر أيلول (سبتمبر) انتشرت الاحتجاجات - بقيادة نساء من جميع الأعمار لا يتحدين قواعد اللباس الإلزامية فحسب بل أيضاً العنف القائم على التحيز الجنسي (بين الرجل والمرأة) وعنف الدولة بجميع أشكاله - إلى ما لا يقل عن 50 مدينة وبلدة. كما انضم مؤخراً مرّة أخرى لاعبون وفرق رياضية بارزون إلى حركة الاحتجاج المتنامية التي تؤثر على جميع قطاعات المجتمع الإيراني.

في إيران ليس النضال من أجل حقوق المرأة بالأمر الجديد. لقد كنّ في طليعة ثورة 1979 التي أسقطت نظام بهلوي، على الرغم من تمتعهنّ بحريات أكثر بكثير في عهد الشاه مما كنّ عليه بعد وصول آية الله إلى السلطة. في إطار رغبة هذا الأخير في تأسيس ثيوقراطية إسلامية صدر مرسوم فور إنشاء النظام الجديد، يقضي بأن ترتدي المرأة الحجاب في المناصب الإدارية. لذا نظمت النساء الإيرانيات احتجاجات حاشدة عندما علمن أنّ الحكومة الجديدة ستفرض عليهنّ ارتداء الحجاب. لكنّ النظام الثيوقراطي الذي حل محل الشاه كان مصمّماً على سحق أي حكم ذاتي بإرادة المرأة. "في عام 1983 قرر البرلمان أنّ النساء اللواتي لا يغطين شعرهنّ في الأماكن العامة سيعاقبن بالجلد 74 جلدة،" حسب صحيفة دويتشه فيله. "منذ عام 1995 أصبحت النساء غير المحجبات عرضة للحكم بالسجن في حقهنّ لمدة تصل إلى 60 يوماً".

مشجعون إيرانيون يرفعون لافتة كتب عليها "حرية حياة المرأة" خلال مباراة المجموعة الثانية في كأس العالم لكرة القدم قطر 2022 بين إنجلترا وإيران في استاد خليفة الدولي في 21 نوفمبر 2022 ، في الدوحة ، قطر.

لكنّ احتجاجات اليوم تعبّر عن معارضة ليس فقط ضد قوانين محدّدة، ولكن ضد النظام الديني الإيراني بأكمله: كما ذكرت فريدا أفاري لموقع  Truthout لقد هتف المتظاهرون بأنهم يريدون "لا مَلَكيّة ولا رجال دين. وكما كتبت سيما شخساري  فإنّ الاحتجاجات تدور أيضاً حول السياسات الاقتصادية المحلية التي تفاقمت عواقبها بسبب العقوبات الأمريكية.

لقد امتدت احتجاجات النساء إلى جزء كبير من البلاد ويدعمها الآن عمال من جميع القطاعات، مهنيون مثل الأطباء والمحامين والفنانين والتجار. ورداً على ذلك يصعّد النظام حملته العنيفة ضد المتظاهرين، وقد تم اعتقال العديد من الفنانين والمخرجين والصحفيين أو منعهم من العمل بسبب دعمهم الاحتجاجات المناهضة للحكومة.

تشومسكي: رد فعل المرشد الأعلى علي خامنئي سيكون حاسماً. أولئك الذين يعرفون خلفيته يعتقدون أنّ رد فعله سيتأثر بتجربته الخاصة في المقاومة التي أطاحت بالشاه

هل هذه المظاهرات تمهيد لثورة في طور التكوين؟ يلقي نعوم تشومسكي الضوء على هذا السؤال وغيره الكثير في المقابلة الحصرية أدناه. نعوم تشومسكي أستاذ فخري في قسم اللسانيات والفلسفة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، أستاذ فخري في اللغويات (يُمنح لقب الأستاذ الفائز إلى أكثر العلماء تميزاً تقديراً لإنجازاتهم ومساهمتهم البارزة في مجال دراستهم، وهو أستاذ كرسي أنييس نيلمز هوري Agnese Nelms Haury  لبرنامج العدالة البيئية والاجتماعية بجامعة أريزونا.

هنا تفاصيل الحوار:

بدأت النساء الإيرانيات في الاحتجاج على سياسات الحكومة الإسلامية، لا سيما منها تلك المتعلقة بقواعد اللباس، لكن يبدو أنّ الاحتجاجات الآن تتعلق بالفشل الشامل لإصلاحات النظام. يبدو أنّ الظروف الاقتصادية التي تتفاقم في دوامة سلبية تساعد أيضاً على خروج الناس إلى الشوارع للمطالبة بالتغيير. في الواقع شارك المعلمون وأصحاب المتاجر والعمال في جميع الصناعات في اعتصامات وإضرابات، على التوالي وسط احتجاجات مستمرة. علاوة على ذلك يبدو أنّ هناك بعض التماسك والتعاطف ما بين الجماعات العرقية الفرعية المختلفة التي تشاطر المواطنين الغضب ضد النظام، ربما لأوّل مرّة منذ ظهور الجمهورية الإسلامية. هل هذا الوصف لِما يحدث في إيران في سياق الاحتجاجات الحالية تراه أنت دقيقاً بدرجة كافية؟ إذا كان الأمر كذلك فهل من المناسب أيضاً الحديث عن ثورة عارمة قادمة؟

تشومسكي: يبدو هذا صحيحاً بالنسبة لي، على الرغم من أنه لعلك ذهبتَ بعيداً في الحديث عن ثورة عارمة.

إنّ ما يحدث أمر استثنائي للغاية، من حيث حجمه وشدته، من حيث موقف الشجاعة والمقاومة في مواجهة القمع الوحشي. كما أنه استثنائي من حيث الدور البارز للقيادة النسائية، وخاصة الشابات.

يمكن أن يكون مصطلح "الدور القيادي" مضللاً. لا يبدو أنّ الانتفاضة لديها زعيم، وليس لديها أي أولويات محددة بوضوح أو أهداف أوسع بخلاف الإطاحة بنظام مكروه. في هذا الصدد لا بد من الحذر والتحفظ. لدينا القليل جداً من المعلومات حول الرأي العام الإيراني، خاصةً حول الوضع في المناطق الريفية، حيث قد يكون دعم نظام الملالي وممارساته الاستبدادية أقوى بكثير.

كانت حملة القمع من قبل النظام أكثر قسوة في المناطق الإيرانية التي تسكنها الأقليات العرقية الكردية والبلوشية. من المسلّم به عموماً أنّ رد فعل المرشد الأعلى علي خامنئي سيكون حاسماً. أولئك الذين يعرفون خلفيته يعتقدون أنّ رد فعله سيتأثر بتجربته الخاصة في المقاومة التي أطاحت بالشاه في عام 1979. وقد يتفق مع الصقور الأمريكيين والإسرائيليين الذين قد يجادلون بأنه لو كان الشاه أكثر قوّة وأظهر الحزم لكان بإمكانه إخماد الاحتجاجات بالعنف. أوضح سفير إسرائيل الفعلي في إيران، أوري لوبراني، هذا الموقف في ذلك الوقت: "إنني أؤمن بصدق أنه يمكن الاستيلاء على طهران من قبل قوة وحشية صغيرة وحازمة وعديمة الرحمة نسبياً. إنّ ما أعنيه هو أنّ الرجال الذين يقودون هذه القوة يجب أن يكونوا مهيئين انفعالياً للاضطرار إلى قتل عشرة آلاف شخص".

في إيران ليس النضال من أجل حقوق المرأة بالأمر الجديد

وهناك وجهات نظر مماثلة تم التعبير عنها من قبل مدير وكالة المخابرات المركزية السابق ريتشارد هيلمز، والمسؤول الكبير في البنتاغون روبرت كومر، وغيرهما من المتشددين. من المفترض أنه إذا استمرت الاحتجاجات سيتخذ خامنئي موقفاً مماثلاً وسيطالب بقمع أكثر عنفاً.

أما بالنسبة للعواقب فلا يسعنا إلا أن نتكهن دون قدر كبير من اليقين.

في الغرب  يتم على نطاق واسع تفسير الاحتجاجات على أنها جزء من النضال المستمر لبناء إيران علمانية وديمقراطية، لكن وجهات النظر هذه تتغاظى عن حقيقة أنّ القوى الثورية الحالية في إيران لا تعارض فقط الحكومة الرجعية في طهران ولكن أيضًا الرأسمالية النيوليبرالية وهيمنة الولايات المتحدة. من ناحية أخرى فإن الحكومة الإيرانية التي تستخدم تكتيكات قاسية لتفريق الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد تلقي باللوم على "الأيدي الأجنبية". إلى أي مدى يجب أن نرى بعض التآزر بين القوى الأجنبية والقوى الداخلية في إيران؟ على أي حال لقد لعب مثل هذا التفاعل (التآزر الأجنبي) دوراً رئيسياً في تشكيل وتفكيك الاحتجاجات التي اندلعت في جميع أنحاء العالم العربي في عامي 2010 و2011.

تشومسكي: ليس هناك شك في أنّ الولايات المتحدة ستدعم الجهود الرامية إلى تقويض هذا النظام الذي أصبح عدوّاً من الدرجة الأولى منذ عام 1979، عندما أطيح بالطاغية المدعوم من الولايات المتحدة والذي أعادت الولايات المتحدة تنصيبه من طرفها من خلال انقلاب عسكري في عام 1953 وأطيح به بانتفاضة شعبية. على الفور دعمت الولايات المتحدة وبقوة صديقها آنذاك، صدام حسين، في هجومه القاتل على إيران، وتدخلت في نهاية المطاف بشكل مباشر لتحقيق استسلام شبه كامل من قبل إيران، وهي محنة ليس الإيرانيون مستعدين لنسيانها، ولا سيما السلطات الحاكمة.

في نهاية الحرب فرضت الولايات المتحدة عقوبات شديدة على إيران. دعا الرئيس بوش الأول - الذي كان رجل دولة - المهندسين النوويين العراقيين إلى الولايات المتحدة لتلقي تدريب متطور في مجال تطوير الأسلحة النووية، وأرسل وفداً رفيع المستوى ليؤكد لصدام دعم العراق الثابت له. وكانت تلك الخطوة تهديدات خطيرة للغاية لإيران.

تشومسكي: تنظر الشركات الأوروبية إلى إيران على أنها فرصة للاستثمار والتجارة واستخراج الموارد، وكلها فرص تعوقها الآن سياسة الولايات المتحدة الساعية إلى سحق إيران

تظل العقوبات على إيران سياسة ذات توجُّهَين، مع القليل من الجدل العام. من المرجح أن تتبع بريطانيا، جلاد إيران التقليدي قبل أن تحل محلها الولايات المتحدة في انقلاب عام 1953 الذي أطاح بالديمقراطية الإيرانية، مسار الولايات المتحدة، مثل بلا شك حلفاء آخرين. من المؤكد أنّ إسرائيل لن تفشل في بذل كل ما في وسعها للإطاحة بعدوها اللدود منذ عام 1979، فقد كانت إسرائيل في السابق حليفاً مخلصاً في زمن الشاه، حتى لو كانت تلك العلاقات المميّزة سرية في تلك الفترة.

فرضت كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات جديدة على إيران بسبب قمع الاحتجاجات. لكن ألم تكن لهذه العقوبات نتائج عكسية؟ في الواقع ألا تميل الأنظمة الخاضعة للعقوبات إلى أن تصبح أكثر استبداداً وقمعاً، حيث يتأثر الناس العاديون أكثر بكثير من الأشخاص القائمين في السلطة؟

تشومسكي: يجب أن نسأل أنفسنا دائماً: نتائج عكسية على مَن؟ بشكل عام يكون للعقوبات التأثير الذي ستؤدي إلى "نتائج عكسية" إذا كان للأهداف المعلن عنها- النبيلة والإنسانية - علاقة بالأهداف الحقيقية. والحال أنّ هذا نادراً ما يحدث.

لقد وجّهت العقوبات ضربة قاسية للاقتصاد الإيراني، مما تسبب في معاناة هائلة. لكن كان هذا هدف الولايات المتحدة منذ أكثر من 40 عاماً. بالنسبة لأوروبا المسألة مختلفة تماماً. تنظر الشركات الأوروبية إلى إيران على أنها فرصة للاستثمار والتجارة واستخراج الموارد، وكلها فرص تعوقها الآن سياسة الولايات المتحدة الساعية إلى سحق إيران.

وما هو الأثر المحتمل للاحتجاجات الإيرانية على الشرق الأوسط؟

تشومسكي: الأمر يعتمد كثيراً على ما سينتج عنها، لأنّ كل شيء غير مؤكد. لا أرى سبباً وجيهاً لتوقّع تأثير كبير، مهما كانت النتيجة. إيران الشيعية معزولة تماماً في منطقة يغلب عليها السنّة. إنّ (القوى) السنيّة في الشرق الأوسط في طريقها إلى المصالحة مع إيران، الأمر الذي يثير استياء واشنطن، لكن من غير المرجح أن تهتم هذه الدول بالقمع الوحشي في إيران.

إنّ ثورة شعبية ناجحة ستؤثر عليهم بلا شك، ويمكن أن "تنشر العدوى"، كما يقول خطاب كيسنجر. لكن هذا الاحتمال لا يزال بعيداً جداً، وبالتالي لا يسمح اليوم بصياغة تكهنات دقيقة.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

https://www.les-crises.fr/chomsky-les-sanctions-americaines-contre-l-iran-aggravent-les-souffrances-des-iraniens/




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية